بغداد المفخخة.. عندما ينام الغريبان في سرير واحد

«ألعب في الحديقة وأفكر» للشاعر حميد قاسم

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة
TT

بغداد المفخخة.. عندما ينام الغريبان في سرير واحد

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة

نحن أمام شاعر ماكر يضع فخاخه المفاجئة على سطوره لكي يوقع بقارئه لا في هاوية أو متاهة، بل ليضعه عند ما يسبب هذا الوجع ويحذره من مغبة أحلامه حتى ليفضح، بين ما يفضح، إحدى الأكاذيب الشائعة: حب الوطن!
رغم أنني أعرف السيرة الشعرية لحميد قاسم لكنني اقتربت منه أكثر عند قراءة هذه المجموعة الشعرية (110 صفحات) التي ردمت القطيعة (الشعرية) بيننا قرابة الأربعين عامًا، لسبب معروف: هجراتنا المتعددة والمتباعدة وحروب ساساتنا واضطراب بلداننا وعدم وصول ما نكتب إلى بعضنا بعضًا، حتى بوجود وسائل الاتصال الحديثة بعد 2003 في العراق.. إذ ثمة نوع من الصلات الضرورية، خصوصا بين العراقيين، لا تتحقق كما ينبغي إلا وجها لوجه، ربما بسبب ازدواجية البداوة والحضارة في الشخصية العراقية، تلك التي شخصها شيخنا علي الوردي.
حميد قاسم من الشعراء الذين لا يغشون قارئهم، فهو في حال من العري الوجداني الصريح عندما يطرح قصيدته بلا أقنعة، ولا توريات، ولا أي من أشكال المجازي الزخرفي، إلا ما تفرضه الفكرة / الصورة الشعرية من داخل طقس القصيدة وعالمها الجواني.
ثمة اغتراب ممض، بلا ادعاءات فلسفية، منذ الدخول إلى قراءة هذه المجموعة، وفي أولى قصائدها، حيث التصريح العلني، لا الإشارة الملغزة، باضطراب عاطفي أملته «مشاعر» الاغتراب هذا، وهو يخاطب المرأة / الشريكة:
«أفكر أن أسألكِ فأنسى / لأني أرى حياتي تغمض عينيها / لتنام قريبًا من الباب الموارب / كلما أراكِ / إلى جانبي، وأنا أفتح عيني / أسأل نفسي: لماذا يرقد غريبان على سرير واحد؟».
وبذا تمثل العلاقة بالمرأة اغترابًا آخر يضاف إلى اغترابات متعددة، إذا جاز القول، في حياة شاعر يرى إلى العالم بحساسية اليأس موقفًا.
إذا كانت المرأة، هنا والآن، امرأة محددة الملامح بلا ترميزات أو إحالات، امرأة محددة تخص رجلاً محددًا، يكشفها بـ«تصريح علني» بلا مطبات أو ترميزات أثقلت تجارب شعراء كثيرين، فثمة امرأة أخرى تظهر مواربة في بقية قصائد المجموعة، امرأة تتقاطع مع نفسها المركبة، في إحالات متعددة تتخذ شكل المدينة طورًا وشبح المرأة طورًا آخر، في لعبة التنافذ والتجاور والالتصاق والإزاحة، غالبا ما تكون تبادلية بين المرأة رمزًا وبغداد مرموزًا، في اشتباك تعبيري غير محايد، بل بمرارة عمادها خيبة اليأس حتى.. الذي هو أشد ضراوة من خيبة الأمل التي يكابدها عاشق تقليدي.
ثمة نسيج لغوي مكشوف ينتجه اشتغال وعي ولا وعي الشاعر ولا يحتاج إلى خبير سيكولوجي، يتجلى في تمثلات النكوص والخذلان والوحشة واللاعدالة وما يتفرع من انكسارات حادة، وكل ما ينطوي على الجوهر المكفهر للواقع والخيال معًا، وهما يتناوبان في بناء مشاهد النص الداخلية، وإحصاء هذا يأخذ حيزًا شاسعًا من هذا العرض، شبه النقدي، لكنني سأكتفي بأشهر الأمثلة وأكثرها وجعًا:
في قصيدته «كما لو»:
«يموت فيك شيء ما» – الموت.
«لتجد نفسك وحيدًا» – الوحدة.
«ذابلاً على الشرفة» – الذبول.
«غاضبًا وحزينًا» – غضب وحزن.
«أمس الحروب والسجون والاغتصاب» – موت وقمع وعنف.
«أمس الجنون الذي أسس للكراهية» – مرض.
«واقفًا يتأرجح بين عكازين» – عوق.
كل ذلك حدث في نص من نحو ثلاثين سطرًا!
أكرر: إن لغة نص شعري على هذا القاموس الذي يعج بصور الفجيعة متعددة الصور والتصريحات والإحالات لهي مانفيستو الخسران الشخصي للأحلام التي غشنا بها الشاعر عبر عنوان مجموعته «ألعب في الحديقة وأفكر» عنوانًا أقرب إلى قصة قصيرة للأطفال بينما هو كهل جريح بلغ به الألم عتيًا.
في قصيدته «كمن ينزل جبلاً – مهداة إلى داليا رياض» ثمة ريبورتاج شعري عن أحوال الوطن / البلد – باعتماد التفريق العلمي بين المفهومين، تترسخ انطباعات القارئ عن القسوة الماثلة في حياة الشاعر مواطنًا يرفع قصيدته يافطة غاضبة ضد القتل المجاني الذي يسير بمحاذاة المارة ويلتصق بجلودهم ومواعيدهم اليومية، وهم «مثل قردة مهتاجين في قفص.. يهرولون»، أو في قوله:
«أيها الوطن.. يغمني ألا أحبك / لكن ما يسوءني أكثر.. / ألا أراك وألا تحبني.. / وأنك تدفعني بعيدًا عنك / كلما مشيت خطوة على عشبك / كمن ينزل جبلاً / وأنك تجعلنا، نتناثر جثثًا دامية / أيها الوطن / كلما بعثرتنا المفخخات في الهواء».
في المقطع السالف يتبادل ضميرا المفرد المتكلم والجمع المتكلم تأكيدا على لا شخصنة المشهد، فالأنا هو النحن عندما يتألف الموت من عناصره البشرية الجماعية ليس بعيدًا عن التباس العلاقة بين الشاعر / المواطن ووطنه الطارد ووطنه المفخخ، فلا انفكاك بين الشخصي والعمومي، رجفة القلب واهتزاز الوطن، الأغنية الخافتة والصراخ، الانقباض والاتساع، الشعر والحكاية، افتراض الحب وافتضاح الحب، حب الوطن ليس من الإيمان، بل من الاختلاف، الشعر ليس مهنة مترفة، بل حياة مفخخة، الشعر نثرًا والنثر مانفيستو.
في قصيدته «كآبة بغداد» تأكيد ذاك التناص الذي أشرت إليه قبل قليل: تناص المرأة والمدينة، وهما يستعيران بلاغتهما كل من الأخرى لتأليف نص واحد لكنه مركب، كما في أي تعبير مهما ادعى الغزل، إذ لا غزل نقيًا في القصيدة الحديثة، ففي المجتمعات المفخخة ليس ثمة لحظة حب معقمة.
امرأة ورجل في أشد لحظاتهما حميمية، وعند اشتعال الجسد والجسد المضاد (لكل جسد ذاكرته الخاصة) تدخل القذيفة غرفة النوم لتقتل القبلة أو تكسر رجل السرير.
في لحظة «الغزل» تنمو القصيدة بنائيًا لتفضح التقليد وتتجه صوب حقيقتها الخاصة التي تفرض نفسها على السياق، في الخروج على لغة الحب الشخصية للدخول إلى أزمة المعيش:
«قل لي أي افتراق وراء تلك الكآبات التي لا يستطاع التعبير عنها / يستحق أن يضع أمام عينيك العقائد التي تساعدك على أن تحيا! / الحدس؟ / ازدراء الطبيعة؟ / الإفراط في تلوين الأحذية؟ / مطر الأمس في الكراج؟ / قتلى ساحة الطيران؟».
هكذا ينمو «الغزل» ليتجمد عند قتلى ساحة الطيران.
تقنيًا، تعتمد قصيدة قاسم الحكاية دائمًا، بتفريط مقصود بـ«الشعر» الذي هو ضد الشعر عندما يأخذ أصدق ما في لغتنا من توتر وغضب إزاء الألم عنوانًا لحياة عراقية تتراجع فيها فانتازيا الفن أمام فانتازيا الموت، من دون التخلي عن شعرية الحياة اليومية.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».