بعد 5 سنوات.. الصراع السوري يبدل وجه العالم

بروز «داعش».. عودة الروس.. زعزعة أوروبا.. خراب الجوار.. وصعود إيران

الفنان الصيني أي ويوي حمل البيانو خاصته إلى مخيم للاجئين على الحدود بين مقدونيا واليونان، وفي الصورة يحمي البيانو وآخرين من المطر أثناء عزف فتاة من دير الزور السورية (إ.ب.أ)
الفنان الصيني أي ويوي حمل البيانو خاصته إلى مخيم للاجئين على الحدود بين مقدونيا واليونان، وفي الصورة يحمي البيانو وآخرين من المطر أثناء عزف فتاة من دير الزور السورية (إ.ب.أ)
TT

بعد 5 سنوات.. الصراع السوري يبدل وجه العالم

الفنان الصيني أي ويوي حمل البيانو خاصته إلى مخيم للاجئين على الحدود بين مقدونيا واليونان، وفي الصورة يحمي البيانو وآخرين من المطر أثناء عزف فتاة من دير الزور السورية (إ.ب.أ)
الفنان الصيني أي ويوي حمل البيانو خاصته إلى مخيم للاجئين على الحدود بين مقدونيا واليونان، وفي الصورة يحمي البيانو وآخرين من المطر أثناء عزف فتاة من دير الزور السورية (إ.ب.أ)

