اجتماع أممي حول «الشق الإنساني» من اتفاق ميونيخ.. وهدنة سورية خلال أسبوع

اجتمع أمس فريق عمل برئاسة الأمم المتحدة في جنيف لتطبيق الشق الإنساني من الاتفاق الذي أعلن التوصل إليه فجر أمس لـ«وقف المعارك» في سوريا في غضون أسبوع وزيادة وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين.
وقالت الأمم المتحدة إنها تتوقع أن تتمكن من إدخال مساعدات إلى السوريين المحاصرين «دون تأخير» بعد أن اتفقت القوى الكبرى على خطة لوقف الأعمال العدائية في سوريا خلال أسبوع. والتقى ممثلون من 17 بلدا في جنيف لمناقشة خطط توزيع المساعدات بالتزامن مع توقف القتال. وجاء في بيان من مكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا أن الحصول على ضمانات من الأطراف المتحاربة للدخول إلى المناطق المحاصرة، هو الخطوة الأولى. وقال يان إيغلاند مستشار دي ميستورا في البيان: «نتوقع السماح لنا بالدخول دون تأخير».
وقال للصحافيين بعد اجتماع استمر ثلاث ساعات إن قوى دولية وإقليمية تعهدت بالمساعدة في الإسراع بتوصيل المساعدات للمناطق المحاصرة في سوريا لكنها عملية صعبة ومعقدة للغاية. وقال إيغلاند للصحافيين إن المجموعة التي تضم روسيا وإيران حليفتي سوريا أعطت نتيجة ممتازة وإنها سوف تجتمع مرة ثانية يوم الأربعاء. وأضاف: «أشعر الآن أن جميع أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا يريدون أن تصل المساعدات إلى المناطق المحاصرة وأيضا إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها.. يمكن للقوافل أن تذهب سريعا جدا حالما حصلنا على إذن وضوء أخضر من الأطراف».
وفيما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر صحافي إثر اجتماع استمر أكثر من خمس ساعات في ميونيخ (جنوب ألمانيا): «اتفقنا على وقف للمعارك في كامل البلاد في غضون أسبوع»، أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا والولايات المتحدة ستشرفان على «ترتيبات» تطبيق وقف المعارك. وقال كيري إن وقف المعارك يشمل أطراف النزاع كافة باستثناء «داعش والنصرة الإرهابيتين». وأضاف: «كما اتفقنا على تسريع توفير المساعدة الإنسانية وتوسيعها بداية من الآن» لتشمل سلسلة من المدن المحاصرة منها دير الزور (شرق). وتابع كيري أنه علاوة على دير الزور ستعطى الأولوية لإيصال المساعدة الإنسانية «إلى الفوعة وكفريا (المحاصرتين من قبل المعارضة السورية) والمناطق المحاصرة في ريف دمشق، مضايا والمعضمية وكفر باتنة (المحاصرة من قبل النظام السوري وحلفائه)». وقال إن «وصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق حيث الحاجة إليها أشد إلحاحا، يجب أن يشكل خطوة أولى في اتجاه وصول المساعدة بلا عراقيل إلى كافة أنحاء البلاد».
وأكد كيري أن المفاوضات غير المباشرة بين النظام السوري والمعارضة التي علقت بداية فبراير (شباط)، وسط هجوم للقوات الحكومية «ستستأنف في أقرب وقت ممكن»، فيما أكد لافروف أن هذه المفاوضات يجب أن تجرى «دون إنذارات ولا شروط مسبقة». ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس إلى قيام تعاون على الأرض بين قوات التحالف بقيادة أميركية والجيش الروسي للتمكن من التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال أسبوع، كما تم الاتفاق عليه في ميونيخ ليلة الخميس الجمعة. ونقلت وكالة ريا نوفوستي عن الوزير لافروف قوله: «لكي تسير الأمور.. لا بد من قيام تعاون بين العسكريين على الأرض، أكان ما يتعلق بمسائل إنسانية أو أخرى مرتبطة بتطبيق وقف إطلاق النار». وتابع الوزير الروسي: «منذ بدء عملياتنا في سوريا.. عرضنا إقامة اتصالات عسكرية بين روسيا والتحالف بقيادة الولايات المتحدة». وأردف لافروف: «للأسف تجنبت الولايات المتحدة التعاون في المجال العسكري.. إلا أنني أعتقد أنهم باتوا يعون أنه لتحقيق تقدم نحو تسوية سورية لم يعد بالإمكان تجنب الاتصالات بين العسكريين».
ووصفت المعارضة السورية اتفاق ميونيخ الذي نص على وقف العمليات العدائية في سوريا بـ«المناورة» محذرة في الوقت عينه من أن ينعكس هذا الأمر كما أي قرار سابق لصالح النظام. وفي حين كان منسق الهيئة العليا التفاوضية المعارضة رياض حجاب، رفض أي صيغة لوقف إطلاق النار حتى الإطاحة بنظام بشار الأسد، أشار في الوقت عينه إلى أن إقرار الهدنة المؤقتة مشروط بموافقة الفصائل الجنوبية والشمالية في الجبهات، رفض قياديون في الفصائل المعارضة تنفيذ هذا القرار لأسباب عدّة أهمها التصنيف الروسي للفصائل العسكرية والذي يضع كلا من «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية.
وتخوف القيادي في المنطقة الجنوبية أحمد العاصمي، لـ«الشرق الأوسط» مما يتردد عن توصل الدول الكبرى ولا سيما روسيا وأميركا، إلى اتفاق يقضي ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة حتى نهاية العام 2017 كحد أقصى، مشيرا إلى أن النقطة العالقة لغاية الآن، هي تلك المتعلقة باندماج فصائل المعارضة في الجيش السوري، وهو الأمر الذي لا يزال مرفوضا، نظرا إلى وجود شخصيات عسكرية في هذا الجيش متورطة في الجرائم التي وقعت في سوريا.
