الطعمة لـ {الشرق الأوسط}: المجتمع الدولي خذلنا.. و«التشكيلة» بعد العيد

رئيس حكومة المعارضة السورية أكد أن جماعة «داعش» لا تمتلك «حاملا اجتماعيا» في سوريا

أحمد الطعمة («الشرق الأوسط»)
أحمد الطعمة («الشرق الأوسط»)
TT

الطعمة لـ {الشرق الأوسط}: المجتمع الدولي خذلنا.. و«التشكيلة» بعد العيد

أحمد الطعمة («الشرق الأوسط»)
أحمد الطعمة («الشرق الأوسط»)

قال رئيس الحكومة السورية المؤقتة أحمد الطعمة إنه قارب الانتهاء من تشكيل حكومته، كاشفا عن أنه سيعلن أسماء وزرائه بعد عيد الأضحى ويقدمها إلى اجتماع الائتلاف الوطني في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي لنيل الثقة وانطلاق عملها.
وأكد الطعمة في حوار مع «الشرق الأوسط» أجري في مكتبه الخاص الكائن في أحد المجمعات السكنية في إسطنبول، أنه بدأ يميل إلى زيادة نسبة ممثلي الداخل السوري من بين أعضاء حكومته، مشيرا إلى أن هذه الحكومة ستعمل من منطقة قريبة جدا من الحدود رفض أن يسميها (في الوقت الحالي)، لكن المعلومات تشير إلى أنها مدينة غازي عنتاب التي شهدت آخر صدام تركي مع النظام السوري في بداية التسعينات عندما احتشد الجيش التركي قربها ملوحا بدخول سوريا بحثا عن زعيم تنظيم العمال الكردستاني المحظور عبد الله أوجلان. انتهت الأزمة يومها بترحيل أوجلان من سوريا، وقبض عليه في نهاية المطاف حيث يقبع في سجن قريب في إحدى جزر بحر مرمرة قبالة مقر الطعمة، لكن العلاقات التي تحسنت مع تركيا، ما لبثت أن انهارت بعد أن أخذت أنقرة صف معارضي النظام وتدرجت حتى مطالبتها بضرب النظام عسكريا. ويبدو الطعمة واثقا من قدرته على إحداث الفارق في مهمته، ويتحدث بهدوء وثقة مع زواره الكثر من المعارضين الذين أتى بعضهم إليه يشكون ممارسات «الدولة»، أي «تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية».

