اقتصاديون: دول الربيع العربي في حاجة لإصلاحات هيكلية

أكدوا أن معدلات التنمية الجيدة وحدها لم تنجح في حماية مصر وتونس

اقتصاديون: دول الربيع العربي في حاجة لإصلاحات هيكلية
TT

اقتصاديون: دول الربيع العربي في حاجة لإصلاحات هيكلية

اقتصاديون: دول الربيع العربي في حاجة لإصلاحات هيكلية

انطلقت أعمال المؤتمر السنوي رقم 22 لمنتدى البحوث الاقتصادية بالقاهرة أمس السبت، بمشاركة مجموعة من أبرز العلماء والخبراء في مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتعليم في الشرق الأوسط والعالم، في محاولة لتقديم مقترح لمسار جديد للتنمية في المنطقة.
وقال أحمد جلال، رئيس المنتدى، وزير المالية المصري الأسبق، إن المواطنين في دول الربيع العربي خرجت إلى الشوارع لأنها رفضت جدول أعمال التنمية التي وضعته دول المنطقة قبل 2011، ونتج عنه سوء توزيع للثروة.
«تريد مصر أن تكون ضمن أسعد 30 دولة في العالم، هذه فكرة جيدة لكن ما الطريقة لتحقيقها؟» يتساءل جلال أثناء كلمته الافتتاحية للمؤتمر.. ويرد بأن الطريق هو حسن إدارة الفترة الانتقالية للدول التي شهدت تغير أنظمة منذ 2011، وتحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة نظام اقتصادي يشترك فيه الجميع.
وقال حافظ غانم، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن الدول التي قامت بها الثورات كانت تحقق معدل نمو جيد خاصة «مصر وتونس»، لكنها تعاني من سخط شعوبها بشكل أكبر من الدول المجاورة التي تحقق معدلات نمو أقل. متابعا أنه «يمكن أن يفترض البعض أن مظاهرات الربيع العربي ارتبطت أكثر بالسياسة وليس الاقتصاد، ولكن البيانات تقول إن 25 في المائة ممن قاموا بالثورة على (الرئيس الأسبق زين العابدين) بن علي يقولون إن الأوضاع الاقتصادية كانت سيئة رغم أن معدل النمو في تونس كان جيدا».
ويفسر غانم هذه البيانات بأن هناك استبعادا للنساء والشباب وصغار المزارعين من ثمار النمو الاقتصادي، موضحا أن «بطالة الشباب مرتفعة بشكل ملحوظ في بلادنا، وتزيد مع ارتفاع مستوى التعليم، أما النساء فتتساوى مع الرجال في التعليم، لكنهن يحصلن على فرص عمل أقل، واستبعاد النساء من الاقتصاد يؤثر سلبا على توسع قاعدة الطبقة الوسطى في الشرق الأوسط، ما يُصعب من مهمة خلق طبقة وسطى، لا تعمل فيها النساء، ويعمل فيها الرجال بإنتاجية منخفضة».
وأشار غانم إلى النظم الاقتصادية في دول الربيع العربي استبعدت مناطق بأكملها من حركة التنمية «مثل سيدي بو زيد في غرب تونس وصعيد مصر، وهي مناطق كانت خارج حركة التنمية ويعتمد سكانها على عوائد الزراعة»، مشيرا إلى أن دور النظم السياسية العربية حاليا هو تحديد المستبعدين من التنمية وإصلاح السياسات الاقتصادية لضبط وتحسين أوضاعهم».
وانتقد غانم فشل التخطيط في المنطقة العربية نتيجة عدم متابعة التنفيذ، موضحا أن «عدم إشراك المجتمع في التخطيط يتسبب في تأخر التنفيذ، بالإضافة إلى ضعف الرقابة.. فالخطة الخمسية في اليابان تُنفذ خلال 3 سنوات بينما في مصر لا نتابع مدى تنفيذ الخطة أصلا».
من جانبه قال محسن خان، من معهد الأطلنطي بواشنطن، إن دول الربيع العربي لم تحصل على دعم كاف لإجراء التغيير ولم يكن هناك نموذج متفق عليه للحكم بعد الثورات، مشيرا إلى تجربة دول شرق أوروبا في التحول الاقتصادي، حيث كانت خطط التحول واضحة لنموذج السوق المفتوحة، بالإضافة إلى المساعدات المُقدمة من دول الجوار الأوروبية. وقال إنه «في الحالة العربية لم يكن هناك نموذج، وتم التعامل مع الاقتصاد بطريقة رد الفعل، والاهتمام بحل المشكلات اليومية، هذا بالإضافة إلى أن حكومات ما بعد الثورات، اهتمت باكتساب رضا المواطنين عن طريقة زيادة الدعم والتوظيف الحكومي ما أضر بالموازنات وتسبب في زيادة العجز»، وفقا لخان.
وارتفع العجز في الموازنة التونسية من 0.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2010، إلى 4.3 في المائة في 2014.
وأضاف خان أن الدول الغربية لم تف بالتزاماتها تجاه دول الربيع العربي، حيث تعهدت عدد من الدول بضخ 40 مليار دولار في قمة دول الثماني الصناعية الكبرى - دوفيل 2011، ولكن الدول الخليجية فقط هي من قدمت مساعدات لمصر بعد 30 يونيو (حزيران) 2013، في حين أن «أوروبا والولايات المتحدة لم تعطيا شيئا».
من جانبه، طالب عادل ماليك، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة أكسفورد، بأن يتم خلق عقد اجتماعي جديد في الدول العربية يشمل جميع فئات المواطنين، مشيرا إلى أن «المنظومة الاجتماعية في تونس تحولت من الضعف إلى الهشاشة، ومصر تمر الآن بمرحلة تغيير واضحة، كما تقوم دول الخليج بإصلاحات كبيرة في طرق إنفاقها».
ويرى ماليك أن الدول العربية كانت تتبع النظام الاجتماعي الناصري الذي يوفر لمواطنيه الوظائف والسلع المدعمة، والآن تتذمر بعض فئات المجتمع من انسحاب الدولة، بالإضافة إلى التحيز لكبار الرأسماليين، و«هذا الوضع يضعف فرص تحقيق معدلات نمو مرتفعة، ولا بد من تغييره».



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.