بوادر هجرة جماعية لأطباء بريطانيا المبتدئين.. بعد خلافاتهم مع حكومة بلادهم

أكثر من 1300 حصلوا على شهادات يحتاجونها للعمل في الخارج * أكثر من ألف مريض عانى من أخطاء طبية خطيرة

أطباء بريطانيون من المتخرجين حديثا يتظاهرون في لندن احتجاجا على ما أعتبروه إجحافا في ظروف عملهم (إ.ب.أ)
أطباء بريطانيون من المتخرجين حديثا يتظاهرون في لندن احتجاجا على ما أعتبروه إجحافا في ظروف عملهم (إ.ب.أ)
TT

بوادر هجرة جماعية لأطباء بريطانيا المبتدئين.. بعد خلافاتهم مع حكومة بلادهم

أطباء بريطانيون من المتخرجين حديثا يتظاهرون في لندن احتجاجا على ما أعتبروه إجحافا في ظروف عملهم (إ.ب.أ)
أطباء بريطانيون من المتخرجين حديثا يتظاهرون في لندن احتجاجا على ما أعتبروه إجحافا في ظروف عملهم (إ.ب.أ)

كشفت إحصائية بريطانية عن تضاعف عدد الأطباء المبتدئين الذين تقدموا بطلبات للعمل في الخارج قائلة بأن نسبتهم فاقت الألف في المائة، هذا الشهر عما كان عليه في السابق، في الوقت الذي فرض فيه وزير الصحة البريطاني جيرمي هانت عقود عمل جديدة عليهم، تتضمن شروطا اعتبروها مجحفة وقاسية في حقهم.
وطلب نحو 300 طبيب مبتدئ مغادرة البلاد بعدما فرض هانت هذه الخطوة الخميس الماضي وحده، في حين أشار المتحدث باسم المجلس الطبي العام في المملكة المتحدة اندي ايغورث لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن «المجلس منح 1333 شهادة حالة مهنية (يحتاجها الأطباء للعمل في الخارج) منذ بداية 2016. بينها 803 طلبات في فبراير (شباط) الحالي. وطلب 298 طبيبا الحصول على هذه الوثيقة المهنية الخميس الماضي، وهو اليوم الذي أكد هانت أنه سيفرض عقد عمل جديدا». وحذر ايغورث أن «هذه الطلبات تشير إلى أن عددا كبيرا من الأطباء قد يفكرون في مغادرة البلاد». ويتكبد دافعو الضرائب البريطانيون نحو 300 ألف جنيه إسترليني في تدريب طبيب مبتدئ واحد، وهو ما يعني أن الأطباء الذين تكلف تدريبهم نحو 400 مليون جنيه إسترليني منذ بداية 2016، اتخذوا خطوات فعلية في سبيل الهجرة. وتعتبر شهادة الحالة المهنية، إقرارا من المجلس الطبي العام بالمملكة المتحدة بعدم وجود دعاوى قضائية ضد الطبيب المتقدم بالطلب.
وتعمل الحكومة البريطانية حاليا على تعديل الأجور المالية للأطباء، والتي ستؤدي إلى تقليص رواتبهم نحو الثلث، لكن نقطة الخلاف الرئيسية هي الأجر الإضافي الذي يحصل عليه الأطباء المبتدئون في حال عملهم خلال عطلة الأسبوع، وما إذا كان ينبغي تصنيف يوم السبت كيوم عمل عادي ضمن الأسبوع. ووعد زعماء الأطباء المبتدئين «بمواصلة القتال» بعد أن أعلنت الحكومة أنها ستمضي في فرض عقود جديدة عليهم. وقالت الجمعية الطبية البريطانية بأنها «تدرس كل الخيارات»، كما يهدد الخلاف بينهم إلى المزيد من التصعيد. وشهدت طلبات الهجرة خارج المملكة المتحدة ازديادا بعد تولى هنت منصبه كوزير للصحة. فمثلا في 2015، عندما بدأ النزاع القضائي، جرى استصدار 8627 شهادة للأطباء، مقارنة بـ4925 في 2014. و5 آلاف طلب في السنوات الثلاث التي سبقت هذا التاريخ. وشكلت الزيادة السنوية عبئا كبيرا، إذ تتكبد الدولة نحو مليار جنيه إسترليني سنويا لتدريبهم قبل أن يتجهوا للهجرة.
ومن جهتها، رفضت الجمعية الطبية البريطانية مشروع الحكومة لتقديم عقود عمل جديدة الأسبوع الماضي، بعد ما احتج آلاف حول البلاد وألغت أكثر من 3 آلاف عملية جراحية. وفي ظل الحيرة من عقد الحكومة الجديد، هدد الأطباء المبتدئون بمغادرة البلاد أو المهنة في حال استمرت الحكومة في تنفيذ خطتها. وبحسب الحكومة، العقد الجديد سيطور الرعاية الصحية للمرضى في عطلات نهاية الأسبوع. وقالت الطبيبة المبتدئة المختصة في مجال طب الأسرة في مستشفى شمال غربي لندن، مريم حسن لـ«الشرق الأوسط»: «أدعم هجرة الأطباء إلى الخارج بسبب الأجور المالية للأطباء وتوظيف الأطباء في عطلات نهاية الأسبوع يعرض حياة المرضى للخطر».
وصرحت الطبيبة المبتدئة عن الطب النفسي، تانيا سور لـ«الشرق الأوسط»: «أتحدث نيابة عن الأطباء المبتدئين في المملكة المتحدة، وأقول: إن هذا العقد غير آمن وغير عادل لكل من المرضى والأطباء، ونحن نشهد وقتا لا قيمة لجهود الأطباء وعملهم الإنساني، وهذا دفعهم للعمل في خارج البلاد». وحذرت الكلية الملكية للأطباء أن «العقد الجديد الذي تقدمه الحكومة سيخلق مشاكل لتوظيف العدد الكافي من الأطباء في المستقبل»، وأكدت الهيئة التي تشرف على جوانب التدريب والمعايير السريرية أنها «صدمت» في قرار التغييرات. ورغم أن الحكومة عرضت على الأطباء المتدربين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، زيادة الأجور بنسبة 11 في المائة، لأي راتب يبدأ من 23 ألف جنيه إسترليني سنويا، فإن ذلك كان مقابل خفض بنسبة 25 في المائة في الساعات الإضافية التي يقول المضربون إنها تشكل ما يصل إلى 50 في المائة من دخلهم الشهري.
وفي سياق متصل، كشفت أول من أمس إحصائية لوكالة الأنباء «برس اسوشيشن» البريطانية أن أكثر من ألف مريض عانوا من أخطاء طبية خطيرة في قطاع الصحة البريطانية خلال الأربع سنوات الماضية.
وشملت هذه الأخطاء من نسيان الأطباء أدوات طبية، من بينها ملاقط طبية في أجساد المرضى إثر العمليات الجراحية، وأن بعض المرضى يخضعون لعمليات في أجزاء خاطئة من أجسادهم. وأشارت الإحصائية إلى 245 خطأ طبيا في بريطانيا من أبريل (نيسان) إلى ديسمبر (كانون الأول) 2015. وعن 306 أخطاء طبية من أبريل 2014 إلى مارس (آذار) 2015، وعن 338 خطأ طبيا من أبريل 2013 إلى مارس 2014، وعن 290 خطأ طبيا من أبريل 2012 إلى مارس 2013. ومن جانبه، صرح المتحدث باسم القطاع الطبي مايك فوريستر لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك 4.6 مليون مريض يدخل المستشفيات كل عام، وعلى الرغم من الإجراءات الصارمة التي وضعت في مستشفيات بريطانيا، في مناسبات نادرة، هذه الحوادث تحدث».



مع وقف إطلاق النار في لبنان... ماكرون يحقق إنجازاً دبلوماسياً نادراً

يحتفل النازحون بعودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ (أ.ب)
يحتفل النازحون بعودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ (أ.ب)
TT

مع وقف إطلاق النار في لبنان... ماكرون يحقق إنجازاً دبلوماسياً نادراً

يحتفل النازحون بعودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ (أ.ب)
يحتفل النازحون بعودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ (أ.ب)

منح وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، نصراً دبلوماسياً غير معهود في الشرق الأوسط، بعدما عمل عليه لأسابيع مع واشنطن، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف، حسني عبيدي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنها عودة غير متوقعة للدبلوماسية الفرنسية. أعاد لبنان إحياء دور فرنسا في الشرق الأوسط».

وأيدت أنييس لوفالوا، من معهد الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، هذا الرأي، عادّةً أنه «بالنسبة لفرنسا، يعد هذا نجاحاً».

ولفتت إلى الخيبة التي أثارها في سبتمبر (أيلول) إفشال مبادرة مماثلة في اللحظة الأخيرة من قِبَل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

وأوضحت أن ماكرون الذي انخرط بشكل كبير إلى جانب الولايات المتحدة أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة «عدَّ الأمر بمثابة صفعة».

منذ ذلك الحين، يبذل الفرنسيون جهوداً مكثفة في المفاوضات، بالتنسيق مع الأميركيين، وإن كان الإسرائيليون «رغبوا في إبعادهم عنها»، بحسب مصدر فرنسي قريب من الملف.