جلس الطعمة وخلفه خريطة لسوريا هي الأولى من إنجاز المعارضة يبدو فيها إقليم إسكندرونة جزءا من تركيا، وهو إقليم اعترف النظام بملكيته لتركيا قبل أعوام في إطار سعيه لتحسين العلاقة مع أنقرة، علما بأن بعض المعارضين رفعوا يوما خريطة تضع الإقليم في داخل الحدود السورية وهم في ضيافة تركيا.
يعترف الطعمة بأن المجتمع الدولي خذل المعارضة، وأن التأخر في الحال السياسي سوف يفتح الباب أمام كل المشكلات الكبرى المقبلة، بما في ذلك التشدد والتطرف. لكنه يجزم بأنه «إذا اتخذ قرار دولي بحل الأزمة السورية بشرط رحيل النظام، فإننا قادرون من جهتين، أن تدار الحكومة بشكل جيد لكي تقدم خدماتها للناس، وعندها سنتمكن من استعادة أكثر من ثلاثة أرباع الموجودين في تنظيم (دولة العراق والشام)، لأننا على قناعة بأن معظم من انضم إلى هذه الجماعات المتشددة إنما انضم إليها نتيجة العوز والفقر»، مشددا على أنه «ليس لدى هذه الجماعات الحامل الاجتماعي حتى هذه اللحظة».
ويكشف الطعمة عن «وعود أكيدة» بدعم عربي ودولي لحكومته بعيد تأليفها، مشيرا إلى أن هذه الحكومة ستحتاج على الأقل مبلغ 300 مليون دولار شهريا للقيام بعملها.
* أنتم مكلفون بتأليف حكومة مؤقتة، أين أصبحت الاتصالات بهذا الشأن؟
- من مهام رئيس الحكومة الأساسية أن يتشاور مع جميع الكتل، وثلاثة مبادئ أساسية نعمل على أساسها: لن نستبعد أحدا من الكتل الموجودة في الائتلاف، حتى بعض الكتل أو أفراد من كتل لم تصوت لنا، ولا حرج في ذلك، إذ نريد الحصول على حكومة توافقية بأكبر قدر ممكن. ونريد أن تسري هذه الروح الإيجابية التي سرت يوم التكليف، عندما نلت 75 صوتا مع عشرة أصوات معارضة فقط، و12 ورقة بيضاء. النسبة إيجابية جدا، فإذا استطعنا أن نعكس هذا الجو على تشكيل الحكومة، فسيكون لذلك نتائج إيجابية في عمل الحكومة وعلى مستقبل الائتلاف والثورة السورية.
المبدأ الأول أننا لن نقصي أحدا، والثاني تمثيل معظم أطياف الشعب السوري في الحكومة، بحيث إن أي مواطن سوري مهما كان انتماؤه يشعر بأن هذه الحكومة تمثله. والمبدأ الثالث هو مبدأ الكفاءات والتخصصات، نسعى لتوازنات بحيث كل كتلة أو مجموعة تأتي بخير ما عندها، والمشاورات مستمرة.
على صعيد المشاورات، وضعنا بذهننا اللقاء مع أربع تشكيلات: كتل الائتلاف، والتقينا بعدد لا بأس به من المجالس المحلية. وضمن مشاوراتنا مع اللجان ومجموعات المجتمع المدني، إذ نعتقد أن سيكون لها دور هام في دعم الحكومة في تحقيق أهدافها بالتواصل مع الناس، لأننا نريد أن نكون أقرب ما يكون إلى الناس، نحلم بأحلامهم ونتألم لآلامهم؛ إذ بقدر ما نكون قريبين منهم نحقق الهدف المطلوب. نريد أن يشعر الشعب السوري أن القرار الأهم الذي اتخذه في حياته هو قرار الثورة السورية. وعندما نساعده بتحسين معيشته، سينعكس ذلك بالتالي إيجابا على صموده.
الجهة الرابعة التي سعينا إلى التواصل معها هي الجهات العسكرية، أي الكتائب والألوية الموجودة على الأرض، وسعينا للتواصل حتى مع الجهات التي وقعت على البيان (الذي سحب الثقة من الائتلاف ومن هيئة الأركان)، فالتقينا قبل أيام مع الجبهة الإسلامية السورية. طرحنا وجهة نظرنا وسمعنا وجهة نظرهم، لماذا وقعوا على هذا البيان؟ بشكل عام لم أنظر للبيان نظرة متشنجة، أعتقد أن جزءا من مطالبهم حق ويجب أخذها بعين الاعتبار، ومنها أن نتواصل مع الداخل وهذا مطلب حق نرحب به. وطلبنا من جميع الكتل التي التقينا بها، جماعات وأفرادا، أن يقدموا إلينا مرشحين من أهل الداخل لأنه بات لدينا رغبة أكبر في أن تكون نسبة أعضاء الحكومة من الداخل أكبر من قبل. وقلنا إن احتجاجات الإخوة علينا وعلى الائتلاف تعبير عن الواقع المحزن الذي يعيشونه وهناك مخاوف فعلا فيما يتعلق بمستقبل الثورة السورية، وخصوصا بعد أن طرح مؤتمر جنيف على الطاولة مباشرة. البعض يعتقد أن جنيف هو توقيع صك استسلام لصالح النظام، برغم أنني أعتقد شخصيا أن مقررات جنيف بشكل عام تصب في صالح المعارضة. لكن تخوفنا في مسألتين: الأول أن النظام لم ينفذ القرارات، والنقطة الثانية أننا لم نعرف على وجه الدقة ما ستؤول إليه المآلات، فما هو مكتوب ومطروح تفسيره لصالح المعارضة وخصوصا عبارة جسم الحكم الانتقالي الكامل الصلاحيات، بما في ذلك الأمن والجيش والمالية والإعلام وجميع مؤسسات الدولة.. إذا كانت الأمور بهذا الشكل، فهناك نقاط إيجابية من حيث المبدأ، لكن أحد الأسئلة المطروحة: هل سيكون رحيل بشار الأسد متفقا عليه في بداية هذه المفاوضات؟ أم كما يطرح الروس والأميركيون معا أن رحيل الأسد سيكون في ختام المفاوضات ونتيجة لها؟
تلقينا بعض النصائح من سياسيين ومن جهات داعمة للثورة السورية مفادها لا تقبلوا إلا بأن يقال بأن هذه العملية السياسية وفي اليوم الأول من بدئها ستنتهي برحيل الأسد، على غرار ما حصل في العملية اليمنية، حيث قيل في اليوم الأول من المفاوضات إنها ستؤدي إلى رحيل علي عبد الله صالح.
* متى تتوقعون إكمال مهمتكم وإعلان الحكومة، خصوصا أنه سيكون للائتلاف اجتماع موسع في الخامس والعشرين من الشهر الجاري للتصويت؟
- المشاورات مستمرة على قدم وساق، وهي تسير سيرا حقيقيا، ويفترض، إن شاء الله، قبل أسبوع من عقد اجتماع الائتلاف، أن تكون الأسماء جاهزة.
* هذا يعني بعد عطلة العيد؟
- نعم، وسأقدم حكومة إلى الائتلاف للتصويت عليها في اجتماع الخامس والعشرين من الجاري.
* إن أردنا التكلم نسبيا، كم أنجزت من الحكومة حتى الآن؟
- لا أريد الدخول في تفاصيل هذه المسألة، لكن أنجزنا إنجازا مهما.
* الاتفاق المبدئي هو أن تقدم كل الكتل خمسة مرشحين وتعمد أنت إلى الاختيار من بينها؟
- هذا فيما يتعلق بالنسبة لهيئة الأركان، إذ ستقدم خمسة أسماء للدفاع وخمسة أسماء للداخلية. أما بالنسبة لبقية الكتل، فالمسألة تحصل بالتوافق حينا وتقديم المشورات حينا آخر وتقديم أسماء حينا آخر.
* هل سيكون وزير الداخلية مدنيا؟
- الدفاع والداخلية سوف يكونان مدنيين، نريد أن نرسخ مبدأ في مستقبل سوريا، بحيث إن الدفاع والداخلية يجب أن تسير سيرا مدنيا، كما هي الدول المتحضرة التي رسخت فيها الديمقراطية.
* ما المأمول من هذه الحكومة؟
- فكرتنا الأساسية أن نعزز صمود الناس ونستجيب لمطالبهم وتحسين عيشهم. فالمأمول منها أن تقدم الخدمات الأساسية للناس، سواء الأمن والاستقرار والخدمات الأساسية من ماء وكهرباء والحياة العامة، ثم هناك مسألتان مهمتان جدا، وهما الصحة والتعليم، فالوضع الصحي في سوريا منذ عهد النظام يعوم بالفوضى وينتابه الفشل من كل جهة، وكذلك التعليم. نحن نريد إعادة ترميم كل الأبنية التي تضررت وتدمرت نتيجة القصف، وإعادة بنيانها، سواء في الصحة والتعليم، وكذلك استعادة كل الكوادر الممتازة التي تسبب النظام في تشريدها، إضافة إلى أننا نريد أن نقرر منذ الآن مشاركة المجتمع المدني في الحياة السورية مستقبلا. لقد أبعدنا النظام السوري عن الاهتمام بالشأن العام والعمل السياسي 50 عاما، رغم أن المواطن السوري أو في الأساس طبيعة الإنسان أنه كائن سياسي، فعندما يبعد 50 عاما، فهو في أشد العطش إلى العودة إلى العمل العام والشأن السياسي. ومن النقاط البالغة الأهمية، مأسسة الديمقراطية، إذ نريد أن ننشئ بلدا ديمقراطيا، ودولة مدنية تعددية، يكون فيها الرأي والرأي الآخر. يحق لكل الناس أن يبدوا وجهات نظرهم وأن يدافعوا عنها، وأن تكون لهم المؤسسات الكفيلة بأن تستطيع من خلالها تعويد الناس عليها تمهيدا للحياة السياسية مستقبلا.
نريد سيادة القانون والفصل بين السلطات، ونريد أن يكون هناك قضاء مستقل وعادل، وأن يعيش الإنسان السوري حياة كريمة. هناك نقطة بالغة الأهمية وهي أنه لدينا نحو 7 ملايين شخص، بين مهجر ولاجئ. من سيقوم برعايتهم؟ النظام أراد أن يعطينا رسالة واضحة بأنه إذا أردتم حريتكم فعليكم أن تدفعوا ثمنها غاليا. نحن سنحاول تحسين أوضاع الناس، سنبذل أقصى جهد ضمن الإمكانات المتاحة لدينا، لكن هذا يرتب علينا أعباء كبيرة، وأن نسعى حقيقة إلى إنقاذ الناس.
* هل لديكم القدرة أو وعود محددة وواضحة بشأن مساعدات مالية تمكنكم من القيام بواجباتكم في الفترة المقبلة؟
- بالنسبة للوعود فيما يتعلق بإقلاع الحكومة. نعم. وأعتقد أنها وعود حقيقية وسوف تقلع الحكومة.
* وعود بأرقام واضحة؟
