أحمد فارس الشدياق.. ناطقًا بالإنجليزية

4 أجزاء كبيرة في 100 ألف و800 صفحة

أحمد فارس الشدياق
أحمد فارس الشدياق
TT

أحمد فارس الشدياق.. ناطقًا بالإنجليزية

أحمد فارس الشدياق
أحمد فارس الشدياق

أربعة أجزاء كبيرة يبلغ مجموعها أكثر من مائة ألف وثمانمائة صفحة، هي الترجمة الإنجليزية التي قام بها همفري ديفيز، وصدرت قبل نهاية 2015 عن مطبعة جامعة نيويورك لكتاب «الساق على الساق فيما هو الفارياق» لمؤلفه الأديب والمعجمي اللبناني أحمد فارس الشدياق (و«الفارياق» كلمة مركبة من اسم أحمد فارس الشدياق). ويقول المترجم إنه وجد مهمة ترجمته هذه شاقة مثل تسلق جبل إفرست، ولا أحسبه في ذلك مبالغا.
Ahmed Faris al - Shidyaq، Leg over Leg، translated into English by Humphrey Davies، 4 volumes، New York University Press.
ولد الشدياق عام 1805 في إحدى قرى جبل لبنان لأسرة مارونية. لكنه تحول إلى البروتستانتية، ثم إلى مذهب الروم الكاثوليك كي يتسنى له الاقتران بفتاة كاثوليكية. وأخيرا تحول إلى الإسلام. وحين اضطهد البطريرك الماروني أخا الشدياق -ويدعى أسعد - خشي الشدياق أن يصيبه نفس المصير ففر إلى الإسكندرية وبدأ حياة غريبة من التجوال المستمر والكتابة والترجمة. كان يجيد العربية والتركية والفرنسية والإنجليزية. وترجم إلى اللغة العربية - إلى جانب أعمال أخرى - الكتاب المقدس ورواية دانيل ديفو «روبنسن كروسو». وفي القاهرة اشتغل بالترجمة من التركية إلى العربية، وكتب مدائح لوالي مصر محمد علي (كانت مصر ما تزال من الناحية الرسمية جزءا من الخلافة العثمانية).
عاش الشدياق فترات من حياته في جزيرة مالطة وتونس ولندن وكمبردج. وكان من رواد الصحافة في العالم العربي، حيث أصدر في إسطنبول أول صحيفة باللغة العربية تصدر في تركيا هي «الجوائب». وقرب نهاية حياته حرر واحدا من أعظم معاجم اللغة العربية هو «لسان العرب» لابن منظور. كان الشدياق شخصية قلقة متعددة الجوانب شائقة. كتب عنه الدكتور لويس عوض في تأريخه للفكر المصري منذ الحملة الفرنسية على مصر. وقال عنه الدكتور أحمد إبراهيم الهواري: «كان رجلا فياض الحيوية كثير التنقل لاذع السخرية كثير الصدام بالناس، ولكن قلقه الفردي لم يخالطه قلق سياسي أو اجتماعي ملحوظ يمكن أن تخرج منه بفلسفة سياسية أو اجتماعية متماسكة. ولذا فقد تركزت قدرته في مراجعة القيم الأخلاقية والدينية الشائعة في عصره، كما تركزت في هجائه لكل سلوك شخصي أو اجتماعي يراه شاذا» (الهواري في: قاموس الأدب العربي الحديث، إعداد وتحرير د.حمدي السكوت).
