أهالي الفلوجة يحتضرون أمام أعين الحكومة العراقية وتخاذل المنظمات الدولية

الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الأسبق لـ «الشرق الأوسط»: ما يحدث في المدينة إبادة جماعية بقصف المدنيين بالبراميل المتفجرة

طفلتان في الفلوجة تجمعان الحطب لإشعال موقد في ظل غياب أي تحرك دولي للكارثة الإنسانية  («الشرق الأوسط»)
طفلتان في الفلوجة تجمعان الحطب لإشعال موقد في ظل غياب أي تحرك دولي للكارثة الإنسانية («الشرق الأوسط»)
TT

أهالي الفلوجة يحتضرون أمام أعين الحكومة العراقية وتخاذل المنظمات الدولية

طفلتان في الفلوجة تجمعان الحطب لإشعال موقد في ظل غياب أي تحرك دولي للكارثة الإنسانية  («الشرق الأوسط»)
طفلتان في الفلوجة تجمعان الحطب لإشعال موقد في ظل غياب أي تحرك دولي للكارثة الإنسانية («الشرق الأوسط»)

سكان الفلوجة ما بين محتضر ومنتحر بعد أن ضاقت الدنيا عليهم من حصار دام سنتين ما بين المنظمات الإرهابية، مثل «داعش» والقوات العراقية، ليجد السكان أنفسهم ما بين فكي كماشة لا ترحم ولا تذر.
كان أهالي مدينة الفلوجة يضرب بهم المثل لكرمهم وإيوائهم النازحين من المحافظات التي كانت تتعرض للقصف المدفعي خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية، كون سكانها من أبناء العشائر العربية فإنهم لم يردوا أي طالب للمساعدة يومًا، إلا أنهم منذ عامين لتضيق بهم الحياة ليجدوا أنفسهم محرومين من الغذاء والدواء ولم يجدوا أمامهم سوى الأعشاب البرية، والأدهى من ذلك وضع البعض منهم حدًا للحياة بالانتحار.
ويصف الحاكم الإداري لقضاء الفلوجة المحاصرة ما يحدث لأهالي المدينة بـ«الكارثة» ووصمة عار في جبين الحكومة العراقية، في حين قال السياسي طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية الأسبق إن «جميع المؤشرات التي جمعت بناء على تقارير وبيانات رصينة صدرت عن جهات موثوقة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن العوائل المحاصرة في الفلوجة تتعرض لإبادة جماعية».
وقال سعدون عبيد الشعلان، قائمقام قضاء الفلوجة لـ«الشرق الأوسط» إن «الفلوجة محاصرة بسورين، خارجي يتمثل بقوات الجيش العراقي، وسور داخلي مفروض من قبل مقاتلي تنظيم داعش»، مشيرًا إلى أن «الدواعش لا يسمحون بخروج أي مواطن من أهالي المدينة لاستخدامهم دروعًا بشرية، كما لا يسمحون بدخول الغذاء والدواء عقوبة للأهالي الذين لم ينظموا للتنظيم الإرهابي».
وبين الشعلان أن «القوات الأمنية المتمثلة بالفرقة الذهبية التابعة للجيش العراقي والشرطة الاتحادية فتحوا منافذ لتمكن الناس من الهروب، ومن يخرج يرفع راية بيضاء، ثم يتم التأكد من هويته للتحقق من أنه ليس من تنظيم داعش، لكن (داعش) يراقب هذه المنافذ بدقة وتحاصرها».
وأشار الحاكم المدني لمدينة الفلوجة إلى أن «عدد المحاصرين من أهالي المدينة يزيد عن 100 ألف شخص غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ من أصل 620 ألفًا هم عدد سكان قضاء الفلوجة وضواحيها، وأن الحصار مركز من قبل تنظيم داعش على مركز المدينة»، مؤكدا أن الآلاف من المحاصرين يعانون من الجوع والأمراض ويقتاتون على التمور اليابسة غير الصالحة للطعام وعلى الأعشاب البرية، وخصوصًا (الخباز) الذي انتهى موسمه، ويتعرض للجفاف، بينما يسيطر مقاتلو (داعش) وعوائلهم على مخازن الأغذية والدواء».
وذكر الشعلان بعض القصص المآساوية لما يعانيه الأهالي ليس بسبب الجوع فحسب بل بسبب القصف الجوي للمدينة، وقال إن «العشرات من الأطفال قضوا بسبب القصف الجوي والمدفعي العشوائي من قبل القوات العراقية»، مضيفًا بقوله: «بسبب الجوع قام رب أسرة تتكون من 8 أشخاص بوضع السم لهم في الماء، لعدم وجود الغذاء لكن الأطباء في مستشفى الفلوجة العام قاموا بإسعافهم وإنقاذهم، بينما لم يستطيعوا إنقاذ الأم التي ألقت بنفسها مع ثلاثة من أطفالها في النهر بسبب الجوع، بل أنقذوا أحد الأطفال فقط لتموت الأم مع اثنين من أطفالها».
