هاجس الخلاف الروسي ـ الغربي حول أوكرانيا يخيم على مفاوضات إيران

المتحدث الأوروبي يؤكد غياب أي أثر سلبي.. ولقاء «بناء» بين ظريف وآشتون

هاجس الخلاف الروسي ـ الغربي حول أوكرانيا يخيم على مفاوضات إيران
TT

هاجس الخلاف الروسي ـ الغربي حول أوكرانيا يخيم على مفاوضات إيران

هاجس الخلاف الروسي ـ الغربي حول أوكرانيا يخيم على مفاوضات إيران

حاولت الدول الكبرى، ومن بينها روسيا والولايات المتحدة، أن تطرح خلافاتها العميقة حول أوكرانيا جانبا خلال الجولة الجديدة من المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني التي بدأت ظهر أمس في فيينا بين إيران ودول مجموعة 5+1.
وهذا هو الاجتماع الثاني من أصل سلسلة اجتماعات مقررة بين إيران ودول مجموعة 5+1 هذا العام، والهادفة إلى إيجاد اتفاق نهائي لنحو عقد من المواجهة بين إيران التي تتمسك بحقها في الطاقة النووية المدنية والدول الكبرى التي تشتبه في سعيها لحيازة السلاح الذري. كما من شأن الاتفاق أن يلغي نهائيا تهديدات الحرب.
وقال مايكل مان المتحدث باسم مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إن القوى العالمية لم تشهد أي أثر حتى الآن للتوتر مع روسيا بسبب منطقة القرم الأوكرانية على المحادثات النووية مع إيران. وقال مان للصحافيين: «لم ألحظ أي أثر سلبي.. نحن مستمرون في عملنا ونحن متحدون». وقالت وكالة الأنباء الإيرانية، إنه من المتوقع أن تستمر الاجتماعات يومين حول برنامج تخصيب اليورانيوم في إيران وعلى رأس ذلك قضية مفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل الذي سينتج بلوتونيوم يمكن استخدامه في رؤوس حربية إذا جرى بناء تسهيلات إضافية، وافقت إيران في نوفمبر الماضي على وقف العمل في المفاعل، لكنها رفضت تفكيكه بالكامل، بينما يجري طرح فكرة تعديل طريقة عمله إلى الماء الخفيف، الذي يقول الخبراء إنه مخاطره أقل في إنتاج البلوتونيوم.
وقال المعلق الإيراني هرميداس بافاند لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يتوقع تحقيق اختراق في هذه الجولة، وإن هدف المفاوضات هو الوصول إلى خريطة طريق تمهد للوصول إلى اتفاق نهائي.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف التقى نظيرته الأوروبية كاثرين أشتون صباحا. ووصف محيط أشتون اللقاء بـ«البناء».
وحتى اليوم، وعلى الرغم من الاختلافات حول سوريا وقضايا أخرى، فإن القوى الست (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا وألمانيا) وقفت في جبهة موحدة حول هذا الملف. ولكن الأحداث الأخيرة في أوكرانيا أنتجت الأزمة الأسوأ في العلاقات بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، وهو ما يثير مخاوف من تأثير ذلك على مفاوضات الملف النووي الإيراني.
وقال مارك فيتزباتريك، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والذي يعمل اليوم في معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، والذي يبدي تشاؤما حول احتمال التوصل إلى اتفاق مع إيران، إن المواجهة الحالية جعلته «أكثر تشاؤما».
وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «من غير المرجح أن يضحي الروس من أجل الوحدة (الدولية) حول القضية الإيرانية». وأضاف أنه أصبح لدى الإيرانيين اليوم سبب إضافي للمماطلة في مفاوضاتها مع الدول الست.
وبدوره، قال مسؤول أميركي رفيع المستوى ومطلع على المحادثات مع إيران الأسبوع الماضي، إن الدبلوماسيين «يتمنون ألا تخلق الأزمة الصعبة جدا في أوكرانيا مشكلات لتلك المحادثات».
وحتى قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدأ بالتفاوض مع إيران حول اتفاق ضخم يقضي بشراء موسكو للنفط الإيراني مقابل قيام روسيا ببناء مفاعلين نوويين جديدين في إيران.
وسيقوض ذلك جهود واشنطن لقطع مورد الدخل الإيراني الأساسي، وهي الاستراتيجية التي لجأت إليها أساسا لدفع إيران نحو طاولة المفاوضات.
وبدوره، عد مارك هيبز من معهد «كارنيغي للسلام العالمي»، أن «اتفاق المقايضة الهائل» هذا يتيح لموسكو توسيعه قدر ما تشاء للحصول على «امتيازات إضافية من إيران».
وأضاف هيبز أن بإمكان روسيا أيضا «تتصرف بطريقة أحادية وتعطل المفاوضات فالخيار يعود لبوتين».
وبموجب اتفاق نوفمبر، فإن إيران جمدت أجزاء أساسية من برنامجها النووي مقابل رفع جزئي للعقوبات ووعد بعدم فرض عقوبات جديدة. وعلى الرغم من أن الاتفاق قابل للتمديد، فإن مدته تنتهي في 20 يوليو (تموز) المقبل.
ولم تفكك إيران أي قطعة من معداتها النووية بشكل ثابت ولا يزال الجزء الكبير من العقوبات المفروضة عليها من الأمم المتحدة والدول الغربية ساري المفعول، ويخسرها مليارات الدولارات من عائداتها النفطية أسبوعيا.
وتريد مجموعة 5+1 من إيران اليوم أن تقلص نهائيا، أو لفترة زمنية طويلة، نشاطاتها النووية، بحيث يكون من الصعب عليها في المستقبل تطوير السلاح النووي.
ويتطلب ذلك من إيران تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي لديها الضرورية لتخصيب اليورانيوم، الذي من الممكن أن يستخدم لأهداف سلمية ولتطوير القنبلة الذرية. كما يتطلب منها الموافقة على عمليات تفتيش دولية موسعة لنشاطاتها.
ولكن وحتى لو قوبلت إيران برفع العقوبات عنها، يبقى من غير المرجح أن يقبل المحافظون المتشددون والمقربون من المرشد الأعلى آية الله عي خامنئي بتلك القيود.
كما أنه سيكون من الصعب إقناع المحافظين الجدد في أميركا وإسرائيل (القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط وغير المعلنة) بأي اتفاق تحافظ إيران من خلاله على بعض بنيتها التحتية النووية.
وفي هذا الصدد، قال الخبير الإيراني في منظمة الأزمات الدولية علي فايز، إن «الاتفاق النهائي لن يلبي مطالب الطرفين كاملة».
وأوضح أنه «على الغرب أن يتعايش مع عدد من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية (لإنتاج المواد النووية) أكبر مما يعده مناسبا، أما إيران فعليها أن تقبل برفع للعقوبات أقل مما تتمنى».
القضايا الرئيسة في ملف الخلاف النووي

