قد يكون هو الإرهاق في نهاية حملة طويلة، أو مجرد حالة من عدم التصديق بأنه حقق لتوه انتصارا غير متوقع، لكن بينما كان جياني إنفانتينو يقف أمام «عائلة الفيفا» الجديدة، التي لا تختلف كثيرا في كون الخلل يضرب أوصالها، فإن تعبيرات وجهه التي غمرها شعور بالدهشة ربما كانت أول إشارة إلى إدراكه لما جلبه على نفسه.
كان المحامي الرشيق ذو الـ45 عاما، صاحب الرأس اللامع والقدرة على الإقناع، والذي يتقن الحديث بعدة لغات، قد نجح في بناء شعبيته لدى كثير من الاتحادات التي قررت مصيره في النهاية. وكان هذا من خلال جولانه حول العالم، حيث يوزع الوعود حول زيادة الأموال المخصصة لتطوير اللعبة ومزيد من الاستثمارات في القاعدة الشعبية لكرة القدم حول العالم. وطالما كانت الإصلاحات الموعودة تضمن رقابة مالية مناسبة وتدقيقا مستقلا في كل أعضاء الفيفا الـ209، فسيكون كل شيء على ما يرام - وينبغي أن يكون دور الفيفا هو تعظيم العوائد التجارية وتوزيع تلك الأموال وفق ما تقتضي الحاجة. غير أنه بالنظر إلى تاريخ المنظمة القاتم، فإن تحقيق هذا يظل تحديا كبيرا. كان إنفانتينو والمخططون الاستراتيجيون لحملته يعلمون أنه من الأهمية بمكان استهداف الناخبين في أفريقيا وأميركا الجنوبية والكونكاكاف، بسبب الفكرة المأخوذة عن الاتحاد الأوروبي بأنه متغطرس ومتنمر يسيطر على المال واللاعبين.
قال ديفيد غيل، المدير التنفيذي السابق لمانشستر يونايتد والعضو حاليا في اللجنة التنفيذية في كل من الفيفا واليويفا: «بدأ جياني من لا شيء قبل 4 أو 5 شهور. وما فعله هو الذهاب ومقابلة الناس وتسويق نفسه، وهذا هو ما رجح كفته». وتابع: «الكثير من الأميال والكثير من العمل الشاق. إن هذه الطاقة والحماس يعنيان أنه الاختيار الصحيح لدفع المنظمة إلى الأمام. وكما نعلم جميعا، هناك حاجة لكثير من العمل الآن».
انتقد أحد خصوم إنفانتينو، وهو جيروم تشامبين، جولات الرجل العالمية، قائلا إنه كان يختال بطائرة خاصة، ويلتقط الصورة ثم ينشرها على «تويتر». صحيح أن جولات إنفانتينو العالمية التي تكلفت 500 ألف يورو (دفعت من خارج أموال يويفا) أسفرت عن كم فظيع من الصور مع كثير من الناس، غير أنه بالنسبة إلى البعض لم يكن إنفانتينو يختلف كثيرا عن الكاريزما والقيادة التي أظهرهما رئيس الفيفا السابق جوزيف بلاتر عندما انضوى تحت جناح جواو هافيلانغ (السباح البرازيلي السابق، المولود لأبوين بلجيكيين، والذي تسلم رئاسة الفيفا لأربع وعشرين سنة كاملة)، واعتمد في حملته الانتخابية في 1988 على السفر في طائرة خاصة وفرها له نائب رئيس الفيفا السابق القطري محمد بن همام، الذي صار خصمه الموصوم بعد ذلك. سيكون من أوليات مهام إنفانتينو أن يثبت قدرته على أن يتجاوز هذه المقارنات - وأن يثبت أنه ليس بالنسبة إلى ميشال بلاتيني الموقوف، كما كان بلاتر يمثل بالنسبة إلى هافيلانغ.
إن بلاتيني، الذي كان المرشح المفضل لخلافة بلاتر قبل أن تتدخل التحقيقات السويسرية في عملية خيانة أمانة بقيمة 1.3 مليون جنيه إسترليني، ما زال يؤكد على أنه لم يرتكب أي مخالفات. وجه إنفانتينو تحية طيبة للفرنسي عقب فوزه. ربما يكون قد شعر بأنه ليس بوسعه أن يفعل شيئا آخر. لكن مثلما لفت المسؤولون التنفيذيون للاتحاد الأوروبي الأنظار بإشادتهم ببلاتيني وتعبيرهم عن أملهم القوي بأن يعود قريبا خلال الاجتماع الذي يسبق الجمعية العمومية لليويفا، فلا بد للرئيس الجديد للفيفا أن يحذر من أن يبدو ببساطة رئيسا قديما في ثياب جديدة. جدير بالذكر أن لجنة الأخلاق التابعة لفيفا قررت في 21 ديسمبر (كانون الأول) الماضي إيقاف رئيس الفيفا السابق السويسري بلاتر وبلاتيني الذي سحب ترشيحه للانتخابات الرئاسية، 8 أعوام عن مزاولة أي نشاط كروي بسبب دفعة غير مشروعة من الأول بقيمة مليوني دولار سددها عام 2011 لقاء عمل استشاري قام به الثاني بين 1999 و2002 ومن دون عقد مكتوب.
في قاعة ملعب هالينستاديون بزيوريخ، حيث كان بلاتر صاح في مايو (أيار) في نشوة انتصار: «لنمض يا فيفا»، وسط المندوبين الذين كانوا قد أعادوه إلى منصبه كرئيس قبل أيام على مداهمات الفجر على فندق بور أولاك، وضعت الجمعية العمومية التي انتخبت إنفانتينو نهاية لفترة استثنائية امتدت لـ8 أشهر، وأسقطت أخيرا النخبة التنفيذية المتسلطة في الفيفا. لعبت الولايات المتحدة دورا محوريا - حيث صوتت في الجولة الأولى للأمير علي، الذي قاد حملة تستحق الاحترام، ثم أقنعت أنصاره بتغيير مواقفهم. وسيكون هناك ارتياح في الولايات المتحدة ولدى المحامين الأميركيين الذين يعملون بشكل وثيق في مقر الفيفا لمتابعة قضايا الفساد. قال سونيل غولاتي، رئيس الاتحاد الأميركي لكرة القدم والعضو باللجنة التنفيذية للفيفا: «لقد كان جياني يعرف إلى أي مدى كنا نفكر بشأنه. قلنا لجياني إننا سندعم الأمير علي لكننا طمأناه كذلك بأننا سنكون معه عندما يكون واضحا أن الأمير علي لن يتمكن من الفوز».
ورغم كل ما يقوله إنفانتينو ومؤيدوه عن «إعادة كرة القدم إلى الفيفا» و«عهود جديدة»، تظل المنظمة غارقة في أزمات وجودية. حدد ماركوس كاتنر، القائم بأعمال الأمين العام للفيفا، بوضوح الثقب الأسود في ميزانية الفيفا، والذي يصل إلى 550 مليون دولار، في حين أن التكاليف القانونية غير المتوقعة ومخصصات الرعاية التي لم يتم سدادها تهدد بمزيد من الخسائر. من غير المرجح أن يكون انتصار إنفانتينو خبرا سارا للرعاة، خاصة بالنظر إلى نجاحه في جلب عوائد مالية أثناء وجوده في الاتحاد الأوروبي، لكن أولئك الذين يراقبون الفيفا سيستمرون في مراقبة عملية الإصلاح البراقة عن قرب، وما إذا كانت أكبر من مجرد كونها تجربة تجميلية جديدة. قال جيمي فولر، من منظمة «نيو فيفا ناو»، ما قل ودل عندما وصف الإصلاحات بـ«بوضع أحمر الشفاه على حيوان قبيح المنظر». وبتفصيل أكبر، أوضحت منظمة «نيو فيفا ناو» تحفظاتها بشأن الإصلاحات التي يمكن أن تؤدي لنتائج إيجابية في بعض جوانبها (من تحديد عدد فترات رئاسة الفيفا، إلى الشفافية المالية، ومزيد من التنوع، ومزيد من الاستقلالية) ولا يمكن أن تأتي بمثل هذا المردود في جوانب أخرى.
وقالت المنظمة: «على الرغم من أن بعض الإصلاحات لا يختلف عليها اثنان وهي موضع ترحيب، فإن نيو فيفا ناو تعتقد بأنها لا تتصدى للعيوب الهيكلية الأساسية سواء في داخل لعبة كرة القدم، أو، وهو الأهم، في ثقافتها». وأوضحت المنظمة أن «الإصلاحات تخفق في أن تجعل كرة القدم خاضعة للمساءلة من قبل أصحاب المصلحة الأساسيين في اللعبة وهم اللاعبون والجمهور». كما أن هناك شكوكا حول ما إذا كان توسيع مجلس الفيفا ليكون بديلا للجنة التنفيذية الموصومة خطوة حقيقية للأمام. وقد جرى على سبيل المثال تأجيل قرار يتعلق بالرقابة المستقلة، وهو من المطالب واجبة التنفيذ بالنسبة إلى منظمة الشفافية الدولية وغيرها من الجهات، بانتظار وصول الرئيس الجديد. كما أنه من الصعوبة بمكان أن تنشأ الثقة بينما كشفت رسائل بريد إلكتروني مسربة أن قسم الاتصالات بالفيفا قدم نقاطا للحديث بشأنها إلى المرشحين الخمسة لرئاسة الفيفا، يحثهم فيها إلى التركيز على عملية الإصلاح؛ أو عندما بدأت الجمعية العمومية غير العادية للفيفا عملها بلافتة عملاقة خلف اللجنة التنفيذية تقول: «الفرصة لنتحرك معا كفريق ونضع أساسات الطريق الجديد للمضي قدما».
وقال إنفانتينو لبعض الصحافيين عن راتبه الجديد «ليست لديّ أي فكرة عنه بعد. أدرك أنكم لا تصدقون ذلك لكني لم أترشح للمنصب من أجل المال. لم أتناقش مع أي شخص حول ما سأتقاضاه. سأنتظر ونرى». وأضاف أنه لم يتناقش مع أي شخص في أمر راتبه منذ انتخابه رئيسا للفيفا يوم الجمعة الماضي. ولم يكشف النقاب أبدا عن راتب بلاتر الرئيس السابق للفيفا، لكن الإصلاحات التي أقرها الفيفا الأسبوع الماضي لتجاوز فضيحة الفساد تشمل إتاحة الرواتب للتدقيق. ورفض إنفانتينو فكرة أنه سيتمتع بصلاحيات أقل من بلاتر وفقا للإصلاحات التي أقرها الفيفا يوم الجمعة الماضي قائلا «لن أقول إن لي صلاحيات محدودة. تم انتخابي الجمعة الماضي لأكون رئيسا للفيفا، والرئيس هو من يضبط الأداء ويجب أن يقدم أداء مقنعا بالطبع. هذه ليست ديكتاتورية بل ديمقراطية ومشاركة».
وسيحسن إنفانتينو صنعا إذا تجاوز ماضي الفيفا المظلم. تشير صحيفة «ذي أوبزرفر» إلى أن المحققين الداخليين من شركة «كوين إيمانويل» القانونية الأميركية ما زالوا يفتشون في أرشيفات الفيفا، وهي ثروة من المواد المريبة، ويركزون على 4 مجالات واسعة النطاق بتوجيهات من السلطات السويسرية. وهذه المجالات هي: تذاكر كأس العالم، ومبلغ الـ10 ملايين دولار المريب الذي ذهب إلى جاك وارنر من منظمي كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا عن طريق الفيفا، والتحقيقات في التصويت على تنظيم كأس العالم 2006، الذي أدى الآن إلى استقالة الرئيس والأمين العام للاتحاد الألماني لكرة القدم، وعقود البث التلفزيونية الغامضة، والتي من الواضح أنها بيعت بثمن بخس إلى وارنر.
وضع المحامي العام السويسري يده على كم هائل من البيانات والمعلومات، كما ينقب في المعاملات المصرفية المريبة التي طالت إلى الآن 3 شخصيات كبيرة. كذلك يمكن أن يستمر تحقيق وزارة العدل الأميركية لسنوات ويتوسع من مناطق جنوب ووسط وشمال أميركا إلى اتحادات أخرى. ولن ينتهي أي من هذه التحقيقات قريبا. على الفيفا، بدلا من أن يشيد بنفسه لإصلاحاته المقترحة، أن يتحرك ويعمل على تنفيذها. عليه كذلك أن يخفض بشكل حاد نفقاته التي تصل لملايين الدولارات على عملية تلميع نفسه، وعلى لجان الجمعية العمومية وغيرها من المظاهر الزائلة لتمجيد الذات.
كما على الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يثبت أنه يستطيع أن يضطلع بوظيفة أساسية - جمع الأموال من كأس العالم وإنفاقها على تطوير كرة القدم في شتى أنحاء العالم - من دون أن تختفي برك من هذه الأموال السائلة في أماكن غير معلومة. عندما يتذكر المرء تهليل وفود الفيفا لبلاتر العام الماضي، يصعب أن نضع الكثير من الثقة على قدرتهم على إحداث التغيير الثقافي المطلوب. لقد قوبل انتصار إنفانتينو بالكثير من الارتياح بسبب أن الصفات غير المتوافرة فيه أكثر من الصفات التي يتمتع بها فعليا. وسيكون رائعا لو اعتقدنا أن الأعضاء المصوتين الـ207 ألقوا نظرة على نقاط الجدل العديدة المحيطة ببعض المرشحين، ثم أعادوا التفكير. لكن الحقيقة التي لا لبس فيها هي أنهم قد يكونون وجدوا في إنفانتينو شخصا يمكنهم التعامل معه.
