لوران فابيوس.. وحلم الفوز بجائزة نوبل للسلام

بعد مغادرته وزارة الخارجية الفرنسية

لوران فابيوس.. وحلم الفوز بجائزة نوبل للسلام
TT

لوران فابيوس.. وحلم الفوز بجائزة نوبل للسلام

لوران فابيوس.. وحلم الفوز بجائزة نوبل للسلام

غادر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس هذا الأسبوع، في أعقاب تعديل وزاري أجراه رئيس الحكومة مانويل فالس. ومع أن هذه النقلة لا تشكل نهاية الحياة السياسية الحافلة لإحدى ألمع الشخصيات السياسية الفرنسية خلال العقود القليلة الماضية، لكنها تشكل على الأقل عند المعجبين بفابيوس، الذي سبق له أن كان رئيسًا للوزراء ورئيسًا لمجلس النواب، نكسة لوزارة الخارجية التي ستفتقد هالة لافتة وثقلاً كبيرًا على المسرح الدولي.
لن يصبح لوران فابيوس وزير الخارجية الراحل عن الدبلوماسية يومًا رئيسًا للجمهورية، وهو المنصب الوحيد الذي لم يصل إليه في الجمهورية الفرنسية، رغم محاولته مرتين الحصول على ترشيح الحزب الاشتراكي. فالرجل تنقل بين المناصب العليا بفضل قربه من الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران، الذي حارب الجنرال ديغول وأدخل اليسار إلى قصر الإليزيه لولايتين امتدتا 14 سنة (1981 – 1995). ميتران أدخل فابيوس المتحدر من عائلة ثرية والمتدرِّج في أرقى المعاهد الفرنسية والمتخرج في المدرسة العليا للإدارة ENA المرموقة إلى عالم السياسة من الباب الواسع إذ عيّنه مباشرة بعد انتخابه رئيسًا وزيرا للخزانة في أولى حكوماته، ثم عهد إليه بوزارة الصناعة والبحث العلمي، قبل أن يرقيه إلى منصب رئيس للحكومة وهو في سن السابعة والثلاثين من عمره، ليغدو أصغر رئيس للحكومة في الجمهورية الخامسة بفرنسا.
لا تزال الطبقة السياسية تتذكر كلمة فابيوس الذي سأله يوما أحد الصحافيين عن علاقته بميتران، «الأب الروحي». وكان جوابه قاطعا ومقتضبا: «أنا أنا.. وهو هو»، وبذلك أراد أن يؤكد أن له شخصية متميزة وآراؤه الخاصة وسياسته المستقلة. لكن الحقيقة أن هناك جيلا كاملا من السياسيين الفرنسيين (وفابيوس أولهم)، ومنهم الرئيس الحالي فرنسوا هولاند ورفيقة دربه السابقة ووزيرة البيئة في الحكومة الحالية سيغولين رويال، ورئيس الوزراء الأسبق ليونيل جوسبان ووزير الاقتصاد ميشال سابان، وكثيرون آخرون هم من يسمون في باريس «جيل ميتران».
وبينما كان الرئيس الأسبق جاك شيراك يعرّف الآن جوبيه الذي تسلم منه فابيوس وزارة الخارجية بأنه «الألمع في ما بيننا»، كانت الطبقة السياسية تطلق على فابيوس لقب «ابن ميتران المدلل». بيد أن هذا «الابن» الذي انضم باكرا إلى الحزب الاشتراكي وانتخب نائبا عن إحدى ضواحي مدينة روان في منطقة النورماندي وشغل مناصب وزارية «الخزانة، الصناعة، الاقتصاد وأخيرا وزارات الخارجية والسياحة والتجارة الخارجية» كما تولى رئاسة البرلمان مرتين والأمانة العامة للحزب الاشتراكي وكان له مؤيدوه وتياره، لم يكن أبدًا رجلاً يتمتع بشعبية إذ إن صورته الشخصية لم تلعب أبدا لصالحه. فهو «نخبوي»، وحتى عندما أخذ يقدم نفسه على أنه ينتمي إلى الجناح اليساري للحزب الاشتراكي، وأنه صوت في استفتاء عام 2005 ضد الدستور الأوروبي بينما كان الخط الرسمي للحزب الاشتراكي هو الدعوة لإقراره، فإن ما وقف حائلا دون وصول فابيوس إلى أعلى المناصب في الدولة ربما شخصيته.