- نعم، إلى حد ما، لكن لا أريد أن أفصح عن هذه المسألة لأنها ستصبح مثارا للجدل، لكن سنعلن عنها بعد قيام الحكومة.
* ما هو تقديركم لحجم المبالغ المطلوبة للنهوض بالوضع في سوريا؟
- تصورنا الأولي أن الحكومة تحتاج إلى 300 مليون دولار شهريا لكي تستطيع فعلا أن تقوم بواجباتها. المنح والمعونات من أصدقاء الشعب السوري ستغطي جزءا، والجزء الثاني لا تنسى أن سوريا مليئة بالخيرات، وفيها آبار نفط وكذلك القمح والقطن والمنتجات الأخرى. صحيح أننا لم نستطع بعد أن نستفيد من آبار النفط، لكننا دخلنا في مشروع جاد للتواصل مع كل الجهات التي يمكننا من خلال التعاون معها للتوصل إلى نتائج معقولة. المشكلة الحالية هي في الظروف التي استجدت خلال الأشهر الماضية والتي أدخلتنا في مآزق.
* ما مدى قدرتكم على التنفيذ على الأرض في ظل وجود قوى أمر واقع لا تقبل بكم ولا تقبل بمبدأ الحكومة؟
- هناك صعوبات كبيرة جدا وتحديات كبرى، لكنها ليست أكبر من قرار التحدي الأكبر، وهو أن الشعب السوري اتخذ قرار القيام بثورته. هذا القرار الأكبر الذي اتخذه الشعب السوري في حياته، وليس هناك تحد أكبر من هذا. أنا سجين سياسي سابق وأعرف ما الذي كان يجري. أتذكر أنه في عام 2005 عندما وقعنا على «إعلان دمشق»، أو حتى قبل ذلك عندما شاركنا ببيان «ألف»، كان الناس يقولون إلى أين أنتم ذاهبون أيها المجانين؟ هل يتجاسر أحد على أن يطالب بحياة ديمقراطية في سوريا؟ وعندما تشكلت لجان إحياء المجتمع المدني وبدأنا نطالب بالإفراج عن المساجين، وطالب البعض بإلغاء قوانين كانت تقضي بإعدام جماعات في المجتمع لمجرد الانتماء، تساءلت الناس هل حقا أنتم توقعون على بيانات مماثلة للمطالبة بالديمقراطية أم أنكم تتداولون بها في الغرف المغلقة فقط؟ وخلال محاكمتنا على إعلان دمشق كنا نقول في قاعة المحكمة إنه لا بد من تغيير المادة الثامنة من الدستور القائلة بأن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع، فكان المحامون يشفقون علينا ويقولون هل يطالب أحد بمادة تعرض قائلها لعقوبة 15 سنة، إذ إن المطالبة بتغيير هذه المادة في جدول النظام تعتبر معاداة النظام الاشتراكي في البلد، وعقوبتها في الحد الأدنى 15 سنة. الناس كانت مرعوبة إلى درجة كبيرة جدا، وأتذكر أنه عندما أفرج عني من السجن، كثيرون من أصدقائي لم يجرؤوا على زيارتي لأن الأمن سيسجل أن فلانا زارني. فأن يبدأ الناس بعد خمسة أشهر من الإفراج ثورتهم العظيمة الرائعة، علما بأنهم كانوا محقونين ومصممين على الثورة منذ سنوات عدة، لكن كان ينقصهم المحفز، وتحقق ذلك بثورة كل من تونس ومصر. عند ذلك، قرر الشعب السوري أن يمضي ويشهر حريته، ولم يقبل بكل عروض النظام بالإصلاحات الوهمية. وكنت أقول بشكل طريف إن إصلاحات النظام وفق المثل العربي: «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، بل أجله إلى بعد غد».
النظام عرض علينا إصلاحات وهمية لكن الشعب قال لا، إنها تحسين لشروط العبودية وليست حرية. وللأسف لم يدرك المجتمع الدولي لماذا قامت الثورة السورية، كان يعتقد أنها صراع على السلطة، وأن هناك مظالم يمكن تحسينها ببعض الإجراءات. هدف الشعب السوري من ذلك كان الحصول على حريته.
* هل خذلكم المجتمع الدولي؟
- طبعا بالتأكيد خذلنا المجتمع الدولي، ومن المحزن جدا أن نصل إلى هذه النتيجة. سبق وأبلغت جهات دولية عدة أنه إذا تأخر الحل السياسي في سوريا، ونحن مع حل سياسي عادل في سوريا منذ اللحظات الأولى، فقلنا لهم إن التأخر في الحال السياسي سوف يفتح الباب أمام كل المشكلات الكبرى المقبلة، بما في ذلك التشدد والتطرف. كنت أقول عبارة دائما مفادها أن الطغاة يجلبون الغزاة والغلاة.
* هل هذا يعني أن الشعب السوري أمام خيارين: التشدد أو النظام؟
- هل هذا ما كنا نريد أن نصل إليه؟ في بداية الثورة السورية نادت كل الشعارات بالدولة المدنية والديمقراطية والحرية والإفراج عن السجناء وتحسين عيش الناس، لم يكن التشدد مطروحا أبدا.
* كيف يمكن الخروج من أزمة التشدد السائدة في سوريا والتي يستعملها البعض «فزاعة»، ويعتبرها طرف آخر سببا للتلكؤ؟
- تبدأ بقرار دولي. حقيقة، إذا قرر المجتمع الدولي إنهاء القضية السورية وحلها، سنصل إلى حل.
