تجدد السجال السوري - السوري حول هوية الثورة السورية مع تجدد خروج المظاهرات السلمية يوم الجمعة الماضي، التي عادت إلى شوارع المناطق الثائرة المحاصرة منتهزة فترة الهدنة وتوقف القصف الجوي العنيف. وفيما يشبه «الأسطورة» نهض المدنيون المحاصرون من تحت الركام وخرجوا إلى الشوارع حاملين أعلام الثورة السورية بنجماتها الثلاث الحمراء، لتغيب أعلام التنظيمات الإسلامية والفصائل المسلحة، وكتب الشاعر السوري المعارض خضر الآغا تعليقًا على مظاهرات مدنية خرجت في مدينة داريا، بضواحي دمشق، في اليوم الثاني لسريان الهدنة: «المظاهرات في سوريا الآن، خلال الهدنة، تخرج من الدمار لا من الجوامع». وحمل هذا التعليق ردًا غير مباشر على انتقادات الشاعر السوري أدونيس للثورة منذ انطلاقتها عام 2011 بأنها كانت «تخرج من الجوامع»، في تلميح يدعي أنها مظاهرات يقودها متطرفون. ولقد مثّل رأي أدونيس تيار المثقفين الحداثويين المقربين من السلطة الذين ناهضوا الثورة السورية بحجة أنها «إسلامية متطرفة».
على المقلب الآخر، وخلال الهدنة طفا على السطح تجمع نسوي سوري سمى نفسه «صبايا العطاء» مؤيد لنظام الأسد، قام بتكريم الجنود الروس المنتشرين في قاعدة حيميم العسكرية خلال حفل حضرته رائدة الفضاء الروسية فالنتينا تيريشكوفا التي زارت الجنود الروس الأسبوع الماضي. وأثار تجمع «صبايا العطاء» الذي يضم أكبر تجمع لنساء وبنات المسؤولين والضباط ورجال الأعمال في النظام عاصفة من الاستهجان. واعتبر على نطاق واسع أن تصرفه الاجتماعي استفزازي، وخصوصًا عندما ظهر بعضهن بكامل أناقتهن يحتضنّ الجنود الروس، في الوقت الذي قتل فيه مئات الآلاف من الشباب السوريين سواء من المعارضة أم من قوات النظام، حتى بات يُقال إن قرى مناطق الساحل ذات الغالبية العلوية تحولت إلى مقابر بلا حدود.
تشرف على «صبايا العطاء» عليا عزام خير بك، التي كانت قد أطلقت هذا التجمع على موقع «فيسبوك»، ومن ثم انضم إليه نحو 90 ألف شابة من مختلف المحافظات، معظمهن من محافظات اللاذقية وحلب ودمشق وطرطوس، يتبادلن فيه عرض الملابس و«المكياج» ووصفات الطعام، ويعرضن فيها مشكلاتهن ويطلبن من الأخريات حلولاً لها. بحسب ما قالته إذاعة «روزنة» المعارضة، التي أشارت إلى أن مبادئ التجمع كما يقدم نفسه هو «احترام الآخرين بعيدًا عن السياسة والدين»، غير أنه واقعيًا استبعد كل صبية معارضة للنظام.
ومنذ نحو شهرين بدأ التجمع النشاط الميداني بتوزيع مساعدات بسيطة على حواجز جيش النظام وبعض المواد الغذائية لأهالي قرى ريف اللاذقية، كما جمع تبرعات لمساعدة أطفال للقيام بعمليات جراحية، ورافق كل نشاط لهن حملات إعلامية ضخمة، خصوصًا أن غالبية أعضاء التجمع من عائلات ثرية جدًا، يتنافسن على إظهار الثراء عبر التبرعات خلال حفلات استقبال أو إفطار في مطاعم ذات تصنيف خمس نجوم. وخلال حفل تكريم الضباط الروس في القاعدة العسكرية الواقعة قرب مدينة جبلة الساحلية، والتي تنطلق منها الطائرات الروسية لقصف المناطق السورية، قدمت «صبايا العطاء» الهدايا على الجنود والتقطن معهم الصور التذكارية. وجاء ذلك مع تجدد خروج المظاهرات المناهضة للنظام في المناطق المحاصرة.
مظاهرة داريا سارت في اليوم الثاني من الهدنة، وكانت الثانية بعد مظاهرة خرجت في أحد أحياء حلب المحاصرة. ولاقى تعليق الشاعر خضر الآغا حول الخروج من الدمار استحسانًا كبيرًا من المعارضين المدنيين في الداخل والخارج، وجرى تداوله على نطاق واسع لكنه لم يفتح باب السجال إلا بعد خروج أكثر من مائة مظاهرة يوم أول من أمس الجمعة، حين أخذ البعض على النساء المشاركات أنهن منتقبات وأن المظاهرات «إسلامية» متطرفة. وهذا ما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي للرد على تلك الانتقادات. ولقد كتب ناشط معارض: «في بداية الثورة أثير نقاش لباس المرأة والحجاب، وبعد خمس سنوات من الدم والدمار عاد أدعياء الحداثة والليبرالية والعلمانية ليقولوا الكلام ذاته وكأن بلدًا لم تدمر وشعب لم يقتل ويشرد ويجوع، هؤلاء لا أمل يرتجى منهم». بينما كتب الصحافي والشاعر السوري علي سفر «وينهم جماعة اللطم والندب على الثورة المسروقة، هي اليوم رجعوها الشباب خلنج.. شرّفوا أعلنوا موقف، ما بدكم إياها من المساجد؟ هي طلعوها من المسارح والحارات المدمرة.. وينكم يا جماعة عنزة ولو طارت..؟».
جدير بالذكر أن داريا، المحاصرة منذ ثلاث سنوات، التي كانت تتعرض يوميًا للقصف بالبراميل ومختلف أنواع القذائف والصواريخ المدفعية والجوية، شهدت مظاهرات سلمية مدنية خلال أسبوع الهدنة. وعاد ما تبقى من أهلها المحاصرين للمناداة بإسقاط النظام، كما خرجت المظاهرات في عدة مناطق ثائرة أخرى لتبلغ أوجها يوم أول من أمس (الجمعة)، في مختلف المدن والبلدات السورية أعادت التأكيد على مطالب الثورة من جديد بالحرية وإسقاط النظام.
في أول جمعة بعيد اتفاق وقف إطلاق النار سارت المظاهرات في عموم سوريا، وخصوصًا في مدينة درعا وريفها وحي الوعر في مدينة حمص وفي مدينتي تلبيسة والرستن بمحافظة حمص، ومدينة إدلب وريفها، ومدينة حماه وريفها، ومدينة حلب، عاصمة الشمال السوري. وجدد السوريون مطالبهم برحيل النظام ورفعوا يافطات كتبوا عليها شعارات لافتة مثل «بالدرعاوي انقلع» و«لنبدأ الحكاية من البداية الشعب يريد إسقاط النظام» و«هدأ القصف قليلاً فخرجنا نشكر الله على نعمة المطر وإسقاط النظام» و«أبواب الثورة السلمية تفتح من جديد» و«عاشت سوريا ويسقط الأسد» و«ليس لك عن الرحيل بديل» و«اقطعوا رأس الإرهاب في دمشق والباقي فراطة» و«الخائن لا يهادن إلا في الجولان» و«الثورة مستمرة حتى تحقيق أهدافها» و«أنها ثورة وليست حرب أهلية» و«هي ثورة الزيتون عادت روحها لم تقتلونا إننا أحياء» و«سوريا جميلة لكنها أجمل دون الأسد».
خمس سنوات والذين كانوا أطفالا صاروا يافعين، وصار اليافعون شبانًا، لكنهم حملوا كلهم شعارات الثورة السلمية في سوريا مع فارق أنهم خرجوا من رحم حرب مسعورة شنها النظام وحلفاؤه على المناطق الثائرة فأتت على الأخضر واليابس، ولم تبقِ حجرًا على حجر.
صحافي سوري وصف بالأمس المظاهرات السلمية خلال الهدنة بأنها مظاهرات «عودة الروح». وبالفعل، شكلت هذه المظاهرات مفاجأة كبيرة أثلجت صدور المعارضين في الداخل والخارج، وعاد رمز الثورة في مدينة حمص حارس المرمى الدولي عبد الباسط الساروت ليصدح بأغنيته الشهيرة «جنة جنة.. سوريا يا وطنا.. يا وطن يا حبيب يا قليب الطيب حتى نارك جنة»، وذلك في تسجيل مصور بثه على مواقع الإنترنت في تحية منه للمتظاهرين مع رسالة قال فيها إن «الثورة مستمرة.. فهي ثورة ربانية عندما خرجت وستنتهي ربانية».
الهدنة تجدد سجالات السوريين.. ونساء النظام الثريات يكرمن الجنود الروس ويجمعن التبرعات
غابت أعلام «الإسلاميين» ومن تحت الدمار صدحت الأصوات منادية بإسقاط الأسد
الهدنة تجدد سجالات السوريين.. ونساء النظام الثريات يكرمن الجنود الروس ويجمعن التبرعات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة