جمال سليمان: عملت في مصر بعد التضييق المهني بسوريا جراء مواقفي وآرائي

قال: ولدت في أسرة متواضعة.. وامضيت نحو 35 عاما في عالم الفن

جمال سليمان: عملت في مصر بعد التضييق المهني بسوريا جراء مواقفي وآرائي
TT

جمال سليمان: عملت في مصر بعد التضييق المهني بسوريا جراء مواقفي وآرائي

جمال سليمان: عملت في مصر بعد التضييق المهني بسوريا جراء مواقفي وآرائي

الزمان، والمكان، والأصوات، والروائح منذ سنوات صباه لا تزال محفورة عميقًا في الذاكرة الخازنة للكثير من الصور والحكايا والتفاصيل الحميمة التي عاشها هناك في الجزء الشعبي من مدينة دمشق حيث ولد، وفيه عاش عشرون عامًا من عمره وهي السنوات التي شكلت الطريقة التي رأى فيها العالم، وما أتى بعد ذلك لم يكن له الأثر ذاته في الذاكرة. فمن يولدون ويعيشون في أمكنة مثل هذه الأمكنة هم أكثر الناس قدرة على عيش تفاصيل الحياة ليس لشيء سوى لأنهم مجبرون على عيش هذه التفاصيل.
يقول الفنان جمال سليمان الذي تراه يحمل دمشق معه أينما حل وارتحل، حين عدنا معه بالزمن إلى أيام طفولته: «ولدت في أسرة متواضعة جدًا وفي منطقة شعبية. منذ طفولتي المبكرة عملت في مهن كثيرة: في الفرن، والحِدادة، والديكورات، والنجارة، وغسيل السيارات، وفي مطبعة لطباعة الكتب، وبائع جوال.

طفولة ومراهقة صعبة
أستطيع القول إني عشت طفولة ومراهقة صعبة لكنها غنية جدًا بأحداثها. لاحقًا عندما تحول اهتمامي إلى المسرح والفن تغيرت البيئة التي أحاطت بي فانتقلت معها إلى عوالم أخرى مختلفة عما عشته سابقا؛ عالم الثقافة والفن والسياسية حيث صرت أقرب إلى النخبة الفنية والمثقفة، بالتالي تغيرت اهتماماتي، الأمر الذي أحدث تغييرًا كبيرًا في حياتي. عندما تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية وسافرت للدراسة إلى إنجلترا وعدت بعدها إلى دمشق لأبدأ مرحلة جديدة كفنان محترف، اختلفت الظروف، واختلف العالم الذي يحيط بي حيث قادتني مهنتي إلى عالم الشهرة. لكن هذا لم يمنع صلتي بالعالم الحميمي الذي عشته. فأنا ما زلت أمارس حياتي كأي إنسان عادي، أعيش مع الناس أحب أن أشتري أبسط حاجاتي بنفسي واستمتع كثيرًا بهذا الأمر. تجنبت أن أكون الفنان الذي يعيش في برجه العالي، وهذه الأمور جعلتني محافظًا على توازني، فالفنان لا يجب أن ينعزل عن الحياة والناس، لأن الشهرة مخادعة، إنها كالألوان الجميلة الزاهية التي تخبو مع الزمن إلى أن تزول.

ضريبة الشهرة
وعن ضريبة الشهرة وهذا القرب من الناس، يقول: «رغم صعوبة التخلي عن كل ما هو خاص وجعله مادة متداولة، فالفنان قبل أن يكون فنانًا هو إنسان لديه جانب من الخصوصية يجب عدم المساس به، ومن حقه الدفاع عن ذلك، كنت حاسمًا في هذه المسألة قدر ما أستطيع. أحب جمهوري وأحب أن أشاطره أفكاري (كما أفعل الآن في هذا اللقاء)، ولكن أحب أن يكون ذلك في إطار من الرقي». وعندما سألته كيف يتعامل مع الجمهور في الحياة اليومية، أجابني: «احتفاء الجمهور يترك فرحًا لا يعادله شيء، لذلك استمتع بالتحدث مع الجمهور والتقاط الصور وتبادل التحيات. إلا أن الفنان ككل إنسان يفشل في بعض الأحيان في أن يكون في أحسن أحواله بسبب الظروف المحيطة. من الصعب التوقف لالتقاط الصور عند الإعلان عن النداء الأخير للطائرة وما زال بينك وبينها ربع ساعة من الجري. الصورة في هذه الحالة تعني أن أنام في المطار منتظرًا موعد الرحلة القادمة».

ما بين الشام والقاهرة
سليمان المقيم حاليًا في مصر بعد أن غادر الشام عام 2011 بدأ أولى أعماله مع الدراما المصرية من خلال مسلسل «حدائق الشيطان» عام 2005، يقول عن هذه التجربة التي لم يقل إبداعه فيها عن مسيرته الهامة والطويلة في الدراما السورية ليرد على تساؤلات أحاطت باتجاهه للدراما المصرية بكثرة: لم يكن في ذهني أن أعمل في مصر، لكن شاءت الظروف التي كان أهمها التضييق المهني الذي بدأت أشعر به في سوريا بسبب مواقفي وآرائي. ليس سرًا أن المنتجين في سوريا كمعظم رجال الأعمال يتلقون تعليمات مباشرة من السلطات، ويقيمون عظيم الاعتبار لتعليماتهم الهاتفية وإشاراتهم حول رضاهم أو عدمه على هذا الشخص أو ذاك. لم أنتظر كثيرًا، وعملت بالحكمة التي تقول «إن اللبيب بالإشارة يفهم»، لذا اخترت توسيع المساحة التي أعمل فيها، الأمر الذي دفعني باتجاه تجربتي الأولى في الدراما المصرية من خلال مسلسل «حدائق الشيطان». لكني لم أتخلَ أبدًا عن الدراما السورية كما يُشاع فمنذ عام 2005 حتى تاريخ «العراب» قدمت عدة أعمال منها «فنجان الدم»، و«على حافة الهاوية» و«أهل الراية» وأخيرًا «العراب». وهو عدد لا بأس به إذا أخذنا بعين الاعتبار أنني في معظم سنوات عملي كنت أختار تقديم عمل واحد في السنة. ولا أحب أن أكون فنانًا مستهلكًا من خلال تقديم عدة أعمال في العام الواحد.

إتقان اللهجات
بتواضع كبير يرد الفنان جمال سليمان عن سر براعته في إتقان اللهجات في جميع الأدوار التي قام بها خصوصًا الصعيدية، يقول: قبل اللهجة الصعيدية والفلسطينية كان لي أعمال باللهجة الحلبية والبدوية. هذا جزء من عمل الممثل الذي يجب أن يتمرن على إتقان لهجة الشخصية التي يقدمها في كل عمل. طبعًا هناك لهجات أسهل من غيرها أو أنها أقرب لروح الفنان لذلك تتفاوت درجة الإتقان. بالإضافة إلى ظروف العمل ومن يدرب الفنان على اللهجة ويراقب طريقة لفظه لها، كل هذه العوامل تحدد مستوى النتيجة. في تجربتي مع الأستاذ إسماعيل عبد الحافظ، رحمه الله عليه، كانت مسألة إتقان اللهجة مسألة حاسمة. كان حريصًا على أن يكون لديّ ولدى زملائي الحد الأدنى من الأخطاء.

الشوارع الخلفية وذاكرة الجسد والعراب
وحين تكون أمام قامة فنية لها تاريخها العريق في عالم الفن، فنان يتمتع بثقافة عالية وقارئ بالدرجة الأولى، لا يسعك إلا أن تدخل معه في تساؤلات حول الرواية، خصوصًا حين تكون في مسيرته أعمال اقتبست من روايات هامة. وفي هذا المقام، يجيب عن تساؤلاتي حول أعماله المقتبسة من الرواية بدءًا من «ذاكرة الجسد» وصولاً إلى «الشوارع الخلفية» وأخيرًا «العراب». وعن الرواية ولماذا الرواية يقول:
اليوم نحن نعاني من ندرة كتاب التلفزيون الجيدين الذين لديهم القدرة لاختراع قصة مشوقة وجميلة فيها شخصيات غنية وأحداث مؤثرة في إطار حبكة مشوقة. حتى الكتاب الموهوبين والمتمرسين نادرًا ما يكون متاحًا لهم الوقت الكافي لإنجاز ثلاثين حلقة متينة. لذلك نجد أنه حتى الأعمال الجيدة في معظمها يصح أن نقول عنها مسودات لنصوص ممكن أن تكون أروع بكثير مما ظهرت. لذلك، فإن الروايات الأدبية ممكن أن تكون كنزًا للأعمال التلفزيونية ذات المستوى لأنها تمنح السيناريست الخامة الجيدة في معظم الأحيان لبناء الشخصيات والأحداث. لكن الوجه السلبي للموضوع هو أننا دائمًا ننتقي رواية شهيرة تمت قراءتها من عدد كبير من القراء عاشوا أجواء الرواية وتخيلوا أبطالها وفي رأسهم ملايين الصور عن كل تفاصيلها. وعند تحويلها للتلفزيون يُفاجئ المشاهد بعدم التطابق ما بين مخيلته والرواية وهذا ما يجعله يعتقد أن العمل لم يكن مخلصًا للرواية، أو أنه لم يكن في مستواها. بشكل شخصي أعتقد أن نتائج التجارب الثلاثة التي خضناها كانت إيجابية.