* كيف يمكن أن نتخلص من أزمة المتشددين بقرار دولي؟
- بحل القضية السورية، فلو اتخذ قرارا وأنا باعتقادي قصر كثيرا في دعم الشعب السوري، فلو أن المجتمع الدولي قرر أن يحل المشكلة السورية في أشهرها الأولى لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. وليس صحيحا ما يقال من أنه بسبب ظروف «الفيتو». المجتمع الدولي مرت عليه حوادث مشابهة تماما، وكما تعرف في اللغة عبارة «السنة» وتعني أن يفعل بالثاني كما فعل في الأول.. لديهم خبرة تراكمية عن حوادث مشابهة، فهم يعرفون ماذا سيحصل وقدموا لنا النصائح في ذاك الوقت، وقالوا افعلوا هذا الأمر ولا تفعلوا ذلك، أي أنهم كانوا يعرفون ما ستؤول إليه الأمور.
الشعب السوري وضع أمام خيارين، إما أن يبقى أسيرا لعبوديته وإما أن يخرج بحرية مع دفع ثمن باهظ جدا، وهذا ما اتخذه الشعب السوري.
فإذا اتخذ قرار دولي بحل الأزمة السورية بشرط رحيل النظام، فإننا قادرون من جهتين، أن تدار الحكومة بشكل جيد لكي تقدم خدماتها للناس وعندها سنتمكن من استعادة أكثر من ثلاثة أرباع الموجودين في تنظيم «دولة العراق والشام»، لأننا على قناعة بأن معظم من انضم إلى هذه الجماعات المتشددة إنما انضم إليها نتيجة العوز والفقر، والنقطة الثانية رغم أننا لا ندري ما ستؤول إليه الأمور بعد ستة أشهر، لكن ليس لدى هذه الجماعات الحامل الاجتماعي حتى هذه اللحظة. وهذا شيء مهم جدا في حياة الشعوب، فلا يمكن لأي مجموعة أن تستمر إن لم يكن لديها حامل اجتماعي. باعتقادي أن هذه الجماعات المتشددة قامت في أساس بنيانها على قضايا فكرية.. أليس كذلك؟ وبالتالي نحن نملك من القدرات والتصورات ما يقارع الحجة بالحجة. دخلت في حوارات مع جماعات متشددة قبل قدومي إلى تركيا. كنا نقول لهم أنتم أمام خيارين: إما أن تكرهوا الناس على أفكاركم، ولو افترضنا أنها أفكار عادلة وصحيحة، لكن مجرد فرضها على الناس إذن أنتم تؤمنون بجواز ولاية المتغلب وهذه النظرية السياسية الأولى.
أو أن تقبلوا بالنظرية الثانية التي يؤمن بها «شيخ الإسلام ابن تيمية» الذي قال: «لا يكون الحاكم شرعيا ما لم ينل بيعة من آحاد الناس، وقائمة على الشورى ورضا الناس». وهذا في العصر الحديث لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال صناديق الاقتراع وتكوين أحزاب تدعو إلى أفكارها. لا يمكن اليوم جمع الناس برفع الأيدي. حوادث كثيرة حصلت في التاريخ الإسلامي تعزز هذا التوجه.
* تحاورت كثيرا مع جماعات متشددة منذ فترة طويلة؟
- نعم قبل خروجي، فأنا قدمت إلى السياسة من خلفية فكرية. منذ 1992 كنت ومجموعة من رفاقي العقلاء ندرس بعمق أسباب المشكلات في العالم العربي والإسلامي. لماذا هذا الاستبداد؟ ولماذا هذا التخلف الحضاري؟ من هنا بدأنا، ووصلنا إلى نتائج مهمة وأولها كان إذا أردنا أن ننهض بالعالم الإسلامي فأول خطوة علينا أن نفعلها هي أن نضع السلاح جانبا. لذلك أنا دائما أتهم بأنني أميل إلى مذهب اللاعنف والمقاومة السلمية. وبعض الناس لا يعرفون ما هي المقاومة السلمية، فالمقاومة السلمية صحيح أنه لا يسمح لك بأن تحمل السلاح ذاتيا، لكن في الوقت نفسه لا يجوز لك بأي شكل من الأشكال أن تقف ساكتا عن نطق الحق.
* متى خرجت تحديدا من سوريا؟
- منذ نحو 4 أشهر.
* أين كنت موجودا في الفترة الفاصلة بين إعلان الثورة حتى خروجك من سوريا؟
- بداية كنت في دير الزور، ثم اعتقلت مرتين على خلفية لقاءات صحافية. وبعد أن حصلت الأحداث الرهيبة في مدينة دير الزور، لم يعد بالإمكان البقاء فيها، فنزحت مع 500 ألف من أبناء دير الزور إلى الحسكة والرقة ومكثنا عدة أشهر.
* وبعد تشكيل الحكومة سيكون عملها من الداخل.
- العمل الأساسي سيكون من الداخل. كما قلت نحن نريد أن نكون قريبين جدا من الناس، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الأمنية؛ لأننا لا نريد أن نفرط لا بالوزراء ولا برؤساء المديريات ولا بأعضاء الحكومة. ولأننا في ظرف طارئ، يمكننا أن نتخذ خطوات طارئة أيضا، بمعنى أنه ليس ضروريا أن يكون لدينا مقرات ثابتة، سنكون في أقرب نقطة إلى الداخل السوري من خلال مراكز مؤقتة.



