الإطلالات المنفردة لزعامات «14 آذار» في ذكرى «ثورة الأرز» تكرس انقساماتها

جعجع: الأزمة داخل فريقنا ليست جوهرية إنما مرحلية

الإطلالات المنفردة لزعامات «14 آذار» في ذكرى «ثورة الأرز» تكرس انقساماتها
TT

الإطلالات المنفردة لزعامات «14 آذار» في ذكرى «ثورة الأرز» تكرس انقساماتها

الإطلالات المنفردة لزعامات «14 آذار» في ذكرى «ثورة الأرز» تكرس انقساماتها

كرّست الإطلالات المنفردة لزعامات «14 آذار» في الذكرى الحادية عشرة لـ«ثورة الأرز»، الانقسامات المتمادية في صفوفها، التي اتسعت أخيرا على خلفية الأزمة الرئاسية وتبني رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، ترشيحي قطبي «8 آذار» رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، المقربين من «حزب الله» لرئاسة الجمهورية.
وفي حين تصر هذه الزعامات على أن الخلافات التي حالت دون تنظيم مهرجان احتفالي بالمناسبة هذا العام هي «خلافات مرحلية»، لا يبدو أن هناك أي محاولات جدية لرأب الصدع بين هذه القوى ما دامت المعطيات في الملف الرئاسي على ما هي عليه.
وأكد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع في رسالة وجهها إلى اللبنانيين بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لـ«انتفاضة الاستقلال» في 14 مارس (آذار) 2005، أن «الانتفاضة مستمرة على الرغم من كل الصعوبات»، لافتا إلى أنّه «إذا شاءت الظروف أن نستعيض هذه السنة عن الإطلالة الجامعة بإطلالات منفردة، فهذا لا يعني إطلاقا أن (14 آذار) انتهت، لأن الأسباب التي استوجبت قيامها ما زالت قائمة، وما زلنا مؤمنين بها». وقال إن «14 آذار» هي «فكرة وروح قبل أن تكون تنظيما، وهي مشروع قبل أن تكون حركة، وهذا لا يعني التقليل من أهمية الإطار التنظيمي أو المشهدية الجامعة، إنما لا يفترض في الوقت نفسه التمسك بتقاليد وأعراف إذا كان الهدف منهما فقط إخفاء الخلل في الواقع التنظيمي».
وتحدث جعجع عن «مشكلة تنظيمية فعلية داخل قوى (14 آذار) تحول دون وضع الخطة اللازمة»، عادّا أن المطلوب «صدمة إيجابية تدفع الجميع إلى التفكير بكيفية الخروج من الأزمة الداخلية، بدلا من مشهدية تخفي المشكلة الحقيقية، وتقدم مسكنات ترحيلا للأزمة أو تهربا من معالجتها». وطمأن إلى أن «الأزمة داخل (14 آذار) ليست جوهرية، إنما مرحلية خرجت إلى العلن مع الانتخابات الرئاسية وستذهب معها إذا لم يكن قبلها، فيما لا خلاف إطلاقا في الخيارات الأساسية المتصلة بالشرعيات الثلاث: الشرعية اللبنانية، والشرعية العربية، والشرعية الدولية، وربطا بذلك إعادة الاعتبار إلى مشروع الدولة، والتمسك باتفاق الطائف والعمق العربي للبنان».
وفي حين ارتأى رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري زيارة قائد الجيش في الذكرى 11 لـ«انتفاضة الاستقلال»، لافتا إلى أنه «في مثل هذا اليوم، البعض أعطى الأمر بفتح النار على الناس، ولكن الجيش بعسكره وضباطه وقياداته هو الذي حمى الثورة ودافع عن الناس، وهذا ما قام به الجيش في كل لحظة وفي كل تاريخه»، رد على سؤال حول ما بقي من «14 آذار» قائلا: «بقي الناس، و(14 آذار) ليست أنا ولا أي حزب سياسي، هم الناس الذين نزلوا إلى ساحة الشهداء».
من جهته، دعا منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد، في مؤتمر صحافي، إلى «تجديد الخيارات التاريخية لانتفاضة الاستقلال»، لافتا إلى أن «غياب المشهدية الجامعة في هذه الذكرى لأسباب غير قهرية وحتى غير طارئة، أمر خطير، وخطير جدا، لا يمكن رده حصريا إلى خلاف حول ترشيحات رئاسة الجمهورية، كما أوحى كثير من المعنيين المسؤولين، بل يتعدى ذلك إلى مراكمات خلافية على مدى شهور وسنوات».
ورأى سعيد أن «اللحظة الخطيرة هذه، إنما هي المولود الطبيعي لحالة متمادية من انكفاء المكونات السياسية والحزبية الأساسية في (14 آذار) على ذواتها وأولوياتها الخاصة، لا سيما الأولويات الطائفية والحزبية، خلافا للأولوية الوطنية المطلقة التي تجلت في 14 آذار 2005». وأضاف: «اللحظة الراهنة هي أيضا بنت عملية اختزال لحركة شعبية واسعة في مجموعة من زعماء الأحزاب».
وشدد النائب في «تيار المستقبل» عمار حوري على أن «(14 آذار) انطلقت من الجماهير التي تظاهرت في 14 مارس 2005، ومعظمها من خارج الاصطفافات الحزبية، ورفعت شعارات الحرية والسيادة والاستقلال والعبور إلى الدولة والميثاقية والعيش المشترك»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ومع مرور الوقت، بدأت التباينات تظهر بين الأحزاب المكونة لقوى (14 آذار)، وهذا لم يعد يُخفى على أحد، إلا أنها خلافات على التفاصيل، وليس بالمضامين الجوهرية»، عادّا أنه «إذا بُذلت الجهود اللازمة، فلدينا القدرة على إعادة لم الصفوف».
أما إلياس عطا لله، رئيس حركة «اليسار الديمقراطي» اللبناني، فعدّ أنّه «لم يعد جائزا أن يُتهم خصوم (14 آذار) بإيصالها لما وصلت إليه»، محملا «مسؤولية تراجع هذه القوى للمكونات التي لم تستطع أن تتجاوز حدودها المذهبية والعصبوية في كل المراحل التي تلت (انتفاضة الاستقلال) وحتى يومنا هذا». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن اليوم نواجه نوعا من الاحتلال للإرادة الوطنية من قبل (حزب الله)، ما يستدعي حركة سليمة لديها القدرة على الاعتراف بأخطائها والابتعاد عن المكابرة لتقف بوجه فجور حزب ولاية الفقيه الإرهابي»، لافتا إلى أنّه «لم يعد ينفع تلطيف الكلام والدبلوماسية، باعتبار أن المطلوب سحب الغطاء الرسمي عن الحزب الذي نؤمنه له من خلال مشاركته في الحكومة وغيرها»، مشددا على وجوب «التضامن مع أنفسنا أولا كي ننجح بمواجهة حركة (حزب الله) الإرهابية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.