لم يكن مؤتمر الدول المانحة لسوريا المنعقد في لندن أكثر من كونه فعالية من فعاليات العلاقات العامة من جانب المجتمع الدولي للتغطية على فشلهم في وقف المجازر المروعة في سوريا.
ركزت كل الأنظار على مؤتمر المانحين لسوريا خلال الأسبوع الماضي والذي كان منعقدا في لندن. وكان هذا المؤتمر هو مؤتمر المساعدات الرابع لسوريا، والذي تركزت أعماله على توفير فرص العمل والمدارس للملايين من اللاجئين في الدول المجاورة لسوريا. ولقد تعهدت مختلف الدول بتقديم نحو 6 مليارات دولار لإنفاقها خلال العام الحالي، و5 مليارات دولار أخرى يجري إنفاقها على المدى البعيد حتى عام 2020. ولم تضاعف الحكومة البريطانية من تعهداتها السابقة فحسب، بل والتزمت هذه المرة بتقديم مبلغ إضافي يقدر بـ1.2 مليار جنيه إسترليني.
نحترم جميعا ونرحب بالالتزام بالمساعدة، ولكن الجانب الأكثر حسما في الأزمة السورية يكمن في إيجاد حل للحرب الدائرة هناك. ومن دون التسوية السلمية للحرب الأهلية السورية ووجود حكومة وطنية مقبولة يمكنها توفير الحلول السياسية الخاصة بها، والتي قد يطالب بها أغلب السوريين باستبعاد الرئيس الأسد الذي يعتبرونه «إرهابيًا أكثر وحشية وشراسة من أي جماعة أو أي فرد»، فلن نستطيع التوصل إلى حل مستديم ومرن لأزمة اللاجئين. وكما قال بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، إن «الوضع في سوريا بات أقرب للجحيم من أي شيء آخر يمكن مشاهدته على وجه الأرض».
استضافت المجموعة البرلمانية لكل الأحزاب حول إيران في البرلمان البريطاني الأسبوع الماضي من جانب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف (الذي تلقى تعليمه في الغرب). ولقد وجهت له سؤالا: «السيد وزير الخارجية، قلتم إن بلادكم ينالها الكثير من اللوم من قبل أطراف أخرى في المنطقة بغية التغطية على مشكلاتهم؟ كيف يتسق تصريحكم هذا مع تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني (محمد علي جعفري) بأن إيران تملك أكثر من 200 ألف جندي موزعين على مختلف مناطق الصراع في الشرق الأوسط؟ وهل يعني ذلك أنكم تقبلون التدخل الإيراني في شؤون الدول الأخرى، مثالا بالبحرين، واليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، وإسرائيل، أم أن قوات الحرس الثوري الإيراني تعمل بمعزل عن الحكومة الإيرانية؟». وجاءت إجابته تشيد أيما إشادة بالموقف الإيراني؛ حيث نفى ظريف ذلك، وقال في بادئ الأمر إن الشخص الذي خرجت عنه مثل تلك التصريحات لا بد أنه فاقد لعقله. وأضاف مازحا أن الحرس الثوري الإيراني لا يملك هذا العدد من الجنود ضمن قواته ولا ضمن الجيش الإيراني بأكمله، ثم تابع قائلا إن إيران لا ترسل إلا ببعض المستشارين العسكريين وعندما يُطلب منها ذلك من قبل بعض الدول الأخرى. وقد يقول البعض إن وزير الخارجية الإيراني فاته أن يذكر كل الميليشيات التي تتلقى الدعم المباشر من الحكومة الإيرانية، سواء كان حزب الله اللبناني، أو جماعة الحوثيين في اليمن، أو غيرها من مختلف الميليشيات الشيعية العاملة في العراق، والبحرين، وسوريا.
وكان ظريف حريصا على التأكيد أن هناك بعضا من بلدان المنطقة اعتادت أن تلقي باللائمة في مشكلاتها الخاصة على إيران، ولكنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار في ذلك عقب إبرام الاتفاق النووي. وفي هذه الحالة اقترحت على وزير الخارجية الإيراني أن الفرصة سانحة أمامه، إلى جانب زملائه من الروس والرئيس الأسد كذلك، وهو الرجل الذي يتلقى الدعم المباشر من الجيش والميليشيات والحكومة الإيرانية، للعمل على وقف المجازر الحالية في سوريا عبر الاتفاق على وقف فوري لإطلاق النار والسماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى حلب المحاصرة. فإذا فاتت تلك الفرصة، فسيكون من الواضح كم الدماء التي تحملها إيران على يديها أمام العالم.
قطعت قوات الأسد في الأسبوع الأول من فبراير (شباط) الطريق الرئيسي الرابط بين حلب حتى تركيا، وهو الطريق الذي تستخدمه المعارضة السورية والمنظمات غير الحكومية على حد سواء. في حين يفر أكثر من 70 ألف مواطن سوري من القصف الجوي الروسي على حلب ويتجهون نحو الحدود التركية. وفي خضم الحرب الدائرة، لا يزال هناك نحو 320 ألف مواطن ما زالوا يعيشون في النصف الشرقي من المدينة الذي يخضع لسيطرة المعارضة. ومن الضروري للغاية أن تستمر المساعدات الدولية، من غذاء ومياه ودواء ومأوى، وغيرها من ضروريات الحياة، في الوصول إليهم. ولقد استخدمت نفس الاستراتيجية في مدينة حمص التي كانت تحت حصار الجيش الحكومي السوري لما يربو على 600 يوم، قُطعت خلالها إمدادات الغذاء والمياه والدواء والكهرباء عن المدينة مما أدى إلى وقوع كارثة إنسانية بين السكان.
من الواضح أن الرئيس الأسد يعتمد نفس استراتيجية الرئيس فلاديمير بوتين خلال الحرب الشيشانية (1999 – 2005)، حيث تعرضت العاصمة الشيشانية غروزني لدمار كاسح مع القليل للغاية من التمييز بين أرواح المقاتلين والمدنيين من قبل القوات الحكومية الروسية آنذاك. يحظى العرض السعودي بتوفير القوات البرية للقتال ضد تنظيم داعش كجزء من تحالف الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب، بكامل احترامنا وترحيبنا. ومن وجهة نظري، فإنه ينبغي توفير الإسناد الجوي لتلك القوات البرية من قبل القاذفات والمروحيات الغربية وبنفس الطريقة التي توفر بها المقاتلات الروسية الإسناد الجوي للعمليات البرية للجيش الحكومي السوري. ومع المزيد من هذه العروض الحصيفة ونكون في طريقنا الصحيح نحو اتخاذ إجراءات وتدابير أكثر فعالية وتأثيرا صوب القضاء على تنظيم داعش. ولقد اقترح عدد من المعلقين أن الرئيس الأسد وافق على بالأساس على محادثات السلام في جنيف لتأخير الإجراءات الغربية وكسب المزيد من الوقت لصالح قواته للسيطرة على مساحات أكبر من الأراضي بمساعدة حلفائه الجدد من الروس، وحتى يتسنى لنظام الأسد الحصول على أوراق مساومة أقوى في المحادثات. كما يمكن أن يكون هناك شك ما في أن استراتيجية نهاية المطاف لدى الأسد هي أن يضع العالم أمام خيارين: إما الأسد، وإما داعش.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، وقبل التصويت السوري في البرلمان كنت قد تلقيت رسالة بالبريد الإلكتروني من الأمير تركي الفيصل يعرض فيها استراتيجية واضحة المعالم. وقال إن التحالف لمحاربة داعش «يملك الوسائل لفرض وقف إطلاق النار من دون شروط. وينبغي أن تكون الأولوية لذلك. ثم السماح للشعب السوري، باستثناء القيادة الحالية، في اختيار ممثليه في البرلمان الوطني السوري ليحددوا معالم مستقبل سوريا..»، مع الدعم الاقتصادي والسياسي من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
ولقد عرضت هذه الرسالة على رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في اجتماعي به في الأول من ديسمبر عام 2015. وقال إنه يتفق تماما مع محتويات رسالة الأمير تركي الفيصل. وإذا كان الأمر أننا جميعا نفكر بنفس الطريقة حيال الأزمة، فعلى المجتمع الدولي أن يجد الإرادة اللازمة لتحويل ذلك إلى حقيقة، وبخلاف ذلك فسوف تستمر المذابح بحق المدنيين الأبرياء في سوريا إلى جانب المزيد من اللاجئين الهاربين نحو شواطئ أوروبا.
* نائب من حزب المحافظين
عن جيلينغام ورينام
سوريا.. الأولويات.. المساعدات أم وقف جحيم الحرب؟
ظريف وصف قائد الحرس الثوري الإيراني بأنه فاقد للعقل
سوريا.. الأولويات.. المساعدات أم وقف جحيم الحرب؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة