رئيس الحكومة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: لا بد من تصحيح «الهفوة» بحق التضامن العربي

لا نقوى على «زعل» المملكة.. ولا نقبل بأي ضيم يصيبها

رئيس الحكومة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»:  لا بد من تصحيح «الهفوة» بحق التضامن العربي
TT

رئيس الحكومة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: لا بد من تصحيح «الهفوة» بحق التضامن العربي

رئيس الحكومة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»:  لا بد من تصحيح «الهفوة» بحق التضامن العربي

أكد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أنه سيدفع باتجاه «تصويب الموقف» الذي شكت منه المملكة العربية السعودية في موقفها الأخير الذي انضمت إليه دول مجلس التعاون الخليجي، محذرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من أنه سيضع الجميع أمام مسؤولياتهم وأن الاجتماع الذي دعا إليه للحكومة اليوم «سيظهر من يريد مصلحة لبنان، ويفضح من يقف ضد هذه المصلحة»، ملوحا بـ«مصارحة اللبنانيين في حال تعثرت الأمور وتسمية الأمور بأسمائها».
وقال سلام: «لم يكن لبنان تاريخيا خارج الإجماع العربي، وحصول تقصير أو هفوة ما، لا يعني أن ما حصل هو الأصل. الخليج، والمملكة العربية السعودية خصوصا، لم يقصرا مع لبنان في يوم من الأيام، ولهذا لا يجب أن نرد على هذا إلا بالتعبير عن أخوتنا وتلاحمنا مع العالم العربي، حيث ننتمي، كما ينص دستورنا». وأضاف: «من هنا دعوت لجلسة استثنائية للحكومة (اليوم) للملمة تداعيات هذا الموقف الذي صدر عن المملكة، وعن بعض دول الخليج، وهو موقف غير مريح بالنسبة إلينا، ونحن لا نحتمل (زعل) المملكة علينا، ولا نقبل بأي ضيم يصيبها، وهذا ما يستدعي تصويبا للأمور من قبلنا».
وردا على سؤال عما إذا كان خائفا على الحكومة بعد المواقف التي تصاعدت في لبنان، وبعد استقالة وزير العدل أشرف ريفي، قال سلام: «أنا لا أخشى على الحكومة فقط، بل أخشى على كل لبنان». وأضاف: «الحكومة أمامها مسؤوليات يجب أن تقوم بها، ولبنان في ظل احتدام الصراع الإقليمي في المنطقة معرض لأن يدفع الثمن غاليا». وتابع: «كنت منذ فترة أحذر من الشغور في موقع رئاسة الجمهورية الذي يراكم سلبيات، منها الساحة المفتوحة في لبنان التي لا تساعد على لملمة الوحدة الوطنية». وأشار سلام إلى هشاشة الوضع اللبناني قائلا: «الأمور ليست على ما يرام، هناك حوارات ثنائية، وحوارات موسعة (الحوار الوطني) وحكومة متعثرة وغياب في السلطة التشريعية وغياب رئيس الجمهورية، وهذا كله يجعل من لبنان ساحة مفتوحة أمام كل الاحتمالات ولا يساعدنا في عملنا المحفوف بالصعاب والمخاطر».
وردا على سؤال عن إمكانية تجاوب وزراء «حزب الله» وبقية أطراف «8 آذار» في الحكومة، قال: «سنحاول (في اجتماع الحكومة) أن نقوم بما يتوجب علينا، وإذا كانت القوى السياسية تريد الحفاظ على البلد، وعلى الحكومة بالحد الأدنى، يكون الأمر جيدا، وإذا لم ترد فسيظهر ذلك ولتتحمل كل جهة مسؤولياتها». وتابع ملوحا باتخاذ موقف إذا لم تتجاوب هذه القوى: «أنا لم أتأخر يوما عن مصارحة اللبنانيين، وقد شرحت أمامهم كل المعاناة التي يمر بها البلد، ولن أتأخر بالتصدي لكل ما يتعارض مع هذه السياسة، وما زلت أتحمل المسؤولية، أما إذا قرروا أنهم لا يريدون التوافق فهذا أمر آخر».
وعارض سلام استقال الوزير ريفي، قائلا: «نحن بحاجة إلى تضافر جهود الجميع، وليس الانسحاب من المواجهة، والتخلي عن دور من هنا وهناك. ونحن بحاجة إلى دور الوزراء الوطنيين، وابتعادهم عن الحكومة يضعف هذه الحكومة».
وكرر سلام أنه سيسعى لتأمين الموقف الذي يثبت للعرب أن لبنان لا يزال واحدا منهم، كما كان دائما، وأن ما حصل هو مجرد غمامة صيف عابرة لن تؤثر في واقع أن لبنان بلد مؤسس في الجامعة العربية، وكان دائما مع الإجماع العربي ومع وحدة العرب». وأضاف: «العرب لا يريدون لنا إلا كل الخير، وقد أثبتوا ذلك في أكثر من مناسبة ورأينا خوفهم علينا، فساعدونا في تحقيق اتفاق الطائف ومصالحة الدوحة، كما قدموا لنا العون السخي في كل الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي ألمت بلبنان».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.