طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (7 من 7): صراع أجهزة المخابرات ينهك ليبيا.. ويحول طرابلس إلى مدينة للرعب

ميليشيات تأثرت بها.. وبعضها يتفاخر بامتلاك منظومة «للتجسس والتصفية»

عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
TT

طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (7 من 7): صراع أجهزة المخابرات ينهك ليبيا.. ويحول طرابلس إلى مدينة للرعب

عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)

سعر الوحدة الواحدة من منظومة تقنية لـ«المراقبة والتجسس»، يختلف حسب الإمكانات والجودة ونوع المورِّد الذي يجنح عادة لاستغلال الظروف الأمنية السيئة في العاصمة الليبية. استيراد «منظومة» متوسطة الإمكانيات لأمير من أمراء الحرب، وتركيبها في مزرعته أو بيته أو مكتبه، تبدأ كلفتها من 100 ألف دولار فما فوق. وتلقى أجهزة متابعة المكالمات الهاتفية والتنصت على الخصوم والأصدقاء، وتحديد المواقع والتحركات، رواجا وهوسا بين الكثير من قادة الميليشيات والتنظيمات المتطرفة.
يقول مصدر أمني غربي يعمل في طرابلس، إن 20 قياديا في العاصمة تأكد حصولهم على منظومات تجسس متقدمة سهلها لهم سماسرة على علاقة بأجهزة مخابرات دولية، خلال الشهور الثلاثة الماضية، تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.. «آخر وحدة من هذا النوع، اشتراها قيادي كبير في المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) بلغت قيمتها 500 ألف دولار، وجرى تركيبها في مسقط رأسه في بلدة زوَّارة، وذلك بعد يومين اثنين من القصف الأميركي على بلدة صبراتة المجاورة، والذي وقع يوم 19 الشهر الماضي».
يأتي هذا وسط صراع لأجهزة مخابرات دولية على الأراضي الليبية ما أدى إلى إنهاك هذا البلد وتحويل طرابلس إلى مدينة للرعب. وتشير تحقيقات يقوم بها مسؤولون ليبيون إلى أن الصراع المخابراتي للميليشيات تغذيه أجهزة مخابرات مختلفة «تتصارع فوق رؤوس الشعب الليبي».
تعرَّف قادة للمقاتلين على منظومات التجسس في أيام الحرب التي دعمها حلف الناتو ضد معمر القذافي. وتطورت خبرة بعضهم بهذا الشأن مع دخول أجهزة استخبارات عربية وأجنبية للعمل مع أمراء الميليشيات انطلاقا من هذا البلد.
اليوم تجد نوعا من التفاخر لدى زعماء الحرب الأهلية، غير المنضبطين، بامتلاك منظومات لـ«التجسس» وأن لديهم علاقة بالدولة الفلانية والجهاز المخابراتي الفلاني. تسبب الولع بالتنصت على الخصوم وبعض الأصدقاء، في اكتشاف خيانات وتلاعب وأوامر بالتصفية الجسدية، مثلما حدث داخل تنظيم «جند الحق» الموالي لـ«داعش» في منطقة الحرشة في غرب طرابلس، وكما وقع من خلافات بشأن رغبة تنظيم «جماعة المرابطين» في إدخال 2500 عنصر إلى داخل العاصمة، قبل أسبوعين.
كشفت عمليات التجسس بين قادة في طرابلس أيضا، عن وجود تعاون خفي بين زملاء لهم، مع ميليشيا تطلق على نفسها «سُبل السلام»، وتنشط في نطاق مدينة الكفرة في تهريب الأسلحة والمهاجرين من السودان. بعد ذلك سقط عشرات القتلى. وفي مناطق أخرى أدى التنصت لاكتشاف عملاء مزدوجين جرت تصفية بعضهم وما زال البعض الآخر مطاردا.
منذ عام 2011 ساعدت عدة دول في حلف الناتو مجموعات المتمردين المسلحين على نظام القذافي، وكان من بين هذه المساعدات أجهزة تحديد إحداثيات المواقع الخاصة بقوات النظام السابق، ثم تطورت إلى أجهزة لمراقبة هواتف القادة العسكريين في الجيش الليبي في ذلك الوقت بسبب طول مدة الحرب التي استمرت ثمانية أشهر.
ضابط أميركي متقاعد يعمل في ضاحية جنزور بطرابلس وعلى صلة بشركة «ستراتفور» الاستخباراتية الخاصة، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «معظم الأجهزة ذات الطابع المخابراتي التي قدمتها دول غربية لزعماء الحرب ضد القذافي اختفت.. أكثر الأجهزة المتقدمة كانت في بلدة سرت، وهي الآن إما لدى قادة في ميليشيات طرابلس، أو لدى تنظيم داعش الذي سيطر على سرت وينشط في مدن أخرى».
