طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (4 من 7): رعاة إبل يفضحون عملية إسقاط شحنة أسلحة مجهولة لصالح «داعش»

تفاصيل مفاوضات «المشتل» بين الإخوان والتنظيم المتطرف في طرابلس

أحد عناصر «داعش» يتمركز خلف مدفع رشاش في نقطة مراقبة على الساحل الليبي («الشرق الأوسط»)
أحد عناصر «داعش» يتمركز خلف مدفع رشاش في نقطة مراقبة على الساحل الليبي («الشرق الأوسط»)
TT

طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (4 من 7): رعاة إبل يفضحون عملية إسقاط شحنة أسلحة مجهولة لصالح «داعش»

أحد عناصر «داعش» يتمركز خلف مدفع رشاش في نقطة مراقبة على الساحل الليبي («الشرق الأوسط»)
أحد عناصر «داعش» يتمركز خلف مدفع رشاش في نقطة مراقبة على الساحل الليبي («الشرق الأوسط»)

تتناول الحلقة الرابعة من سلسة تحقيقات «الشرق الأوسط» عن تطورات الأوضاع في العاصمة الليبية، تفاصيل قضيتين لافتتين جرت وقائعهما في الأيام التالية لانتصارات الجيش الليبي ضد المتطرفين في بنغازي أواخر الشهر الماضي. الأولى تخص وقائع كان من بين أطرافها رعاة إبل تسببوا في فضح عملية إسقاط شحنات أسلحة من طائرات مجهولة لصالح «داعش» في غرب البلاد، وفقا لمحاضر تحقيقات وشهود عيان بشأن القضية.
والثانية تتناول «مفاوضات المشتل» التي جرت في العاصمة الليبية. تقول المصادر إنها جرت بإشراف شخصية إقليمية من دولة متهمة بالتعامل مع الجماعات المتطرفة بالمنطقة، وذلك في محاولة للتوفيق بين إخوان ليبيا وزعيم «داعش» في طرابلس، واتضح من هذه المفاوضات وجود أزمة تمر بها جماعة إخوان ليبيا بسبب انسداد الأفق السياسي، وازدياد قوة «داعش» في طرابلس وما حولها.
يأتي هذا بينما تستمر تحركات مجموعات المقاتلين المدججين بالأسلحة والمنتمين إلى فصائل مختلفة في العاصمة.. تتفق كلها على محاربة الجيش الوطني، لكن يبدو أن بعضها أصبح يتربص ببعض، مع اتجاه المجتمع الدولي لحسم أمره حيال الوضع المعقد في الدولة الغنية بالنفط والفوضى.. فوضى تحولت إلى كابوس لدول الجوار الليبي ولأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ظهر في عدة اجتماعات عقدت في العاصمة أن كل قائد مجموعة مسلحة ينظر إلى الأمور من زاوية خاصة، بينما يقوم «داعش» بتعزيز إمكانياته بطريقة مريبة. ويقول قائد عسكري في جيش القبائل الذي يرابط قرب الزنتان جنوب غربي طرابلس ويتعاون مع الجيش الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر: «نحن هنا لا نتحدث عن أسلحة خفيفة لدى التنظيمات المتطرفة، سواء (داعش) أو غيرها من ميليشيات، ولكن نتحدث عن مدرعات ودبابات وصواريخ ومطارات يصلح بعضها للاستخدام العسكري، مثل مطاري مصراتة وامعيتيقة».
حين اختلطت الأحداث بتقدم الجيش الوطني ضد المسلحين في بنغازي، في النصف الثاني من الشهر الماضي، توجهت مجموعة من قادة طرابلس لعقد مزيد من الاجتماعات واللقاءات، بحثا عن رد مناسب، سواء ضد حفتر أو ضد جيش القبائل، لكن الوضع العام يقول إن المتشددين اختاروا المشي في نفس طريق التطرف، حتى لو أدى ذلك إلى انشقاقات داخل جماعة الإخوان، وداخل الجماعة الليبية المقاتلة، لصالح «داعش»، الذي أصبح منافسا قويا في العاصمة، كما يقول القائد العسكري في جيش القبائل.
بينما خلافات قادة الميليشيات كانت منصوبة في فنادق وسط العاصمة، كان رعاة إبل قد عثروا على شحنات أسلحة بعد أن أسقطتها طائرات على سبيل الخطأ في مناطق الرعي في غرب طرابلس. لم تتمكن «الشرق الأوسط» من الحصول على معلومات عن هوية هذه الطائرات، إلا أنه أمكن التعرف، من مصادر عسكرية ليبية، على عدد من أنواع الأسلحة، ومنها قذائف «آر بي جي»، وبنادق قنص، ومناظير للرؤية الليلية، وذخيرة من عيار 23 ملليمتر مخصصة للمدافع المضادة للطائرات المنخفضة.
الكشف عن واقعة إنزال طائرات لأسلحة لتنظيم داعش تعد من الحوادث المثيرة لعلامات الاستفهام في طرابلس. في اليوم التالي جاءت تفاصيل جديدة. تقول معلومات المحققين الأمنيين في العاصمة إن العملية جرت كالتالي.. في يوم الاثنين، الثاني والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، أي بعد ثلاثة أيام من الغارة الأميركية على صبراتة، كان أنصار للشيخ رشيد، الذي يقود جماعة تسمى «جند الحق» لها علاقات جيدة مع «داعش»، قد تركوا المدينة وانتشروا في منطقة الحرشة التي تبعد عن غرب صبراتة بنحو 25 كيلومترا، أي في نطاق مدينة الزاوية.
يوجد في الجهة القبلية من منطقة الحرشة طريق مرصوف بالقار يؤدي إلى منطقة بئر الغنم. من هناك يمكن أن تدخل في دروب ترابية تفضي إلى وادي الحي، حيث تكثر الأعشاب البرية، والرعاة، خاصة في فصل الربيع.
هذا الوادي يمتد بعيدا عن التجمعات السكانية المبعثرة في الأرجاء، وينتهي عند حدود بلدة الرابطة.. أي على المشارف الغربية من بلدة غريان. مع الساعات الأولى من كل يوم ترى مجموعات من النوق وهي تتحرك في بطن الوادي، بحثا عن الكلأ. حين شهد رعاة الإبل صناديق الأسلحة - التي أفادت التحقيقات فيما بعد أنها هبطت في الليل من السماء - أبلغوا أقرب مجموعة موجودة، وكانت من عناصر «جند الحق».
يقول أحد رعاة الإبل ويدعى حسين، إنه سمع صوت طائرات تحوم في السماء، خلال الليل، وذلك بعد أن جمع إبله لينام بجوارها في وادي الحي. أضاف أن هذا أمر معتاد منذ شهور.. «حيث إننا نرى بين وقت وآخر مثل هذه الطائرات تحوم مرة في النهار ومرة في الليل». في الصباح عثر حسين وعدد آخر من أصحابه الرعاة على نحو ثلاثين صندوقا مبعثرة في المنطقة، وكل صندوق مربوط بحبال موصولة بمظلة ذات لون بني. سقطت معظم الشحنة في «حمادة وادي الحي» بالتحديد.
يعد الوادي وما حوله، من خطوط المواجهات العسكرية التي دارت فيها معارك كثيرة في العامين الماضيين، بين ميليشيات «فجر ليبيا»، والوحدات التابعة للجيش (الفرع المحسوب على الموالين للقذافي، ويعمل بدرجة تنسيق محدودة تحت قيادة حفتر). كانت تلك الحروب الصغيرة تجري من أجل فرض السيطرة على المساحات الممتدة من هنا حتى حدود تونس. لكن تآكل تحالف «فجر ليبيا»، بخروج كتائب تابعة لمدينة مصراتة من قواتها، إضافة إلى انشغال الجيش بالحرب ضد المتطرفين في الشرق، جعل جبهة وادي الحي، هادئة منذ شهور.
مرت ساعات النهار، وأخذ خبر العثور على الصناديق ينتشر بين باقي الرعاة. يقول حسين: «في الحقيقة أصابنا الخوف. في البداية لم نعرف ماذا نفعل». ووفقا لشهادات من عدد من الرعاة، فقد كانت عناصر من جماعة «جند الحق»، قد وجدت قرب «حمادة وادي الحي»، قبل الواقعة بعدة أيام. وعليه ظن الرعاة أن الجماعة ما جاءت إلى هذه المنطقة إلا من أجل استقبال شحنات الأسلحة. يقول حسين: «لهذا قمنا بإخطارهم بالموضوع، فجمعوا الصناديق في سياراتهم ومضوا».
علم زعيم «داعش» في طرابلس، المدهوني، بالمصير الذي آلت إليه شحنات الأسلحة. ووفقًا لاجتماع عقده قادة التنظيم لبحث الأمر، وجرى رصده من جانب محققين في العاصمة، اتضح أن «داعش» هو من كان ينتظر هبوط صناديق السلاح، وتبين أن الرجل المسؤول عن إعطاء الإحداثيات للطائرة لإسقاط الأسلحة، أعطاها إحداثيات خطأ.
