«الزنزانة» يتبع حب صاحبه للسينما الأميركية

المخرج الإمارتي ينجح في تنفيذه ويعاني من كتابته

مشهد من فيلم «الزنزانة»
مشهد من فيلم «الزنزانة»
TT

«الزنزانة» يتبع حب صاحبه للسينما الأميركية

مشهد من فيلم «الزنزانة»
مشهد من فيلم «الزنزانة»

تختار مجلة «فاراياتي» سينمائيًا عربيًا واحدًا كل عام لتهديه لقب «مخرج العام من الشرق الأوسط» مستفيدة من صيتها النوعي الكبير وتاريخها الثري في مهنة العمل السينمائي ووسائط الإعلام والفن المختلفة من العشرية الأولى للقرن الماضي وحتى اليوم.
وهي اختارت للعام الحالي المخرج الإماراتي ماجد الأنصاري نسبة لفيلمه الذي شهد عرضه العالمي الأول في إطار مهرجان دبي السينمائي الدولي في العام المنصرم «الزنزانة». ومع أن المعايير التي تستند إليها المجلة الشهيرة لا تلزم أحدًا سواها، فإنها تبقى معايير ممتنعة ما دامت غير معروفة للآخرين: هل منح هذا اللقب يعود إلى الفيلم ذاته أو إلى الإنتاج كعمل مختلف أو يعود إلى اعتبارات إعلامية خاصة بها؟ وهل هي جائزة تشجيعية خصوصًا عندما يتسلّمها مخرج جديد لم يسبق له أن حقق فيلمًا طويلاً من قبل كحالة هذا المخرج الشاب؟
مهما يكن، فإن الفيلم يعكس موهبة جيّدة. سينمائي وليد تراكمات من المشاهدات والتجارب التي تعرف عليها منذ أن كان صغيرًا. هوليوود من بين أكثر ما شدّته في قديم أعمالها وفي جديدها. رغبته في أن يسرد حكاية سينمائية ببناء جيّد وتبعًا لما يعرف بالتصنيف النوعي للقصّة (كالتشويق والرعب والكوميديا... إلخ) دفعته لدراسة السينما والنهل من التجارب السابقة لروجر كورمان، وهو أحد المنتجين والمخرجين الذين أمّوا النسق التشويقي العام بأفلام كثيرة طوال الخمسينات والستينات) ومن تلك اللاحقة على كثرتها.

فعل ورد فعل
«زنزانة» فيلم تشويقي مع حافة تلتقي وسينما الرعب
قوامه حكاية رجل اسمه طلال (صالح بكري) يجد نفسه في زنزانة في قسم للبوليس. كان أحد طرفي مشادة وقعت بينه وبين زوج مطلقته (الجيد علي الجابري) فقيد إلى السجن كونه كان مخمورًا. هويته التي سقطت منه في مكان الحادث تتسبب في تأخير إطلاق سراحه. الملازم المناوب يرسل طالبًا البحث عن الهوية لكن قبل وصولها يدخل عليه ضابط آخر (يؤديه الفلسطيني علي سليمان) يوهمه بأنه مكلّف الوجود في هذا القسم النائي ثم يستل نصلاً ويذبح الضابط الأول أمام عيني السجين. يجر الضحية إلى غرفة الحمام ويغلق الباب. هناك شرطية بدينة (الممثلة ياسا) التي تأتي من خارج المكان ولا ترتاب لحظة حيال هذا القاتل الذي جاء تنفيذًا لخطّة تسبق وصول قاتل لإطلاق سراحه.
الضابط المتنكر حالة مَرَضية كاملة تجد صداها في الكثير من الأفلام الأميركية من النوع، وسليمان يؤديها كما المطلوب لكنه لا يستطيع أن يأتي بجديد يضيفه عليها. يوظّف نمطًا معهودًا بأقصى طاقة ممكنة في حين على صالح بكري أن يتصرّف بسلوكياته وردّات فعله ضمن الزنزانة التي يعيش فيها، وكرد فعل على الدوام، فهو الآن مهدد كونه شهد قيام الضابط المتنكر بقتل الضابط الحقيقي ثم قتل زوج مطلقته عندما عاد ليساعد في إطلاق سراح طلال. كلاهما يصنع توازنًا رغم أن الخوف من الأول يطغى - لدى المشاهد - على الخوف على حياة الثاني.
الناتج هو فيلم تشويق عنيف (لا يخشى من مشاهد دموية) يبدو مأخوذًا من نتف ما علق ببال كاتبي السيناريو روكوس ولاين سكاي من أفلام أخرى.
الكثير من الحوار تُرك مترجمًا، مما يجعل الإلقاء خشبيًا لا رنة له. لا تتواصل الحكاية جيدًا والمفاصل المقطوعة، قصصيًا، كثيرة لكن إخراج الأنصاري يغطي على هذه التفاصيل لمعظم الوقت. السجال بين المسجون والسجّان القاتل السادي يستنفد التعابير التي سيلجأ كل منهما إليها خلال احتكاكهما، ما يتركهما، بغياب أي تطور نفسي عميق، عرضة للتكرار. صالح بكري جيد لكن علي سليمان (وكلاهما يحتفظ بلكنته الفلسطينية) مجتهد. مركّب جيّدًا إنما خال من إضافة ذاتية على المتوقع في مثل هذه الأفلام.
من ناحية أخرى، يجوز أن لا نتوقع شيئًا إضافيًا لأن المخرج واضح في رغبته تحقيق فيلم ينتمي إلى تيار سينمائي محدد عادة لا تتميز الأفلام المنتمية إليه عن بعضها البعض كثيرًا. لذلك فإن النقد الذي قد يتردد في أرجاء الكتابات العربية هو أنه فيلم محدود التطلعات ينتمي إلى النوع ولا يعبّر عن ذاتية المخرج. والحكم عليه قد يكون من زاوية «أهمية مضمونه» الغائبة.
كلام صحيح لولا أن الحكم يجب أن يكون على نجاح المخرج (أو فشله) فيما رغب القيام به وليس على الفيلم الذي يقترحه الناقد على المخرج أو يرغب منه القيام به. في هذا الصدد، ومن باب الأمانة لا أكثر، يتوازى النجاح المحقق في «زنزانة» مع قدر من الإخفاقات. فمن ناحية هو فيلم جديد من لونه بالنسبة للسينما الخليجية ككل (ولو أنه ليس الفيلم الأول الذي ينتمي إلى سينما النوع Genre) ومن ناحية أخرى كان على العمل أن ينشد إيجابياته من ضمن معالجته ونوعه. السيناريو خفيف الحدث والشأن والشخصيات المكتوبة بلا تلوين ذاتي بل مجرد رسومات تنفذ المطلوب منها.
رهان المخرج ليس المشكلة كونه عرف ما أراد ونجح في تحقيق الفيلم الذي في باله من حيث منحه الطابع الذي يوافقه. أراد فيلم تشويق حاد ونال ما أراد. الخطوة التالية هي حسن الدفاع عن اختياره أمام جمهور محلي بات، وتبعًا للإقبال الذي شهده الفيلم خلال عروضه في مهرجان دبي، مستعدًا للتجربة الجديدة، وعالميًا قد يكون أكثر امتناعًا كونه شاهد الكثير من مثل هذه الحكايات من قبل.



«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.