مدينة بلتشلي البريطانية.. مهد التعاون الاستخباري الأميركي ـ البريطاني

ساهم في تقليص فترة الحرب العالمية الثانية عامين

آلة «إنيغما» في مركز فك التشفيرات «بلتشلي بارك» (نيويورك  تايمز)
آلة «إنيغما» في مركز فك التشفيرات «بلتشلي بارك» (نيويورك تايمز)
TT

مدينة بلتشلي البريطانية.. مهد التعاون الاستخباري الأميركي ـ البريطاني

آلة «إنيغما» في مركز فك التشفيرات «بلتشلي بارك» (نيويورك  تايمز)
آلة «إنيغما» في مركز فك التشفيرات «بلتشلي بارك» (نيويورك تايمز)

بعد رحلة كانت ستنتهي بهجوم جوّي ألماني، وصل أربعة ضباط من الاستخبارات الأميركية في وقت متأخر من مساء أحد أيام شهر فبراير (شباط) 1941 إلى منزل كبير قاتم اللون في الريف الإنجليزي، كان مأوى كبار ضباط الاستخبارات البريطانية وخبراء فك الشفرات السرية.
بمجرد دخولهم إلى المبنى السري، شرع الضباط في تبادل معلومات عالية السرية لا تزال طي الكتمان حتى يومنا هذا. وبعد مرور 75 عاما، أصبحت عملية تبادل المعلومات هذه في مركز فك الشفرات الحربية البريطانية السرية، المعروف إعلاميا باسم «بلتشلي بارك»، تعتبر البداية الحقيقية لأكبر تحالف استخباري وأعظم علاقة لتبادل المعلومات السرية في التاريخ.
ولكن تأتي هذه الذكرى في وقت تخضع فيه تلك الروابط الاستخبارية للكثير من التساؤلات الملحة، ولا سيما بعد الفضائح التي كشف عنها إدوارد سنودن، موظف وكالة الأمن القومي الأميركية الأسبق، الذي تعمد الإفصاح عن عدد كبير من الوثائق حول مستوى المراقبة الإلكترونية الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها.
أما بريطانيا، ومن خلال مركز التنصت، المعروف باسم «مقر قيادة الاتصالات الحكومية» أو اختصارا (GCHQ)، فتعتبر من البلدان القليلة التي تمتلك شيئا قد يتناسب والقدرات الأميركية في هذا المجال، وتسببت مشاركتها في عمليات المراقبة الإلكترونية في الفوضى التي أعقبت فضائح سنودن من خلال المناقشات الواسعة حول تحقيق التوازن بين الأمن والخصوصية.
وقبل 75 عاما، اشتملت المهمة السرية الأميركية على تبادل الخبرات الأميركية في كسر نظام الاتصالات الياباني السري، والمعروف وقتئذ باسم «النظام البنفسجي»، مع الخبرة البريطانية في نظام «Enigma» للتشفير الألماني الشهير. ولم تكن الولايات المتحدة قد دخلت الحرب العالمية الثانية آنذاك.
ووفقا للسير جون سكارليت، المدير السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني، أو الاستخبارات الخارجية البريطانية، ورئيس مجلس إدارة صندوق أمناء بلتشلي بارك، فلقد كانت تلك العملية في غاية الأهمية والحسم، بسبب تبادل الدولتين «لأكبر الأسرار لدى كل منهما، ولم يكن يجمعنا آنذاك تحالف رسمي معلن، كما لم يكن لدينا أي التزام تجاه بعضنا البعض، ولم تكن الولايات المتحدة قد دخلت الحرب بالأساس، ولم تدخلها إلا بعد مرور عام على ذلك التاريخ».
وأضاف سكارليت: «لا أستطيع المبالغة في تأكيد عمق وخطورة هذه الأسرار في ذلك الوقت، ومن ثم كانت هناك مخاطرة كبيرة من جانب كلا الطرفين، فعليا. لقد كان يسيرا للغاية على الجانب البريطاني، بكل تأكيد، والأميركي من دون شك، للتساؤل عن كيفية التعامل مع هذا الأمر ومن الذي سيعرف به في نهاية المطاف.. إلى جانب كافة الأمور التي يساور العاملين في هذه المجالات القلق بشأنها».
وكشف مركز «بلتشلي بارك» الثلاثاء الماضي عن رسالة أرسلت في عام 1945 من طرف الجنرال دوايت أيزنهاور، الذي يتولى في وقت لاحق منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، يشكر فيها الجانب البريطاني للمعلومات الاستخبارية التي يعتقد أنها تسببت في تقليل عدد سنين الحرب العالمية الثانية عامين كاملين.
من جهتهم، يعكف الخبراء على الكشف عن أهمية الاستراتيجيات الاستخباراتية التي استخدمت في «بلتشلي بارك»، في توجيه تقنيات التجسس في العصر الحديث. يقول ديفيد كينيون، الباحث والمؤرخ في بلتشلي بارك: «كانت الأساليب التي يستخدمها مقر قيادة الاتصالات الحكومية البريطانية ضد تنظيم داعش هي الأساليب نفسها التي تأسس العمل بها وتطبيقها خلال الحرب العالمية الثانية». وأضاف: «من الواضح أن أساليب فك الشفرات المستخدمة في عمليات الحرب العالمية الثانية أصبحت قديمة، حيث يمكنك الآن كتابة تطبيق على هاتف الآيفون لفك شفرات برنامج Enigma الألمانية - ولكن الأمر لا يتوقف عند مجرد فك الشفرات. بل يتعلق بكافة الجوانب الأخرى من استخبارات الإشارة، ونقل المعلومات، والتحليل، ومن يتصل بمن، ومتى، ومن أي مكان».
ويستخلص كبار ضباط الاستخبارات في العصر الحديث بعض أوجه الشبه مع الوضع الحالي. ففي الشهر الماضي، وفي زيارة إلى بلتشلي بارك، وصف الأميرال مايكل روجرز، مدير وكالة الأمن القومي الأميركية، الأمر بقوله: «إنه بمثابة تذكرة لنا في هذه الأيام، أنه إذا نظرنا إلى جهود مكافحة الإرهاب أو الأمن الإلكتروني - والمشاكل الخطيرة والكبيرة - فهي تذكرة جيدة أن دولنا المعنية قد خاضت صعوبات وتعاملت مع مشكلات كبيرة من قبل». والعلاقات البريطانية الأميركية، كما يقول روبرت هانيغان مدير مقر قيادة الاتصالات الحكومية البريطانية، يمكنها «القيام بأمور فعلا رائعة في وجه التهديدات التي نعالجها اليوم كما فعلنا ذلك قبل 75 عاما».
ويعد المكان نفسه، بلتشلي بارك، الذي شهد بداية كل شيء والذي ورد ذكره في الفيلم الشهير «لعبة المحاكاة»، يعتبر بمثابة تذكير بعصر مختلف، كان العدو فيه واضحا وجليا، ولم تكن قضايا الخصوصية جزءا من النقاش المطروح.
وللذكرى أهميتها كذلك بسبب أن قصة «بلتشلي بارك»، مع مآثرها البطولية لفك الشفرات الحربية، تساعد في تسليط الضوء على توضيح الاستعداد البريطاني الكبير للثقة في جواسيسهم أكثر من غيرهم من الدول الأوروبية في نفس القارة. فبدلا من إجراء عمليات المراقبة بحق المواطنين، مثل مراقبة أعضاء الاستخبارات السرية في الدول الأوروبية الفاشية أو الشيوعية، كان الجواسيس البريطانيون يركزون جهودهم على مكافحة النازيين.
* خدمة «نيويورك تايمز»