وكتاب «الساق على الساق»، كما تقول باتريشيا ستوريس في «ملحق التايمز الأدبي» (20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)، يكشف عن تنوع جوانب مؤلفه. فهو كشكول حافل بالمادة اللغوية والقصائد وأدب الرحلات وذكريات عن البلدان التي زاراها أو أقام فيها. إنه يستخدم السجع ويرسم صورا بارعة لمراسيم الزواج، ويقدم نقدا سياسيا واجتماعيا ودينيا، فضلا عن سخريته من المستشرقين الفرنسيين، وصورة مؤثرة لفقده أحد أبنائه. كذلك يتحدث عن البعثات التبشيرية والبروتستانتية التي كانت تمارس نشاطها في لبنان وغيره من البلدان العربية.
والكتاب من أوائل الأعمال المناصرة للمرأة في الأدب العربي في أواخر القرن التاسع عشر وذلك بما يرسمه من صورة للفارياقية زوجة الفارياق. إنها كأغلب النساء في عصرها لم تتح لها فرصة التعليم ولكنها - من خلال أسفارها وزواجها بالمؤلف وذكائها الفطري - غدت معلقة بارعة على المجتمع وآداب السلوك وعلاقات الرجال بالنساء والخيال واللغة. بل إنها - أثناء إقامتها مع زوجها في لندن - تعلق على وضع الطبقة العاملة في إنجلترا.
إن الشدياق يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، ويرسم صورة فاتنة لليلة زواجه. ويتخذ جزء كبير من الكتاب صورة محاورات بين الفارياق وزوجته حول مختلف الموضوعات. لقد كانت زوجته هي ملهمته، وهي مزيج من المرأة العثمانية والمرأة الأوروبية.
إن كتاب «الساق» أشبه بمحيط مترامي الأطراف أو متاهة يضل السائر فيها السبيل. واللغة تلعب دورا كبيرا فيه. فقد كان الشدياق عاشقا للغة العربية متمكنا من غريبها وكنوزها يتلاعب بها في ثقة واقتدار. وهو في هذا سليل للشعراء العرب القدامى ممن كانوا يعيشون فترات في البادية كي يتشربوا بلاغة الفصحى من أهلها. ويقدم - تدليلا على ثروته اللغوية - عشرات الأسماء لأعضاء الجسم والمجوهرات والملابس.
إن الشدياق يذكرنا بالأديب الفرنسي فرنسوا رابليه، وهو قس توفي في منتصف القرن السادس عشر بعد أن عاش حياة صاخبة وكتب رائعة ملهوية هي «جارجانتوا وبنتاجرويل» تتميز بالموسوعية والجمع بين الفكاهة والنقد الاجتماعي والسخرية اللاذعة.
وهذه الترجمة لكتاب الشدياق هي، كما تقول باتريشيا ستوريس، واحدة من أهم الترجمات الأدبية في القرن الحادي والعشرين. إنها تكاد تعادل في الأهمية ترجمات كونستانس جارنيت ولويز وإيلمرمود لأعمال تولستوي من اللغة الروسية إلى اللغة الإنجليزية في أواخر القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين. إنها ترجمة تضيف الكثير إلى معرفة القارئ الأجنبي بأديب عربي فريد المذاق يستحق مكانا - ولو صغيرا - على الساحة العالمية.



الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة
TT

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

يُولي الكاتب والروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي التاريخ اهتماماً كبيراً فيُعيد تشكيل أسئلته وغرائبه في عالمه الأدبي، منقباً داخله عن الحكايات الناقصة وأصوات الهامش الغائبة، وهو ما يمكن استجلاؤه بوضوح في روايته الأحدث «سنة القطط السمان»، الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة. وكان قد صدر له من قبل عدد من الأعمال منها «دروب أندلسية»، و«الطير الأبابيل»، ورواية «لا تقصص رؤياك»، التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية عام 2015.

هنا حوار معه حول روايته الجديدة واهتمامه بالتاريخ وأدب الرحلة:

> تُلازم بطل «سنة القطط السمان» نبرة تأنيب ومراجعة ذاتية مُتصلة، هل وجدت أن استخدام ضمير المخاطب يُعزز تلك النبرة النقدية في صوت البطل؟

- اعتماد الراوي المخاطب للتعبير عن البطل، كان خياراً صعباً، ترددت كثيراً قبل اعتماده لمعرفتي أن القارئ قد لا يستسيغه، لكن بعد أن جرى نهر الكتابة وتشكلت الشخصيات والمواقف وتعقّدت الحبكة، وجدت أن ضمير المخاطب استطاع تكوين شخصية خاصة بالبطل، وأكسبه حضوراً خاصاً، ذلك، بالإضافة إلى الراوي العليم وكل الأدوات السردية التي استخدمتها محاولاً إيصال ما أريده. ثم عاد الخوف من انطباعات القراء بعد صدور الرواية، وسرعان ما تبدد الخوف بعد ظهور المقالات المتعددة من القراء والنقاد التي أكرموني بها.

> بطل الرواية (مساعد) دائماً ما يصطحب معه «القاموس»... تبدو علاقته باللغة مهجوسة بالمراجعة بالتصويب فهو «يصحح كلمات أصحابه»، فلا تبدو اللغة مجرد أداة عمله مترجماً، ولكنها أوسع من هذا. حدثنا عن تلك الآصرة اللغوية.

- اللغة بطبيعتها انتماء وهُوية وانسجام مع محيط واسع، هل كان البطل يبحث عن انتماء عبر تصحيح كلمات أصحابه؟ أو إرجاعه كلمات إلى أصولها؟ ربما والإجابة الأكيدة عند القارئ لا شك. لكنها التقاطة جميلة منكِ، ومُعبرة، عن مساعد، بطل العمل الذي صرّح في أحد الفصول بأن الزمان لو كان هانئاً لألَّف قاموساً يتتبع فيه أصول الكلمات. القاموس قصة غرام بين الشخصية الرئيسة والكلمات ويحمله أغلب الرواية، قاموس يتوسّط لغتين، العربية والإنجليزية، كأنما هو نقطة تلاقي الشرق بالغرب.

> أود الاقتراب من تشريح العمل لخريطة المجتمع الكويتي والمعتمد البريطاني والوافدين، ما بين مسرح «سوق الخبازين» وساحة المسجد ومكتب المعتمد البريطاني. حدثنا عن عنايتك بالترسيم المكاني في الرواية لرصد الحالة الكويتية في ثلاثينات القرن الماضي.

- لن أقول جديداً إن قلت إن صورة الخليج في الذهنية العربية أقرب لصورة نمطية، قد تتفوق في أحيان كثيرة على الصورة النمطية الغربية تجاه العرب. وأسباب هذه النظرة طويلة ومتجذرة ولن أخوض فيها حفاظاً على الوقت والمساحة، لكن أجدني دونما وعي أصف ما كان آنذاك من مكان وأناس وأحداث، لتثبيت صورة مُغايرة عمّا يرد لأذهان من عنيت في أوّل الإجابة... هل أكتبها لهم ولهذا الغرض؟ بالطبع لا، ففي المقام الأول وصف المكان أداة من أدوات الكتابة تُغني العمل عبر التفاعلات مع شخصياته، ولولا خصوصية المكان لن تكون الشخصيات نفسها والعكس قد يكون صحيحاً، إذ كما أسلفت العلاقة تبادلية، وهو ما يصنع خصوصية مكان ما وخصوصية شخصياته، ومما ساعدني في ذلك، انغماسي في قراءة كتب تاريخ المنطقة بشكل عام والكويت بشكل خاص، وأفادتني كتب مثل: «معالم مدينة الكويت القديمة» الذي صدر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات، وإصدار آخر هو «الأسواق القديمة في الكويت»، بالإضافة إلى مراسلات المعتمد البريطاني آنذاك. وفي النهاية مشاورة الأصدقاء الضليعين في تاريخ المنطقة وتفاصيله.

> تتكشف ملامح شخصيات الرواية وأصواتها من المسافة التي تفصلهم من «الهندستاني»، ورغم أن الحدث المركزي في الرواية كان دائراً حول اللغط بشأن مطعمه، فإن حضوره ظلّ على مسافة، لماذا لم تمنحه صوتاً في الرواية؟

- في بداية كتابتي للرواية كان صوت الهندستاني حاضراً في الذهن والكتابة، ثم تقلّص ليكون مبثوثاً بصوته بين الفصول يتحدّث إلى (مساعد)، إلى أن اتخذت قراراً بحجبه كشخصية إلا على لسان الجميع، هل كنت أريده أن يكون أرضية للقصة تحرك الشخصيات والأحداث وفقاً لتفاعلاتها؟ ربما، لكنني فعلت ما أحسست أنه سيفيد الرواية ويجعل الحدث مركّزاً والأفكار متضافرة.

> استخدمت التقويم الزمني المحلي الكويتي «سنة الطفحة»، «سنة الهدامة»... كيف شكّلت تلك السنوات المتراوحة بين القحط والثروة لديك محطات تحريك لأحداث الرواية؟

- من المعروف أن العرب مثل كثير من الأمم تحفظ تاريخها بتسمية الأيام والأعوام، وأشهرها عام الفيل في التاريخ الإسلامي، الذي سبق زمن البعثة النبوية بقليل. واستطاع ذلك النهج عند المؤرخين والعامة أن يستمر وصولاً للعصر الحالي، عندما نقول عام أو سنة الاحتلال العراقي أو الغزو، سنة النكبة، سنة النكسة، سنة الكورونا إلى آخره. لذلك كنت محظوظاً عندما كانت لحظة الحدث الأساس في الرواية، حادثة المطعم، سنة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث، لحظة بين بوار تجارة اللؤلؤ وإرهاصة اكتشاف النفط، وما لحقه من تبدّل نمط التجارة الكويتية تبدّلاً جذرياً، مما انعكس على طموحات الشباب المتعلم آنذاك، وما صاحبه من ثورة في وسائل المواصلات كالسيارة والطائرة والسفن الحديثة وهبوب رياح انتشار الطباعة في المنطقة، وبالتالي توفّر المجلات والكتب وارتفاع سقف الطموحات مما يجر الطموح والرغبة في التوسع، وبالتالي قد يجر الطمع. وهذا هو سياق فهم «مساعد» خلال أحداث الرواية، وربما ينطبق ذلك على أغلب الشخصيات التي وصفتها إحدى المقالات بمصطلح «الداروينية الاجتماعية».

> في «لا تقصص رؤياك» رسمت ملامح عنصرية داخل المجتمع الكويتي، ولكنها كانت تدور في زمن أحدث من «سنة القطط السمان». هل برأيك يظل الكاتب مسكوناً بأسئلة دائماً يبحث عنها عبر مشروعه حتى لو تنقّل بين الأزمنة الروائية؟

- سؤال رائع، بالفعل، يظل الكاتب في ظني مسكوناً بهواجس لا تُخرسها الكتابة، قد تخفف منها قليلاً، لكنها ما تلبث أن تتوهّج وتندلع في حريق وتبدأ كتابة جديدة. الأزمنة والأمكنة والشخصيات مجرد أعذار لكتابة الأسئلة المؤرقة والهموم الشخصية والعامة وأنصاف الإجابات على هيئة رواية.

> في روايتِك «ولا غالِب» تعرضت لحدث احتلال العراق للكويت عبر مدّ خيوط سردية مُتخيّلة تتواشج مع زمن سقوط الأندلس، هل كنت تبحث في عمق تلك الهزيمة التاريخية عن مرتكز لفهم فجيعة احتلال بلادك التي شهدتها في سنواتك المبكرة؟

- صحيح، كنت أفعل ما يمكّنني من فهم فجيعة هي الأقوى ليست في حياتي أو في تاريخ بلدي، بل هي الأكبر - برأيي - في المنطقة العربية، وتفوق برأيي النكسة، إذ إن حرب الأيام الستة كما تسمى في الغرب، كانت بين عدو واضح المعالم، ونظام عربي واضح، ولم تكن حرباً عربية - عربية، بل لا أجازف كثيراً إن سميتها: الحرب الأهلية العربية، حرب تبارت فيها الأنظمة والشعوب في الاستقطاب (مع أو ضد) والتعبير عن كل مخزونات المشاعر المتراكمة تجاه الآخر. في «ولا غالب» حاولت عبر الشخصيات الكويتية والمرشد الفلسطيني، واستغلال الحشد الأميركي لغزو العراق في عام القصة أواخر 2002. واختيار غرناطة الأندلس لتكون مكان الحدث، غرناطة الحاضر والماضي عبر التاريخ البديل، أن تشتعل المقارنة الفكرية بين القناعات، وجعل القارئ يناظرها عبر مفاهيمه ويجادل أفكاره كما فعلت أنا قبله أثناء الكتابة.

> تحتفظ كتب عبد الله عنان وشكيب أرسلان بمكانة خاصة لديك، حتى أنك أشرت لهما في مقدمة كتابك «دروب أندلسية». ما ملامح هذا «الهوى» الخاص الذي تتنسمه في تلك الكتابة المتراوحة بين الرحلة والتاريخ؟

- عندي هوى وهوس بالتاريخ القديم والحديث، وشغفت بالكتب التاريخية وأدين لها بالكثير، إذ لا يجاري مكانتها في نفسي شيء، وبالتالي إن جئنا للتاريخ الأندلسي سيكون لعنان تحديداً عامل فكري كبير مؤثر في نفسي، إذ، كيف استطاع ذلك المحامي غير المتخصص في التاريخ أن يراكم مجلدات تلك الموسوعة التي لم يجاوزها أحد منذ سبعين عاماً؟ كيف ترجم ونقل وقارن وحلل بذكاء نادر؟ وذلك انعكس في ذائقتي على صعيد الرواية قراءة وكتابة، ولا أخفي بالطبع تأثري بمسار وكتابات أمين معلوف بالدرجة الأولى ومن ثم غازي القصيبي، والطيب صالح، وفواز حداد، وبالطبع التجلي الروائي الأكبر عربياً وحتى عالمياً وهو نجيب محفوظ، صاحب الأثر الأهم في قناعاتي تجاه الحياة والكتابة.

> أنت مُحِب للسفر، هل ترافقك بين مشاهد المدن ومرافئها قصيدة «المدينة» لكفافيس، التي صدّرت بها روايتك الأخيرة، وما تعريفك الخاص لـ«المدينة التي تُلاحقك» بتعبير الشاعر اليوناني الراحل؟

- تطور السفر بالنسبة لي من خلال القراءة والكتابة، وتبعها تحويل كتابي الأول «دروب أندلسية» إلى رحلة تطوف إسبانيا، كان انبثاق تدشين مرحلة الرحلات الجماعية المهتمة باكتشاف العالم، عبر التعرف على تاريخه ومجتمعاته وحضاراته، وكنت محظوظاً مرّة أخرى لأن هذه الرحلات زادت معرفتي بالناس في البلدان المختلفة، بالإضافة لخبرات التعامل مع المشتركين المتحدرين من بلدان عدّة، كل ذلك منحني معرفة لا تشترى بمال ولا تعلّم في المدارس. وعندما واجهت قصيدة كفافيس وعدت إليها، وجدت أنها معبرة عن بطل رواية «سنة القطط السمان»، لكنها، ولأعترف، معبّرة عني في أحد معانيها، كما هي الحال في قصيدة محمود درويش «لا شيء يعجبني»، التي كانت تنافس كفافيس في تصدير الرواية حتى تفوقت قصيدة شاعر الإسكندرية وتصدّرت أولى عتبات النص الروائي. وسؤالي لكِ وللقراء: ألسنا كلنا ذلك الموجوع بمدينته؟ عندما وصفنا كفافيس: وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود!