سد الموصل .. يوحد الأميركيين ويفرق العراقيين

احتمالات انهيار رابع سد في الشرق الأوسط له تداعيات كارثية

سد الموصل .. يوحد الأميركيين ويفرق العراقيين
TT

سد الموصل .. يوحد الأميركيين ويفرق العراقيين

سد الموصل .. يوحد الأميركيين ويفرق العراقيين

حتى بعد القرار الذي اتخذته الحكومة العراقية بإحالة صيانة سد الموصل إلى شركة إيطالية بعد جدل ومماطلات فإنه لا يزال مصدر قلق للعراقيين بسبب تكرار الحديث عن إمكانية انهياره في أي لحظة ما يتسبب بغرق مدن بل ومحافظات كاملة مثل نينوى وصلاح الدين وسامراء وأجزاء من الأنبار وحتى العاصمة بغداد. الأخبار والتقارير اختلط حابلها السياسي بنابلها الفني مما أضاع للعراقيين حكاما ومحكومين ومثلما يقول مثلهم السائر «الخيط والعصفور». ففي حين اتبعت وزارة الموارد المائية، وهي الوزارة ذات الاختصاص والمعنية أكثر من سواها بقضية السد، سياسة الإنكار التام لجهة عدم وجود مخاطر تهدّد السد، فإن التقارير الواردة من قبل الجانب الأميركي كانت تتحدث باتجاه آخر وجد له طريقا في التفسير يجمع بين إمكانية أن تكون المعلومات الأميركية صحيحة أو أنها تدخل في سياق «نظرية المؤامرة».

مثل قضايا كثيرة تمسّ العراق هذه الأيام، بل منذ 2003. ما عاد ممكنًا فصل السياسة عن أي ظاهرة. ومع أن أزمة بخطورة إمكانية انهيار سد الموصل، أكبر سد في العراق ورابع أكبر سد في الشرق الأوسط، لتداعياتها الكارثية، فإن ثمة اختلافًا علنيًا في تشخيص المشكلة بين الحكومة العراقية، ممثلة بوزارة الموارد المائية، والتقارير الصادرة عن جهات أميركية تتابع الشأن العراقي.
وفي حين تنكر الوزارة وجود أي خطر يهدّد السد، تنقسم الآراء حول التقارير الأميركية بين مصدّق ومكذّب يرى أنها تدخل في سياق «نظرية المؤامرة»، لجهة تعزيز النفوذ الأميركي العسكري في المناطق الغربية من البلاد، لا سيما، بعد القرار الذي اتخذته واشنطن بتحرير الموصل بمشاركة حصرية للجيش العراقي والمتطوعين من أبناء المدينة وقوات البيشمركة الكردية. وهذا يعني الاستبعاد التام لميليشيا «الحشد الشعبي» خصوصا بعد إنزال قوات الفرقة 101 الأميركية المجوقلة في الموصل مع وجود القوات التركية بالقرب من بلدة بعشيقة القريبة من الموصل، بالإضافة إلى القوات الإيطالية التي ستدخل لحماية السد. كل هذه القوات تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي «ناتو» وهو ما شحذ الذاكرة السياسية بمزيد من التحليلات والأفكار بشأن إمكانية تشكيل خريطة سياسية جديدة في المنطقة بدءًا من العراق، خصوصًا مع تنامي التنافس الروسي ـ الأميركي.

بداية حكاية السد
القضية الأصل بالنسبة لسد الموصل كان، بداية، الكلام عن وجود مشكلة فنية في أساسات السد منذ البدء بإنشائه عام 1983 وبدء العمل به وتشغيله عام 1986. ذلك أن السد الذي تعود خطط بنائه إلى خمسينات القرن الماضي عبر ما كان يسمى «خطط مجلس الإعمار» على عهد رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي نوري السعيد، ولقد اختير موقعه في حينه بأرض جبسية ما يعني إنها تتأثر بالماء، وهو ما يحتاج إلى تحشية مستمرة كي لا تتآكل أساسات السد وينهار. وهذا ما دعا النظام العراقي السابق إلى بناء معمل إسمنت بالقرب منه لهذا الغرض، واستمر العمل بهذه الطريقة حتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
بعد هذا التاريخ عانى هذا السد بعض الإهمال رغم الاستمرار في عمليات التحشية. وبما أن المشكلة تفاقمت فإلى حد ما رصد مبلغ 3 مليارات دولار إبان حقبة حكومة نوري المالكي السابقة لبناء سد يطلق عليه «سد الصد» لإعاقة تسرّب المياه إلى المدن والأراضي المحيطة به وحتى مئات الكيلومترات في حال انهياره، إضافة إلى المحافظة على المياه التي تستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية، وبجانب ذلك إطلاق كميات إضافية من المياه خلال فصل الصيف الحار في العراق خصوصا للمحافظات الجنوبية من البلاد التي تعاني أصلاً شحًا في المياه. غير أن الفساد المالي والإداري حال دون إطلاق هذا المبلغ الذي كان كافيًا تمامًا لدرء المخاطر الحالية المحيقة بالسد، التي تفاقمت بعد احتلال تنظيم داعش مدينة الموصل. فالتنظيم المتطرف احتل السد لأقل من شهرين لكن خلال هذه الفترة توقفت خلالها عمليات التحشية ما أدّى – وفق التقارير – إلى تحرّك في أساسات السد.

جدلية الماء والسياسة
وهنا، سرعان ما انتقلت قضية سد الموصل من الجانب الفني إلى الإطار السياسي، داخل قبة البرلمان العراقي، الذي لم يأخذ قضية السد على محمل الجدّ لتخوفه من فتح جبهة جديدة من الجدل والخلاف بين الأطراف والكتل والمكونات السياسية ما من شأنه زيادة الفرقة والمناكفات السياسية.
هكذا ظل الحال حتى دخل الأميركيون بقوة على خط المشاكل المحيطة بالسد. ففي مكالمة هاتفية أبلغ الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي – بناءً على ما أعلنه لـ«الشرق الأوسط» سياسي عراقي رفيع المستوى طالبًا إغفال ذكر اسمه – أن «كوابيس ليلية تراودني في منامي»، وأردف أن «أوباما أكد للعبادي أن أول سؤال يوجهه لمستشاريه عند كل صباح هو ماذا لديكم من تقارير بشأن سد الموصل». السياسي العراقي تابع أن «هذه المعلومات أدلى بها العبادي خلال اجتماع مجلس الوزراء»، قائلا: إن أوباما كان جادًا جدًا، وأبلغ العبادي أنه لا يريد للسد أن ينهار خلال فترة رئاسته.
هذا الموقف الأميركي الحاسم حيال السد سرعان ما وجد تنفيذه على أرض الواقع حين بدأت فرق العمل الأميركية مسحا لمشكلة السد، بالتعاون مع الجانب العراقي الذي أخذ يعي حجم المشكلة، وإن ليس بالمستوى المطلوب. إذ تحوّل الأمر إلى جدل داخل قبة البرلمان بين من يرى أن المشكلة حقيقية ومن يرى أنها مبالغ فيها. وفي حين وجهت اتهامات إلى وزير الموارد المائية محسن الشمّري «بالتهاون وعدم التعامل بجدية مع القضية» فإن مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الذي ينتمي الوزير إلى كتلته البرلمانية طلب منه سحب نفسه من قضية المفاوضات مع الشركة الإيطالية.
البعد السياسي للسد عبّر عنه عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية (الكتلة السنّية في البرلمان) فارس طه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» فقال: «المخاوف التي عبرنا عنها في تحالف القوى العراقية بشأن قضية سد الموصل ليست ناجمة عن فراغ، بل هي مخاوف حقيقية مبنية على وقائع وحيثيات. فحياة الملايين باتت مهددة في حال انهيار السد، الذي يبقى برغم كل الكلام الذي يقوم على تطمينات غير مؤكدة احتمالا قائما».
طه أشار إلى أنه «سبق أن قدمت الجهات المسؤولة تطمينات قبل دخول داعش إلى المحافظات والمدن الغربية من أن الجبهة آمنة حتى استيقظ العراقيون ليجدوا داعش احتل الموصل وصلاح الدين». وأوضح طه أن «المشكلة أن الحكومة الحالية، حالها في ذلك حال مثيلتها الحكومة السابقة، لا تتعامل بجدية كاملة مع التحذيرات بما فيها التحذيرات الدولية المتخصصة، وهو أمر يجعلنا نقف بقوة من أجل أخذ المخاطر التي يمثلها السد على محمل الجد». واستطرد أن «الضحية الأكثر تعرضا للكارثة في حال انهيار السد هم أبناء المناطق المحتلة (من داعش)، وبالتحديد، الموصل وتكريت».
وفي السياق نفسه تقول انتصار الجبوري، عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن «المشكلة التي نواجهها الآن ليس أن الجهة الرسمية المسؤولة عن الأمر، وهي وزارة الموارد المائية، لا تملك خطة بشأن السد فحسب، بل إنها تنفي كل ما يتعلق بالمخاطر التي تحذّر منها جهات عالمية معتبرة». وأضافت الجبوري «الإجراءات لا تزال ترقيعية، ومن بين ما يجري القيام به الآن هو زيادة الإطلاقات المائية وتشغيل الكهرباء. حيث إن بيوت أهالي الموصل بدأت تأتيها المياه بكثافة، بالإضافة إلى عودة التيار الكهربائي إلى المنازل. وبالتالي، فإن سياسة حبس الماء بالسد إلى حد وصوله مرحلة الخطر من دون تشغيل مولّدات الكهرباء، أو إطلاق المياه إلى الأهوار الجافة، يعني أنه لا توجد سياسة حكيمة في التعامل مع السد».

تقرير أميركي
طبقا لما أعلنه مصدر عراقي مطلع لـ«الشرق الأوسط» أن «تقريرًا أميركيًا من 80 صفحة قدّم خلاصة مكثفة معزّزة بالرسوم والخرائط عبر الأقمار الصناعية، فضلاً عن المجسّات الجوية، إلى الرئيس باراك أوباما بالإضافة إلى إطلاع الجانب العراقي، لا سيما، رئيس الوزراء العبادي الذي يعد أكثر القادة العراقيين تفهمًا للمخاطر المترتبة على السد. وفي المقابل، يقلل مسؤولون وقيادات أخرى من هذه المخاطر، بل نفيها بالكامل، وهو ما تعمل عليه وزارة الموارد المائية التي تتبع سياسة الإنكار التام». وأضاف المصدر المطلع أن «ملخّص ما ورد في هذا التقرير هو أن احتمال انهيار السد يبقى قائمًا، لكنه قد لا يكون كبيرًا بالدرجة التي تصوّرها بعض الجهات. مع هذا لا ينبغي التقليل من هذه المخاطر في حال لم تتم معالجتها بطريقة جذرية». وأردف أن «عدة دول أوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، أجرت مسوحًا جوية ودراسات وتحاليل مختبرية جيولوجية متكاملة وحديثة لوضع السد، بالتعاون مع الجانب الأميركي وبموافقة الحكومة العراقية، بينما التقارير والتحاليل العراقية تعود إلى عام 2004». ثم أضاف: «استعان الأميركيون، إضافة إلى التصوير عبر الأقمار الصناعية، بالغواصين... الرئيس أوباما يتابع شخصيًا موضوع السد، حتى إنه في إحدى مكالماته الهاتفية مع العبادي أبلغه بالنص أن السؤال الذي أبدأ به يومي لمستشاري هو: ماذا لديكم عن سد الموصل؟ وهو ما أدى إلى تعجيل الإجراءات التي بدأت تأخذها الحكومة العراقية لا سيما رئيس الوزراء ومنها الاتفاق مع شركة إيطالية لصيانته». وحول مدى الاهتمام الدولي بقضية سد الموصل، أكد هذا المصدر المطلع أنها التي «حفزت البنك الدولي على منح العراق القرض الأخير البالغ مليارا ونصف مليار دولار لأن البنك الدولي لا يعطي قروضًا من أجل سداد الرواتب».
وبشأن المخاطر التي تحوم حول السد من النواحي الفنية، قال المصدر المطلع إن «الإطلاقات المائية الحالية حاليًا أدت إلى خفض منسوب السد من 330م إلى 319م لكنها حتى الآن ليست كافية، لأن المخاطر التي قد تخرج الوضع خارج نطاق السيطرة تبدأ من 25 فبراير (شباط) الجاري حتى أول أبريل (نيسان)، موسم ذوبان الثلوج، وهو ما يعني العجز عن تحويل مياه السد إلى بحيرتي الثرثار والرزّازة في محافظة الأنبار بسبب أن النواظم التي تحول الماء إلى هناك تقع تحت سيطرة داعش، كما أن إطلاق المزيد من المياه الآن سيؤثر جديًّا على حصول بغداد والمحافظات الجنوبية على مياه إسالة خلال فصل الصيف، وهو ما يعني وجود أكثر من مشكلة في آن واحد».
مشكلة مزمنة وحلول وقتية

مراكز الأبحاث الأميركية المتخصصة في مجال السدود والجسور وجدت بعد الدراسات التي أجرتها على سد الموصل أنه يعاني من مشكلات عدة، لا سيما في قاعدته التي شيدت على أرض رخوة غير متماسكة. ورأت أن أعمال الحقن بمادة الإسمنت الخاص التي تقوم بها جهات عراقية مختصة غير ناجعة لحمايته بشكل نهائي وتلافي المشكلات التي يواجهها، ما يعني أن استمرار إهماله سيتسبب في قرب انهياره. وفي حال انهار سد الموصل فإنه سيطلق أربعة مليارات متر مكعب من المياه دفعة واحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى مقتل الآلاف في غضون ساعتين من الزمن، وستكون بمثابة كارثة العصر في القرن الحادي والعشرين.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.