رجل الإحداثيات هذا، والذي جرى تعنيفه في اجتماع الدواعش، يدعى «أبو المهاجر»، وفقا لمحضر تحقيق بشأن الواقعة اطلعت عليه «الشرق الأوسط». قال له زعيم التنظيم إن «الشحنة سقطت في منطقة ليس لنا فيها سيطرة، ولا نريد أن نصطدم مع جماعة جند الحق». وعليه بدأ التشاور مع قائد الجماعة الشيخ رشيد الذي وافق على إعادة الشحنة لأصحابها.
راعي الإبل المحظوظ في هذه العملية هو من أعطى معلومات لمندوب من «داعش»، عن الشحنة ومن حملها بعيدا عن الوادي. وطلبت مصادر التحقيق في طرابلس عدم الإشارة لاسمه في الموضوع «حتى لا يتعرض لأذى من التنظيم». لقد كان شاهدا على قيام جماعة الشيخ رشد بجلب سبع سيارات دفع رباعي ونقل الأسلحة إلى مقراتهم في منطقة الحرشة، شمالا، أي قرب البحر.
تنظيم داعش من جانبه، أمر بمنح مكافأة قدرها خمسة آلاف دولار، للراعي الذي كشف عن مصير الصناديق. كما قرر إرسال شاحنة محملة بالطعام والعصائر والمياه، إلى جميع رعاة الإبل في الوادي.. «حتى يكونوا عيونا لنا، بحيث يمر عليهم أحد رجالنا كل يوم أو يومين، وهم يبلغونه عن كل المستجدات التي تحدث في المنطقة»، وفقا للتحقيق، الذي أشار أيضا إلى ابتعاد كثير من الرعاة عن الوادي بإبلهم، والبحث عن العشب في مواقع أخرى، تجنبا للدخول في مشكلات مع تنظيم داعش مستقبلا.
التنظيم لم يتوقف عند هذا الإجراء، ولكنه قرر أيضًا شراء خمسين ناقة واستئجار رعاة لها من الجنسيات الموريتانية «لأنهم يتحملون قسوة الصحراء»، لكي يقيموا في «حمادة وادي الحي»، مع باقي رعاة الإبل.. «على أن يتولى الراعي الرئيسي الذي تم تعيينه لهذا الموقع، وهو من داعش، مسؤولية غرفة المعلومات في المكان». وبلغت التكلفة المبدئية لتأسيس الغرفة بالرعاة والإبل نحو 700 ألف دولار، ويقول التحقيق إن المشرف على العملية تسلم، حتى أيام قليلة مضت، نحو مليون دولار لهذا الغرض.
ويقول ضابط مخابرات في طرابلس لـ«الشرق الأوسط» إن قصة إسقاط الأسلحة لـ«داعش» وصلت إلى مسؤولين في رئاسة أركان الجيش في العاصمة، لكن «لم نر تحركا يذكر لمنع تكرار مثل هذه الوقائع التي تؤدي إلى تقوية تنظيم داعش وتهدد الليبيين في نهاية الأمر».
تتبع رئاسة أركان الجيش التي ما زالت تعمل في طرابلس، ما يسمى بـ«حكومة الإنقاذ» غبر المعترف بها دوليا. وهي حكومة منبثقة عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته (البرلمان السابق). ويصر المؤتمر على الاستمرار في عقد جلساته في العاصمة ويرفض الاعتراف بشرعية البرلمان الآخر الذي يضطر منذ انتخابه في 2014 لعقد جلساته في طبرق. ويعتقد ضابط المخابرات المشار إليه أن قيادات طرابلس «التي تعاني من الارتباك في الظروف الراهنة»، تتحاشى الصدام مع زعيم داعش ليبيا.
أما القضية الثانية التي تتناول ما يطلق عليه بعض المحققين في العاصمة الليبية «مفاوضات المشتل»، بين الإخوان وتنظيم داعش، فبدأت وقائعها مساء يوم القصف الأميركي على صبراتة، وهي ما زالت مستمرة حتى الآن، رغم الخلافات التي وقعت بين اثنين من قيادات الجماعتين في الأيام الأخيرة من الشهر الماضي.
قبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع، يتطلب الأمر الإشارة إلى ما كشفت عنه «الشرق الأوسط» في سلسلة تحقيقات «يوميات الفوضى في ليبيا» منذ نحو شهرين، عن حقيقة الدور الذي يقوم به الرجل الملقب بـ«المدهوني» كزعيم فعلي لـ«داعش» في ليبيا. في ذلك الوقت كانت هناك مشاورات بين زعيم في جماعة إخوان ليبيا، وآخرين في الجماعة الليبية المقاتلة (تابعة لتنظيم القاعدة) للاستفادة من قوة «داعش» والاندماج مع التنظيم في «مجلس شورى موحد» وفي هيكل تنسيقي واحد.
لكن آخر التطورات المتعلقة بهذا الشأن تقول إن زعيم «داعش»، وبعد أن تمكن من جمع عشرات القيادات العربية والأجنبية للعمل تحت إشرافه انطلاقا من طرابلس، يبدو أكثر قوة من السابق، حيث أبدى تحفظا على دمج الإخوان ضمن التنظيم، رغم تدخل أحد المنسقين الإقليميين لـ«الجماعات المتطرفة» بالمنطقة. وفي المقابل تلاحظ وجود رضوخ، من جانب قادة في الجماعة المقاتلة وفي مجالس عسكرية بالعاصمة، لتوجهات زعيم داعش.
وفي اليومين الماضيين حصلت «الشرق الأوسط» على تفاصيل «مفاوضات المشتل»، من مصادر أمنية تعمل في طرابلس. إجمالا يبدو أن تنظيم داعش ليبيا لديه شكوك تجاه قادة الإخوان في ليبيا لأن «ولاءهم للمرشد، بينما نحن ولاؤنا للخليفة أبو بكر البغدادي (في العراق)». واتخذت المفاوضات اسمها من المقر الذي جرت فيه، وهو «المشتل» الواقع في ضاحية عين زارة، في وسط العاصمة.
تبين من المصادر التي تمكنت «الشرق الأوسط» من التواصل معها في مقر «المشتل» أن الدولة المشار إليها - والتي ينتمي إليها الوسيط - أسست مركزا في عاصمتها خلال الفترة الأخيرة، من أجل «تقريب وجهات النظر بين تنظيم داعش وتنظيم الإخوان». وسبق «مفاوضات المشتل» عملية «جس نبض» من جانب الوسيط مع قائد من إخوان ليبيا موجود في طرابلس، ويتحرك ويتواصل تحت مسمى «سياسي حزبي»، ويطلق عليه أتباعه لقب «الحاج محمد».
بحسب ما دار بين «الحاج محمد»، والوسيط، يبدو أن جماعة الإخوان هي التي تريد من داعش الموافقة على العمل معها، خاصة وأن أحد كبار زعماء الإخوان الليبيين، والذي يشغل عضوية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يقيم بشكل شبه دائم في نفس الدولة التي ينتمي إليها الوسيط، المشار إليه.
ووفقًا للمصادر، ومن بينها محاضر تحقيقات ليبية وأخرى غربية، فقد حصل الوسيط على ترحيب «الحاج محمد» وسعادته بـ«خلق تعاون وتواصل» مع زعيم «داعش» في طرابلس، وأن القيادي الإخواني على استعداد لمد يده للمدهوني لكي يتصافحا ولكي يتحدا. وحين بدأ الوسيط في فتح الموضوع مع زعيم «داعش» في «المشتل» استعرض كل هذا الترحيب الذي حصل عليه من الإخوان، وقال الوسيط للمدهوني، وفقًا للتحقيقات التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»: «هذا التعاون المقترح بينكما، بإذن الله، ليس من أجل تنظيم دولة الخلافة، أو تنظيم الإخوان المسلمين، ولكن من أجل مواجهة حفتر ومواجهة القبائل الموالية للقذافي».
وفي معرض حديثه مع زعيم «داعش» ليبيا، تعهد الوسيط بإحالة «الاختناقات الآيديولوجية» بين «الفكر الإخواني» و«فكر تنظيم داعش»، للجنة يبدو أنه جرى تشكيلها في بلاده، من أجل الحصول على «وسطية الفكر». لكن الغريب أن رد المدهوني على هذا العرض، جاء بالرفض من جانبه، وطلب العودة بهذا المقترح إلى مكتب الخليفة المزعوم في العراق، البغدادي.
ويقول ضابط في جهاز المخابرات في طرابلس إن رفض زعيم «داعش» لمقترحات الوسيط، تعكس تنامي قوة التنظيم على الأرض الليبية، مقارنة بالميليشيات الإخوانية وغير الإخوانية التي كانت تهيمن على العاصمة وعلى عدة مدن أخرى، حتى منتصف العام الماضي، مشيرًا إلى أنه، مع ذلك، ما زالت مفاوضات «المشتل» مستمرة، على أمل إيجاد صيغة للتعاون تحول دون وقوع اشتباكات واقتتال بين الجماعات التي تهيمن على طرابلس.
ويضيف أنه، منذ الإطاحة بالقذافي، كان السند الرئيسي للإخوان في ليبيا، هو الجماعة الليبية المقاتلة، لكن «المقاتلة» أصبحت هي الأخرى تعاني من مشكلات داخلية، وبعض قادتها منقسمون في الوقت الحالي، بين موالاة «داعش» أو الاستمرار في التحالف مع الإخوان، أو الانخراط في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.