الانسحاب الروسي يعزز الهدنة.. ومعارضون يرجعون الهدوء إلى «ارتباك النظام»

غارة لـ«النصرة» وحلفائها على ريف حماه الشرقي.. والنظام يحصن مواقعه بريف اللاذقية

مراسم رسمية روسية لاستقبال عناصر قوات جوية عائدة من سوريا (رويترز)
مراسم رسمية روسية لاستقبال عناصر قوات جوية عائدة من سوريا (رويترز)
TT

الانسحاب الروسي يعزز الهدنة.. ومعارضون يرجعون الهدوء إلى «ارتباك النظام»

مراسم رسمية روسية لاستقبال عناصر قوات جوية عائدة من سوريا (رويترز)
مراسم رسمية روسية لاستقبال عناصر قوات جوية عائدة من سوريا (رويترز)

تلقت قوات النظام السوري، أول من أمس، الضربات بعد الانسحاب الجزئي الروسي من سوريا، بهجوم شنته جبهة النصرة والكتائب الحليفة لها، أمس، محرزة أول تقدم عسكري ميداني، حيث أغارت على عدة نقاط عسكرية للنظام في محيط قريتين في ريف حماه الجنوبي الشرقي، في وقت دفعت فيه قوات النظام بتعزيزات إلى منطقة ريف اللاذقية، وضاعفت التحصنات في مناطق خاضعة لسيطرتها.
وبخلاف تلك الخروق، واشتباكات مع تنظيم داعش في ريفي حمص وحماه ودير الزور، شهدت معظم الجبهات الأخرى هدوءًا وسط تراجع وتيرة العمليات، تنفيذًا لقرارات الهدنة، رغم أن وتيرة الهدوء تضاعفت بعد الإعلان الروسي، بحسب ما قال مصدر معارض لـ«الشرق الأوسط»، مضيفًا: «الإعلان الروسي أربك قوات النظام التي تحاشت شن أي هجمات باستثناء استكمال هجومها في تدمر ضد (داعش) المدعوم من سلاح الجو الروسي»، مشيرًا إلى أن هذا الإرباك «يؤكد أن هجمات قوات النظام ما كانت لتتم لولا الاعتماد على سلاح الجو الروسي». وأشار المصدر إلى أن جبهة الجنوب في درعا «شهدت هدوءًا لافتًا»، كذلك جبهات ريف دمشق باستثناء جبهة المرج، إضافة إلى جبهات أرياف إدلب وحماه وحلب وحمص.
وعلى جبهة المرج في الغوطة الشرقي بريف دمشق التي تشهد معارك مستمرة منذ التوصل إلى اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 فبراير (شباط) الماضي، أفاد ناشطون باستمرار الاشتباكات العنيفة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل الإسلامية وجبهة النصرة من جهة أخرى، في محيط بلدة الفضائية بمنطقة المرج في الغوطة الشرقية، وسط استهدافات متبادلة بين الجانبين. وأفاد المكتب الإعلامي لجيش الإسلام بأن اشتباكات عنيفة تدور على محور الفضائية، عقب محاولة الأسد التقدم في منطقة المرج، تحت قصف كثيف من الأسلحة الثقيلة، و«قد تمكن الثوار من إعطاب دبابة طراز T72».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس، باندلاع اشتباكات بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، وجبهة النصرة واللواء 313 وفيلق حمص من جهة أخرى، في محيط قريتي حنيفة والجرنية بريف حماه الجنوبي الشرقي إثر هجوم جديد للأخير على المنطقة. ولفت المرصد إلى تقدمها، وسيطرتها على عدة نقاط في المنطقة، قبل انسحابها وإعطاب ناقلة جند. ويعد هذا التقدم الأول من نوعه في سوريا بعد إعلان روسيا البدء بسحب القسم الأكبر من قواتها العاملة في سوريا، علمًا بأن الطائرات الروسية كان شاركت في عمليات عسكرية ضد القوات المناوئة لقوات النظام في ريف حماه الشرقي، ومكنتها من استعادة السيطرة على مناطق خسرتها، وتحديدًا القرى المحيطة بخط الإمداد الوحيد للنظام إلى مدينة حلب المعروف بخط أثريا - خناصر.
وفي الوقت نفسه، دفعت قوات النظام السوري بتعزيزات إلى ريف اللاذقية الشمالي، بالتزامن مع تحصين مواقعها في مواقع سيطرت عليها في ذروة الدعم الجوي الروسي. وأفاد «مكتب أخبار سوريا» المعارض بأن قوات النظام واصلت تحصين مواقعها التي سيطرت عليها أخيرًا في ريف اللاذقية، تزامنًا مع توقف المعارك والقصف منذ خمسة أيام، نتيجة سوء الأحوال الجوية. وقال عضو «تجمع ثوار سوريا الإعلامي» هاشم أبو العبد إن العناصر النظاميين «حفروا خنادق حول التلال المحيطة بقرية الكبانة وجبل القلعة وبلدة كنسبا الخاضعة جميعها لسيطرتهم، مستغلين سوء الأحوال الجوية»، مشيرًا إلى أن هناك معلومات تفيد بنقل القوات النظامية عناصرها من مدينة القامشلي إلى مواقعها في ريف اللاذقية.
وتعتبر تلك المناطق خطوط اشتباك مع فصائل المعارضة، بعد أن تقدمت القوات النظامية، وسيطرت على معظم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في جبلي التركمان والأكراد. ولم يبقَ بعهدة قوات المعارضة سوى منطقة جغرافية تناهز مساحتها الـ150 كيلومترًا مربعًا. وسيطرت القوات النظامية خلال الأشهر الثلاثة الماضية على معظم ريف اللاذقية الشمالي، فيما استعادت فصائل المعارضة أخيرًا السيطرة على قرية كلز في منطقة جبل التركمان الحدودية مع تركي. وتوقفت هجمات النظام على تلك المنطقة بعد الانسحاب الروسي، لكن اشتباكات محدودة سجلها ناشطون في المنطقة يوم أمس.
وأفاد «المرصد السوري» باندلاع اشتباكات بين غرفة عمليات قوات النظام بقيادة ضباط روس، بالإضافة إلى قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وعربية وآسيوية من طرف، والفرقة الأولى الساحلية وحركة أحرار الشام الإسلامية وأنصار الشام والفرقة الثانية الساحلية والحزب الإسلامي التركستاني وجبهة النصرة وفصائل إسلامية ومقاتلة أخرى من طرف آخر في محور كنسبا وعدة محاور أخرى، في ريف اللاذقية الشمالي.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.