كيف يساهم تجار الآثار الغربيون في تمويل «داعش»؟

شكل شغف الغربيين الدائم بالآثار حافزا للآخرين لسرقتها، وتسبب نفس الأشخاص الذين يتباهون بتقديرهم لقيمة التراث الثقافي في خلق سوق تعتمد على الآثار المنهوبة. وعليه يمكن الجزم بأن التجارة غير المشروعة في الآثار نشأت نتيجة للطلب المتزايد عليها. فالقطع الأثرية تعرض في الأسواق نظرا لقيمتها المالية، ويقدم المشترون الغربيون على الشراء نظير مبالغ متدنية بعدما تكون القطعة قد تنقلت من يد لص لآخر، ومن مهرب لآخر، ومن وسيط لآخر، مما يحفز على الاستمرار في السرقة والتهريب. وهناك أدلة على أن تنظيم داعش أقدم على تلك الجريمة والسوق نصب عينيه.
يمكن الجزم بأن العرض أصبح كبيرا في سوق الآثار المنهوبة من سوريا والعراق، فبحسب سلطات الجمارك الأميركية، ازدادت واردات قطع التراث الواردة من سوريا بمعدل 145 في المائة، في حين زادت واردات التراث الثقافي من العراق بواقع 61 في المائة ما بين عامي 2011 – 2013. مما يعنى أن تلك التجارة المحظورة باتت تعتمد بشكل كبير على التجارة الشرعية. ويرى خبراء أجهزة الاستخبارات الغربية أنه مع استمرار الصراع أصبحت الآثار تمثل مصدرا كبير لتمويل «داعش».
الوضع الحالي يعني أن المشترين إما أنهم غير مدركين للخسائر التي تتسبب فيها السوق السوداء بسبب تحجر قلوبهم ولا مبالاتهم بحقيقة أن إقدامهم على الشراء يتسبب في كل هذا الكم من الدمار، أو أنهم يبررون أفعالهم بالادعاء أن ما يقومون به يساعد في «إنقاذ» تلك الآثار بإبعادها عن مناطق الحرب بحسب «الغارديان» البريطانية. (وهو زعم خاطئ لأن نقل الآثار من أماكنها الأصلية للاحتفاظ بها ضمن مجموعات ملكية خاصة من دون بحث أثري صحيح يجعل القطع غير ذات قيمة حقيقية). وعليه فإن أهم الطرق لتقليل الطلب على سرقة الآثار هي التوعية، إذ أن بعض مقتني الآثار على علم تام بدور المشترين في عملية السرقة وبالضرر الذي يتسبب فيه الشراء. ويقول خبراء في الآثار: ينبغي على مقتني الآثار والمتعاملين فيها توخي الحرص التام؛ حيث يتعين على المشترين التعامل مع بائعين موثوقين، والتحري عن تاريخ وطرق توثيق تلك القطع، ومن ضمنها التأكد من الوثائق وخطابات الضرائب المرفقة. وفي حال عدم توافر تلك المستندات، فيتحتم على المشترين عدم الشراء. فأصل القطعة الأثرية والمنطقة التي اكتشفت فيها هي من يحدد مدى شرعية الشراء، وفي حال كان المصدر هو منطقة حرب ونزاع، فإن علما أحمر يجب أن يُرفع في وجه البائع. وشنّ تنظيم داعش هجمات متتالية على محيط مدينة تدمر الأثرية ومحيطها (أقصى ريف حمص الشرقي)، ما أدى إلى سيطرته على بلدة السخنة بالكامل، التي تقع على طريق تدمر - دير الزور، وتبعد من تدمر 50 كلم في الشمال الشرقي. وتشير مصادر ميدانية إلى أن سقوط بلدة السخنة يعني قطع طريق تدمر - دير الزور، وهو ما يفتح الطريق أمام «داعش» إلى مدينة تدمر. وسيطرة «داعش» على المدينة الأثرية تدمر، يثير مخاوف كبرى من نهبها أو تدمير الآثار الموجودة فيها وفي متحفها، خاصة بعد أن قام التنظيم خلال الأشهر الماضية بتدمير عدد من المواقع والمدن الأثرية في المناطق التي يسيطر عليها مثل متحف الموصل بمدينة الموصل شمالي العراق، وآثار مدينتي النمرود والحضر التاريخيتين شمالي العراق، ما أثار موجة من الإدانة من قبل المنظمات العالمية المهتمة بالآثار.
