سلمان ناطور رحل خائفًا من فقدان الذاكرة

الوسط الثقافي الفلسطيني ينعي «ابن دالية الكرمل»

سلمان ناطور
سلمان ناطور
TT

سلمان ناطور رحل خائفًا من فقدان الذاكرة

سلمان ناطور
سلمان ناطور

لعلها كانت الوصية الدائمة للراحل سلمان ناطور «راحت البلد وراحت الأرض وراح الزعتر وراحت المرة وراح الولد وما بقي لي غير هالحطة (الكوفية).. قبل ما يعملوا منها فساتين للسهرة أو حفاظات للأولاد، خذوها.. خذوها»، وقد قال لي يومًا: «من المؤلم أننا أصبحنا نؤرخ لأحداثنا، ونذكر تواريخنا حسب هذه الأحداث المأساوية». ورحل ناطور أول من أمس إثر أزمة قلبية حادة، مخلفًا وراءه نحو ثلاثين كتابا بينها كتاب باللغة العبرية، وأربعة كتب للأطفال، وخمس ترجمات عن العبرية.
وتوالت ردود الفعل على الرحيل المفجع لصاحب «الذاكرة»، إذ نعى وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو، الأديب الفلسطيني الكبير سلمان ناطور الذي رحل أول من أمس، بعد عطاء حافل وكبير في حقل الثقافة الفلسطينية، معتبرًا إياه «أحد أبرز القامات الأدبية الفلسطينية على المستويين العربي والدولي، وبرحيله تفقد الحركة الثقافية الفلسطينية علمًا من أعلام الفكر والثقافة والأدب، حيث نقش ناطور فعله الإبداعي على صفحات العالم ورسّخ الأدب الفلسطيني الذي سجّل من خلاله الدور الأبرز في نشر الحكاية الفلسطينية، سواء من خلال أعماله الروائية أو القصصية أو المسرحية».
وكان اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، أصدر بيانًا، نعى فيه ناطور، وجاء فيه: «ينعي الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين الكاتب سلمان ناطور الذي رحل عن عمر ناهز 68 عاما قضاها ملتزمًا بثابت فلسطين موقفا وقضية، مشتغلاً بهموم الثقافة الفلسطينية من أوسع أبوابها وفي شتى مجالاتها انحيازا للحق الفلسطيني في استرداد ما سلب منه من آلة البطش الاحتلالية ومدافعًا عن شقائق نعمان البلاد التي تأخذ لونها من دم الشهداء وقاتل لتوحيد الثقافة في فلسطين المحتلة عام 1948، لتعود إلى عمقها وبوصلتها الحقّة في مواجهة سياسات التدجين والمحو من سلطات الاحتلال».
وأضاف الاتحاد في بيانه: «برحيله تخسر الثقافة الفلسطينية والعربية والإنسانية واحدًا من الأسماء الوازنة والفاعلة في المشهد الثقافي الذي طرق أبواب الإبداع وتقديم كل ما هو مختلف وأصيل وباق.. إن الاتحاد ومعه جمهرة الكتاب والمبدعين وهو يقدم هذا النعي ليستشعر حجم الفقدان ومرارة الخسران وجلل المصاب برحيل هذه القامة التي واصلت العمل بصبر على مدى أكثر من أربعة عقود».
ونعت مؤسسة محمود درويش ومقرها مدينة رام الله، ناطور، في بيان مقتضب «تنعي المؤسسة الأديب والمؤرخ الكبير سلمان ناطور، الذي وافته المنية الاثنين في حيفا»، واصفة رحيله بالخسارة الكبيرة والمؤلمة.
وكتب الروائي الفلسطيني يحيى يخلف: «خبر رحيل الكاتب والمبدع الفلسطيني الصديق سلمان ناطور صدمني هذا الصباح (صباح أمس).. قامة كبيرة ذات تاريخ إبداعي ونضالي ترحل اليوم، حياة حافلة عاشها ابن دالية الكرمل مدافعًا عن هويته وحقوق شعبه وعن حرية الإنسان وحقوقه في التحرر والديمقراطية والكرامة الإنسانية.. يرحل الحبيب سلمان لكن إبداعه باق، وتاريخه باق، ويرحل الاحتلال ووطنه باق».
وقال الروائي الفلسطيني أنور حامد: «رحيل الكاتب سلمان ناطور، خسارة للوطن والذاكرة. جمعتني به ندوتان شارك بهما كلانا في السنتين الأخيرتين، في رام الله ومن ثم في الدار البيضاء. كلماته تحمل عبق الأرض ودفء الحب المعمد بالألم والصمود العنيد. من الجيل الثاني لحراس ذاكرة الوطن وهويته».
أما الروائي أسامة العيسة فكتب تحت عنوان «وصيّة سلمان ناطور»: في السادسة مساء الثالث من الشهر الحالي، وصلت، جامعة بيت لحم، مُسرعا، آتيا من لقاء ثقافي أول في مؤسسة إبداع الدهيشة. انطلقت بعد عرض ساميّة بكري المسرحي، مع سلمان ناطور، والصديق الكاتب إبراهيم مهنا، إلى شوارع بيت لحم.. كان سلمان يستعد للعودة إلى حيفا ليلا، وكنا نعلم بأنه سيغير رأيه ويقضي ليلة إضافية في بيت لحم المدهشة، التي يُحبها، بعكس رام الله التي يشعر فيها بالغربة. دعوته لتجربة (الكُشَرّي المصري) بأيدٍ فلسطينية، وخبرة راهبة قبطية، في ساحة المهد، وتحدثنا في الثقافة وفلسطين، ولاحقا، انضم إلينا الكاتب صالح أبو لبن، لتناول كنافة بيت لحم النابلسية، وبرمنا لساعات، حتى لاحظ صالح، بأننا آخر زبائن ذلك الليل!
وأضاف العيسة، الذي فاز بجائزة الشيخ زايد العام الماضي عن روايته «مجانين بيت لحم»: «ركز سلمان، على ضرورة محاربة التجزئة الفلسطينية، وطلب أن تكون الاتحادات الأدبية والمسرحية جامعة لجميع الأدباء والفنانين، بغض النظر عن أماكن وجودهم، وهي قضية تشغلني منذ فترة طويلة.. يا عيبنا عندما نقول هذا كاتب مقدسي، وذاك ضفاوي، وثالث عربي 48، ورابع غزي.. ساعات لا تُنسى، مع العزيز سلمان، الذي آخر ما توقعته أن لا يفِ بموعدنا المقبل الذي حددناه في الشهر المقبل».
وكتب الفنان الفلسطيني هلال الهندي: «سلمان ناطور لم يغب عن فلسطين إلا لأربعة أيام بسبب سكتة دماغية، لكنه لم يعد إليها وآثر العودة إلى المكان الذي أتى منه، عاد إلى الكرمل.. رحل الشيخ مشقق الوجه.. رحل معلمي ورفيقي سلمان ناطور.. لن أستطيع أن أنسى أول رواية وأول خريف في حيفا مع سلمان ناطور، لن أنسى أول مقال كتبته، لن أنسى أول قصيدة، وأول مسرحية، أول رحلة في الستين عامًا، لن أنسى الرواية التي كان يكتبها، ويخبرني أنه يشعر بعدم قدرته على إكمالها..» مشيرًا إلى أن هذا من وحي عمله وناطور وبقية الرفاق على مسرحية ذاكرة.
وكان ناطور قال في ذاكرته وقدمها على المسرح بطريقة الـ«موندراما»، التي كتبها وجسد الدور الوحيد فيها: «ستخونني الذّاكرة وأفقدها يومًا بعد يوم، وقد يأتي يوم أسود فأجد نفسي بلا ذاكرة. مجرد جسد يتحرك إلى لا مكان. أهيم في الشّوارع المزدحمة أو في الوعور الخالية أبحث عن أرنب أسأله: أين أسكن؟ ويخاف مني الأرنب فأركض خلفه، أهيم إلى أن يعثر علي صياد، كان يومًا ما رفيق طفولة أخذ الحياة على علّاتها واستقى منها فرحتها فصان ذاكرته.. ويمسك بيدي، أنا الذي ناطح طواحين الهوا، ففقد ذاكرته وصار لا شيء. تمامًا لا شيء. ويأخذني إلى البيت الذي وُلدت فيه ويسلمني إلى أهلي ثم يعود هو إلى بيته ليحدث أهله عن شيخ فقد الذاكرة، ويقول متفاخرًا أمامهم: لولاي لأكلته الضباع.. ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة.. ستأكلنا الضباع».
ويبقى أن نشير إلى أن سلطات الاحتلال اعتقلت ناطور أكثر من مرة، وأدخلته زنازينها، إثر صدور روايته التي منعت بطبيعة الحال بأمر احتلالي، وأعني رواية «أنت القاتل يا شيخ»، بل إنه وبعد مغادرته السجن حكم عليه بالإقامة الجبرية بسببها، كما لم تتوان سلطات الاحتلال وقوات جيشها بمنع عروض مسرحياته عنوة، ومنها تلك الموجهة للأطفال عنوة، وصل حد اقتحام المسارح التي تقدم فيها.



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.