ففي وزارة الخارجية، لن يترك فابيوس وراءه للعاملين في هذه الوزارة السيادية صورة إيجابية إذ إنه حسب وصف البعض سلطوي، بارد، يعين ويقيل من غير رادع أو وازع وأحيانًا من غير سبب واضح أو من غير سبب بتاتًا. ونعرف جيدا حالات كثيرة لسفراء أو مسؤولين أساسيين في الوزارة فقدوا مراكزهم لغرض يجهلونه ولكنه «في نفس يعقوب».
يبدو الرجل في مظهره الخارجي ولغته التكنوقراطية أرستقراطي الأداء. لكن ما حال دون طموحاته العليا أنه وجد دائما من يقف بوجهه. المرة الأولى، في العام 2002 كان العائق اسمه ليونيل جوسبان، الذي رأس حكومة «اليسار المتعدد» لمدة خمس سنوات (1997 – 2002)، وبالتالي أصبح «المرشح الطبيعي» للحزب الاشتراكي. وما بين الرجلين عداء سياسي قديم، لا بل حرب ضروس، عندما كان فابيوس رئيسا للحكومة وجوسبان - بفضل ميتران - أمينا عاما للحزب الاشتراكي. وبعدها بخمس سنوات وعقب إقرار مبدأ الانتخابات التمهيدية لتعيين مرشح الاشتراكيين للرئاسة، قطعت سيغولين رويال، أول امرأة فرنسية طامحة للوصول إلى الإليزيه، الطريق على فابيوس وعلى غيره بحصولها على ستين في المائة من أصوات «الرفاق» بينما لم يحصل الأخير إلا على 12 في المائة من الأصوات.
الهزيمة كانت مرة الطعم بين الطامحين للمنصب الأول. وبعد خمس سنوات، صعد نجم فرنسوا هولاند الذي لم يكن أحد داخل الحزب الاشتراكي يعتقد أن له حظًا بالوصول يومًا إلى الرئاسة، فإذا بفابيوس يدعم منافسته الوزيرة السابقة مارتين أوبري، رئيسة بلدية مدينة ليل (شمال فرنسا) حاليًا، وابنة جاك ديلور رئيس المفوضية الأوروبية الأسبق وإحدى الشخصيات الأكثر شعبية في فرنسا. والفرق بين فابيوس ورئيس الحكومة الحالية مانويل فالس أن الأول بقي إلى جانب مارتين أوبري بعد الدورة الأولى بينما الثاني وقف إلى جانب هولاند. ولقد عرف هولاند أن يسامح وأن يجيّر فابيوس لصالحه فكلفه بالملف الاقتصادي وبالبرنامج الإصلاحي لأشهر رئاسته الأولى. وعندما فاز بالرئاسة وهزم منافسه اليميني الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، عهد لفابيوس بوزارة الخارجية. واحتفظ الأخير بحقيبته، التي أضاف إليها في عام 2004 وزارتي السياحة والتجارة الخارجية 45 شهرا، وقطع خلالها آلاف الكيلومترات وهو أمر مرهق.
ولكن في الأشهر الأخيرة أخذت مظاهر التعب تبدو على فابيوس لا بل إنه «غفا» للحظات خلال الاجتماع مع مسؤولين جزائريين. كذلك، فإن كثيرين لاحظوا عنده ارتجافًا في اليدين مما يؤشر لإصابته بمرض باركنسون. وخلال اختتام «قمة المناخ» التي رأسها نهاية العام الماضي، بدا الارتجاف واضحا عندما أراد أن يعلن نهاية أعماله رافعًا المطرقة الخشبية التي أهداها له وفد البيرو.
من الخارجية، سينتقل فابيوس إلى رئاسة المجلس الدستوري الواقع قريبا من متحف اللوفر. ومهمة المجلس المكون من تسعة أعضاء، يضاف إليهم رؤساء الجمهورية السابقون مدى الحياة (هم حاليا فاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي)، مراقبة مدى تلاؤم القوانين التي تسن مع الدستور الفرنسي، ويعطي رأيه القاطع فيها كما يراقب ويعلن رسميا نتائج الانتخابات الرئاسية والاستفتاءات وخلاف ذلك من المهام. ولذا فإن كمية العمل والمهام الموكولة إليه، وهي تقنية بالدرجة الأولى، لا تقارن بمهام ومسؤوليات وزير الخارجية. ولكن للمنصب فوائد وتشريفات، وفابيوس البالغ من العمر 69 سنة سيكون رئيسا له لتسع سنوات يستطيع خلالها أن يرتاح وأن يبقى في الوقت نفسه في قلب الحدث في فرنسا.
بيد أن طموح الأخير لا يتوقف عند هذا الحد، إذ إنه قرر البقاء رئيسا لقمة المناخ حتى نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل عندما تنتقل الرئاسة للمغرب. وفي حديث صحافي صباح الخميس، أكد أنه لا تضارب في الصلاحيات بين الوظيفيتين، وأنه في حال حصل أمر كهذا فإنه «سينأى» بنفسه مؤقتا عن المجلس الدستوري لتجنب أي نزاع. لكن الأهم في بقائه رئيسا لقمة المناخ 21 احتفاظه بمكتب وسكرتارية في وزارة الخارجية. ويقول عارفون إن فابيوس يرنو للفوز بجائزة نوبل للسلام بفضل المساهمة التي يعتبرها «حاسمة» في إنجاح قمة المناخ التي استضافتها فرنسا، ورأسها هو شخصيًا بعد الإخفاقات الكثيرة التي أصابتها في السابق. وتكفي مراجعة الكلمات التي ألقاها الوزير الفرنسي إن في بداية القمة أو في ختامها لاستكناه صورة الدور الذي ينسبه فابيوس لنفسه في نجاح قمة المناخ.
لكل سياسي ورجل عام أمور يريد أن يطويها الزمن أو أن يخبئها عن أعين الجمهور. ميتران سعى لإخفاء عائلته «الثانية» وابنته غير الشرعية مازارين بانجو التي اعترف بها في آخر أيامه وأصبحت اليوم كاتبة معروفة. وشيراك أبعد عن الأضواء لورانس، ابنته المريضة. وقبلهما الجنرال ديغول الذي كانت له أيضًا ابنة مريضة اسمها آن وتوفيت في العشرين من عمرها. أما «وجع» فابيوس فمزدوج: شخصي وآخر سياسي: الشخصي اسمه «توماس» ابنه البكر الذي أصبح شهيرًا على صفحات الجرائد خصوصا تلك التي تهتم بالفضائح. فهذا الابن «غير البار» بوالده، مولع بالقمار، وتحديدًا بلعبة البوكر التي أوقعته في الكثير من المشكلات وستقوده حتمًا في الأسابيع المقبلة أمام المحاكم. ولقد أسس شركة أفلست بسبب الاحتيال، واشترى شقة تطل على بولفار سان جيرمان الشهير في باريس بستة ملايين يورو بينما يفتقر لمداخيل «رسمية». ودار في كازينوهات لاس فيغاس الأميركية تاركا وراءه ديونا بمئات الآلاف من الدولارات. وبعكس أخيه فيكتور، البعيد عن الأضواء، فإن توماس فابيوس لطخ اسم والده الذي لم يأتِ أبدًا على ذكر فضائح ابنه علنًا، كما أن الصحافة الفرنسية لا تربط أبدًا بينه وبين ابنه.
أما جرح فابيوس الثاني فعنوانه فضيحة الدم الملوّث التي تعود للفترة التي كان يشغل فيها منصب رئيس الحكومة. وفحوى القصة أن «المركز الفرنسي لنقل الدم» سوق لدم فاسد ملوث بفيروس الإيدز داخل فرنسا وخارجها رغم علمه بأن كمية كبيرة من هذا الدم فاسدة وخطرة على صحة المرضى. وعلاقة فابيوس بذلك أنه كان رئيسا للحكومة الاشتراكية في تلك الفترة ولذا قدمت شكاوى بحقه وحق ثلاثة وزراء، إلا أن العدالة برأت في النهاية ساحة السياسيين بمن فيهم فابيوس.
ماذا سيبقى من «إرث» فابيوس الدبلوماسي؟
ربما سيحفظ له تاريخ الخارجية أنه أسس لما يسمى «الدبلوماسية الاقتصادية»، إذ اعتبر أن عمل الدبلوماسي في الزمن الراهن قد تغير، وأن مهمة السفراء والبعثات هي مساعدة اقتصاد فرنسا والترويج له في الخارج. وهذا معنى ضم وزارتي التجارة الخارجية والسياحية لوزارته الأصلية حتى تتوافر له «الأدوات» المؤسساتية الضرورية لعملية الترويج. ولم يتردد فابيوس في أن يتحول كذلك إلى داعية لـ«المطبخ الفرنسي» وفنون الطاولة على الطريقة الفرنسية.
بالطبع، يريد فابيوس أن يعترف له التاريخ بدوره في تلافي مآسي الاحتباس الحراري وما سيفضي إليه ارتفاع حرارة الأرض من كوارث بيئية واجتماعية وديموغرافية وهجرات وحروب بفضل التزامات قمة المناخ التي يتعين مراقبة مدى تنفيذ الالتزام بها. لكنه يرغب أيضًا بأن يعرف العالم أنه لعب دورا مهما في التوصل إلى الاتفاق «التاريخي» بخصوص برنامج إيران النووي الذي وقع في فيينا في 14 يوليو (تموز) الماضي. ويروي الوزير الفرنسي أنه «حذّر» المجتمعين في فيينا من أنه سيعود إلى باريس للمشاركة في العيد الوطني صباح 14 يوليو سواءً وقع الاتفاق أو لم يوقع. وهو يتساءل عما إذا كان لهذا دور في دفع الأفرقاء المتفاوضين لوضع حد لمسار تفاوضي بلا نهاية. وفي أي حال، فإنه يعتبر أنه «نجح» في الحصول على اتفاق «متين» وعلى ضمانات لجهة «شفافية» البرنامج الإيراني مما يعد في نظره مساهمة في تجنيب العالم، وخصوصًا منطقة الشرق الأوسط سباقا للحصول على السلاح النووي.
من جهة أخرى، يترك فابيوس الخارجية والملف السوري الذي استحوذ على الكثير من وقته، ما زال على حاله: «الحرب مستمرة والمعارضة التي دعمته باريس في وضع حرج والتدخل الروسي متزايد والولايات المتحدة متأرجحة». وبما أنه يغادر منصبه الوزاري، فقد استفاد فابيوس من أيامه الأخيرة لـ«يصفي حساباته» مع واشنطن بهجوم حاد اتهمها فيه بـ«الغموض» وبالازدواجية ما بين الأقوال والأفعال. لكنه في الوقت عينه شن هجومًا قاسيًا على روسيا وإيران «الشريكيتين» في عمليات القتل في سوريا. كذلك فإن فابيوس يترك الدبلوماسية وملف النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على حاله. وليست آخر تصريحاته التي يعلن فيها عن عزم بلاده على الدعوة إلى مؤتمر دولي لإيجاد حل سياسي ينهض على قيام دولتين - فلسطين وإسرائيل - والتهديد بالاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية إذا فشلت جهود السلام إلا من باب «رفع العتب». فالوزير المغادر يعرف أن مبادرة بلاده لن تقدم أو تؤخر طالما أن واشنطن فاترة تجاهها وأن الأوروبيين غير متحمسين بينما إسرائيل ترفضها كلية.
يبقى أن الدبلوماسية الأوروبية - ومن ضمنها الفرنسية - بقيت عاجزة عن التفاهم من أجل عمل جماعي وفاعل في ملف الهجرات الجماعية الزاحفة باتجاه «القارة القديمة» أو بشأن التعامل مع الملف الليبي والتعاون بين ضفتي المتوسط والجوار العربي للاتحاد الأوروبي الغارق في أزماته.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».