وتدمر الأثرية (بالميرا باللاتينية) الواقعة وسط مدينة تدمر الحديثة، هي إحدى أهم المدن الأثرية عالميًا، وورد اسمها في ألواح طينية تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد سكنها الكنعانيون والعموريون والآراميون، وتتميز بأن معالم الحاضرة القديمة شبه متكاملة فيها، وتتوزع الأطلال فيها على مساحة تتجاوز 10 كيلومترات مربع، ويحيط بها سور دفاعي من الحجر المنحوت، وآخر للجمارك من الحجر واللبن، وتتوزع بيوتها حسب المخطط الشطرنجي.
وأهم معالم تدمر المعابد، منها «الإله بل» و«بعلشمين» و«نبو» و«اللات» و«أرصو»، إلى جانب الشارع الطويل وقوس النصر والحمامات ومجلس الشيوخ، والسوق العامة، ووادي القبور، والمدافن البرجية، كما يوجد فيها متحف كبير يضم آثارًا تعود لأكثر من 30 قرنًا من الزمن. ودعت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» إيرينا بوكوفا، إلى تكثيف الجهود الدولية من أجل حماية الآثار والمواقع الأثرية في الشرق الأوسط. وقالت إيرينا بوكوفا إن نهب وتدمير المسلحين للمواقع الأثرية في الشرق الأوسط بلغ «مدى غير مسبوق».
وأكدت المديرة العامة لـ«اليونيسكو» أن هذا التدمير، هو استراتيجية ممنهجة يستخدمها تنظيم داعش في ترهيب السكان، مشددة على أن ذلك جريمة حرب.
وكانت إيطاليا وافقت على أن تمنح لمنظمة اليونيسكو المعنية بالثقافة والتابعة للأمم المتحدة فريقا من الخبراء، يتم نشرهم لإنقاذ الآثار والأعمال الفنية التي تهددها الحروب والكوارث الطبيعية. وأصبحت إيطاليا راعية لفكرة تشكيل ما يعرف باسم «قوات حفظ السلام الثقافية التابعة للأمم المتحدة»، منذ الدمار المروع الذي لحق بمدينة بالميرا السورية القديمة على يد ميليشيات تنظيم «داعش». وقالت اليونيسكو عشية التوقيع على الاتفاق بداية الشهر الجاري إن «هذا الاتفاق يمكن اليونيسكو من أن تطلب من الحكومة الإيطالية أن تقدم الخبراء اللازمين للحفاظ على التراث الثقافي المعرض للدمار من جراء الأزمات». وأثارت هذه الخطة مقارنات مع فريق «رجال الآثار» الذي نشرته الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية لإنقاذ الأعمال الفنية الأوروبية من هجمات النازي، وتم الاحتفاء بإنجازات هذا الفريق في فيلم سينمائي أنتج عام 2014 يحمل نفس اسم الفريق بطولة النجم جورج كلوني. وقالت وزارة الثقافة الإيطالية إن اليونيسكو ستكون قادرة على استدعاء فريق يضم 60 خبيرا أعضاء في مجموعة التراث الوطني التابعة للشرطة العسكرية الإيطالية، وكذلك مؤرخين للفن وخبراء في الترميم، وأضافت أنه يجب أن تنضم مجموعة من الأكاديميين إلى الفريق في مرحلة لاحقة. وأوضحت الوزارة أن فريق المهام «تلقى تدريبا على العمل وسط المواقف الخطرة، وقادر على تقويم الدمار ووضع خطط الترميم والحفاظ على الأعمال الفنية، إلى جانب تدريب خبراء الترميم المحليين، ونقل الأعمال الفنية خارج مواقع الخطر ومنع أعمال النهب». وحثت اليونيسكو الدول الأخرى على الاقتداء بالنموذج الإيطالي، من أجل «تعزيز قدرة المجتمع الدولي على الاستجابة للتهديدات المتزايدة التي تواجه التراث الثقافي في مناطق مختلفة من العالم».