ترك الصراع الدائر في سوريا تأثيرًا هائلاً على الصعيد السياسي العالمي، وفيما يلي 5 من ملامح هذا التغير الذي طرأ على العالم:
بروز «داعش»
في خضم الفراغ الذي خلقه الصراع المشتعل في سوريا، ظهر فرع جديد شديد العنف لتنظيم «القاعدة»، وترعرع حتى أصبح أخطر جماعة إرهابية على مستوى العالم.
عام 2014، أحكم «داعش» سيطرته على مدينة الرقة الواقعة شرق سوريا، ومضى نحو الاستيلاء على الموصل العراقية. وفي نهاية الأمر، نجح في بسط سيطرته على مساحة ممتدة بين حدود البلدين تعادل مساحة بريطانيا، وفي خضم ذلك استولى على الأسلحة والثروات والأفراد الذين وقعوا بطريقه.
وأثار صعود «داعش» قلقا عارما بمنطقة الشرق الأوسط ومختلف أرجاء العالم، بسبب ذبحه الأقليات، وتكريس سبي النساء لاستغلالهن جنسيًا، وتدمير الجيوش النظامية، وقتل الخصوم على نحو عنيف مروع. كما أقدم «داعش» على تدمير المناطق الأثرية، مثل معابد بمدينة تدمر الأثرية، بجانب التورط في تجارة الآثار غير القانونية عالميًا.
وقد شن «داعش» هجمات إرهابية بدول مختلفة من فرنسا إلى اليمن، وتمكن من إقامة معقل له بشمال ليبيا وقد يفلح في البقاء هناك، حتى بعد تدمير ما يطلق عليها «الخلافة» التي أسسها «داعش» في سوريا والعراق. أما الصدمة الكبرى فتتمثل في تدفق آلاف الشباب من رجال ونساء من أوروبا، لا ينتمون جميعًا لأصول إسلامية، على المنطقة، للانضمام إلى «داعش».
عودة الروس
صرح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، مؤخرًا، أن «هناك رجلا واحدا على ظهر هذا الكوكب بإمكانه إنهاء الحرب الأهلية الدائرة في سوريا بمجرد القيام بمكالمة هاتفية، وهو بوتين».
بالفعل، نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بناء معاقل روسية جديدة بالشرق الأوسط بعد سنوات من مشاهدته الولايات المتحدة وهي تفرض نفوذها على المنطقة. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، وبعد أن أغدق على بشار الأسد الأسلحة والمستشارين والمساعدات الاقتصادية، لكن من دون تأثير يذكر على الأرض، بعث بوتين بقواته الجوية لسحق معارضي النظام هناك. ويعود التفاقم الأخير في أعمال العنف في معظمه إلى فرض روسيا هذا العنف. ورغم أن الغموض لا يزال يكتنف المخططات الروسية المتعلقة بسوريا، فإن المؤكد أنه بغض النظر عمن سيتولى قيادة سوريا الفترة المقبلة، فإنه سيدين بالفضل الأكبر لبوتين.
قبل سوريا، كانت هناك جورجيا عام 2008 وأوكرانيا عام 2014، اللتان تعدان بمثابة نذر للتدخل الروسي الحالي في سوريا. في كل تلك الحالات، لم يبد بوتين أدنى خوف من إظهار إلى أي مدى يمكنه الذهاب لحماية المصالح الروسية من وجهة نظره. الآن، أصبحت روسيا الوسيط الأكبر داخل المنطقة التي تتمتع بثروات ضخمة على صعيدي النفط والغاز الطبيعي. لذا، فإنه من المتوقع سعي مختلف الحركات السياسية للاستعانة بروسيا للتعرف على السبيل الأمثل لخدمة مصالحها.
زعزعة استقرار أوروبا
عندما أقرت أوروبا اتفاقيات الحدود المفتوحة فيما بين دولها أواخر القرن الماضي، لم يرد بمخيلتها أن يفد إليها ما يزيد على مليون مهاجر، أغلبهم لاجئون من سوريا، خلال عام واحد فقط، مثلما حدث عام 2015. كما لقي الآلاف حتفهم خلال محاولتهم اجتياز البحر، مما خلق تحديًا أخلاقيًا أمام القارة الأوروبية. وقد استثار هذا الوضع، الذي لا يزال قائمًا، مشاعر الكرم، وكراهية الأجانب، في الوقت ذاته، وتسبب في نهاية الأمر في إحداث هزة عنيفة بترتيبات الحدود المفتوحة بين دول القارة.
الآن، شرع أوروبيون في بناء حواجز على امتداد طريق البلقان الذي يسلكه المهاجرون من اليونان لألمانيا، بعد أن سمح بادئ الأمر بدخول مئات الآلاف منهم. وتعيش أعداد ضخمة من اللاجئين تحت وطأة ظروف مروعة بجنوب شرقي أوروبا. كما يواجه كثيرون منهم حالة من التيه القانوني بمختلف أرجاء القارة، حيث ينتظرون النظر في طلبات اللجوء التي تقدموا بها أو يقيمون بالفعل من دون تصاريح.
وقد أثارت الهجمات التي شنها «داعش» داخل باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ورغم أن منفذيها ينتمون في معظمهم إلى فرنسا وبلجيكا، حالة من تبادل الاتهامات الأمنية، وقويت شوكة السياسيين القوميين. وقد تركت هذه الهجمات أصداءً واسعة وصلت للولايات المتحدة، حيث وصل الأمر بالمرشح الجمهوري الأوفر حظًا للتنافس في الانتخابات الرئاسية، دونالد ترامب، لاقتراح حظر دخول المسلمين الولايات المتحدة.
وتدرس أوروبا اتفاقا لإعادة جميع المهاجرين الذين يصلون لليونان إلى تركيا، مقابل السماح بدخول لاجئين سوريين يتم اختيارهم مسبقًا. وفي ظل أزمة عملة اليورو التي تعانيها أوروبا، فإن مشكلة اللاجئين فرضت على عاتقها ضغطًا هائلاً شكل اختبارا قاسيًا لوحدتها.
تخريب الجوار
تتضاءل أزمة اللاجئين التي تعانيها أوروبا مقارنة بموجة المشردين من منازلهم التي تعرضت لها الدول المجاورة لسوريا. وتشير الأرقام إلى أن تركيا ولبنان والأردن تستضيف وحدها قرابة 4.4 مليون لاجئ من سوريا. وداخل لبنان، يعادل اللاجئون السوريون خمس السكان. داخل الدول المضيفة، حمل اللاجئون السوريون معهم رؤوس أموال وأيدي عاملة، مما أثمر نتائج مختلطة داخل هذه الدول، حسب طبيعة الأرقام التي يجري النظر إليها. أيضًا، انجذبت إلى الصراع السوري ميليشيات وجماعات تابعة لدول بمختلف أرجاء المنطقة، مما تسبب في زعزعة استقرار دول مجاورة هشة بالفعل، مثل لبنان، وإعادة إحياء توترات طائفية داخل تركيا، حيث أثار الصراع السوري المخاوف مع التورط في حرب أهلية في مواجهة الأكراد.

صعود إيران

أدى الصراع السوري إلى إحداث إعادة توازن بين محاور القوة الإقليمية، حيث أصبح نطاق نفوذ إيران التي يغلب على سكانها المذهب الشيعي ممتدًا من بيروت إلى طهران، مع اعتماد حكومتي بغداد ودمشق عليها.
يذكر أن قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، زار روسيا، وكثيرًا ما ظهر وهو يوجه عمليات نشر القوات في سوريا والعراق. وتوجد ميليشيات داخل سوريا والعراق تتلقى أوامرها من إيران وتعمل خارج إطار القيادة العسكرية الوطنية. داخل لبنان، يجري تمثيل إيران بقوة من جانب «حزب الله»، وقد أرسل «حزب الله» الآلاف من مقاتليه لدعم الأسد في سوريا.
من جانبها، تراقب إسرائيل بتوجس تدرب خصمها على استخدام المدفعية الحديثة إلى جانب قوات روسية وإيرانية، وتعمل على تعزيز وجودها على امتداد الحدود الشمالية للدولة اليهودية.
*خدمة واشنطن بوست
خاص بـ {الشرق الأوسط}



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.