ما تداعيات التشريع الإسرائيلي الجديد بشأن وكالة «الأونروا»؟

الغموض يخيم على مستقبل نشاط «الأونروا» غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل (إ.ب.أ)
الغموض يخيم على مستقبل نشاط «الأونروا» غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

ما تداعيات التشريع الإسرائيلي الجديد بشأن وكالة «الأونروا»؟

الغموض يخيم على مستقبل نشاط «الأونروا» غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل (إ.ب.أ)
الغموض يخيم على مستقبل نشاط «الأونروا» غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل (إ.ب.أ)

يخيم الغموض على مستقبل نشاط وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الثلاثاء، غداة تصويت الكنيست الإسرائيلي على حظر أنشطتها داخل إسرائيل بما يشمل القدس الشرقية المحتلة.

يعد التشريعان اللذان أقرهما الكنيست انتصاراً سياسياً لمن يتهمون موظفين في «الأونروا» بالمشاركة في هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ما يثير قلق آلاف المستفيدين من الوكالة في الأراضي الفلسطينية.

ماذا سيحدث؟

تعمل «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في مجالي التعليم والصحة.

ويحظر التشريعان على المسؤولين الإسرائيليين العمل مع «الأونروا»، ويمنعها من العمل داخل إسرائيل بما يشمل القدس الشرقية التي احتلتها عام 1967، ثم أعلنت ضمها.

من المقرر أن يدخل التشريعان حيز التنفيذ خلال 3 أشهر.

ويشير الباحث ريكس برينين المتخصص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين إلى أنه «في المستقبل القريب، قد يجعل هذا استمرار عمليات (الأونروا) في القدس الشرقية صعباً للغاية»، مذكّراً بأن الوكالة تعمل في مخيم شعفاط للاجئين في القدس الشرقية.

لكن المتحدث باسم الوكالة جوناثان فاولر يؤكد أن «هناك تداعيات تتجاوز ما تعده إسرائيل إقليمها السيادي؛ لأن انتهاء التنسيق مع السلطات الإسرائيلية سيشكل ضربة قوية للعمليات في غزة التي نمثل نحن عمودها الفقري».

وفي قطاع غزة الذي دمرته الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، توظف الوكالة 13 ألف شخص، وتدير الاستجابة الإنسانية لمنظمات أخرى، وهي على اتصال منتظم مع السلطات الإسرائيلية، خصوصاً فيما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية.

كما سيجعل حظر التنسيق مع إسرائيل من الصعب على «الأونروا» العمل في الضفة الغربية المحتلة، حيث تخدم وفق برينين 900 ألف لاجئ، وتدير 43 مركزاً صحياً وما يقرب من 100 مدرسة.

ورداً على سؤال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، لم ترغب «الأونروا» في تقديم تفاصيل، لكنها أشارت إلى أن اتصالاتها مع الهيئة الإسرائيلية المشرفة على الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (كوغات) تتعلق بتنقلات موظفيها بشكل خاص.

ما الدافع من التشريع؟

يرى ريكس برينين أن هذا التشريع هو نتيجة «غضب الإسرائيليين» من الوكالة التي يربطونها بهجوم «حماس» في 7 أكتوبر 2023، ولكنه أيضاً نتيجة «الجهود التي بذلتها الحكومة الإسرائيلية وكثير من النواب مع مرور الوقت لإضعاف (الأونروا) من أجل تهميش قضية اللاجئين الفلسطينيين».

وأحد الوجوه التي تقف وراء ذلك النائبةُ السابقة عينات ويلف التي تنتقد الوكالة على خلفية حق العودة للاجئين، وترى أن أقلية من اللاجئين المسجلين لدى (الأونروا) هم لاجئون «وفقاً للمعايير الدولية».

تنص لوائح الأمم المتحدة على أن الأشخاص يعدون لاجئين «حتى يجري حلّ الأزمة (التي تسببت في وضعهم)»، كما تقول الباحثة البريطانية في شؤون اللاجئين آن عرفان.

وتوضح عرفان: «إنها سياسة موحدة».

وترى الباحثة أن الحظر المفروض على «الأونروا» يعكس «تغييراً كبيراً» في السياسة الإسرائيلية تجاه الاحتلال؛ لأن إسرائيل في السابق انتقدت، ولكنها لم تشكك في «الأونروا» التي يؤدي عملها إلى «خفض تكلفة الاحتلال».

منذ التصويت، واجهت إسرائيل انتقادات دولية، ويُرجع جوناثان فاولر ذلك إلى توجيهها «ضربة لتعددية الأطراف» عبر استعراض القوة في مواجهة نظام «قرارات الأمم المتحدة وأحكام المحاكم الدولية».

من يمكن أن يعوض «الأونروا»؟

منذ ما يقرب من 75 عاماً على تأسيس «الأونروا»، فشلت محاولات العثور على بدائل «فشلاً ذريعاً»، حسبما تؤكد المتحدثة باسم الوكالة جولييت توما.

ويذكّر فاولر أنه «بموجب القانون الدولي الإنساني، تقع على عاتق قوة الاحتلال مسؤولية ضمان رعاية... السكان الخاضعين للاحتلال»، مشيراً إلى مسؤولية إسرائيل في حال توقف أنشطة «الأونروا».

يقترح البعض أن تتولى دول أجنبية أو وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة مهام «الأونروا»، لكن مايكل دامبر المتخصص في شؤون الشرق الأوسط يؤكد أن «أي محاولة لتقييد دور (الأونروا) سيُنظر إليها على أنها تقويض لالتزام المجتمع الدولي بحق تقرير المصير (للفلسطينيين)».

وقالت كوغات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تشجع وكالات الأمم المتحدة الأخرى في غزة، ولكن فاولر يلفت إلى أن تلك الوكالات «لا تعمل على النطاق نفسه».

أما السلطة الفلسطينية التي تسيطر جزئياً على الضفة الغربية، ومن الممكن أن تستعيد السلطة في قطاع غزة، فإنها تواجه مشكلات مالية خطيرة، وبالتالي لن تكون قادرة على تولي مهام «الأونروا».