قوات الأسد تشن أعنف هجوم على تدمر وتقر بصعوبة مواجهة «داعش»

التنظيم يستعيد نقاطًا سيطر عليها النظام السوري.. ويطرد جنوده إلى أطراف المدينة

قوات الأسد تشن أعنف هجوم على تدمر وتقر بصعوبة مواجهة «داعش»
TT

قوات الأسد تشن أعنف هجوم على تدمر وتقر بصعوبة مواجهة «داعش»

قوات الأسد تشن أعنف هجوم على تدمر وتقر بصعوبة مواجهة «داعش»

احتلت «معركة تدمر» صدارة المشهد السوري غداة تكثيف النظام هجومه على المدينة الأثرية، الواقعة في شرق محافظة حمص بوسط سوريا، من جهات عدّة بإسناد جوي من الطائرات الروسية، في محاولة منه لاستعادة السيطرة عليها من تنظيم «داعش» المتطرف. وقد شهدت العامرية، وهي الضاحية الشرقية للمدينة، مواجهات عنيفة بين مقاتلي التنظيم وقوات نظام الأسد مدعومة من مقاتلي «حزب الله» اللبناني والقوات الروسية، وقد اعترف ضابط في قوات النظام بصعوبة المواجهة مع التنظيم.
وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عن مصدر عسكري في النظام السوري، أن جيش النظام شدد أمس الطوق على من وصفهم بـ«الجهاديين» في تدمر «بدعم من القوات الروسية التي تشارك بقوة في المعركة، ما ساهم في استعادة جزء كبير من هذه المدينة». وأوضح أن «المعارك العنيفة تدور عند ضاحية العامرية التي تعدّ مدخل تنظيم داعش إلى مدينة تدمر». وتابع المصدر للوكالة الفرنسية: «يسعى الجيش (النظامي) السوري، بدعم من المجموعات الموالية للنظام من مقاتلي (حزب الله) اللبناني الشيعي ووحدات النخبة في الجيش الروسي، إلى محاصرة مدينة تدمر لاستعادتها من (الجهاديين)».
من ناحية ثانية، أقرّ المصدر العسكري بصعوبة المعركة التي يخوضها النظام وحلفاؤه في تدمر، قائلاً: «استراتيجية القتال لدى (داعش) تختلف عن غيرها من التنظيمات، فهم يتشبثون بالأرض ولا يتراجعون، مما يجعل المعركة أكثر صعوبة وطويلة، إضافة إلى أن لدى التنظيم انتحاريين ومعدات متطورة، فهم (الانتحاريون) يستخدمون متفجرات من نوع (سي4) الشديدة الانفجار في عمليات التفخيخ».
هذا، وتشن قوات النظام السوري هجومها الحالي منذ 7 مارس (آذار) الحالي، لاستعادة تدمر من تنظيم «داعش» الذي يسيطر على المدينة منذ مايو (أيار) 2015 وعلى آثارها ومعالمها القديمة التي تصنفها منظمة اليونيسكو ضمن لائحة التراث العالمي.
بدوره، أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «قوات النظام تتقدم في مدينة تدمر من عدة محاور تحت غطاء قصف جوي ومدفعي». ووصف الهجوم بأنه «الأعنف منذ بدأ جيش النظام ومقاتلو الجماعات المتحالفة معه حملة لاستعادة المدينة من أيدي تنظيم داعش قبل ثلاثة أسابيع».
وأفاد «المرصد» أن «تنظيم داعش تمكن من تنفيذ هجوم معاكس على قوات النظام والمسلحين الموالين لها، في النقاط التي تقدموا إليها داخل تدمر بريف حمص الشرقي، وتمكنوا من طرد قوات النظام إلى أطراف المدينة». وتابع أن «الهجوم المعاكس للتنظيم أسفر عن مقتل 10 عناصر على الأقل من قوات النظام، جراء الاشتباكات وتفجير عربات مفخخة من قبل عناصر التنظيم، بينما احتدمت الاشتباكات بين الطرفين في محيط ضاحية العامرية، في محاولة من قوات النظام للسيطرة عليها».
«المرصد» نفى المعلومات التي تحدثت عن سيطرة قوات النظام على ضاحية العامرية، وأوضح أن «الاشتباكات مستمرة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وعربية وآسيوية وقوات روسية من جهة، والتنظيم من جهة أخرى، في المحاور الجنوبية والغربية والشمالية والشرقية للمدينة، وسط استمرار قصف قوات النظام والطائرات الحربية والمروحية السورية والروسية لمناطق في المدينة وأطرافها». وشرح مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن في تصريح لوكالة «رويترز» أن «الجنود السوريين والفصائل المتحالفة معهم سيطروا على نحو ثلث المدينة من ناحيتي الغرب والشمال، بما في ذلك أجزاء من مناطق أثرية من العصر الروماني، بينما يتركز القتال بشكل أوسع على الجبهة الجنوبية». ولقد أظهرت لقطات فيديو موجة من الانفجارات وإصابة مبانٍ، كما أظهرت دخانا يتصاعد من مواقع كثيرة.
وبدورها، أعلنت وكالة «سانا»، الناطقة باسم النظام السوري، أن «وحدات من الجيش نفذت فجرًا (أمس) عمليات مكثفة باتجاه البساتين الجنوبية حققت خلالها تقدما كبيرا باتجاه المدينة». وأضافت أن «وحدات من الجيش بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبية (ميليشيات) تخوض اشتباكات عنيفة في محيط مطار تدمر عند الجهة الشرقية للمدينة، تكبد خلالها تنظيم داعش خسائر كبيرة بالأفراد والعتاد»، وادعت أن «تنظيم داعش بات محاطًا من ثلاث جهات؛ جنوب غرب، وغرب، وشمال غرب تدمر». كذلك نقلت الوكالة عن ضابط في قوات النظام أن «القوات الروسية تشارك بشكل واسع في معركة تدمر، من خلال مركز عمليات مشترك للجيشين الروسي والسوري»، مؤكدًا أن «مشاركة الروس واسعة سواء بالقتال المباشر برًا، أو من خلال الطيران، أو من خلال الاتصالات وأجهزة التشويش». وقال الضابط مفصلاً إن «مشاركة الطائرات الروسية كانت ضخمة في وقت مبكر، أي بنحو 150 غارة عندما كنا في صدد السيطرة على التلال حول المدينة، والآن توقفت الغارات إلى حد كبير، لأن المعركة حاليًا تدور في المدينة، فهي لا تحتاج لزخم جوي، بل لزخم مدفعي، والمدفعية الروسية والسورية تشاركان في القصف».
يذكر أن القوات النظامية وحلفاءها من الميليشيات، تواجه صعوبة كبيرة في الاقتراب من المواقع الأثرية، أو المغامرة باقتحامها لأسباب مختلفة؛ أهمها أن هذه المواقع باتت مهجورة، ولأن مقاتلي «داعش» زرعوها بالألغام، وكذلك لأنها ذات تضاريس صعبة وتقع خارج مرمى القناصة.
أما على صعيد العمليات العسكرية خارج تدمر، فقد نفذت طائرات حربية غارات على منطقة حويجة صكر بأطراف مدينة دير الزور، وبلدة الجفرة المحاذية لمطار دير الزور العسكري، في محافظة دير الزور بشرق سوريا، بينما تجددت الاشتباكات العنيفة بين ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية، وتنظيم «داعش» في محيط قرية المكمن بريف محافظة الحسكة الجنوبي، ترافقت مع سماع دوي انفجار عنيف بالمنطقة ناجم عن تفجير التنظيم عربة مفخخة.
إلى ذلك، تعرضت مناطق في جبلي الأكراد والتركمان بريف اللاذقية الشمالي، لقصف مكثف من قبل قوات النظام، ولم ترد معلومات عن وقوع ضحايا.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.