وشكر نتنياهو الذي اتسمت علاقاته مع الرئيس الفرنسي بالتوتر في الآونة الأخيرة، مساء الثلاثاء، الرئيس الأميركي جو بايدن «على دوره» في الهدنة.

في المقابل، شكر الرئيس الأميركي بايدن، المنتهية ولايته، نظيره الفرنسي على «مشاركته» في المفاوضات بين إسرائيل ولبنان.

«بحاجة إلينا»

وأشارت مصادر عدة تحدثت إليها «وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن الأميركيين واللبنانيين تمسّكوا بأن تؤدي فرنسا دوراً في المباحثات وآلية مراقبة تنفيذ الاتفاق، نظراً إلى الاتصالات القائمة بينها وبين «حزب الله» وداعمته إيران.

وأكد دبلوماسي فرنسي أن «الأميركيين بحاجة إلينا من أجل (حزب الله)»، موضحاً: «لقد حاولوا أن يؤدوا (بمفردهم) لكن الأمر لم ينجح، لذا قدم الفرنسيون قيمتهم المضافة التقليدية».

وأشار إلى أن باريس التي تراجع تأثيرها خلال السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط، تستعيد بذلك «مكانتها التقليدية» بين مختلف الأطراف في المنطقة، مؤكداً أنه «من هذا المنظور، يعد ذلك انتصاراً».

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الأربعاء: «إن هذا الاتفاق ثمرة عمل شاق جرى على مدى أشهر عدة. إنه نجاح للدبلوماسية الفرنسية ويمكننا أن نعتز به».

وأوضح عبيدي أن المفاوضين اللبنانيين أصرّوا «على المشاركة الفرنسية لأنهم لا يثقون في الأميركيين الذين أظهروا انحيازهم الكامل للموقف الإسرائيلي».

ويأتي وقف إطلاق النار في توقيت ملائم بالنسبة لماكرون الذي يواجه وضعاً صعباً في فرنسا منذ قراره حل البرلمان في يونيو (حزيران)، والطامح إلى استعادة مكانته على الساحة الدولية.

ونادراً ما أثمرت حتى الآن الجهود الدبلوماسية للرئيس الفرنسي، من ليبيا، إلى أوكرانيا، حيث وجهت إليه انتقادات شديدة لمواصلة الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد بدئه الغزو في فبراير (شباط) 2022، مروراً بلبنان الذي كان خاضعاً للانتداب الفرنسي، وحيث يحاول منذ أعوام الضغط على قادة البلاد لحلّ الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعانيها بيروت.

«مهمة دقيقة»

ويمكن لوقف إطلاق النار قبل أيام من زيارة دولة يقوم بها إلى السعودية، بين الثاني والرابع من ديسمبر (كانون الأول)، أن يشكّل ورقة رابحة للرئيس الفرنسي.

فهو يوفّر لماكرون «محاولة إقناع السعوديين» بالمساهمة في إرساء استقرار في لبنان، لا سيما مالياً، وإن كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «ليس لديه (بالضرورة) هذا الهدف»، بحسب لوفالوا.

وبغض النظر عن بدء سريان وقف إطلاق النار، يشكل ثباته ميدانياً على المدى البعيد تحدياً لباريس وواشنطن، رغم «حرص» الطرفين على حسن تنفيذه.

وأكد نتنياهو، الثلاثاء، أن إسرائيل، وبالتفاهم مع الولايات المتحدة، «ستحتفظ بالحرية التامّة للتحرك العسكري» ضد «حزب الله» في حال انتهك الاتفاق. وشدد على أنه إذا «حاول إعادة التسلّح، فسنهاجم».

وبحسب الاتفاق، تتسلّم قوات الجيش والقوى الأمنية اللبنانية المواقع التي يسيطر عليها حالياً الجيش الإسرائيلي و«حزب الله»، على أن تنضمّ الولايات المتحدة وفرنسا إلى الآلية الثلاثية التي تم إنشاؤها بعد حرب عام 2006 بين الطرفين، للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار. وتضم اللجنة حالياً إسرائيل ولبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).

وسأل لوفالوا: «كيف ستسير الأمور بشكل ملموس إذا حدثت مشكلة؟»، مشيرة إلى أن الجيش اللبناني لن تكون لديه «وسائل كثيرة» تتيح له الفصل بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي.

أمام كل هذه التحديات، «تواجه فرنسا مهمة دقيقة تتمثل في الإبقاء على استقلاليتها ونفوذها مع الحفاظ على ثقة جميع الأطراف المعنية»، بحسب عبيدي.