المجتمعات التعددية.. إشكاليات الاندماج وسياسات الدولة

المجتمعات التعددية.. إشكاليات الاندماج وسياسات الدولة
TT

المجتمعات التعددية.. إشكاليات الاندماج وسياسات الدولة

المجتمعات التعددية.. إشكاليات الاندماج وسياسات الدولة

أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث، كتابه الثامن بعد المائة، الذي يتناول موضوعات التعددية الدينية والثقافية في تونس، والمغرب، والجزائر، وسوريا والسودان. كما ناقش سؤال الهوية، والمسألة الأمازيغية، والرؤية لدى الإسلاميين تجاه كل مجالات التعددية على أرض الواقع، وفي تجليات الثقافة، وتشكلات المجتمع بأنسجته المختلفة، وتعدد المشارب والاتجاهات والتيارات. هذا بالإضافة لموقف حزب «العدالة والتنمية» من المشاركة السياسية، وتمايزه عن مواقف جماعة «العدل والإحسان»، والمجالات المحفّزة على إثارة موضوع التعددية رفضًا أو تأييدًا. وذلك بمشاركة عدد من الباحثين والمختصين.
الباحث المغربي فؤاد بوعلي، شارك في الكتاب بدراسة عن «الهوية الأمازيغية في خطاب الحركة الإسلامية في المغرب»، معتبرا أن تناول الحركة الإسلامية مطبوع بمحاولات التمييز الدائم بين الأمازيغية، باعتبارها لغة وثقافة مشتركة للمواطنين المغاربة، والحركة الثقافية الأمازيغية، باعتبارها حركة سياسية ذات ولاءات غير وطنية في مجملها. لذا؛ كان الجواب عن الأمازيغية جوابًا عن أهميتها في بناء الوطن داخل إطار المشترك الجمعي.
أما الباحث عبد الكريم أبو اللوز، فقد ناقش «موقف الإسلاميين في المغرب من التعددية السياسية»، معتقدا أنه وإن كان الخطاب الإسلامي الحديث - في غالبيته لا يتنكر للتعددية الحزبية في الدائرة الإسلامية، فإن مستوى الطموح والتطلع يفضل الوحدة وينشدها، إلا أنه لا يعني - بأي شكل من الأشكال - خلو الساحة من مواقف توصف بالرافضة، وإن كانت بدرجات متفاوتة تتوزع بين أطراف توصف بالتحرر والتجديد.
الأكاديمي العراقي خيري عبد الرزاق جاسم، درس النموذجين المغربي والجزائري في «إدماج الأعراق وإدارة التنوع». وهو يرى أن الحكومات الجزائرية المتعاقبة لم تنشئ مؤسسات سياسية قائمة على أساس الكفاية؛ وحرمت الدولة والمواطن من حق الانتماء لها والشعور بالمواطنة فيها، وظلت الروابط بينهما قائمة على أسسٍ آيديولوجية. هذا، فضلاً عن غلبة الصراعات السياسية بين مؤسسات الدولة الرئيسة، وظلت الغلبة للمؤسسة العسكرية وخضوع المؤسسات الأخرى لها، وظلت إدارة التنوع والالتفات إليها أسفل قائمة السياسات الحكومية المتعاقبة.
من جهتها، تعتقد الباحثة التونسية هالة الحبيب، أن حركة «النهضة» قوة اجتماعية وسياسية مهمة في تونس، سواء كانت في السلطة أو المعارضة. ولهذا لا يمكن للحياة السياسية أو لمؤسسات الدولة العمل بشكل جيد من دون وجود هذه القوة، والاعتراف بها وإدماجها في النظام السياسي.
«إدارة التنوع الثقافي في السودان»، كان محور اهتمام الباحث العراقي عبد السلام بغدادي، والذي يرى أن أي محاولة للخروج من المعضلة السودانية الراهنة، والمتمثلة بسوء إدارة التنوع أو الاختلاف أو التعددية الثقافية في السودان الكبير (شماله وجنوبه)، ولا سيما شماله، والتي تهدد البلاد - التي انشطرت إلى نصفين عام 2011 - بمزيد من التفتت والانقسام، تشترط أولاً عقد مؤتمر دستوري وطني شامل وجامع. ومن أولويات هذا المؤتمر «الاتفاق على وضع يشترط أي محاولة للخروج من الأزمة السودانية الراهنة، والتي تهدد البلاد بمزيد من التفتت والانقسامات، وعقد مؤتمر دستوري قومي شامل وجامع».
الموضوع السوداني قاربه أيضًا الباحث عبده مختار موسى، منطلقا من فرضية أساسية، وهي أن فشل النخبة السودانية في إدارة التنوع، يشكل سببًا أساسيًا في أزماته وعدم استقراره، ساعيا إلى الإجابة عن سؤال: كيف فشلت النخبة السياسية في تحقيق الاستقرار في بلد متنوع؟
الكتاب ضم أيضًا قراءة في كتاب «التعددية الثقافية وحقوق الأقليّات في العالم العربي»، أعدها الباحث السعودي عبد الله حميد الدين، ودراسة لعبد الحميد العيد الموساوي، بعنوان «العمل المنظم كمانع للاحتكار السياسي للإسلاميين في تونس».



أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

زهرة دوغان - مدينة نصيبين
زهرة دوغان - مدينة نصيبين
TT

أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

زهرة دوغان - مدينة نصيبين
زهرة دوغان - مدينة نصيبين

تأتي علاقة الفن بالقانون من عدة جوانب، فيمكن أن يكون موضوعاً يجري التعبير عنه، أو عن المفاهيم والحالات الإنسانية المرتبطة به، كالعدالة والمساواة والبراءة. كما يمكن أن يُستخدم الفن قوةً ناعمةً للتعبير عن القضايا القانونية أو المجتمعية، حين يسلّط الضوء على القضية من دون إثارة الجدل أو تحميله شكل المعارضة المجتمعية.

ومع ذلك قد يكون هذا التعبير الفني «خشناً» أحياناً، أو صادماً ومفاجئاً كحالة الفنانة الكردية زهرة دوغان، التي حُكم عليها بالسجن بتهمة الدعاية الإرهابية، حين نشرت لوحة تصوِّر مدينة نصيبين في تركيا بعد اشتباكات بين الجيش التركي والأكراد، مع رسم الأعلام التركية على المباني المدمَّرة، في إشارة واتهام واضحين للسلطات التركية بالتعدي والهجوم على المدنيين.

وفي حالات يمكن أن يكون الفن بحد ذاته قضية قانونية، بسبب عدم وجود تعريفات دقيقة للفنون، خصوصاً الفن المعاصر. وقد ظهرت هذه الإشكالية في بداية القرن العشرين، حين تغير الفن ولم يعد محاكاة للواقع. فالفنان على سبيل المثال لن يهمه رسم الطائر بشكل واقعي لأن الصور الفوتوغرافية تقوم بذلك، فبحث الفنان عن شكل آخر للتعبير، كالتعبير عن حالة تحليق الطير مثلاً؛ وهو ما قام به الفنان الروماني برانكوزي في منحوتته «طائر يحلق في السماء» التي توحي بالانطلاق والحرية. هذا العمل كان مثار قضية عام 1926م في الولايات المتحدة –التي تستثنى الأعمال الفنية بما فيها المنحوتات من ضريبة الاستيراد- فعند وصول المنحوتة إلى أميركا، رفضت السلطات اعتبارها عملاً فنياً وفرضت ضريبة استيراد، لأنها لا تمثل الطير، حينها رفع الفنان قضية للدفاع عن عمله وقدم شهادات من عدة خبراء في الفنون. وكانت نهاية الحكم هو أن تعريف الفن وقتها لم يعد صالحاً ومناسباً لاتجاهات الفن الحديثة التي ابتعدت عن التمثيل والمحاكاة واتجهت نحو التجريد.

