باريس تستعد لطرح مبادرتها للسلام في الشرق الأوسط أمام مجموعة المتابعة العربية

مصادر فرنسية لـ {الشرق الأوسط} : ليست لدينا أوهام كبيرة إزاء نجاحنا

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرو قبل قمة لعدد من مدراء شركات التكنولوجيا في باريس أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرو قبل قمة لعدد من مدراء شركات التكنولوجيا في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

باريس تستعد لطرح مبادرتها للسلام في الشرق الأوسط أمام مجموعة المتابعة العربية

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرو قبل قمة لعدد من مدراء شركات التكنولوجيا في باريس أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرو قبل قمة لعدد من مدراء شركات التكنولوجيا في باريس أمس (أ.ف.ب)

يقوم وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت بزيارة للقاهرة بداية الأسبوع القادم لغرضين اثنين: الأول، التحضير لزيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لمصر في منتصف شهر أبريل (نيسان) والثاني لقاء وزراء خارجية مجموعة المتابعة العربية للملف الفلسطيني التي ستعقد اجتماعا وزاريا لها في العاصمة المصرية في الفترة عينها.
وقالت مصادر فرنسية دبلوماسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن أيرولت يريد أن يعرض على نظرائه في مجموعة المتابعة العربية المشروع الفرنسي الساعي لمعاودة إطلاق مسار السلام الفلسطيني - الإسرائيلي المعطل منذ أبريل من عام 2014، وتنهض الخطة الفرنسية المكونة من مرحلتين على الدعوة، في شقها الأول، لمؤتمر دولي للسلام تريد باريس أن يلتئم في شهر أبريل القادم ويضم أطراف اللجنة الرباعية الموسعة «الأطراف الأربعة التقليدية، أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تضاف إليهم الدول العربية والأوروبية الفاعلة ومنظمات إقليمية مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والتعاون الإسلامي..». وتقول مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن مهمة المؤتمر المذكور الذي لن يدعى إليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي ستكون «إعادة النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى واجهة الاهتمامات الدولية بعد أن غيبته حروب المنطقة وتراجع الدور الأميركي وتحديد منهجية جديدة للعمل بعد أن ثبت فشل المنهجيات السابقة خصوصا الأميركية منها». وعمليا تريد باريس التي تلاحظ أن النزاع الأقدم في الشرق الأوسط قد «خرج من دائرة الاهتمام الدولي» قلب صفحة التفرد الأميركي وتوسيع الإطار إلى الدول القادرة على «مواكبة عملية السلام وتوفير الضمانات للطرفين بعد أن تكون قد أعادت التأكيد على محددات العملية السلمية» التي تعتبرها معروفة من الجميع. وأحد أهداف باريس التي كانت على لسان وزير خارجيتها السابق لوران فابيوس قد «هددت» بالاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية في حال فشلت جهودها السلمية: «إعادة العرب إلى العملية السلمية عبر تفعيل مبادرة السلام العربية» التي أقرتها قمة بيروت عام 2002.
أما المرحلة الثانية من الخطة فتقوم على الدعوة إلى مؤتمر ثان، ولكن هذه المرة بحضور الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ولا تصر باريس على استضافة المؤتمرين، علما بأن إسبانيا مثلا تريد من جانبها استعادة استضافتها لمسار برشلونة أو مؤتمر مدريد. وستكون المبادرة الفرنسية على جدول المحادثات التي سيجريها غدا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مع الرئيس فرنسوا هولاند في قصر الإليزيه، باعتبار أن الرياض كانت في أساس إطلاق المبادرة العربية التي تعتبر باريس أنها «لم تلق الاهتمام الذي تستحقه».