* تخصيب اليورانيوم: تخلت القوى الغربية فعليا عن فكرة حمل إيران على وقف كل أنشطة تخصيب اليورانيوم التي تخشى تلك القوى أن يكون هدفها صنع قنابل ذرية لكنها تريد الحد منها.
* تقول إيران إنها تنقي اليورانيوم لصنع وقود لمحطات الطاقة النووية وتستبعد إغلاق منشأتي تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو.
* لدى إيران الآن زهاء عشرة آلاف جهاز للطرد المركزي تدور بسرعة الصوت لزيادة نسبة النظير الانشطاري في خليط اليورانيوم ويقول الخبراء الغربيون إن هذا العدد يجب خفضه إلى بضعة آلاف.
* تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها حرمان إيران من إمكانية الوصول بسرعة إلى اكتساب القدرة على صنع قنبلة نووية.

بحوث الطرد المركزي
* تطور إيران نماذج جديدة من أجهزة الطرد المركزي في نطنز.
* بمقدور الأجهزة الحديثة تخصيب اليورانيوم بمزيد من السرعة.
* تقول إيران إن من حقها اكتساب التكنولوجيا النووية للاستعمالات المدنية.
* يسمح الاتفاق المؤقت لإيران بمواصلة أنشطة البحث والتطوير الحالية.
* من المرجح أن تسعى القوى العالمية لفرض قيود صارمة على أنشطة البحث والتطوير.

أراك
* يخشى الغرب أن ينتج مفاعل البحوث الذي يعمل بالماء الثقيل في أراك البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه وقودا لقنبلة نووية.
* تقول إيران إن المفاعل صمم لإنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية.
* يقول الخبراء الغربيون إن المفاعل يمكن تعديله لتهدئة المخاوف بخصوص إمكان صنع قنبلة من خلال خفض قدرته أو تغيير نوع الوقود مثلا.
* قالت إيران إنها يمكن أن تعدل المفاعل لكنها لم تذكر تفاصيل.

تحقيق وكالة الطاقة الذرية
* تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في احتمال أن تكون إيران أجرت أبحاثا بخصوص طريقة صنع قنبلة ذرية وتنفي إيران ذلك.
* يقول المسؤولون الغربيون إنه لا بد لإيران من التصدي لهذه المزاعم في إطار أي تسوية للنزاع الأشمل. لكنهم لم يوضحوا ماذا ينبغي لها أن تفعل تحديدا.

العقوبات
* تريد إيران رفع الإجراءات العقابية المفروضة عليها على وجه السرعة.
* من المرجح ألا تفعل القوى الكبرى ذلك بموجب أي اتفاق إلا بطريقة تدريجية.



ألمانيا توقف شخصاً إضافياً بشبهة الانتماء إلى خلية تابعة لـ«حماس»

النيابة العامة الفيدرالية الألمانية تعلن إيقاف مشتبه به بالانتماء إلى خلية تابعة لحركة «حماس» (أ.ف.ب)
النيابة العامة الفيدرالية الألمانية تعلن إيقاف مشتبه به بالانتماء إلى خلية تابعة لحركة «حماس» (أ.ف.ب)
TT

ألمانيا توقف شخصاً إضافياً بشبهة الانتماء إلى خلية تابعة لـ«حماس»

النيابة العامة الفيدرالية الألمانية تعلن إيقاف مشتبه به بالانتماء إلى خلية تابعة لحركة «حماس» (أ.ف.ب)
النيابة العامة الفيدرالية الألمانية تعلن إيقاف مشتبه به بالانتماء إلى خلية تابعة لحركة «حماس» (أ.ف.ب)

أعلنت النيابة العامة الفيدرالية الألمانية، الأربعاء، أن الشرطة أوقفت مشتبهاً به بالانتماء إلى خلية تابعة لحركة «حماس» كانت تخطط لهجمات تستهدف مؤسسات إسرائيلية أو يهودية.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أوضحت النيابة أن الموقوف (برهان. ك)، المولود في لبنان، اعتُقل مساء الثلاثاء أثناء دخوله ألمانيا من جمهورية التشيك.

وأشارت إلى أن المشتبه به اشترى في أغسطس (آب) «بندقية آلية وثمانية مسدسات من نوع غلوك وأكثر من 600 طلقة ذخيرة داخل ألمانيا»، ونقلها إلى مشتبه به آخر يُدعى (وائل. ف).

وكان الأخير من بين ثلاثة رجال أُوقفوا الشهر الماضي في برلين للاشتباه في حيازتهم أسلحة وذخائر.

وأضافت النيابة العامة أن الشرطة الدنماركية فتشت مواقع في كوبنهاغن ومحيطها على صلة بكل من (برهان. ك). ومشتبه به آخر، فيما اعتُقل مشتبه إضافي الأسبوع الماضي في لندن بناء على طلب من السلطات الألمانية.

من جهتها، نفت حركة «حماس» الفلسطينية أي صلة لها بالمخطط.


تقدم روسي متسارع يربك الغرب

سيارة مدمرة في مدينة بوكروفسك مع تقدم القوات الروسية أمس (رويترز)
سيارة مدمرة في مدينة بوكروفسك مع تقدم القوات الروسية أمس (رويترز)
TT

تقدم روسي متسارع يربك الغرب

سيارة مدمرة في مدينة بوكروفسك مع تقدم القوات الروسية أمس (رويترز)
سيارة مدمرة في مدينة بوكروفسك مع تقدم القوات الروسية أمس (رويترز)

بينما تسعى كييف لتثبيت خطوطها قبل حلول الشتاء، تبدو أوروبا غارقة في «المنطقة الرمادية» بين الحرب والسلم، في وقت تتكثف فيه الهجمات السيبرانية وحوادث التخريب والتجسس بالطائرات المسيرة، ما يعكس تصعيداً روسيّاً غير معلن يتجاوز حدود أوكرانيا. وتتواصل مؤشرات التحول الميداني في الحرب الروسية - الأوكرانية، مع تحقيق القوات الروسية مكاسب متتالية على جبهات القتال، وسط تراجع القدرات الدفاعية الأوكرانية ونفاد الذخائر الغربية.

