مجلات أميركية عقائدية

الثراء والثرثرة أكثر وسط المحافظين

مجلات أميركية عقائدية
TT

مجلات أميركية عقائدية

مجلات أميركية عقائدية

توجد في الولايات المتحدة مجلات عامة محايدة (أو ربما محايدة)، مثل: «تايم» و«نيوزويك» و«أتلانتيك» و«نيويوركر» و«نيويورك». وتوجد مجلات تميل إلى فلسفة سياسية واجتماعية معينة (رغم أنها لا تقول ذلك مباشرة). من أهم المجلات المحافظة: «ويكلي ستاندار» و«أميركان كونسيرفاتيف» و«ناشيونال ريفيو». ومن أهم المجلات الليبرالية: «نيشن» و«هاربر».
ربما مثل الشعب الأميركي، يبدو الإعلام المحافظ أكثر ثراء وأكثر ثرثرة، ويبدو الإعلام الليبرالي أقل ثراء وأقل ثرثرة: الأقلية الغنية الصاخبة في مواجهة الأغلبية الفقيرة الصامتة. حسب كتاب «نيوز ديسكافري» (اكتشاف الأخبار: التاريخ الاجتماعي للصحف الأميركية)، تركز كليات الصحافة في الولايات المتحدة على «اوبجيكتيفيتي» (الموضوعية، والنزاهة). يضاد ذلك «ادفوكاسي» (الدفاع عن فلسفة سياسية معينة). لكن، مع زيادة قوة اليمينيين (إن ليس عددهم) في الولايات المتحدة منذ «الثورة الريغانية» (التي قادها الرئيس السابق رونالد ريغان، في ثمانينات القرن الماضي)، وظهور «حزب الشاي» و«المحافظون الجدد»، زادت أهمية المجلات المحافظة. في الجانب الآخر، تظل المجلات الليبرالية تضمحل (رغم أن هذا لا يعني هزيمة الفلسفة الليبرالية، ولكن تحول كثير من الليبراليين إلى «الأغلبية الصامتة»). حسب استطلاع أجراه مركز «بيو» في واشنطن في العام الماضي، فإن ربع الأميركيين محافظون ملتزمون، وربعهم ليبراليون ملتزمون. وثلثهم (بما في ذلك الربع) يؤيدون الآراء المحافظة، أو الآراء الليبرالية. ويبقى ثلث الأميركيين مستقلين تقريبا. لكن، بسبب ثراء وحماس اليمينيين (مقابل تعقل وهدوء نسبي، وقلة مال، وسط الليبراليين)، يزيد عدد المجلات اليمينية. يمكن اعتبار مجلة «ناشيونال ريفيو» أشهر (وأقدم) مجلة يمينية في الولايات المتحدة. أسسها، في عام 1955، ويليام باكلي. وتصف نفسها بأنها «موقع الأخبار والآراء المحافظة». في أول أعدادها، كتب باكلي: «لا نحب أن نوصف بأننا معتدلون، أو وسطيون، أو متساهلون. نفضل أن نوصف بأننا على حق. وأن هذا الحق هو غير الحق الذي يتبعه غيرنا».
قبل «ناشيونال ريفيو»، عبرت عن رأي الجمهوريين مجلة «كونسيرفاتيف مايند» (العقل المحافظ)، خاصة خلال سنوات المد الجمهوري في الولايات المتحدة مع بداية القرن العشرين. ثم، في ثلاثينات القرن العشرين، بدأ المد الديمقراطي، مع «نيوديل» (المذهب الجديد) الذي وضعه الرئيس فراكلين روزفلت.
لهذا، تركز مجلة «ناشيونال ريفيو» على مواجهة السياسات الليبرالية. ووصفت بعضها بأنها «اشتراكية» (بداية بقانون الضمان الاجتماعي العام الذي وضعه الرئيس روزفلت، وحتى قانون التأمين الصحي العام الذي وضعه الرئيس أوباما).