ذاكرة الجسد والثورات المسروقة
وفي تتمة حديثنا عن الرواية يؤكد أن شخصية خالد بن طوبال في «ذاكرة الجسد» التي حاز فيها على الجائزة الذهبية كأفضل ممثل عربي في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 2010، هي من أجمل الشخصيات التي جسدها وأكثر الشخصيات التي شعر بها لتقاطعها معه وجدانيًا، «فهمت ما جرى لخالد بن طوبال وشعرت بمأساته التي حاول عبثًا أن يتغلب عليها، كنت أشعر بفاجعته التي هي فاجعة جيل ضحّى بكل شيء، حتى بجزء من جسد، من أجل وطن حر من الاستعمار ليجدوه فيما بعد تحت سلطة الطغيان والفساد والجهل مأساة من ناضلوا وصنعوا الثورة التي سرقها منهم متسلقو السلطة، ومخترعو الشعارات، فحرفوها وزوّروا تاريخها وأسماء أبطالها. أما عن الروايات العربية التي يشعر بأنها من الممكن أن تكون أعمالاً تلفزيونية كبيرة فأكد أنها كثيرة، منها على سبيل المثال «قمر على سمرقند» لحمدي قنديل، و«ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور، و«ليون الأفريقي» لأمين معلوف.

«العراب» صراع الحرس القديم والجديد
يقول الفنان جمال سليمان الذي لا يكف عن إدهاش المشاهد وخطف أنفاسه في اختياره لأعماله بعناية وتروٍ: أمضيت ما يقارب 35 عامًا في عالم الفن حاولت أن أكون في المكان الذي يشبهني وأشبهه، وأقدم للجمهور ما يسمى بالدراما التنويرية، والحكاية التي هي أقرب ما تكون إلى الحقيقة في أعمال مثل «خان الحرير» و«الثريا» وأعمال تاريخية مثل «صقر قريش»، و«ملوك الطوائف»، و«ربيع قرطبة»، وأعمال اجتماعية معاصرة مثل «ذكريات الزمن القادم»، ومؤخرًا «العراب»، وهو عمل اقتبس من رواية شهيرة جدًا تتحدث عن عائلات المافيا والصراع الذي يدور بينهما. كان من الصعب اقتباس هذه الرواية إلى الحالة السورية كما هي نظرًا لعدم وجود عائلات مافيا في سوريا على شاكلة تلك الأميركية. لكن في المقابل، لدينا عائلات مافيوية بطريقتنا نحن وهي عائلات السلطة، وتلك التي تدور في فلكها بانسجام ووئام راضية بحصتها من كعكة الاقتصاد والفساد.
ويضيف في السياق ذاته: «بعد وفاة حافظ الأسد برز ما يسمى بالصراع ما بين الحرس القديم والجديد متمثلاً برجالات حافظ وبشار الأسد، وقد أشيع آنذاك أن سبب الصراع هو اختلاف الرأي حول حدود الإصلاح، وأن الحرس القديم عمل على الحد منه وإعاقته. لكني أعتقد أنها كذبة تلاشي جمهورها مع الوقت. الحقيقة، أن الصراع حصل ولكن على كعكة الفساد وليس لأجل الإصلاح. وهذا الصراع هو ما يدور حوله «العراب» وهو يحكي عن السنوات القليلة التي سبقت اندلاع الثورة في سوريا وتناول جانب من الأسباب التي أدت لما نحن فيه الآن».

الدراما العربية ومخاوف الواقع الافتراضي وتحدي الوجود
لا يخفي الفنان جمال سليمان مخاوفه على الدراما العربية بشكل عام، يقول: «امتلك مخاوف على الدراما العربية عمومًا وليس السورية فقط طالما أنها ستسير في اتجاه يقوم على عالم التسلية السطحية القائمة على خلق واقع افتراضي كاذب لا أصل له ولا جذور. مسلسلات تحكي كل شيء إلا حكايات الناس. أبطالها افتراضيون يعيشون خارج الزمان والمكان، يجلسون على كراسي في الفاترينات، شخصيات لا هموم حياتيه لها ولا معيشية. دراما أنيقة وبرّاقة لكنها مزيفة كقطعة فاكهة بلاستيكية». وهو هنا يحمل المسؤولية للمحطات الفضائية وشركات الإعلان المتحمسة جدًا لهذا النوع من الدراما.
جمال سليمان يكتب على الثلج
وأخيرًا شاركنا الفنان جمال سليمان مشاريعه الفنية هذا العام في الوقت الذي أفصح لنا أنه يتمنى الآن وأكثر من أي وقت مضى أن يجسد شخصية ابن خلدون كونها شخصية رصدت غروب شمس عصر بأكمله ولشعوره أننا نعيش هذه اللحظة نفسها. أما أبرز مشاريعه تتجسد في فيلم «الكتابة على الثلج» مع المخرج رشيد مشهراوي، الذي سيتم تصويره في تونس، وتدور أحداثه حول مجموعة أشخاص من غزة يجمعهم بيت واحد أثناء القصف الإسرائيلي، جميعهم مختلفون عن بعضهم البعض، ولم يتعارفوا إلا في هذا البيت الذي يعيشون فيه مواقف كثيرة.
* للتعرف على الاراء السياسية للفنان جمال سليمان من خلال حواره مع الشقيقة مجلة ـ«المجلة» أضغط هنا



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».