وأكّد العميد الركن أحمد رحال، القيادي في «الجيش الحر» بمنطقة اللاذقية، لـ«الشرق الأوسط» أن الفصائل العسكرية لن تلتزم بوقف إطلاق النار، لأسباب عدّة أهمها، تصنيف سوريا لتنظيمي «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» ضمن التنظيمات الإرهابية إلى جانب «داعش» و«جبهة النصرة»، وهو الأمر الذي سيكون ورقة في يد موسكو لتستمر في قصفها المناطق السورية، مشيرا إلى أنّ هناك تداخلا بين هذين الفصيلين مع فصائل المعارضة الأخرى.
وقال العاصمي بأنّ الاتفاق الذي طرح قد يكون هدنة أكثر منه وقفا لإطلاق النار، موضحا «الأمر مرتبط بتوضيح آليات وخطوات تطبيق هذا الاتفاق، لا سيما في ظل ما استطاع النظام تحقيقه في الفترة الأخيرة من التقدم العسكري بمساندة الطيران الروسي، وبالتالي تكريس التقسيم وفق هذا الأمر الواقع مرفوض بالنسبة إلينا، إذ أن المطلوب هو أن يترافق هذا القرار مع خطوات عملية أخرى، متعلقة بإيصال المساعدات الإنسانية وفتح الحدود السورية وخطوط التنقل بين مناطق النظام والمعارضة إضافة إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 ومقررات مؤتمر جنيف المتعلقة بتشكيل هيئة حكم انتقالية.
وشكّك العاصمي بجدية طرح وقف الأعمال العدائية، مضيفا: «سبق لروسيا أن دخلت تحت عنوان محاربة داعش وها هي تمعن في قتل المدنيين من دون أي مراقبة أو محاسبة، وبالتالي ما الذي سيمنعهم فيما بعد من استكمال هذا المخطط في ظل عدم قيام المجتمع الدولي بالقيام بواجباته»، ولفت إلى أن الفصائل المعارضة تعمل الآن على تغيير تكتيكي واستراتيجي في عملها العسكري، يرتكز بشكل أساسي على توحيد الفصائل في الجنوب والوسط والشمال وإنشاء غرفة عمليات عسكرية مشتركة وتقليص أماكن الاشتباك.
وقال عضو الهيئة التفاوضية جورج صبرا لوكالة الصحافة الفرنسية «بأن مشروع إجراء هدنة مؤقتة من أجل وقف الأعمال العدائية سيدرس مع الفصائل المقاتلة على الأرض». وأكد أن الفصائل المقاتلة «هي من سيقرر نفاذ هذه الهدنة»، مشددا على أننا «ملتزمون بالقرار المشترك بين الهيئة العليا والفصائل، وهذه نقطة واضحة أمام طاولة التفاوض».
من جهته، اعتبر رئيس الائتلاف السابق هادي البحرة، أن «اتفاق ميونيخ» هو لشل وتضليل أي قرار دولي لكسب المزيد من الوقت لتحقيق أهدافهم العسكرية قبل موعد المفاوضات. وقال: «من الواضح أن خطة روسيا وإيران والنظام هي الاستمرار عسكريا حتى قطع خطوط الإمداد شمالاً وجنوبًا ومحاصرة حلب، ومن ثم الدعوة لوقف إطلاق نار من مجلس الأمن ويكون ملزمًا (ما عدا محاربة الإرهاب) وقد يضيفون حظرا على التسليح، وفي هذه الحالة النظام يمد بالسلاح عن طريق الروس المتواجدين في سوريا»، وأضاف: «إن لم تستخدم المعارضة طاقاتها وحنكتها السياسية وتنسيقها الكامل مع الفصائل العسكرية لخوض مفاوضات جدية وباستراتيجية إيجابية تحافظ على تطلعات الشعب وأهداف الثورة بدعم كامل من حلفائها الأساسيين، بشكل سليم، فإنها ستمنح روسيا وإيران والنظام ما يسعون إليه وهو المزيد من التصعيد والوقت اللازم لمحاولة استعادة سيطرتهم على حلب وإدلب وجسر الشغور، لفرض حل سياسي - عسكري على مقاسهم». واتفقت القوى الكبرى الجمعة في ميونيخ في جنوب ألمانيا على خطة طموحة لوقف المعارك في الحرب الدائرة في سوريا خلال أسبوع وعلى تعزيز إيصال المساعدات الإنسانية، وذلك في ختام خمس ساعات من مفاوضات تهدف إلى إحياء عملية السلام المتعثرة. وفي حال وافقت الفصائل على الهدنة و«ترافق ذلك مع تنفيذ البندين 12 و13 من قرار مجلس الأمن الدولي، فإن الباب سيفتح أمام استئناف المفاوضات في جنيف»، بحسب صبرا.
في غضون ذلك، قال أحمد فوزي المتحدث باسم الأمم المتحدة بأن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا حريص أشد الحرص على عقد جولة جديدة من المحادثات السورية بعد أن اتفقت القوى الكبرى على ضرورة الإسراع بوقف القتال لكنه أشار إلى أن خطط استئنافها لا تزال «غائمة». ويتعلق البندان 12 و13 من قرار مجلس الأمن الدولي 2254 حول سوريا بإيصال المساعدات لا سيما إلى المناطق المحاصرة وإطلاق المعتقلين تعسفا ووقف الهجمات ضد المدنيين.