قادت مجلة «ناشيونال ريفيو» الفلسفة المحافظة خلال النصف الثاني من القرن العشرين. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، (وبعد موت باكلي) قل نفوذها. وصارت تقود الفلسفة المحافظة مجلة «أميركان ستاندارد». أسسها روبرت ميردوخ، إمبراطور الصحافة الأسترالي الأميركي. وتعبر عن رأي المحافظين الجدد (تحالف بين جمهوريين يمينيين ويهود). وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. قادت الدعوة لغزو أفغانستان، ثم لغزو العراق. وحتى اليوم، تقود حملة «الحرب ضد الإرهاب»، بقيادة ويليام كريستول (مثل والده، ينتمي إلى عائلة صحافية يهودية).
وهناك مجلة «أميركان كونسيرفيتزم» (المحافظة الأميركية)، التي يمكن اعتبارها صوت المحافظين المعتدلين. تميل هذه نحو الآتي:
أولا: «أميركان إيسوليشانزيم» (الانعزالية الأميركية)، التي تريد الابتعاد عن مشاكل العالم، والتركيز على السياسة الداخلية. لهذا، لم تتحمس لغزو العراق (رغم أنها لم تعارضه). واليوم، لا تتحمس للحرب ضد الإرهاب (رغم أنها لا تعارضها).
ثانيا: رغم أنها يمينية، تحرص على الحرية الفردية (في مواجهة الحكومة). خاصة في الجانب الداخلي المتمثل في زيادة الاستخبارات والتجسس (مثل تجسس وكالة الأمن الوطني).
ثالثا: حرصا على الحرية الفردية، تدعو لتقليص دور الحكومة. وبالتالي، لوقف الاستدانة من النظام المصرفي، وإنهاء العجز في الميزانية الحكومية السنوية (نصف تريليون هذه السنة)، وإنهاء الديون على الحكومة الأميركية (قرابة عشرين تريليون دولار).
في الجانب الآخر، توجد مجلة «نيشن» (الأمة)، قائدة الإعلام الليبرالي. وهي أقدم مجلة عقائدية أميركية. أسسها، عام 1865 في نيويورك، مهاجرون ليبراليون من أوروبا. ومع بداية القرن العشرين، انضم إليهم مهاجرون يهود ليبراليون. بعد الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917. حاول بعضهم تحويل المجلة إلى ما يشبه الشيوعية، وفشلوا. لكن، لخمسين عاما، كان مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) يتجسس على المجلة وعلى صحافييها، خاصة خلال الحملات المكارثية ضد الشيوعية والشيوعيين في منتصف القرن الماضي. (مرات كثيرة، منعت من المكتبات المدرسية).
اليوم، ترأس المجلة كاترينا هوفل، ربما أشهر صحافية أميركية تقدمية (ليست فقط ليبرالية). في الشهر الماضي، طبعا، أيدت السيناتور بيرني ساندرز. ووصفته بأنه «تقدمي»، وليس فقط «ليبراليا»، مثل هيلاري كلينتون. وكتبت: «ها نحن، أخيرا، نشاهد سياسيا أميركيا يريد أن يحول أميركا، ليس فقط نحو الحرية، ولكن، أيضا، نحو العدل».
بالإضافة إلى مجلة «نيشن» الشهرية، توجد مجلة ليبرالية أخرى هي «هاربر». لكن، تصدر هذه كل ثلاثة شهور، وتركز على تقارير رصينة وفلسفية. وهناك مجلة «نيو ريبابليك». لكنها، في العام الماضي، وبعد مرور مائة عام على تأسيسها، توقفت عن الصدور (بسبب اختلافات بين الصحافيين ومالك الصحيفة، وبسبب قلة المال).
وهكذا، بينما الإعلام الأميركي المحافظ ثري، وعالي الصوت، يظل الإعلام الليبرالي، مثل كثير من الليبراليين الأميركيين، قليل المال وقليل الثرثرة.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».