قضية شيبرد فيري... العمل الفني والصورة الأصل

قانون الفن

وقد ظهر تخصص «قانون الفن» لدى بعض شركات المحاماة العالمية، بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استولى النازيون على كثير من الأعمال الفنية في أوروبا، وبعدما طالبت الأوطان الأصلية لهذه الأعمال، باستعادتها وحمايتها والتعويض عما تعرضت له من حالات تزوير وتهريب.

يتضمن هذا التخصص حالات التزوير والاحتيال، والضرائب، وحفظ وحماية الحقوق، وعمليات البيع والشراء وغيرها من الجوانب. خصوصاً مع الأعمال ذات القيمة التاريخية، حيث تظهر أهمية الوثائق التي تدل على أصل العمل، كما أن عدم وجود وثائق تثبت صحة عمليات البيع والشراء وانتقال الملكية المرتبطة به، قد يدل على أن العمل الفني -يتيم- مسروق، مما يؤثر بالتالي في قيمته المادية.

ولعل حقوق الملكية الفكرية من أكثر المواضيع المرتبطة بالقانون، فالعمل الفني يمكن أن يتم استنساخه واستخدامه تجارياً، أو في المنتجات النفعية المختلفة، كالأثاث والأزياء والمطبوعات.

وفي واحدة من القضايا العالمية الشهيرة المرتبطة بالملكية الفكرية، استُخدمت صورة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وجرى تحويلها إلى بوستر، استُخدم في الحملات الانتخابية للرئيس السابق. وكان أصل هذا العمل هو صورة فوتوغرافية التقطها المصور ماني غارسيا، لصالح وكالة «أسوشييتد برس»، وبعد أن حقق البوستر الفني انتشاراً كبيراً لم تنله الصورة الأصل، رفعت الوكالة الإعلامية التي تملك أصل الصورة قضية على الفنان شيبرد فيري الذي استخدم الصورة في تصميمه للبوستر الشهير للمطالبة بتعويض عن استخدامه الصورة الفوتوغرافية، وقد جرى التوصل إلى تسوية خاصة بين الطرفين تضمَّن جزء منها مقاسمة الأرباح التي حصل عليها العمل الفني.

• الفن وغسل الأموال

يوجد كثير من الحالات المشابهة لهذه القضية في الفن نتيجة عدم وجود حدود واضحة للاقتباس والاستلهام، وتشابه الأفكار ومصادر الإلهام التي تجعل من بعض الأساليب والمواضيع الفنية متشابهة.

ومن الجوانب القانونية كذلك، استخدام الفن في غسل الأموال، لإخفاء اكتسابها بطريقة غير مشروعة، بسبب عدم الشفافية والغموض في سوق الفن. ويلاحَظ هذا الغموض في المزادات العالمية، حين تتم الإشارة إلى العمل الفني على أنه ضمن «مجموعة خاصة»، أو حين يباع من خلال ممثلين لمُلاك مجهولي الهوية.

ومن الميزات الاستثمارية للفن، ارتفاع قيمته مع مرور الزمن، وفي ذات الحين إعفاؤه من الضريبة مما يجعله وسيلة لعدد من الأثرياء حول العالم لتجنب الضرائب. ونظراً لاختلاف نظام الضرائب في البلدان، تختلف طرق الاستفادة من هذه الميزة.

ففي بعض الدول يُمنح خفض ضريبي للمتبرعين في المجالات الثقافية والتعليمية، لتشجيع الدعم والتبرع لهذه المجالات، بما يساعد على تقديم الدعم المالي للمتاحف، وفي ذات الوقت خدمة للمجتمع الذي يستفيد من المتاحف، التي تعتمد بشكل كبير على التبرعات الخيرية. كما يمكن الحصول على إعفاء ضريبي، عبر اقتناء الأعمال الفنية ذات القيمة المتزايدة، وحفظها في الموانئ الحرة في مناطق معفاة من الضرائب –كموانئ سويسرا- حيث تتميز هذه الموانئ بمستودعات خاصة تحمي الثروات والأصول الفنية الثمينة.