بحسب تحقيق موسع نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، يشهد المجال الجوي الأوروبي موجة غير مسبوقة من الطائرات المسيرة المجهولة المصدر، يُشتبه بأن روسيا تقف وراءها.

Russian President Vladimir Putin chairs a meeting with members of the Security Council in Moscow, Russia, November 5, 2025. Sputnik/Gavriil Grigorov/Pool via REUTERS

في ألمانيا وحدها، رُصدت 3 اختراقات يومياً فوق منشآت عسكرية وصناعية حساسة، بينما أغلقت مطارات كبرى، مثل فرانكفورت وميونيخ مؤقتاً بسبب خطر الاصطدام بطائرات مدنية. وقالت الصحيفة إن هذه الحوادث ليست سوى «قمة جبل الجليد» في حرب هجينة متصاعدة تشمل تخريباً في السكك الحديدية، وهجمات إلكترونية على بنى تحتية للطاقة، وحملات تضليل إعلامي تستهدف الرأي العام الأوروبي.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس لخّص الموقف بدقة حين قال: «لسنا في حرب مع روسيا، لكننا لم نعد في سلام أيضاً». فالقارة، بحسب مراقبين، تعيش حالة من «اللايقين الاستراتيجي»؛ إذ تواجه تهديداً غير تقليدي يصعب الردّ عليه عسكرياً دون المخاطرة بتصعيد شامل.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) يصافح أحد الجنود بالقرب من مدينة بوكروفسك في منطقة دونيتسك (أ.ب)

غير أن الكرملين اتهم الأوروبيين، قائلاً إن هناك «أجواء عسكرية» في أوروبا، وإن روسيا ترى أن أوروبا تستعد للحرب معها، ما قد يؤدي إلى إجهاد اقتصاداتهم، بحسب المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف.

تزايد الشكوك وتآكل الردع

الاتهامات الغربية لروسيا بالتورط في تلك الهجمات تأتي في سياق التقدم العسكري الروسي داخل أوكرانيا، وتراجع الدعم الغربي. فبينما تنفي موسكو أي علاقة بالاختراقات، يرى محللون أن الكرملين يستخدم هذه الوسائل لتقويض الجبهة الداخلية الأوروبية وإضعاف حماسها لدعم كييف.

وقد وثّقت أجهزة الأمن الألمانية آلاف الحوادث المرتبطة بطائرات مسيّرة خلال هذا العام، بعضها فوق مصانع للأسلحة والبنية التحتية للطاقة. ووفق تقرير داخلي للشرطة الفيدرالية الألمانية بعنوان «السلاح الجديد: الطائرة المسيرة»، فإن عدد الحوادث تجاوز 4 آلاف، معظمها منسق، ما يشير إلى تورط جهة فاعلة.

وتعاني السلطات الأوروبية من صعوبات تقنية وقانونية في مواجهة هذه التهديدات. فالكشف عن طائرات صغيرة منخفضة الارتفاع أمر معقد، كما أن إسقاطها في مناطق مأهولة قد يثير مشكلات أمنية وقضائية. هذا الارتباك الإداري بين الشرطة والجيش وهيئات الطيران المدني جعل بعض الخبراء يحذرون من أن «الدول لم تعد تسيطر فعلياً على أجوائها».

بوتين خلال تفقده جنوداً مصابين في مستشفى عسكري بموسكو (رويترز)

التهديد لا يقتصر على الجو. فقد شهد العام الماضي سلسلة حوادث غامضة في المياه الأوروبية، بينها تخريب كابلات بحرية وأنابيب غاز تربط القارة بالأسواق العالمية. ورغم غياب الأدلة القاطعة، يشتبه مسؤولون في أن موسكو تسعى لإظهار قدرتها على ضرب نقاط ضعف أوروبا الحيوية دون إطلاق النار. ويقول ديف بيتس، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إن «الخصوم أدركوا أن بإمكانهم الاختباء خلف الغموض والإنكار لتنفيذ عمليات تخريب وإكراه سياسي دون إثارة ردّ عسكري».

إلى جانب ذلك، رصدت وحدات الاستخبارات الأوروبية نشاطاً متزايداً لحملات التضليل الإعلامي عبر الإنترنت. شركة «غوغل ثريت إنتليجنس» أكدت ارتفاعاً كبيراً في المحتوى الموالي لروسيا الذي يسعى إلى إضعاف الدعم الشعبي لأوكرانيا وإبراز موسكو في صورة المنتصر، خصوصاً بعد الانتهاكات الجوية الأخيرة في بولندا وبلجيكا.

جندي أوكراني يسير بجوار مبانٍ متضررة وسط بوكروفسك في منطقة دونيتسك بأوكرانيا (أ.ب)

تبدل موازين القوى

على الأرض، تشير تقارير ميدانية إلى أن القوات الروسية استعادت المبادرة على جبهات الشرق والجنوب، خصوصاً في دونيتسك وزابوروجيا، وسط صعوبات متزايدة تواجهها القوات الأوكرانية في تأمين الذخائر وقطع الغيار. ويرى محللون أن الحملة الروسية اعتمدت تكتيك «القضم البطيء»، مستفيدة من الإنهاك الأوكراني وتراجع الإمدادات الغربية.

وتحدثت مصادر عسكرية غربية عن تراجع الدعم اللوجستي الأميركي بعد إعادة إدارة الرئيس دونالد ترمب النظر في برامج المساعدات، مقابل تعزيز العقوبات الاقتصادية على موسكو. فقد فرضت واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول) عقوبات مشددة على شركتي «روسنفت» و«لوك أويل»، متهمة الكرملين بتمويل عملياته العسكرية من عائدات النفط. كما أعلنت لندن حظر خدمات الشحن البحري للغاز الطبيعي الروسي، في خطوة إضافية لخنق موارد موسكو.

مدفعيون أوكرانيون يطلقون النار من مدفع «هاوتزر» ذاتي الحركة باتجاه القوات الروسية بالقرب من بلدة بوكروفسك على خط المواجهة في منطقة دونيتسك يوم 15 أكتوبر 2025 (رويترز)

تخوف من تمدد الصراع شرقاً

لكن القلق الأكبر يتمثل في احتمال أن تمتد الحرب خارج أوكرانيا. صحيفة «واشنطن بوست» حذّرت في افتتاحيتها من أن «الكرملين بدأ ينقل أدوات الحرب الهجينة إلى جواره الآسيوي»، مشيرة إلى مؤشرات على نشاط روسي مريب في كازاخستان وأرمينيا، وهما بلدان مهمان في المجال الحيوي الروسي.

وتحدثت تقارير استخباراتية عن محاولات روسية لإثارة اضطرابات في المناطق ذات الغالبية الروسية في كازاخستان، فيما كشفت السلطات الأرمينية مؤامرة انقلابية يُشتبه في ضلوع رجال أعمال موالين لموسكو فيها.

ويرى محللون أن هذه التحركات تهدف إلى منع انزياح دول آسيا الوسطى والقوقاز نحو الغرب، بعد أن فقدت موسكو كثيراً من نفوذها هناك بفعل حرب أوكرانيا. ويقول خبراء أميركيون إن روسيا، العاجزة حالياً عن فتح جبهات جديدة عسكرية، تفضل الاستثمار في الفوضى السياسية والمعلوماتية لتقويض خصومها. ويحذر هؤلاء من أن «الفرصة الجيوسياسية لاحتواء النفوذ الروسي لن تدوم طويلاً»، داعين واشنطن والاتحاد الأوروبي إلى دعم اقتصادي واستثماري أوسع في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، ولا سيما قطاعات المعادن النادرة والطاقة.

مجموعة السبع: دعم هشّ وتردد متزايد

في خضم هذه التطورات، اجتمع وزراء خارجية دول مجموعة السبع في نياغرا على الحدود الأميركية - الكندية، في محاولة لتوحيد الموقف الغربي بشأن أوكرانيا. لكن خلف البيانات المتفائلة، بدت الانقسامات واضحة. فبينما شددت ألمانيا وفرنسا على ضرورة إيجاد «مخرج دبلوماسي» يوقف الحرب، دعت واشنطن ولندن إلى مواصلة الضغط الاقتصادي والعسكري على موسكو. وقالت وزيرة الخارجية الكندية أنيتا أناند إن «العالم يواجه بيئة متقلبة ومعقدة، والتحدي هو في الحفاظ على وحدة الصف الغربي».

