«القاعدة» وإيران.. مسيرة علاقة مشبوهة

بن لادن أراد «السلام» لإيران.. ولم تكن يومًا عدوًا أو هدفًا للظواهري

جنديان مناهضان لتنظيم طالبان يقفان بالقرب من تورا بورا حيث كانت تحتدم المعارك مع طالبان (أ.ف.ب)
جنديان مناهضان لتنظيم طالبان يقفان بالقرب من تورا بورا حيث كانت تحتدم المعارك مع طالبان (أ.ف.ب)
TT

«القاعدة» وإيران.. مسيرة علاقة مشبوهة

جنديان مناهضان لتنظيم طالبان يقفان بالقرب من تورا بورا حيث كانت تحتدم المعارك مع طالبان (أ.ف.ب)
جنديان مناهضان لتنظيم طالبان يقفان بالقرب من تورا بورا حيث كانت تحتدم المعارك مع طالبان (أ.ف.ب)

بديهية مثيرة للسؤال دائما كون «إيران - الداخل» ظلت، وما زالت، الاستثناء الأبرز من عمليات «القاعدة»، ثم تنظيم داعش منذ نشأة الأخير عام 1998 وحتى الآن، بينما تعولمت عملياتهم في كل أنحاء العالم، شرقه وغربه على السواء.
لم يذكر بل يدعُ أسامة بن لادن، زعيم «القاعدة» التاريخي، لعداء إيران وهو من كفّر كل الحكومات العربية والإسلامية، وأطال وصفها بالمرتدة والممتنعة، إذ كانت المملكة العربية السعودية تمثل عدوه الأول، وظل النظام المصري عدو الظواهري الأول، رغم إلحاحه المستمر ودعوته للسلام مع إيران. وحسب تحليل مضمون إحصائي لخطابات الظواهري وكتاباته، حتى فبراير (شباط) عام 2010، تكرّر ذكر مصر في أحاديثه 226 مرة، لتحتل المرتبة الثانية في الأعداء بعد الولايات المتحدة التي تكرر ذكرها 636 مرة، حسب مجموع رسائله وأعماله الذي صدر في هذا التاريخ. وأتى ذكر الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك نحو 144 مرة، محتلا المرتبة الثانية بعد الرئيس جورج بوش الابن الذي تكرر ذكره 170 بينما جاء الرئيس باراك أوباما في المرتبة الثالثة 70 مرة، بعد قادة المملكة العربية السعودية الذين تكرر ذكرهم 83 مرة، وللحكام العرب بالتعميم نحو 66 مرة. ولقد خصّ الظواهري مصر بسلسلته «رسالة الأمل والبشر لأهلنا في مصر» الأجزاء الأربعة الأخيرة من أجزائها الستة بالحديث عن الثورة المصرية على مبارك، هذا بينما جاء ذكر مصر في كتاب «التبرئة» - آخر كتبه وأهمها - 195 مرة بينما ومبارك 41 مرة بينما لم يرد ذكر السعودية إلا مرة واحدة، بينما أتى ذكر الولايات المتحدة 150 مرة («التبرئة» - نشر مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي سنة 2009)، ووسط كل هذا لم تحضر إيران ولم تكن يوما عدوًا أو هدفا لزعيم «القاعدة» الحالي.

حافظت «القاعدة» دائمًا على إعلان هدنتها مع نظام الثورة الإسلامية الإيرانية، وهي التي لم تكن تكفّ عن توظيف كل حادث وحديث، رغم نشأة «جهاديات» سنية داخل إيران تجابه حكومة الولي الفقيه وتعلن جهادها، شأن «جيش العدل» البلوشي وغيره، إلا أن «القاعدة» كانت تنأى دائمًا عن ذكره أو الإشارة إليه، فضلاً عن دعمه أو ذكره. بل وجه الظواهري رسالة حادة لـ«أبو مصعب الزرقاوي» في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005، مطالبًا إياه وجماعته بالكف عن إثارة إيران، عبر استهداف الشيعة في العراق، الذي كان أولوية الأخير وجماعته سلف تنظيم «داعش» ومرجعها الأول - في ركوب الاحتقان الطائفي وتأجيج أواره وتوظيفه من أجل حواضن سنية لقيام «دولته» وإمارته الدينية، وليس لـ«عولمة الجهاد» وعملياته، استنزافًا وإضعافًا يتدرّج نحو هدفه الذي اصطاده «الزرقاوي»، ثم اصطاده «داعش» من بعده وأحيى «دولته» التي سقطت عام 2007 في العراق ممتدة للعراق والشام. وكانت البراءة المتبادلة مع «القاعدة» في 12 مايو (أيار) عام 2014 التي أعلنها «أبو محمد العدناني» أساسها ولاء «القاعدة» لإيران وهدنتها معها.
ظل السباب المتداول - ولا يزال - من عناصر «داعش» لقيادات «القاعدة» أن الأخيرين هم «أبناء الرافضة» وأنهم «أبناء إيران» ومتحالفون معها.. هكذا خاطب تركي البنعلي شيخه السابق هاني السباعي في رده عليه، كما خاطبوا شيوخهم السابقين في الجماعات المتشددة كذلك ممن انتقدوهم شأن أبي قتادة والمقدسي.