إلا أن استطلاع رأي نشرت نتائجه أول من أمس أظهر أن الألمان يعتقدون أن الفساد منتشر بشكل واسع في الفيفا ولا يتوقعون تغير الوضع تحت قيادة السويسري إنفانتينو. وذكرت مؤسسة «يوغوف» لأبحاث والدراسات التسويقية على الإنترنت أن 57 في المائة من 1361 شخصا شاركوا في الاستطلاع يعتقدون أن معدل الفساد لن يتراجع تحت قيادة إنفانتينو. بينما يعتقد 18 في المائة أن الفساد سيتراجع مع تولي القيادة الجديدة للفيفا وتطبيق حزمة الإصلاحات التي جرى التصديق عليها أيضا خلال الاجتماع الاستثنائي للجمعية العمومية (كونغرس الفيفا) يوم الجمعة الماضي. وقال 85 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إن الفساد موجود في الفيفا، ويؤكد 87 في المائة أن الفساد والمخالفات منتشران بشكل كبير في الاتحاد. بينما يعتقد 11 في المائة أن قلة فقط من المسؤولين البارزين بالفيفا هم المتورطون في أعمال الفساد.
وكان إنفانتينو قال إنه يريد انخراط اللاعبين بشكل أكبر في إدارة الرياضة كما أوصى بالحذر من استخدام التكنولوجيا. وطالب إنفانتينو بأن تكون تصرفات مسؤولي كرة القدم «مثل الجماهير وليس مثل السياسيين»، وأشار إلى أن اقتراحه بزيادة عدد المنتخبات المشاركة في كأس العالم إلى 40 منتخبا لن يؤثر كثيرا على فترة إقامة المباريات الدولية. وأضاف: «من المهم انخراط اللاعبين لأنهم العامل الأهم في كرة القدم». وتابع: «يجب مشاركتهم في عملية اتخاذ القرارات. نحن بحاجة للاستماع إليهم. نحن بحاجة للاستماع إلى أصواتهم وخبراتهم وانخراطهم في الأنشطة التي نقوم بها».
وورث إنفانتينو منظمة في أزمة كبيرة بعد أن وجهت السلطات الأميركية اتهامات بالفساد لعشرات من مسؤولي كرة القدم، بعضهم في مناصب مرموقة في الفيفا، إضافة لإيقاف بلاتر الرئيس السابق ست سنوات من جانب لجنة القيم. وقال رئيس الفيفا الجديد إن الرياضة لا تستطيع غض الطرف عن استخدام التكنولوجيا لمساعدة الحكام، لكن يجب أن تكون أكثر حذرا حول إيقاف المباريات كثيرا. وستناقش الهيئة المسؤولة عن قوانين اللعبة والتي يملك فيها الفيفا أربعة أصوات من أصل ثمانية يوم السبت السماح باستخدام الإعادة التلفزيونية لمساعدة الحكام على اتخاذ القرارات الخاصة بالأهداف المثيرة للجدل وركلات الجزاء والطرد والحالات الخاطئة في تحديد هوية اللاعبين.
وقال إنفانتينو «من المهم رؤية مدى تأثير التكنولوجيا على سير المباريات». وأضاف: «كرة القدم لعبة استثنائية. هي أجمل وأهم لعبة في العالم ولا نريد قتل كرة القدم». وتذكر إنفانتينو الأيام التي كان يذهب فيها إلى المباريات مرتديا ملابسه العادية وليست الرسمية كما يحدث الآن. وقال «أعتقد أن علينا تغيير ذلك وأن نتصرف نحن كمسؤولين مثل الجماهير وأقل قليلا من السياسيين».
وسبق أن اقترح جيروم شامبين المرشح السابق في انتخابات رئاسة الفيفا هذا الأمر. واقترح إنفانتينو من قبل زيادة عدد المنتخبات المشاركة في كأس العالم إلى 40 بدلا من 32. وأضاف: «سنعطي ثمانية منتخبات أخرى فرصة المشاركة في كأس العام، لكننا سنعطي منتخبات أكثر بكثير فرصة الحلم بالتأهل». وتابع «أعتقد أن تأثير ذلك سيكون قليلا على فترة المباريات الدولية، لكن علينا مناقشة ذلك والتقدم للأمام من هذه النقطة».
تاريخ الفيفا المظلم.. التحدي الكبير لإنفانتينو
لا بد للرئيس الجديد من الحذر أن يبدو مسؤولاً قديمًا في ثياب جديدة
تاريخ الفيفا المظلم.. التحدي الكبير لإنفانتينو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة