«شهداء الميدان».. حين يغسل «حب الوطن» وجع «الفقد»

حكايات ذويهم تؤكد أن «شجاعة الموقف» تبدد ألم «الرحيل»

الأمير محمد بن سلمان يطبع قبلة على رأس ابن «الشهيد» العقيد عبد الله السهيان قائد القوات الخاصة المشاركة في عملية «إعادة الأمل» (واس)
الأمير محمد بن سلمان يطبع قبلة على رأس ابن «الشهيد» العقيد عبد الله السهيان قائد القوات الخاصة المشاركة في عملية «إعادة الأمل» (واس)
TT

«شهداء الميدان».. حين يغسل «حب الوطن» وجع «الفقد»

الأمير محمد بن سلمان يطبع قبلة على رأس ابن «الشهيد» العقيد عبد الله السهيان قائد القوات الخاصة المشاركة في عملية «إعادة الأمل» (واس)
الأمير محمد بن سلمان يطبع قبلة على رأس ابن «الشهيد» العقيد عبد الله السهيان قائد القوات الخاصة المشاركة في عملية «إعادة الأمل» (واس)

«عاشوا أبطالا، وماتوا أبطالا».. هذا أصدق ما يقال عن الجنود السعوديين والخليجيين الذين «استشهدوا» على الحد الجنوبي دفاعا عن الوطن أو داخل المعركة في دعم الشرعية في اليمن، فعندما يخطو أي خليجي فوق هذه الأرض؛ لا ينسى أن هناك عشرات «الشهداء» ممن ضحوا بأرواحهم وسالت دماؤهم فوقها كي يحيا بقية الشعب بأمان، هؤلاء هم «الشهداء» الذي نسوا أسرهم وأبناءهم وتذكروا فقط «الوطن».
ذهبوا وبقيت سيرة شجاعتهم عطرة، ماتوا مع حب هذه الأرض الطاهرة، فامتزج حزن أسرهم مع الاعتزاز بهم، مرددين: «لا نملك أغلى من أرواح أبنائنا الشهداء، نقدمها في سبيل وطننا الذي يستحق أن تُبذل الأرواح الغالية فداء لترابه»، هؤلاء الأسر الذين زفوا أبناءهم «الشهداء» بالدموع والتقدير لما بذلوه من جهد للتضحية في سبيل الوطن.
فبقلب مؤمن، يتحدث والد «الشهيد» الجندي محمد علي أحمد حكمي، الذي «استشهد» أثناء أداء مهام عمله في الدفاع عن الحدود الجنوبية قبل نحو 9 أشهر، قائلا: «مثّل فقد ابني فاجعة كبيرة، لكنه شعور مختلط ما بين الألم والفخر في الوقت نفسه، فابني استشهد دفاعا عن الدين والوطن والشعب، وهذا محل فخر لي ولأهله جميعا».
وعودة للأحداث المؤسفة التي انتزعت «الشهيد» محمد من الحياة، فكانت قيادة القوات المشتركة قد أعلنت أنه عند الساعة الثامنة وأربعين دقيقة من صبيحة يوم الاثنين من شهر شعبان الماضي، تعرضت بعض المراكز الحدودية في ظهران الجنوب بمنطقة عسير لقذائف عسكرية من داخل الأراضي اليمنية، نتج عنها «استشهاد» الجندي محمد علي أحمد حكمي، من حرس الحدود.
ويوضح والد «الشهيد» حكمي لـ«الشرق الأوسط» أن العدوان الآثم خطف ابنه الذي كان قد أكمل للتو عامه الـ23، وكان يخطط لزواجه بعد أن أتم خطوبته قبل أشهر قليلة من هذه الحادثة، وهو ما اغتال أحلام وروح «الشهيد» محمد في عز انشغاله ببدء حياة جديدة، ويشير والده إلى أن محمد كان الابن الثالث من بين 6 أبناء، معتبرا الجنود البواسل المرابطين حاليا على الحد الجنوبي جميعا بمثابة أبنائه، قائلا: «لا أملك لهم إلا الدعاء بالنصر، فهم فخر الوطن».
أما قصة «الشهيد» مانع علي داحن اليامي، فمختلفة، لكنها تحمل ألم الفقد ذاته الذي تعيشه أسرته وهي تسترجع أحداث الفاجعة التي سرقت شباب «الشهيد» مانع، ففي نحو الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة من صبيحة يوم الأحد من شهر محرم الماضي، وأثناء أداء إحدى دوريات حرس الحدود بقطاع الطوال في منطقة جازان لمهامها المعتادة، تعرضت لإطلاق نار ومقذوفات عسكرية من داخل الأراضي اليمنية مما اقتضى الرد على مصدر النيران بالمثل والسيطرة على الموقف، وقد نتج عن ذلك «استشهاد» الجندي مانع علي داحن اليامي.
ويسترجع علي اليامي، والد «الشهيد»، ذكريات هذا اليوم في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «كانت فاجعة كبيرة لنا، لكن قدر الله فوق كل شيء، وليس لنا إلا الصبر، والفخر بأن ابننا ذهب شهيدا للواجب والوطن». وبقلب الأب الموجوع، يتذكر اليامي مآثر ابنه مانع، قائلا: «كان رجلا لطيفا، حنونا على الصغير والكبير، وابنا بارا.. كان من خيرة الرجال».
و«الشهيد» مانع الذي رحل قبل أن يكمل عامه الـ27، كان الابن الأول في أسرة كبيرة تضم 4 أبناء و7 بنات، إلا أن والده يعبر عن صدق اعتزاز أفراد أسرته بما قام به ابنه، قائلا: «صحيح أنها فاجعة لكن هذا واجبه، وواجب كل أبناء الوطن»، وعن الرسالة التي يوجهها إلى الجنود المرابطين على الحد الجنوبي يقول: «أسأل الله أن يثبتهم وينصرهم.. نحن معهم قلبا وقالبا».
وفي منزل آخر، تعيش قصة «الشهيد» العريف أحمد جعفر حسن المجيشي، الذي «استشهد» برفقة 3 من زملائه رجال الأمن، من مركز المسيال بقطاع ظهران الجنوب بمنطقة عسير، إثر قذائف عسكرية كثيفة من داخل الأراضي اليمنية، حيث تم التعامل مع الموقف بما يقتضيه، وذلك بالتصدي للعدوان، والتنسيق مع القوات البرية للتعامل مع مصادر إطلاق القذائف بالأراضي اليمنية، وتم تدمير منصات إطلاق القذائف، والسيطرة على الموقف، ونتج عن ذلك «استشهاد» المجيشي.
وهنا يقول علي المجيشي، أخو «الشهيد»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الراحل ذهب وترك وراءه 3 أبناء، أكبرهم ذو 10 سنوات وأصغرهم عمره 4 سنوات، وبينهما فتاة عمرها 8 سنوات، مشيرا إلى أن العدوان الآثم علم هؤلاء الأطفال معنى «اليُتم» منذ سن مبكرة، إلا أنه يؤكد في الوقت نفسه فخره وأبناء أسرته برحيل فقيدهم «شهيدا» للواجب ودفاعا عن الوطن.
ويجمع ذوو «الشهداء» أن «شهادة» أبنائهم في أرض الميدان وفي ثغر من ثغور الوطن إنما هي جزء بسيط من الواجب الذي على كل مواطن أن يقدمه لهذا الوطن الغالي، والأكثر وفاءً هو تأكيدهم أنهم على أتم استعداد لتقديم بقية أبنائهم وكل أموالهم فداء لشبر من أرض الوطن، الذي يعيش في قلب كل سعودي مخلص.



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.