بعد تصريحات ترمب عن غرينلاند وكندا... شولتس: «حرمة الحدود تنطبق على كل دولة»

TT

بعد تصريحات ترمب عن غرينلاند وكندا... شولتس: «حرمة الحدود تنطبق على كل دولة»

المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

ذكَّر المستشار الألماني، أولاف شولتس، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب علناً بمبدأ حرمة الحدود، وذلك على خلفية إعلان الأخير عن رغبته في الاستحواذ على جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك. وبعد مشاورات مع رؤساء حكومات أوروبية، قال شولتس في برلين، اليوم (الأربعاء)، إن «حرمة الحدود تنطبق على كل دولة» سواء كانت في الشرق أو الغرب.

وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية، في وقت سابق اليوم، إن ألمانيا على علم بتعليقات ترمب بشأن غرينلاند وكندا، وتتمسك بالمبدأ الدولي الذي يقضي بعدم تعديل الحدود بالقوة.

وأضاف في مؤتمر صحافي دوري: «كما هو الحال دائماً، فإن المبدأ النبيل لميثاق الأمم المتحدة واتفاقات هلسنكي ينطبق هنا، وهو عدم جواز تعديل الحدود بالقوة».

علم غرينلاند يظهر في قرية إيغاليكو (أ.ب)

وأحجم المتحدث عن التعليق حينما سئل عما إذا كانت ألمانيا تأخذ تعليقات ترمب بجدية.

ورفض ترمب، أمس الثلاثاء، استبعاد اللجوء إلى إجراءات عسكرية أو اقتصادية للسيطرة على قناة بنما وغرينلاند، كما طرح فكرة تحويل كندا إلى ولاية أميركية.

وطرح ترمب الذي سيُنصّب رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) فكرة تحويل كندا إلى ولاية أميركية، قائلاً إنه سيطالب حلف شمال الأطلسي بإنفاق مبالغ أكبر بكثير على الدفاع وتعهد بتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا.

وعلى الرغم من تبقي 13 يوماً على تولي ترمب الرئاسة، فإنه بدأ وضع سياسة خارجية متشددة فيما يخص الاعتبارات الدبلوماسية أو مخاوف حلفاء الولايات المتحدة. وعندما سُئل في مؤتمر صحافي عما إذا كان يستطيع أن يؤكد للعالم أنه لن يستخدم القوة العسكرية أو الاقتصادية في محاولة السيطرة على هاتين المنطقتين، رد ترمب: «لا أستطيع أن أؤكد لكم، أنتم تتحدثون عن بنما وغرينلاند. لا، لا أستطيع أن أؤكد لكم شيئاً عن الاثنتين، ولكن يمكنني أن أقول هذا، نحن بحاجة إليهما من أجل الأمن الاقتصادي».