تعي باريس أن العوائق التي يمكن أن تحول دون نجاح مبادرتها كثيرة وصعبة. وتقول مصادرها إنها «لا تسكنها أوهام» لجهة حظوظ إحداث اختراق بالنظر للرفض الإسرائيلي التقليدي لكل مبادرة سلام تنطلق من فرنسا أو من أوروبا. كذلك لا يغمر الإدارة الأميركية الحالية التي تتهيأ للرحيل مع نهاية العام الحالي الحماسة الزائدة خصوصا أنها في حمأة المعركة الرئاسية. أما الاتحاد الأوروبي فمنقسم على نفسه ولا يبدو أن فدريكا موغيريني «وزيرة خارجيته»، من جانبها، راغبة في الانخراط في مسار معقد. أما السبب الأخير، فإن الحكومة الفرنسية نفسها يعوزها الوقت حيث لم يتبق للرئيس هولاند سوى عام واحد من ولايته الحالية.
تقول المصادر الفرنسية إنها «لا تسيء تقدير الصعوبات» التي ستواجهها. لكنها في الوقت عينه ترى أنه «لا يمكن ترك هذا الملف جانبا» لأن أحد المخاطر هو أن «تستولي» «داعش» عليه في معمعة الحروب في الشرق الأوسط وتوظفه في دعايتها السياسية بما في ذلك لدى المواطنين الأوروبيين أو المقيمين في أوروبا. ثم إنها ترى أن وضع الرئيس الفلسطيني «هش» والأراضي الفلسطينية إما قادمة على انتفاضة أو على حرب، وفي كلتا الحالتين سيكون الوضع بالغ الخطورة.
قبل أسابيع، عمد وزير الخارجية جان مارك أيرولت إلى تعيين السفير السابق بيار فيمون ممثلا شخصيا له مكلفا التحضير للمؤتمرين. وفيمون دبلوماسي مرموق يعرف واشنطن جيدا حيث عمل فيها سفيرا كما أدار الدبلوماسية الأوروبية لفترة طويلة. وفائدة تعيينه، وفق المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أنه «يحمي» وزير الخارجية في حال سارت الأمور بعكس ما تشتهي باريس. وعمدت الدبلوماسية الفرنسية إلى تحضير مجموعة من الحجج لتسويق الفكرة وللتغلب على ممانعة المترددين. فللجانب الإسرائيلي الذي يريد مفاوضات مباشرة ودون وسيط أو شروط، سيكون الرد الفرنسي أن المفاوضات عند انطلاقها ستكون كذلك أي «مباشرة».. أما للطرف الفلسطيني الذي يطالب بضمانات فالرد أن مهمة المؤتمر «مواكبة» المفاوضات، إن خريطة الطريق هي «محددات السلام». وأخيرا، فإن باريس ترى أن مبادرتها يمكن أن تخدم الرئيس الأميركي، «إنه يستطيع الدعم من الخلف ولن يكون في المواجهة»، كما أنها ستوفر لخليفته في البيت الأبيض «أساسا» يمكن البناء عليه لاحقا.
تمثل النقطة الأخيرة أهمية خاصة بالنسبة للمبادرة الفرنسية. ولذا تحرص المصادر الفرنسية على القول إنها تريد «توفير الفرصة» لواشنطن حتى تقدم على شيء وتمد يد المساعدة علما بأنها تقول للجانب الفرنسي: لا تحاولوا، لأن الطرفين «الفلسطيني والإسرائيلي» غير راغبين في اتفاق أو غير قادرين على مواجهة تحدي السلام. وبكلام آخر، لا تريد باريس أن تنظر الإدارة الأميركية لمبادرتها على أنها موجهة ضدها وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية. وأخيرا، ستقول باريس للرئيس محمود عباس إن انعقاد المؤتمر أو المؤتمرين من شأنه «تعزيز» موقعه الضعيف راهنا وإيجاد «أفق جديد» بينما الوضع الراهن مسدود الأفاق.
هل ستنجح مبادرة باريس؟ من الصعب الرهان عليها نظرا للصعوبات وخيبات الأمل السابقة ولغياب إرادة أميركية حقيقية في إلزام إسرائيل المستمرة في عملية قضم الأراضي الفلسطينية بقبول محددات السلام وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. لكن فضل باريس أنها «الوحيدة» اليوم من بين العواصم الكبرى المواظبة على إثارة المسألة ومحاولة القيام بشيء ما حتى وإن كانت حظوظ النجاح ضعيفة للغاية.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».