* الظواهري وتنظير مبكّر للعلاقة
يمكن رصد بداية علاقة غامضة بين طهران و«القاعدة» عامي 1992 - 1993، من خلال اجتماعات ضمت مسؤولين في «القاعدة» وضباطًا في الحرس الثوري الإيراني، تم الاتفاق خلالها على تدريب بعض عناصر التنظيم.
لكن هذه المعلومات أضعفتها في حينها مقابلة أجراها أيمن الظواهري مع نشرة «الأنصار» في عددها الحادي والتسعين (عام 1994)، ألح فيها على نفي هذه العلاقة، التي يراها «من باب الافتراء المحض.. لنا موقف واضح من إيران، وهو الموقف الذي يبنى على الحقائق العقائدية والعلمية»، نافيًا أي تحالف مع الحكومة الإيرانية. ومن ثم أورد في سبيل ذلك عددًا من الأمثلة، منها: مساندتها الحكومة السورية أثناء حربها على الإخوان المسلمين أوائل الثمانينات، ومساندتها الأحزاب الشيعية فقط أثناء فترة الجهاد الأفغاني، وعدم إدانة ترحيل باكستان «المجاهدين العرب» من أراضيها، وعدم تقديمها أية مساعدة للحركات الجهادية في مصر أو الجزائر.
ويتكئ الظواهري في حواره هذا على مبدأ تبادل المصلحة وليس الموقف العقدي والمذهبي، الذي يجري استدعاؤه فقط في مضمار التجنيد والتعبئة في بعض المناطق كالعراق أو سوريا الآن، ولكن ليس في مجال العلاقة بين تنظيم يؤمن بـ«عولمة الجهاد»، ونظام يؤمن بـ«تصدير الثورة الإسلامية». ويتطابق تصور العدو لدى كل منهما كما تتقارب مرجعيًا كثير من مقولاتهم وشعاراتهم ودعوى هؤلاء المقاومة الإسلامية العالمية أو دعوة هؤلاء أنهم محور المقاومة والممانعة للعدو نفسه (!) وهو الكامن المدرك الذي لا يتم إعلانه رغم الإيمان به.
من هذا المنطلق كان الظواهري شديدًا في انتقاده لـ«أبو مصعب الزرقاوي» في أكتوبر 2005 حين قال للأخير إن «الصدام مع الإيرانيين يرفع العبء عن الأميركيين»، ويضر بالمصالح المتبادلة، ولا سيما أن إيران تؤوي نحو مائة من عناصر «القاعدة» على أراضيها، ولقد طرح الظواهري في رسالته تلك على «الزرقاوي» السؤال الآتي: «هل تناسى الإخوة أن كلاً منا في حاجة إلى أن يكف أذاه عن الآخر في هذا الوقت الذي يستهدفنا فيه الأميركيون؟»، وهو ما كرّره بن لادن في «وثائق أبوت آباد»، كما كشف فيما بعد ويكشف تباعًا من قبل المخابرات الأميركية، مما يعني أنه ليس موقف الظواهري وحده، كما ظن «داعش»، واتهم، بل هو حقًا موقف «القاعدة» وزعيمها بالأساس.
* إيران وصعود «الزرقاوي»
تؤكد ترجمة وشهادة سيف العدل، الذي ما زال مقيمًا في إيران، عن «الزرقاوي» بعد وفاة الأخير علاقة طهران وتوظيفها لـ«القاعدة» و«الجهادية المعولمة». فهي قد أوت «الزرقاوي» لمدة سنة والتجأ لملاذها الأمن بعد خروجه من معسكر هرات (شمال غربي أفغانستان). فقد ذكر سيف العدل في شهادته التي كتبها عام 2005 عن «الزرقاوي» بناء على طلب موقع حركي متشدد عن الدور إيران الداعم لعناصر «القاعدة» ما يلي: «طريق الإخوة الآمن كان قد أصبح من طريق إيران، بعد أن بدأت السلطات الباكستانية بالتشديد علينا وعلى حركتنا».
كذلك يقول سيف العدل في الشهادة نفسها: «بدأنا بالتوافد تباعًا إلى إيران، وكان الإخوة في جزيرة العرب والكويت والإمارات، من الذين كانوا خارج أفغانستان قد سبقونا إلى هناك، وكان بحوزتهم مبالغ جيدة ووفيرة من المال، شكلنا حلقة قيادة مركزية وحلقات فرعية، وبدأنا باستئجار الشقق لإسكان الإخوة وبعض عائلاتهم».
أما أخطر ما تكشفه شهادة سيف العدل هذه فهي تأكيده على وجود دور إيراني رئيس وداعم في نشوء وصعود «الظاهرة الزرقاوية» منذ بدايتها، في معسكر مدينة هرات خلال منتصف التسعينات. الجدير بالذكر أن هرات هي أقرب مدينة أفغانية إلى الحدود الإيرانية، وكانت استراتيجية سيف العدل حينئذ تتمثل بحسب تعبيره في «إنشاء محطتين في طهران ومشهد في إيران من أجل تسهيل عملية عبور الإخوة دخولاً وخروجًا، من وإلى أفغانستان، وكان الهدف من وراء هذا الطرح كله، هو التواصل مع منطقة مهمة من مناطق العالم العربي والإسلامي».
وقد تقوم حكومة النظام الإيراني ببعض الاستجابات الطفيفة للضغوط الدولية عليها بإعلان اعتقال أو تسليم معتقل منتسب لـ«القاعدة» إلى بلده، أو التأكيد على وجود منتسبين لـ«القاعدة» لديها، من دون أن تعطي أحدًا سلطة تسلمهم أو أن تقدم التزامًا بتسليمهم، فضلاً عن المساعدات التي تقدم لفرع «القاعدة» في اليمن، الذي تحول إلى تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية»، بحسب ما صرح به محمد العوفي القائد الميداني لتنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب، بعد فراره من اليمن وتسليمه نفسه للسلطات السعودية في 27 مارس عام 2009، إذ قال إن ثمة تنسيقًا بين «القاعدة» والجماعات الحوثية، وتبادل مصالح وخدمات، وتضغط إيران أحيانًا بتسليم بعض العناصر القاعدية لديها، وذكرت أخبار أنه قد كان لها دور في إسقاط بن لادن عبر تتبع إحدى زوجاته، ولكنه توظيف لا ينفي إمكانية التلاقي والتعاون والبناء المشترك.
* «سلام إيران» وصية بن لادن
فمن بين مائة وست وسبعين صفحة ضمتها «وثائق أبوت آباد» التي تركها مؤسس «القاعدة» وزعيمها الراحل أسامة بن لادن وتم كشفها مباشرة بعد وفاته في (مايو 2011) لم يأت ذكر للعداء لإيران أو الدعوة لاستهدافها، بينما كانت الدعوة المستمرة والمكرورة منها لـ«الجهاد في جزيرة العرب»، وتحديدًا ضد المملكة العربية السعودية التي مثلت العدو الأول في تصوره، وكان أول تنظيم فرعي سارع لتأسيسه ودفعه بقوة للقيام بعملياته فيها هو «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» الذي أسسه سنة 2003 بقيادة يوسف العييري حينئذ.
بل كانت وصية بن لادن الدائمة لقيادات «القاعدة»، كما كشفت المواد الأخرى المخزنة التي يكشف عنها تباعًا بعدم استهداف إيران وعدم فتح جبهة معها، وعدم إعلان ذلك حال اختار القادة الفرعيون ذلك.
نجد بين رسائل وخطابات بن لادن المخطوطة المتناثرة هذه الوصايا واضحة وصريحة على الاستثناء الإيراني، فيقول في رسالة لأحد قيادات «القاعدة» موجهة لشخص يدعى «توفيق»، تحدث في ورقته عن مجريات لقائه بأحد الأشخاص من طهران قائلاً: «الإيرانيون مهتمون لعمل ارتباط مع أحد من طرف العمدة (كلمة مشفرة كناية عن زعيم تنظيم القاعدة)، وذلك ليس فقط لوضع المرضى وإنما يهمهم بالدرجة الأولى الوضع في العراق، حيث إنهم يعتقدون أن الإخوة هناك، وبالذات الأزرق (المرجح المقصود أبو مصعب الزرقاوي) ومجموعته لهم دخل في الاعتداءات على الأماكن والعتبات المقدسة لدى الشيعة».
وأضاف صاحب الرسالة: «لذا يرغبون إما بمقابلة مندوب من طرف العمدة لمناقشة هذا الأمر والاستيضاح حوله وإمكانية التعاون، إذ إنهم - على حسب تقدير الأخ الوسيط - يرغبون بتقديم نوع من الدعم والمساعدة إذا تم تسوية بعض النقاط وهم يرغبون على الأقل بالحصول على رسالة بتوضيح العمدة، يؤكد فيها أن الأماكن المقدسة لدى الشيعة ليست مستهدفة من قبل الإخوة، وأنها ليست ضمن الأهداف المراد ضربها».
وفي رسالة أخرى يبدو بن لادن مستنكرًا الهجوم والتهديد لإيران، فيقول في رسالة موجهة إلى شخص يُدعى الشيخ كارم: «لا أدري لماذا أعلنتم التهديد على إيران؟ وإن رأيي مخالف للتهديد.. وأناقش مسألة إعلانه، وإنه سياسيًا يُعدّ خسارة لكم». وبرر بن لادن اعتراضه على تهديد إيران، قائلاً: «إيران هي الممر الرئيسي لنا بالنسبة إلى الأموال والأفراد والمراسلات، وكذلك مسألة الأسر».
وهكذا يوضح بن لادن المصلحة مع إيران ويؤكد عليها، وكيف وفرت الملاذات الآمنة للتنظيم وأسره بعد حرب أفغانستان عام 2001 وأنه لا داعي مطلقًا لفتح جبهة معها قائلا: «لا داعي لفتح جبهة مع إيران، إلا إذا كنتم مضطرين لفتحها، لتعاظم أذاها، وإلا إذا كنتم أيضًا قادرين على إلحاق الأذى بها. فالرأي عندي تأجيل فتح الجبهة معها، والانصراف كليًا لتثبيت دعائم الدولة، والقتال ضد الصليبيين والمرتدين».
وهكذا التقى الظواهري مع سلفه بن لادن على عدم استهداف إيران، وظلت إيران تؤمن باستيعابهم والتعاون والتواصل مع قادتهم، وتم تداول أخبار كثيرة عن معسكرات تدريب بالقرب من طهران، وتأكد كونها الملاذ الأمن، وتأكد كذلك الاستثناء الإيراني من عمليات «القاعدة» دون كل العالم العربي والإسلامي.



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.