لا تقتصر قدرة أجهزة المراقبة التي كانت في سرت، واختفت، على تتبع الهواتف الجوالة التابعة لشركات ليبية، مثل ليبيانا والمدار، ولكنها مزودة بإمكانية رصد هواتف مستهدفة وتابعة لشركات اتصالات في دول أخرى.. «بمجرد تلقي الرقم المعني لاتصال من أحد الأطراف، تخرج إشارة من الجهاز، ويبدأ في التسجيل وتحديد موقعي الطرفين».
ويشير المصدر الأميركي نفسه إلى وجود وحدات أخرى للمراقبة والتجسس كانت تابعة للأجهزة الأمنية في عهد القذافي، واستولى عليها أمراء الحرب أيضا، لكنها تعد بدائية وتعتمد على التسجيل على أشرطة ممغنطة، ومع ذلك ما زالت تعمل حتى الآن في بعض مكاتب جهاز المخابرات الذي يديره تحالف للميليشيات في طرابلس. بينما الأجهزة الحديثة تختلف وذات سعة تخزين كبيرة.
منذ أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وصلت فرق أمنية غربية لاستكشاف الأوضاع في ليبيا، بالتزامن مع قلق دولي من تنامي الجماعات المتطرفة في هذا البلد الغني بالنفط والغاز. ومن بين المعدات التي جلبتها معها في صناديق خشبية كبيرة، أجهزة تنصت ومراقبة، إضافة إلى أجهزة للكشف عن الغازات السامة. تستعين الفرق الأمنية الأجنبية بمساعدين محليين للحراسة والمشاركة في العمل التقني.
«أي فرق أجنبية تعمل على الأرض لا بد أن تتعاون مع القوى الموجودة. هذا حدث في العراق من قبل، ويحدث في ليبيا الآن». هكذا يقول لـ«الشرق الأوسط» المحلل الأميركي من أصل مصري، شريف الحلوة، المعني بالتطورات في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها ليبيا والعراق وسوريا، مشيرا إلى أن «الشركات الأمنية لا تعمل إلا بتنسيق كامل وشامل مع جميع الأطراف الليبية.. الغرض تجميع أكبر قدر من المعلومات والسيطرة على الموقف وتوجيهه لصالح السياسة الأميركية أو الأوروبية أو الغربية بشكل عام، وكذلك لصالح سياسة حلف الناتو في المنطقة».
بعض شركات الأمن التي جاءت من وراء البحار وحطت على شواطئ طرابلس، تبدو، مما يظهر من تحركاتها، أنها معنية أساسا بترتيب الأوضاع لتمكين حكومة فايز السراج، للعمل انطلاقا من العاصمة.. تقوم بتعلية أسوار لقرى سياحية خالية من الزبائن، تقع على البحر، ونصب أبراج المراقبة حول هذه المقار، أي أنه اتجاه لتأسيس منطقة خضراء للسراج بالتعاون مع بعض الميليشيات.. «أعتقد أن الأمر يشبه ما حدث في الماضي في العراق».
ويضيف الحلوة قائلا إن شركات الأمن الغربية، خاصة الأميركية «لديها صلاحيات وإمكانات تشبه ما تتمتع به وزارة الدفاع، بما فيها الحصول على معلومات من الأقمار الاصطناعية والقيام بعمليات استخباراتية.. يتعاملون يدا بيد مع المخابرات المركزية الأميركية والأمن الوطني الأميركي».
الزخم الاستخباراتي في طرابلس ليس غربيا فقط، ولكن جرى رصد نشاط لمخابرات من بلدان مختلفة، كما يقول مصدر من شركة «ستراتفور»، مشيرا إلى أن وجود الفرق الغربية لا يقتصر على العاصمة، ولكنه يمتد إلى شرق البلاد «لتقديم استشارات للجيش». معلوم أن هذه الشركة متخصصة في عمليات الاستخبارات الجيوسياسية، كما أنها توفر للأفراد والمنظمات في جميع أنحاء العالم، تحليلات استراتيجية وتنبؤات بالمستقبل.
ويعتقد هذا المصدر أن الفرق الأمنية التي حطت في طرابلس لديها إمكانات أكبر من تلك الموجودة في الشرق.. «تتعامل أيضا مع أقمار اصطناعية للحصول على صور حية للتحركات على الأرض، ناهيك عن تتبع مكالمات هاتفية وأماكن وجود زعماء المتطرفين في العاصمة وما حولها».
يوم 21 الشهر الماضي، وفي خضم المخاوف من تنامي تنظيم داعش، على حساب قوى الميليشيات التقليدية، وبينما المجاميع المسلحة تتجسس بعضها على بعض، جرى الكشف في لقاء بين اثنين من القيادات الإخوانية (أحدهما نائب في البرلمان وهو من مصراتة، والثاني عقيد في رئاسة الأركان من طرابلس)، عن قيام مهندسين عسكريين من دولة إسلامية تقع في البحر المتوسط، بتركيب منظومة تجسس كاملة لصالح تنظيم داعش، وجرى وضع هذه المنظومة وتجهيزها للعمل فيما يعرف باسم «ديوان المحكمة الشرعية» في معقل التنظيم الدموي في قلب مدينة سرت.
مقر التجسس الداعشي الجديد في هذه المدينة الساحلية الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا، مربوط بسفينة تقف في وسط البحر مقابل خليج سرت، كما اتضح أن هناك زوارق تتنقل، بين حين وآخر، وهي تحمل مهندسين وتقنيين، بين السفينة والديوان الداعشي المشار إليه.
ولدى «داعش» محطات مراقبة في العاصمة منها في مقر زعيم التنظيم في عين زارة، وفي دار الحسبة في منطقة القربولي، وفي معسكر يقع قرب مطار معيتيقة. يعمل على هذه الأجهزة تقنيون دواعش من جنسيات مختلفة أغلبهم تونسيون.
أما عن تفاصيل صفقة شراء المنظومة لقيادي في البرلمان السابق، والتي بلغت قيمتها نصف مليون دولار، وأشرف على الصفقة مهندس متخصص في الاتصالات ومسؤول في شركة هواتف جوالة. ويقول مصدر في الشركة إن المسؤول المشار إليه جرى استدعاؤه من جانب القيادي البرلماني، وسأله عن موضوع انتشار أجهزة التجسس بين زعماء الميليشيات، ومن أين تأتي وما هي أسعارها، فأخبره أنه يتم استيرادها عن طريق سماسرة في أوروبا، وأن الأسعار تبدأ من 100 ألف دولار فما فوق.
يبدو أن البضاعة كانت حاضرة في العاصمة، حيث إنه جرى الاتفاق بين الرجلين على إتمام الصفقة، داخل مركب كانت راسية على الشاطئ اسمها «زرقاء اليمامة». وطلب القيادي البرلماني السابق أن تكون المنظومة من النوع المتقدم إلى حد معقول، ولهذا كان السعر نصف مليون دولار، وطلب أيضا أن يتفرغ مسؤول الاتصالات نفسه، من العمل، لعدة أيام، ويتوجه بمنظومة المراقبة إلى الاستراحة الخاصة بالقيادي المذكور والموجودة في بلدة زوارة، وأن يشرف على تركيبها هناك، وأن يدرب فريقا من أنصاره على إدارتها.
ساعدت أجهزة المراقبة على تنفيذ عمليات تصفية جسدية بشعة من جانب دواعش وميليشيات، وقطاع طرق ولصوص ومهربين، في مناطق مختلفة من البلاد. من بين عشرات الضحايا، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، رجل يدعى «خُمُر» يبدو أنه كان مطلوبا من جانب جماعة متشددة تنشط فيما يعرف بـ«إمارة الخُمس». تولى عملية الرصد عبر تقنية متقدمة قيادي في الجماعة يدعى «السالمي». وبدأ في تتبع تحركات الهدف.
واطلعت «الشرق الأوسط» على محاضر تحقيقات بشأن هذه العملية من مصادر أمنية غربية في طرابلس. تقول أوراق التحقيقات إن الأوامر صدرت من الجماعة بقتل «خُمُر» إذا تعذر القبض عليه، وأن السالمي، وهو يتابع تحركاته عبر أجهزة التجسس، أخذ يعطي التعليمات لعناصر مسلحة تابعة لجماعته.. «خُمُر وصل الآن إلى منطقة غنيمة.. خُمُر توجه إلى تاجوراء من الطريق الساحلي.. رأيتم سيارته.. اعترضوها الآن».
وفي يوم آخر، وبناء على أجهزة التجسس التي يملكها، اكتشف قيادي لتنظيم صغير يعمل في غرب طرابلس، ويتعاون مع «داعش»، ويدعى «رشيد»، خيانة من تجار أسلحة في منطقة اسمها «بو شيبة»، وأصدر أوامر لأحد أتباعه المقيمين في مدينة غريان، ويدعى «برشوش»، وفقا للمصادر الغربية نفسها، بأن يتوجه مع فرقة تابعة للجماعة ويدمر الموقع بمن فيه من تجار وما فيه من أسلحة.
ورصدت فرقة أمنية غربية متخصصة في رصد مواقع التجسس والتنصت، وجود ما لا يقل عن خمسين محطة في طرابلس وحدها، من ماركات وتقنيات مختلفة، بعضها يفوق في قدراته المحطات الموجودة لدى جهاز مخابرات العاصمة. كما اكتشفت الفرقة نفسها أن ملكيتها تعود لعشرين قياديا بينهم مسؤولون في المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق)، والبعض الآخر من ميليشيات تابعة للجماعة الليبية المقاتلة، والإخوان، و«داعش».
أحيانا تكون هناك بعض المؤشرات الإيجابية من وراء المراقبة بغض النظر عمن يقوم بها، فتنظيم مثل «سبل السلام» الذي يعمل في أقصى الجنوب الشرقي من البلاد، لا توجد عنه معلومات كثيرة بعد، حتى في أوساط المحققين الغربيين الذين يعملون في العاصمة. من خلال تتبع تحركات المتطرفين في طرابلس، ومن خلال نشاط أجهزة الاستخبارات، جرى اكتشاف وجود التنظيم بقيادة رجل يدعى «هاشم» وأن له اتصالات مع قادة في العاصمة، ويتعاون معهم في تجارة السلاح وفي جلب المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود.
ومن الجنوب يقول الناشط والإعلامي الليبي، يوسف غالي، لـ«الشرق الأوسط» عن هذا التنظيم إنه موجود بالفعل. ويتنافس «هاشم» مع زعماء ميليشيات في المنطقة على التهريب، وهو من المعادين للجيش الوطني. يبدو أن معلومات وصلت بالخطأ من طرابلس لهذه الميليشيا عن دخول مدد للفريق أول خليفة حفتر من حركة العدل والمساواة السودانية، أدت لهجومه على مجموعة مهاجرين غير شرعيين أثناء توقفهم للاستراحة في منطقة بوزريق، ما أدى لمقتل أكثر من ثلاثين، و«جرى التنكيل بباقي المهاجرين وتصويرهم على أنهم من الحركة السودانية المشار إليها».
ومن العمليات التي جرى تنفيذها بعيدا عن أعين العالم، في أقصى الجنوب، قيام تنظيم «سبل السلام» أيضا بحرق واحة بزيمة، في عملية انتقامية للأسباب نفسها. أما بالقرب من طرابلس، وبحسب مصدر أمني غربي، فقد رصدت اثنتان من منظومات التجسس المحلية نشاطا لنجل القذافي، سيف الإسلام، رغم أنه محبوس في سجن في منطقة الزنتان، بعد الحكم عليه بالإعدام من محكمة تخضع لهيمنة الميليشيات في العاصمة العام الماضي.
ويشير المصدر إلى أن منظومة مراقبة على علاقة بمكتب اللجنة الأمنية «أبو سليم»، وأخرى تابعة لمكتب استخبارات «جماعة الإخوان» في طرابلس، رصدت «تحالفا بين قادة في منطقة الزنتان وقوة من قبائل موالية لنظام القذافي، وأن سيف يخطط مع هذا التحالف لإحداث انتفاضة في العاصمة».
الولايات المتحدة يبدو أنها تشترط منح البرلمان الحالي الثقة للحكومة التي اقترحتها الأمم المتحدة، برئاسة السراج، أواخر العام الماضي، قبل شن حرب حقيقية من جانبها، على «داعش» في ليبيا. يقول أحد ضباط الفرق الأمنية الغربية المقيمة في منطقة «سيدي عبد الجليل» على كورنيش طرابلس: «الحقيقة.. (داعش) اليوم أكثر قوة، الكل يعرف هذا عن ليبيا».
ويضيف أنه يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لديها معلومات دقيقة عن مواقع التنظيم في البلاد، لكن مسألة التخلص منه عسكريا، أمر يتطلب تحالفا مع أوروبا ودول أخرى. كما أن واشنطن لن تنفذ أي عمليات كبرى في ليبيا إلا بعد وجود حكومة توافق وطني.
لكن مستشار رئيس البرلمان، عبد المجيد، أبلغ «الشرق الأوسط» بأن هذا الأمر ما زال بعيد المنال، لأن الحكومة المقترحة بهذه الحالة «مجرد حكومة وصاية مفروضة من الخارج»، و«لا تحظى بقبول غالبية أعضاء البرلمان ولا الشعب». وأضاف: «بشكل عام التحديات صعبة وليبيا في مفترق طرق».



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.