تشريعات ضرورية

وقد تكون القضايا المتعلقة بالفن من القضايا التي يندر تناولها محلياً في المحاكم السعودية، نظراً لحداثة هذا المجال وعدم انتشاره وصغر حجم الدائرة الاجتماعية المرتبطة به.

فمن ناحية علاقة الفن بالإعفاء الضريبي، فالفن لا يدخل ضمن الإعفاءات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لنظام ضريبة القيمة المضافة في المملكة.

كما أن الهيئة السعودية للملكية الفكرية توضح إمكانية تسجيل الفنان عمله بصفته المؤلف الذي قام بإنشائه، وخدمة التسجيل هي خدمة اختيارية، والحماية يكتسبها العمل الفني دون الحاجة لأي إجراء شكلي وفقاً لـ«اتفاقية برن» لحماية المصنفات الأدبية والفنية التي انضمت إليها المملكة عام 2003، حيث نصَّت الاتفاقية على مبدأ الحماية التلقائية.

يمكن أن يكون الفن في حد ذاته قضية قانونية بسبب عدم وجود تعريفات دقيقة للفنون خصوصاً الفن المعاصر

ومع ذلك تظهر الحاجة إلى توضيح بعض الأنظمة الخاصة بالوساطة الفنية والبيع والشراء وانتقال ملكية الأعمال وغيرها. فعلى سبيل المثال، هل يحق للفنان معرفة المقتني لعمله، وما دفع له؟ فالمفترض أن تحصل صالة العرض على نسبة من عملية البيع، إلا أن بعض الصالات تقتني مجموعة من الأعمال، وتعيد بيعها بمبالغ مضاعفة لجهة ما أو مقتنٍ معروف، في أشهُر بسيطة. وفي هذه الحالة يتم تضخيم أسعار الأعمال الفنية، كما أن الفنان لا يعرف القيمة الحقيقية لبيع أعماله. مع أن نظام حماية حقوق المؤلف، يوضح أن للفنان التشكيلي حق التتبع والحصول على نسبة من كل عملية بيع لأعماله الفنية، فكما يشير النظام نصاً، «يتمتع مؤلفو مصنفات الفن التشكيلي ومؤلفو المخطوطات الموسيقية الأصلية -ولو تنازلوا عن ملكية النسخ الأصلية لمصنفاتهم- بالحق في المشاركة بنسبة مئوية عن كل عملية بيع لهذه المصنفات».

كما قدمت وزارة الثقافة في منصتها للتراخيص الثقافية (أبدع) بعض التراخيص المرتبطة بالفن والتي تسهم في تنظيم وتوثيق الأنشطة الفنية. ومع أن الهدف هو الشراكة مع القطاع الخاص ودعم وتمكين النشاط الثقافي في المملكة، إلا أن منح التراخيص وحده لا يبدو كافياً. فالفن بحاجة إلى مزيد من الدعم أسوةً بالمجالات الأخرى التي تقوم الجهات المرتبطة بها تنظيمياً بدعمها بالرعاية والتمويل والتطوير والتسويق، كما في الصناعة والسياحة وغيرها من القطاعات.

إن الفن التشكيلي في السعودية بحاجة إلى توضيح كثيرٍ من الجوانب القانونية المرتبطة به، بما يسهم في دعم اقتصاد الفن والاستثمار فيه. وحفظ حق كلٍّ من الفنان والمقتني وصالة العرض أو الوسيط، خصوصاً مع دعم «رؤية السعودية 2030» للفن وما يحدث حالياً من انتعاش في الحركة التشكيلية السعودية.

* كاتبة وناقدة سعودية