ويأتي هذا الاجتماع في وقت تواجه فيه كييف شتاءً قاسياً جديداً، مع تدمير متكرر لمحطات الكهرباء والبنية التحتية للطاقة. وتشير تقديرات أوكرانية إلى أن أكثر من 40 في المائة من منظومتها الكهربائية خرجت عن الخدمة، فيما يزداد الضغط الداخلي على الحكومة الأوكرانية للبحث عن تسوية.

ويجد الغرب نفسه أمام مشهد ضبابي: روسيا تتقدم عسكرياً، وتوسّع نفوذها عبر «حروب رمادية» تتحدى الخطوط الحمراء دون تجاوزها، بينما يعاني التحالف الغربي من إنهاك مالي وسياسي متزايد. وفيما تسعى كييف للصمود مدعومة بتعاطف شعبي واسع، تدرك أن ميزان القوى بدأ يميل تدريجياً لمصلحة موسكو.

ويرى مراقبون أن ما يجري اليوم لا يشبه الحرب الباردة القديمة، بل صراعاً مفتوحاً ومتعدد الطبقات، عسكرياً وإلكترونياً ومعلوماتياً واقتصادياً، تخوضه روسيا لإعادة رسم موازين القوة في أوروبا والعالم. وفي حين تصرّ موسكو على أن عمليتها في أوكرانيا تسير وفق «خطة محسوبة»، فإن الأوروبيين يعيشون اليوم مرحلة بينية قلقة، لا حرب شاملة فيها، ولا سلام حقيقي، بل واقع رمادي جديد يجعل القارة على حافة مواجهة أكبر لا يمكن التنبؤ بنتائجها.


وكالتان أمميتان تحذران من «16 بؤرة جوع» في العالم

فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام من مطبخ خيري في مدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام من مطبخ خيري في مدينة غزة (رويترز)
TT

وكالتان أمميتان تحذران من «16 بؤرة جوع» في العالم

فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام من مطبخ خيري في مدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام من مطبخ خيري في مدينة غزة (رويترز)

حذرت وكالتان تابعتان للأمم المتحدة معنيتان بالغذاء، اليوم الأربعاء، من أن ملايين الأشخاص حول العالم قد يواجهون المجاعة، فيما يفاقم نقص التمويل أوضاعاً متردية أصلاً، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأفاد التقرير المشترك الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي أن النزاعات والعنف هما السببان الرئيسيان لانعدام الأمن الغذائي الحاد في غالبية البلدان المعرضة للخطر.

وأدرجت الوكالتان، ومقرهما في روما، هايتي ومالي وفلسطين وجنوب السودان والسودان واليمن ضمن أسوأ البلدان، «حيث يواجه السكان خطراً وشيكاً لجوع كارثي».

فتاة فلسطينية صغيرة تقف خارج منزلها المدمر في جباليا الواقعة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

واعتُبرت أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبورما ونيجيريا والصومال وسوريا «محل قلق بالغ»، بالإضافة إلى بوركينا فاسو وتشاد وكينيا إضافة إلى لاجئي الروهينغا في بنغلادش.

وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين: «نحن على شفير كارثة جوع يمكن تجنبها تماماً وتهدد بتفشي المجاعة على نطاق واسع في العديد من البلدان»، محذرة من أن عدم التحرك «سيؤدي فقط إلى مزيد من عدم الاستقرار والهجرة والنزاع».

وأشار التقرير إلى أن تمويل الإغاثة الإنسانية يعاني من «نقص خطير»، إذ لم يتم جمع سوى 10.5 مليار دولار من أصل 29 مليار دولار مطلوبة لمساعدة المعرضين للخطر.

وقال برنامج الأغذية العالمي إنه بسبب تخفيضات التمويل، خفّض المساعدات المقدمة للاجئين والنازحين، فيما علق برامج التغذية المدرسية في بعض البلدان.

وحذرت منظمة الأغذية والزراعة من أن الجهود المبذولة لحماية سبل العيش الزراعية مهددة، «وهي ضرورية لتحقيق استقرار إنتاج الغذاء ومنع تكرار الأزمات».

وأضافت أنه يلزم توفير التمويل للبذور وخدمات صحة الثروة الحيوانية، «قبل بدء مواسم الزراعة أو حدوث صدمات جديدة».