الأكراد يتحّدون المفاوضين في جنيف بإعلان نظامهم الفيدرالي في شمال سوريا

أعلن الأكراد يوم أمس إقامة النظام الفيدرالي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بشمال سوريا، في وقت أكد كل من النظام والمعارضة رفضهما لأي خطوة منفردة من هذا النوع.
ويعدّ هذا الإعلان رسالة واضحة إلى المجتمعين في جنيف من الأكراد الذين تم استبعادهم عن المفاوضات، وهو ما لمح إليه رئيس «حزب الاتحاد الديمقراطي» صالح مسلم، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «فليدرك المجتمعون في جنيف والمعترضون على هذه الخطوة ماذا حقّقنا خلال السنوات الماضية، ولا سيما لجهة تحرير مناطقنا من النظام وداعش على حد سواء، مع تأكيدنا على أنّ إعلان النظام الجديد هو لتنظيم العلاقات بين مكونات مجتمع هذه المناطق، من دون أن يعني ذلك أننا سنكون نسخة عن كردستان العراق»، لافتا إلى أنّه بضم ما كان يعرف بمناطق «روج آفا» إلى تلك الأخيرة في شمال سوريا، باتت اليوم مجتمعة تحت اسم «الاتحاد الديمقراطي روج آفا وشمال سوريا»، وهي خطّة كان قد بدأ البحث عليها قبل أربعة أشهر وأعلن عنها بعد اجتماعات ومشاورات مكثفة بين مختلف المكونات في هذه المناطق. وقال عضو الهيئة التنفيذية لحركة المجتمع الديمقراطي الكردية الدار خليل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «مؤتمر جنيف لن ينجح من دوننا، نحن موجودون على الأرض ونحارب داعش ونحمي المنطقة وندير شؤونها وجغرافيتها».
وجاء التصويت بالموافقة على إقامة نظام اتحادي في المناطق الثلاث الخاضعة للأكراد والتي تتمتع بالحكم الذاتي، في ختام أعمال «الاجتماع التأسيسي لنظام الإدارة الذاتية»، الذي استمر ليومين في بلدة رميلان في شمال شرقي سوريا، تحت شعار «سوريا الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب»، وفق ما جاء في بيان عن المجتمعين الذين بلغ عددهم نحو 200 شخصية، مؤكدا أنّ الهدف هو حل للأزمة السورية وضمان حقوق جميع الشعوب السورية وبناء سوريا ديمقراطية وفقَ نظام لا مركزي تعددي. والمناطق المعنية في النظام الفيدرالي هي المقاطعات الكردية الثلاث، كوباني (ريف حلب الشمالي) وعفرين (ريف حلب الغربي) والجزيرة (الحسكة)، بالإضافة إلى تلك التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية أخيرا، خصوصا في محافظتي الحسكة (شمال شرق) وحلب (شمال).
وقال مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه تمّ تشكيل مجلس تأسيسي للنظام الفيدرالي من 31 شخصا، وانتخب كل من منصور السلومي (عربي من تل أبيض) والكردية هدية يوسف، رئيسين مشتركين، على أن يعمل المجلس خلال ستة أشهر على وضع خطّة متكاملة قد تؤدي إلى انتخاب رئيس ومجلس نيابي وتشكيل حكومة». ورأى الخليل أن هناك مبالغة في التعاطي السلبي مع هذه الخطوة، نافيا أن تحمل الفيدرالية أي ملامح انفصالية، مشددا على أنها إذا طبقت كما يجب فستكون الشكل الأمثل لسوريا المستقبل بعدما ساهم تنظيم داعش وغيره في تقسيمها. وأوضح أن «الفيدرالية، تختلف عن الإدارة الذاتية، التي انضم إليها عدد من المناطق في شمال سوريا إضافة إلى عفرين وكوباني والجزيرة، لناحية نظام الحكم الاتحادي بتقسيماته الإدارية، لافتا إلى أنه سيتم انتخاب رئيس لها وبرلمان وحكومة خلال المرحلة الانتقالية في ستة أشهر.
ورفض كل من النظام السوري والائتلاف المعارض، النظام الفيدرالي الكردي. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصدر في وزارة الخارجية تأكيده أن «طرح موضوع الاتحاد أو الفيدرالية سيشكل مساسا بوحدة الأراضي السورية.. ولا قيمة قانونية له». وشدد على أنه لن يكون للإعلان «أي أثر قانوني أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي ما دام لا يعبر عن إرادة كامل الشعب السوري بكل اتجاهاته السياسية وشرائحه المتمسكين جميعا بوحدة بلادهم أرضا وشعبا».
ومن جهته أكد الائتلاف السوري المعارض في بيان: «لا مكان لأي مشاريع استباقية تصادر إرادة الشعب السوري»، وحذر «من أي محاولة لتشكيل كيانات أو مناطق أو إدارات تصادر إرادة الشعب السوري». وشدد الائتلاف على أن «تحديد شكل الدولة السورية، سواءً أكانت مركزية أو فيدرالية، ليس من اختصاص فصيل بمفرده أو جزء من الشعب، أو حزب أو فئة أو تيار»، بل سيتم ذلك «بعد وصول المفاوضات إلى مرحلة عقد المؤتمر التأسيسي السوري الذي سيتولى وضع دستور جديد للبلاد». وأكد الائتلاف أنه «لن يقبل أي مشروع يقع خارج هذا السياق، ويصر على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا».
من جهته، أعلن الجيش الحر رفضه لهذه الخطوة وقال في بيان له: «في خطوة غير مسبوقة تخالف ثوابت الثورة السورية أقدمت مجموعات تابعة لإدارة الحكم الذاتي الكردي، حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي ومن ورائه النظام السوري على إعلان اجتماع للتمهيد للحكم الفيدرالي بشمال سوريا، ونحن إذ ندرك أن تلك المجموعات لا تعبر عن إرادة إخوتنا الكرد السوريين ولا تطلعاتهم لوطن حر متماسك فإننا في قيادة جيش التوحيد نؤكد التمسك بثوابت الثورة وعلى رأسها وحدة الأراضي السورية وإقامة مجلس حكم انتقالي». ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان كان من المتوقع أن يجرى التصويت على النظام الاتحادي الأربعاء، لكنه أرجئ يوما لأسباب، منها مطالب الجماعات العربية والآشورية المحلية بضمانات بأن ذلك لن يعني الانفصال عن سوريا.
وبعدما أبدت تركيا أكثر من مرّة قلقها من أن يذكي نفوذ الأكراد في سوريا النزعة الانفصالية بين الأقلية الكردية التركية. قال مسؤول تركي كبير لوكالة «رويترز» إن تركيا تعارض أي خطوات منفردة لإقامة كيانات جديدة في سوريا على أساس عرقي وأي مبادرة منفردة ستضر بوحدة سوريا. وأضاف: «ينبغي أن تظل سوريا واحدة دون إضعافها، وعلى الشعب السوري أن يقرّر مستقبلها بالاتفاق وبموجب دستور». ويسيطر أكراد سوريا فعليا على 400 كيلومتر موصولة من الأراضي بمحاذاة الحدود مع تركيا من نهر الفرات إلى الحدود مع العراق، حيث يتمتع الأكراد العراقيون بالحكم الذاتي منذ أوائل تسعينات القرن الماضي. كما يسيطر الأكراد السوريون على منطقة من الحدود الشمالية الغربية في عفرين.