وأضاف قائمقام قضاء الفلوجة: «لقد طلبنا من الحكومة العراقية إنقاذ الأهالي في الفلوجة عن طريق قوات التحالف الدولي لإلقاء الأغذية والأدوية في المدينة عن طريق الجو، لكن الحكومة رفضت بحجة أن تنظيم داعش سيسيطر على تلك الأغذية والأدوية»، منتظرين أن ثور أهالي مدينة الفلوجة على «داعش» للحصول على ما ترميه الطائرات من مؤن.
وأكد الشعلان عدم تمكن أي جهة من إيصال المساعدات الغذائية برًا للمدنيين، مطالبًا بتدخل الأمم المتحدة بشكل فوري لإنقاذ الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء، الذين يموتون جوعًا بسبب النقص الحاد في حليب الأطفال والغذاء والأدوية.
وأوضح الشعلان أن مقاتلي «داعش» الذين يتمركزون في الفلوجة من الأجانب مع عوائلهم، وأن هناك بعض الإيزيديات اللاتي تم اختطافهن من قبل المتطرفين الأجانب، مشيرًا إلى أن «كل من يعترض على ممارسات تنظيم داعش يتعرض للإعدام عن طريق رميه من سطح بناية عالية، وهو ما حدث أخيرا بإعدام ستة أشخاص بهذه الطريقة».
قصص الموت جوعًا ومحاولات الهروب الصعبة تروى ممن تمكن من الأهالي من الهروب من هذا الحصار القاسي للغاية، إذ التقت «الشرق الأوسط» أحد أهالي الفلوجة الذين هربوا من هذا الجحيم، ويقال له محمد فاهم فرحان (42 عامًا)، تمكن من الفرار من الحصار أخيرًا، قال إن عملية الخروج من مدينة الفلوجة تبدو شبه مستحيلة بسبب محاصرة مقاتلي «داعش» للأهالي، مشيرًا إلى أنه «لم يعد هناك سوى منفذ واحد وهو عبور النهر بواسطة الزوارق، وهو يقع تحت سيطرة تنظيم داعش بينما بقية المنافذ تم تفخيخها بالمتفجرات ووضعت هناك نقاط سيطرة على أي منفذ محتمل».
وروى فرحان قصة هروبه مع عائلته من الفلوجة، قائلاً: «قمنا بدفع مبلغ 1500 دولار للحصول على وثيقة مزورة تؤكد أننا زوار للفلوجة، ولسنا من أهلها، وهذا المبلغ يدفع لأحد مقاتلي (داعش)، والوثيقة كفلت خروجنا بواسطة المنفذ النهري مع أن هناك مخاطر قد نتعرض لها كون من يسيطر على المنفذ يتحقق بواسطة الكومبيوتر من صحة الوثائق حيث سيطر التنظيم الإرهابي على وثائق دائرة تسجيل النفوس في القضاء لدى دخولهم للفلوجة».
وأضاف فرحان قائلا: «هناك 7 نقاط تفتيش تابعة لتنظيم داعش ويدققون بهويات المارة ويراقبون تحركاتهم حتى إن الفلوجة التي هي من المدن المزدحمة تحولت اليوم إلى مدينة أشباح، وشوارعها خالية»، مشيرًا إلى أن «من حاول التسلل من بعض المنافذ تم إلقاء القبض عليه، واختفى تمامًا فمن يغيب لأكثر من أسبوعين نتأكد أنه تعرض للإعدام»، واصفًا أوضاع الأهالي بالداخل بأنها «كارثية والجميع معرضون للإبادة الجماعية بسبب فقدان الطعام والأدوية»، وأضاف: «شاهدتُ امرأة في السبعين من عمرها تتوسل أحد الدواعش للسماح لها بالخروج مع ابنتها التي تحتضر من أجل إنقاذها، لكن مقاتل (داعش) ركلها بقدمه»، واصفًا إياها بـ«الكاذبة»، أما موضوع الجوع فهناك قصص قاسية عن موت الأطفال بأحضان أمهاتهم لعدم توفر الحليب والطعام، وكم قابلت شيخًا أو امرأة تتوسل للحصول على لقمة خبز تنقذهم من الموت.
وقال إن «أهالي الفلوجة يتحدثون اليوم بحزن عن قصص موت الأطفال، إما بسبب القصف الجوي أو الجوع، فهناك مجزرة زوبع جنوب الفلوجة، التي أودت بحياة أربعة أطفال من عائلة واحدة بسبب القصف الجوي، وهي عائلة عبد القادر حامد حسين علي العبيد الزوبعي، وهم: عبد القادر وعلي وسارة وتسليم حامد، بالإضافة إلى موت الطفلة رحمة صدام حسين علي الجميلي، وهي أحد ضحايا الحصار على مدينة الفلوجة، وبسبب نقص مادة الحليب والدواء، فهناك أطفال يموتون بالعشرات هم ضحايا إما للقصف الممنهج أو الحصار من الموت».
وعلى ما يبدو فإن الخارج من حصار الموت جوعًا من الفلوجة ليس بأفضل حالاً، بل سيكون مصيره اللجوء إلى الخيام وهياكل الأبنية المهجورة القريبة من المدينة، وهذا ما تعرضت له صبيحة فتحي جابر (67 سنة) مع أبنائها وزوجاتهم وأحفادها حيث يبلغ عدد أفراد العائلة 28 شخصًا يقيمون في هيكل بناء مهجور بمنطقة الحبانية السياحية.
صبيحة قالت: «تمكنت مع أولادي وزوجاتهم وأبنائهم وابنتي من التسلل من الفلوجة قبيل تشديد (داعش) للحصار، ولجأنا إلى غرفة في هيكل بناء فارغ لا تزيد مساحته عن ستة أمتار ليؤوينا من البرد وحرارة الصيف على أمل أن تهتم الحكومة بنا، لكن للأسف لم نلقَ أي مساعدة من الحكومة أو من شيوخ العشائر أو من السياسيين الذين تاجروا وما زالوا يتاجرون بنا وبقضيتنا».
وأضافت: «أعاني من أمراض كثيرة وأبنائي لا عمل لهم ونحن بحاجة للطعام والرعاية الصحية، وقد طرقنا أبواب الحكومة والمنظمات الإنسانية والأحزاب لكن لم يهتم بنا أحد، وكان مصيرنا هو ذاته لو بقينا في الفلوجة أسوة بالآخرين الذين يموتون جوعًا».
وحال نسرين حاتم (أم لثلاثة أطفال) لا يقل مأساوية عن خالتها صبيحة التي هربت «تحت القصف الجوي»، حسبما قالت لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «قصف القوات الجوية العراقية للمدينة بالبراميل المتفجرة أدى إلى مقتل عوائل بكاملها في الحي الذي كانت تقيم فيه بالفلوجة إضافة إلى النقص في الغذاء والدواء، لهذا قررت الهروب عن طريق عبور النهر مخاطرة بحياتها ومن معها».
وعبرت نسرين عن خيبة أملها بعد تحررهم من «داعش»، حيث وقعوا أسرى التهجير وعدم دعم الحكومة لهم، إذ لم تقدم لهم أي مساعدات مادية أو علاج أو طعام.
من جهته، وصف طارق الهاشمي ما يحدث بمدينة الفلوجة بأنه «إبادة جماعية بسبب الحصار المفروض عليها، وحرمانها قصدًا من الخروج من المدينة المحاصرة إلى ملاذات آمنة، بينما ما زالت تتعرض ومنذ أشهر إلى قصف متواصل طال كل شيء حتى الأماكن المحرم قصفها في زمن الحروب ونقصد المستشفيات والمساجد والمدارس ودور السكن وكل شيء يتعلق بحياة المدنيين».
وقال الهاشمي في رسالة بعث بها إلى «الشرق الأوسط» أمس «إن محنة السكان باتت مضاعفة بعد أن باتوا بين مطرقة القصف الحكومي والتحالف الدولي من جهة وسندان تنظيم داعش من جهة أخرى، الذي يرهب المدنيين ويمنعهم من الخروج ويستخدمهم دروعًا بشرية، ومهما قيل عن أغراض القصف البري والجوي بأنه يستهدف حصرا كل ما له علاقة بتنظيم داعش، فإن الحقائق على الأرض تؤكد خلاف ذلك، حيث لم يتوقف استهداف المدنيين حتى اللحظة».
وأضاف: «أما التطور المأساوي الجديد الذي فاقم الأوضاع، إضافة للقصف اليومي لهذه المدينة الصابرة، فقد حصل بفعل الحصار المضروب عليها منذ أشهر وحرمان العوائل المحاصرة من الغذاء والدواء حيث باتت بسبب ذلك على شفا الموت مرضًا، أو جوعًا، وعطشًا».
وأضاف الهاشمي قائلاً: «إن المدنيين المحاصرين في الفلوجة يتعرضون لجريمة القتل العمد، سواء بالقصف أو بالجوع أو بالمرض، وقد مات كثير من الأطفال والنساء بسبب ذلك، وهذا من شأنه أن يعقد مهمة التحالف الدولي في القضاء على تنظيم داعش، إذ إنه سيدفع المزيد من اليائسين والغاضبين للتطرف، بل وحتى الانضمام للتنظيمات الإرهابية، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك ذلك ويعيد النظر بحساباته ولا يتأخر بالضغط على الحكومة العراقية لإيقاف القصف العشوائي فورا، وإغاثة العوائل المحاصرة جوا، وتوفير ممرات آمنة لخروجها بأسرع وقت ممكن».



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».