الصور والهوامش.. الأصل والأقنعة

ثمة ديكتاتورية واضحة في إظهارنا إشكالنا

الصور والهوامش.. الأصل والأقنعة
TT

الصور والهوامش.. الأصل والأقنعة

الصور والهوامش.. الأصل والأقنعة

لا أشكّ مطلقًا أن حركة بسيطة للكاميرا قد تغير من إحداثيات الوجه، فالوجه المتطاول كبيضة ممسوخة أو الأنف الطويل كإشارة استفهام عملاقة أو الأذنان الباديتان كأذني بولدوغ روماني في رواية الساعة الخامسة والعشرين، يمكن أنْ يتمظهر هذا كله للرائي خلف الشاشة بإخفاء القبيح في الأمر لصالح رسم الصورة من جديد. يمكن لهذه الأعضاء الجمالية في جسد المرء أن تتحول من الحقيقة إلى الافتراض، من القبح إلى الجمال، ثمة آلة في الموضوع وزوايا وأبعاد يتقنها مصور محترف وربما مصور هاوٍ.
عادة في الصورة الجانبية الملتقطةِ لي، يظهر أنفي أكبر وصلعتي تأخذ مساحة غير المساحة الحقيقية، فأتعمّد أنْ أنبّه مصوري لأن يكون بعيدًا وبمواجهتي، قلت له مرة: لا توارب في اصطيادي، هذا يعني في غفلتي أو في (العفوية) المصطنعةِ ألاَّ أكون وجها لوجه أمام الكاميرا، وسيعني أن ما أحرص عليه في مواجهة العدسة لن يكون وبالتالي أنا أمام صورة حقيقية أو أقرب للحقيقة تظهر عيوبًا خلقية لا دخل لي فيها. منذ ما يقارب أكثر من سنتين أحرص على لقطة ملتقطة لي بالمواصفات التي طلبتها عندما غيّبت إبداع المصور ورؤيته الفنية، يبدو أن ثمة ديكتاتورية واضحة في إظهارنا إشكالنا وتسويقها بما تتطلبُ النجومية الافتراضية لوسيلة التواصل الاجتماعي، مثلاً أعتمر بيريه لا أتشبّه بغيفارا - طبعا - لكني أشبههُ، كذلك أرتدي كنزة زرقاء بخلفية غائمة، كل ذلك يجعل من صورتي غير المشغول عليها بالفوتوشوب أقرب إلى الحقيقة التي تجلب لي كثيرا من المعجبات والمعجبين الثوريين المولعين بغيفارا وأفكاره وأشعاره وروحه الناعمة كطبيب.
ما لا أجد تفسيرًا له إصرار كثيرين على الإتيان بالصور القديمة لهم ويبدو أنهم بذلك يودون إظهار أنفسهم بعمر أقل، والأمر نسوي هنا بالدرجة الأولى وثانوي للذكوري الذي يرى نفسه أجمل قبل، كلاهما يحرص على الإتيان بأشكال بائسة، أجساد هزيلة، ياقات كبيرة كآذان الكلاب، شعر طويل، قمصان ضيقة بأزرار مفتوحة، النساء هنا يظهرن بقصة شعر (ذيل الفرس) وفساتين (الكلوش) وغالبًا يحملنَ باقة ورد أو غصن شجرة، إصرار باسلٌ على الرجوع إلى الخلف، هذه الحركة الرجعية إدانة واضحة لما آلت إليه الأمور الشخصية، كل هؤلاء الذين يفعلون هذا هم من الجيل الذي عاش فترة حضور فيلم السينما في صالة السينما وانتظر الفيلم التلفزيوني من الخميس إلى الخميس ونشرتي السابعة والثامنة والنصف على التلفزيون السوري و«العلم للجميع» وبرنامج مؤيد البدري على قناة الشباب العراقية.
ثمة عجز، عجز مزمنٌ من نسيان الماضي، تلك الفطرة، تلك الحياة الكفاف بلا كماليات، تلك القناعة التي لا بد منها لعدم وجود أوجه أخرى للتفضيل في ما بينها، هؤلاء القنوعون الأشاوس، الأكثر قدرة على شظف العيش، هم أنفسهم الأكثر قدرة على مقارعة الأحدث الذي يجهلونه، أو لا يرونه مهمًا بالمقارنة مع الهادئ واللامتكلف الذي وسمَ حياتهم، ها هم وأبناؤهم في هذه الحرب غير المتكافئة يخوضون معهم من بعيد انتصارات (الديجيتال)، أنّهم بالرضا الذي يظهرونه نحو ألعابهم يصيرون جزءا منها ومنهم، وهو ما يمكن أن يكونَ قناعًا يتلطون خلفهُ ليعبروا بأبنائهم أو يعبر بهم أبناؤهم نحو غدهم، غد الآلة، لا غد الإنسان، الذي سيكون فيه نصيب الآباء وحصتهم الأقل!
لم يكن في الصورة القديمة التركيز على الهامش بقدر التركيز على الظاهر أو خلق مؤثرات مرئية جانبية في كثير من الأحيان لا علاقة لها بالمشهد أو هي لا تكونُ جزءًا مهمّا منها، نافلة مع إمكانية الاستغناء الكبيرة، مثلاً تلتقط الصورة في الاستوديو ليلا، ويصرُّ الملتقَط هنا على النظارات الشمسية أو تكون الصورة شتوية فيكونُ الملتقطُ بقميص نصف كم «مصيّف والدنيا شتي»، لا أهمية للوجه هنا كما لو أنَّ الإنسان من قبل ما كانت تهمهُ الأقنعة كما هي مهمة لإنسان اليوم، تلكَ الأشكال المصدّرة إلينا مغيمةً وبألوان طبيعية أقرب إلى التصديق.
ولأنّ الافتراض أقوى من الحقيقي اليوم، تبقى الدهشة التي تحدثها الصورة التقنية ومأخوذة من جوانب عدة هي المناسبة، ما دام الأشخاص - أغلبهم - تفصلنا عنهم أنهر وبحار وجبال وتقربنا منهم شاشة، ترافقنا إلى غُرف نومنا والمراحيض والسجون في الدول (المتقدمة)، علاقتنا معها محسوبة ومحدودة لا تقترن باللمس أو أي من الحواس الخمس، فلا ضيرَ من الأقنعةِ الكثيرة حتى نبلعَ الطعم ونتحول أكثر فأكثر للإيمان بالمفترض على حساب الإنسان الذي كُنا، يبدو والصورة هذه أنَّ عصرَ الروبوتات قادم لا محالة!
* شاعر وناقد سوري



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.