هل تمهد روسيا في سوريا لدور قوة «حفظ سلام» من خلال الهدنة

بوتين والسيسي يؤكدان أهميتها وبوغدانوف يبحثها في طهران

هل تمهد روسيا في سوريا لدور قوة «حفظ سلام» من خلال الهدنة
TT

هل تمهد روسيا في سوريا لدور قوة «حفظ سلام» من خلال الهدنة

هل تمهد روسيا في سوريا لدور قوة «حفظ سلام» من خلال الهدنة

تواصل وزارة الدفاع الروسية سياستها الإعلامية التي برزت مؤخرًا وتحاول الظهور من خلالها في موقع القوة الراعية لوقف إطلاق النار، والقادرة على لعب دور رئيسي في توزيع المساعدات الإنسانية في سوريا، فضلا عن كونها «رأس حربة» فعال على الأرض يمكنه قيادة أي عملية حفظ سلام مقبلة في سوريا. إذ يشير مراقبون إلى التركيز من الجانب الروسي وتأكيده، مرارا، على أن غالبية الضباط العاملين في مركز حميميم هم من ذوي الخبرة في عمليات حفظ السلام بما في ذلك عمليات برعاية الأمم المتحدة.
ضمن هذا السياق الإعلامي قدم المركز الروسي في مطار حميميم لمراقبة وقف إطلاق النار في سوريا تقريره اليومي الذي أكد فيه التوصل إلى اتفاق مصالحة مع من قال: إنهم قادة مجموعات مسلحة في ريف دمشق، تضم في صفوفها 550 مقاتلاً، لافتًا إلى أن إجمالي اتفاقات المصالحة التي تم التوصل إليها منذ إعلان وقف إطلاق النار بلغت حتى يوم أمس 35 اتفاقًا. إلا أن مصادر المعارضة السورية السياسية والمسلحة كذلك لم تؤكد حتى الآن أي تلك الاتفاقات التي يتحدث عنها الجانب الروسي.
كما اتهم المركز الروسي في مطار حميميم مجموعة «أحرار الشام» بانتهاك وقف إطلاق النار واستهداف الفوعة بقصف مدفعي أدى إلى إصابة ثلاثة مدنيين بجراح، فضلا عن انتهاكات في القامشلي ودرعا وغيرهما، من جانب «داعش» و«جبهة النصرة» ومجموعات مسلحة أخرى في سوريا. ويرى مركز حميميم أن تلك الانتهاكات «تُظهر رغبة الجماعات الإرهابية ومجموعات مسلحة أخرى في سوريا بإفشال وقف إطلاق النار»، وهو ما بحثه ضباط المركز الروسي في مطار حميميم، فضلا عن جوانب أخرى لسير وقف إطلاق النار في سوريا، مع مركز المراقبة الأميركي في عمان.
وفي الإطار الإعلامي ذاته قال الجنرال إيغور كوناشينكو، المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية إن أعمالاً استفزازية محدودة يجري تسجيلها في سوريا، معربا عن اعتقاده بأنه وفي ظل هذه الظروف تصبح الأولوية في خطة العمل لمسائل ضمان العودة الآمنة للسكان المدنيين إلى منازلهم، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق. وأكد أن القوات الروسية قامت في مطلع الشهر بتوزيع مساعدات إنسانية على عدة مناطق سكنية، بعد طلبات متكررة من رؤساء إداراتها المحلية، لافتًا إلى أن وزارة الدفاع الروسية رفعت قائمة تلك المناطق إلى الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق عرض المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية جملة خدمات يمكن أن تقدمها القاعدة الجوية الروسية في حميميم للمنظمات الدولية التي تنوي تقديم مساعدات للمناطق المحاصرة في سوريا، بما في ذلك استقبال الطائرات التي تحمل مساعدات إنسانية، والتخزين والتوزيع على حصص قبل نقل المساعدات إلى المدنيين. كما عرض الاستفادة في تنزيل الحمولات من الإمكانيات التي توفرها قاعدة الدعم التقني البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري، بما في ذلك المساعدة في تنظيم عملية استقبال السفن المحملة بالمساعدات الإنسانية.
إلى ذلك، بحث الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين جملة من القضايا الإقليمية خلال اتصال هاتفي بينهما يوم أمس (الاثنين)، ركزا خلاله بصورة رئيسية على الوضع في سوريا. وفي بيان رسمي حول تلك المحادثات قال الكرملين إن «الرئيس الروسي قدم عرضا مفصلاً لنظيره المصري حول الجهود الروسية في سياق تنفيذ البيان الروسي - الأميركي المشترك بتاريخ 27 فبراير (شباط)، حول وقف العمليات القتالية في سوريا». وأكد بوتين أن «ضمان الظروف لوقف إطلاق النار يشكل عاملا رئيسيا في تطبيع الوضع الداخلي في سوريا وتحسين الوضع الإنساني».
في غضون ذلك أجرى ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، المبعوث الرئاسي الخاص لـ«الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا، محادثات في طهران مع أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني، تناولا خلالها الوضع في سوريا، ومسائل التسوية السياسية العاجلة للأزمة السورية عبر مفاوضات سورية - سورية على أرضية القرار الدولي 2254. وفي حديث أجرته معه وكالة تاس من طهران أعرب بوغدانوف عن ارتياح بلاده للتعاون القائم حاليًا مع الولايات المتحدة في الشأن السوري، بينما وصف الاتهامات لروسيا بانتهاك وقف إطلاق النار هناك، أنها «ادعاءات لا أساس لها من الصحة»، وتأتي ضمن حرب إعلامية تشنها «تلك القوى التي لا مصلحة لها بالعملية السياسية» حسب قوله، محذرًا من أن هذه القوى ستقوم باستفزازات عسكرية وانتهاكات لوقف إطلاق النار في سوريا. في السياق ذاته كرر بوغدانوف دعوة روسيا لإغلاق الحدود التركية - السورية، وتجميد مصادر تمويل الإرهابيين.
وحول العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية أكد نائب وزير الخارجية الروسي في حديثه من طهران أن العمل جارٍ في هذا الاتجاه، معربا عن اعتقاده بأنه «هناك الآن أربعة محاور رئيسية هي الجانب الإنساني، ووقف إطلاق النار، والحرب ضد الإرهاب، والعملية السياسية»، مشددًا على ضرورة العمل على المحاور كلها في آن واحد وبالتوازي. ودعا إلى عدم إضاعة الوقت نظرًا لأن هذه المسائل حسب قوله تحتاج لرد فعل سريع من جانب المجتمع الدولي.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم