«مناورات أمنية» لحزب الله تشغل الشارع اللبناني

تخوف من رد فعل الحزب تجاه الإجراءات الخليجية بافتعال أحداث أمنية

«مناورات أمنية» لحزب الله تشغل الشارع اللبناني
TT

«مناورات أمنية» لحزب الله تشغل الشارع اللبناني

«مناورات أمنية» لحزب الله تشغل الشارع اللبناني

تزداد المخاوف في لبنان من أحداث أمنية يفتعلها حزب الله ردا على الإجراءات الخليجية الأخيرة والتي جاءت على خلفية «الخروج اللبناني عن الإجماع العربي». وقد تعاظمت هواجس اللبنانيين بعدما تم الأسبوع الماضي إلقاء منشورات في مناطق ذات حساسية طائفية تحذر من عمليات أمنية واسعة للحزب، ودعت السكان إلى «أخذ الحيطة والحذر وتأمين طريق سريع للهروب»، في حال وقوع أي عمليات تستهدفهم.
ولعل ما ورد على لسان رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب، المقرب من الحزب، وقوله إنه «إذا اعتقد أحد أنه قادر على قلب الطاولة فيجب أن يعلم أننا سنقلب الدنيا عليه وعلى من يقف وراءه»، جعل المعنيين يتعاطون بكثير من الجدية مع المعطيات الأمنية الحالية ورفع مستوى الحيطة والحذر خاصة في المناطق التي تُعتبر ذات حساسية معينة.
ويترقب تيار «المستقبل»، الذي هدد أخيرا على لسان وزير الداخلية نهاد المشنوق بالانسحاب من طاولتي الحوار الوطني والثنائي مع حزب الله كما من الحكومة، بحذر المواقف الأخيرة لحزب الله وإمكانية أن تكون لها انعكاسات أمنية شبيهة بما حصل في مايو (أيار) 2008 حين اجتاح حزب الله وبعض حلفائه بيروت وبعض مناطق الجبل ردا على قيام الحكومة آنذاك باعتبار شبكة اتصالاته غير شرعية.
واعتبر القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش أن استعادة تجربة مايو 2008 مرتبطة بـ«رغبات الحزب وحساباته وإلى أي مدى هو مستعد للوصول بتصعيده»، لافتا إلى أن «حزب الله وبمرحلة من المراحل لا شك أنه سيلجأ لاستخدام العنف بوجه المكونات اللبنانية الأخرى لفرض رؤيته الخاصة للنظام الذي يسعى إليه». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا نعلم إذا كان قد حان الوقت لذلك، خاصة أننا واثقون أنهم سيربطون أي تحرك من هذا النوع بتطور الأوضاع في سوريا».
ورأى علوش أن «بعض المخاوف الأمنية الحالية قد تكون مبررة وحقيقية، كما أن بعضها الآخر يندرج بإطار الشائعات التي لا يمكن التأكد منها»، وقال «على كل حال، يمكن التوقع ومن ضمن الرؤية المتوسطة أن يسعى الحزب لفرض خياراته مستخدما العنف، لكنّه لا شك أنّه سيكون هناك عنف مضاد بوجهه».
بالمقابل، أكدت مصادر في قوى 8 آذار «حرص حزب الله على الأمن والاستقرار في لبنان، لكنّها شددت على أنّه يستعد لكل الاحتمالات والخيارات خاصة إذا كان هناك من يخطط لمواجهة معه، واستخدام ورقة المليون ونصف مليون لاجئ سوري لترهيبه». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «أما الاعتقاد بأن الحزب هو الذي سيبادر لافتعال أحداث أمنية، فغير منطقي، والكل يعلم أنه منشغل حاليا في الداخل السوري».
وتشهد الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، إجراءات أمنية استثنائية ترتقي إلى حد «الاستنفار الأمني»، بحسب مصادر ميدانية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر الحزب «يقومون بمداهمات مفاجئة أو ينصبون حواجز من دون مقدمات». وقد أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» يوم أمس باتخاذ «إجراءات أمنية مشددة على مداخل الضاحية حيث توزعت حواجز التفتيش، بعد الاشتباه بدخول سيارة سوداء مفخخة إلى المنطقة». كما أشارت الوكالة إلى إجراءات مماثلة شهدتها مدينة صور جنوب البلاد بعد ورود معلومات عن عبور سيارة مفخخة إلى المنطقة، بيضاء اللون ومجهولة باقي المواصفات. وشهدت المنطقة انتشارا أمنيا، وفتشت القوى الأمنية السيارات العابرة ودققت بهويات راكبيها.
وبحسب مواقع مقربة من حزب الله فإن الإجراءات الأمنية المتخذة في الضاحية تندرج بسياق «مناورة أمنية دورية تقوم بها الجهات الأمنية الناشطة في الضاحية للبقاء على حيطة وحذر وقدر عالٍ من التأهب لمواجهة الأخطار»، لافتة إلى أن «المناورة الحالية هي الأضخم».
وبينما تتجه الأنظار مجددا إلى الحدود الشرقية للبنان بعد بدء سريان الهدنة السورية، وتوقع مصادر لبنانية هروب مسلحي «داعش» و«جبهة النصرة» الذين لا تشملهم هذه الهدنة إلى الداخل اللبناني، قللت مصادر أمنية عبر وكالة «المركزية» من وقع السيناريوهات «الدراماتيكية»، لافتة إلى أنها «مضخّمة جدا لا بل في غير مكانها»، مشددة على أن «الجيش اللبناني سيّد الحدود الشرقية ويبسط سيطرته الكاملة على الوضع الميداني في المنطقة وهو بالمرصاد لصد أي تحرك مشبوه للمسلحين». وأضافت: «كما أنه يراقب مخيمات النازحين عن كثب ويضعها تحت مجهره، فيصعب أن تشكل منطلقا لأي أعمال تخريبية».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.