«حزب الله» يغري جمهوره بالخدمات لتسهيل تجنيد أبنائهم للقتال بصفوفه

مدير مركز أبحاث لبناني لـ {الشرق الأوسط}: الحزب يبدأ عملية الاستثمار في مقاتليه «منذ طفولتهم»

«حزب الله» يغري جمهوره بالخدمات لتسهيل تجنيد أبنائهم للقتال بصفوفه
TT

«حزب الله» يغري جمهوره بالخدمات لتسهيل تجنيد أبنائهم للقتال بصفوفه

«حزب الله» يغري جمهوره بالخدمات لتسهيل تجنيد أبنائهم للقتال بصفوفه

لم يتوقف حزب الله اللبناني عن تجنيد مقاتلين في صفوفه، بعد حرب يوليو (تموز) 2006 مع إسرائيل. فقد دفعه انخراطه بالأزمة السورية، التي خسر فيها ما يزيد عن ألف مقاتل، إلى التعويض في أعداد مقاتليه، عبر تجنيدهم في مناطق سيطرته في لبنان، مستفيدًا من الخدمات التي يقدمها للسكان، لتسهيل ضم أبنائهم إلى منظومته العسكرية.
يقول مدير مركز «أمم للأبحاث والتوثيق» لقمان سليم المعارض لـ«حزب الله»، بأن الحزب يبدأ عملية الاستثمار في عناصره وكوادره ومقاتليه «منذ طفولتهم، أي منذ مرحلة الحضانة إلى المدرسة والكشافة والجامعة وصولاً إلى المراكز العسكرية»، لافتًا إلى أن «هناك قطاعًا واسعًا من أبناء الطائفة الشيعية يخضعون لعملية فورمات منذ طفولتهم حتى ميادين القتال».
ولم يخفِ سليم في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «حاجة الناس في النظام اللبناني إلى وسيط بينهم وبين الدولة، يدفعهم لأن يجدوا في حزب الله المنخرط للأسف في السلطة، أفضل وسيط للحصول على حقوقهم ومكاسبهم»، ولذلك «ينجح الحزب في تقديم نفسه أمام الناس كوسيط أو بروكر ناجح لتلبية حاجات الناس الصحية والتوظيفية، وبهذه الطريقة يسهل عليه الإمساك بالناس».
ويؤكد سليم: «عندما نتحدث عن دويلة «حزب الله» يعني أننا نتحدث عن اقتصاد هذه الدويلة القائم بحد ذاته، عدا عن وضع يده على جزء مهم من إمكانيات الدولة، مثلاً عبر البلديات التي يسيطر عليها في مواقع سيطرته، والتي تمول الكثير من نشاطاته الاجتماعية والكشفية والترفيهية».
كل هذه العوامل يرى فيها سليم «أسبابًا تسهّل على حزب الله أن يحشد جمهورًا عريضًا، ويسهل عليه السيطرة على عقول الأولاد كما الشباب ليصنع منهم مقاتلين يستثمرهم في ميادين القتال في الداخل والخارج»، مضيفًا: «للأسف مفتاحه الأساسي إلى ذلك كلّه هو أن لبنان بلد بلا دولة».
وتتحدث تقارير كثيرة عن أن الحزب، يضاعف مساعيه لتجنيد المقاتلين، منذ انخراطه في الحرب السورية، وسط معلومات يؤكدها معارضون سوريون عن أن الحرب السورية «استنزفت الحزب، ما يضطره لنقل عناصره من موقع إلى آخر».
ويقدر خبراء في لبنان أعداد المقاتلين التابعين للحزب الذين يواظبون على القتال في سوريا، بنحو 15 في المائة من القوة المقاتلة الرئيسية للحزب. ويروي سكان مناطق شيعية في الجنوب والبقاع أن وتيرة التدريب والتجنيد في صفوف الحزب شهدت ارتفاعا بعد بدء الحرب في سوريا، وبلغت أوجها في العام 2014.
ويتركز التجنيد في مناطق الشيعة، الذين يشكلون القوة العسكرية الأبرز في الحزب. وبحسب تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس» أواخر العام الماضي، فإن الحزب لم يواجه نقصًا في المتطوعين. وكشف الكثير من سكان جنوب لبنان الذين لديهم أقارب يقاتلون في سوريا أو خضعوا لدورات تدريبية أن هناك حملة تجنيد مكثفة. ونقلت وكالة الأنباء الأميركية عن سكان في ثلاثة مخيمات في جنوب لبنان أن الآلاف من المتطوعين الذين تزيد أعمارهم عن 17 تلقوا تدريبات في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ عام 2013. عندما وقعت تفجيرات بالقرب من الحدود السورية. ويستغرق التدريب من 60 إلى 90 يوما. وقال السكان إن المقاتلين أعدوا في الماضي لمزيد من الحروب التقليدية ضد إسرائيل، ولكن اليوم يتم تدريبهم لمعارك الشوارع وأساليب مكافحة التمرد لمواجهة الثوار.
وتضاعفت وتيرة تدريب هؤلاء عما كانت عليه قبل انخراطه في الحرب السورية، رغم أن الآلية المعتمدة لتجنيد المقاتلين وتدريبهم، لا تزال كما هي. بحسب كتاب أعده الكاتب الصحافي نيكولاس بلانفورد عن حزب الله وصدر في العام 2011: «يمر مئات اليافعين كل عام عبر عشرات المخيمات الصيفية التي تقوم على ترتيبها كشافة المهدي بإدارة حزب الله في سهول وتلال جنوب لبنان وشمال البقاع، حيث يتعلمون الانضباط الشديد بالبذلات العسكرية، المواكب، والعصبات الأساسية اللازمة». ويضيف بلانفورد: «لا يقبل حزب الله، عمومًا، مقاتلين في صفوفه تحت سن الـ18، إلا أن التدريب العسكري الأساسي والتآلف مع السلاح يبدآن، بالفعل، في سن أصغر بكثير».
وتساهم العائلات المحسوبة على حزب الله، في تحفيز أولادها على الخضوع لدورات تدريبية، وهو ما أشارت له تقارير كثيرة تتحدث عن آلية حزب الله لاستقطاب المقاتلين. وبحسب تقرير نشر في وقت سابق، فإن أرملة مقاتل في الحزب قُتل في معركة القصير في سوريا، أرسلت ابنها الأصغر البالغ من العمر 16 عامًا، مع العشرات من فتيان قريتها في جنوب لبنان، ليشارك في دورة تدريب تستغرق شهرا كاملا في سفح أحد الأودية في لبنان، قائلة: «يجب أن يتعلم كيف يحمل السلاح ليكون مقاتلا مثل والده».
ويتحدث سكان في منطقة البقاع عن تدريبات دورية تحصل في جرود الهرمل بشكل دوري في مخيمات ينظمها حزب الله لفتيان لا يتجاوزون سن الـ18 عاما، ويقول أستاذ يعمل في إحدى مدارس المنطقة «في بعض الأحيان ندخل إلى الصفوف ولا نجد إلا عددا قليلا من التلاميذ وعند السؤال نكتشف أن هناك مخيما للحزب استقطبهم». من جهته، يقول أحد سكان الهرمل «معظم الشبان يأتون للمشاركة في هذه المخيمات بداعي التسلية لكن عند خضوعهم للتدريب القاسي يحاولون الهرب. بعضهم يأتون إلينا خلال الليل يطلبون الماء والطعام لعدم قدرتهم على الاكتفاء بالكمية القليلة التي تعطى لهم في محاولة لتدريبهم على الصمود خلال القتال».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم