المستثمرون يتجهون إلى ملاذات آمنة تخوفًا من تباطؤ الاقتصاد العالمي

وسط موجة الهبوط الحادة التي تشهدها الأسواق منذ بداية العام

المستثمرون يتجهون إلى ملاذات آمنة تخوفًا من تباطؤ الاقتصاد العالمي
TT

المستثمرون يتجهون إلى ملاذات آمنة تخوفًا من تباطؤ الاقتصاد العالمي

المستثمرون يتجهون إلى ملاذات آمنة تخوفًا من تباطؤ الاقتصاد العالمي

سادت علامات الضيق على وجه الأسواق المالية منذ أشهر بعد زيادة المخاوف على صحة الاقتصاد العالمي، ما يدفع المستثمرين إلى الملاذات الأكثر أمانا مثل السندات والعملات، حتى مع انخفاض العائد.
وكان مطلع العام الجديد كارثيا على أسواق المال حول العالم، نتيجة لانخفاض أسعار النفط وتباطؤ الاقتصادات الكبرى، مع تحول الصين إلى مصدر قلق، مع تراجع احتياطاتها من العملات الأجنبية إلى مستويات غير مسبوقة منذ نحو أربع سنوات، حيث تقوم بكين ببيع دولارات لدعم اليوان.
الأمر الأسوأ، أنه، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، شكل القطاع المصرفي، عامل بلبلة إضافيا في فترة تشهد صدور النتائج السنوية للبنوك، هذا بدلا من أن يكون المصدر الرئيسي لامتصاص صدمات الأسواق المالية.
بينما انخفض معدل العائد على السندات اليابانية لأجل عشر سنوات إلى ما دون الصفر، بسبب تراجع أسواق المال العالمية واعتماد المركزي الياباني مؤخرا سياسة الفائدة السلبية، بهدف تنشيط الاقتصاد.
وانخفض معدل العائد بنحو 0.007 في المائة على السندات العشرية اليابانية في جلسة الأمس، وهي المرة الأولى التي تسجل فيها السندات العشرية معدل عائد سالب في اقتصاد دولة من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.
كما قادت البنوك الأوروبية الثلاثاء الماضي موجة هبوط حاد في الأسواق المالية العالمية، بسبب ازدياد وطأة الأزمة اليونانية، وانخفاض ثقة المستثمرين في سياسات الإقراض التي تتبعها هذه البنوك. مع ازدياد الإشارات على التوتر في القطاع البنكي في أوروبا، تأثرت مناطق أخرى في العالم، وحدثت موجة بيع حاد في أسهم القطاع المصرفي الياباني، حيث عانت أسهم البنوك الثلاثة اليابانية الكبرى بنهاية تعاملات أمس، ليتراجع سهم «ميتسوبيشي فاينانشال غروب» بنسبة 2.23 في المائة، و«ميزوهو فاينانشال غروب» بنحو 3.66 في المائة، و«سوميتو ميتسوى فاينانشال غروب» بنحو 4.06 في المائة.
وفي طوكيو شهدت مؤشرات أسواق المال انخفاضا جماعيا بنهاية جلسات الأسبوع أمس، ليهبط مؤشر «توبكس» الأوسع نطاقا بنسبة 5.43 في المائة، ليصل إلى 1196.28 نقطة، وانخفض مؤشر «نيكي» 4.84 في المائة محققا 14952 نقطة مسجلا أدنى مستوى إغلاق له منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وهو ما يعد مستوى جديدا هو الأدنى في 16 شهرا في ختام وسط تداولات كثيفة مسجلا أكبر خسائره أسبوعية منذ 2008، مع إقبال المستثمرين على بيع الأصول العالية المخاطر بعدما نزل الدولار إلى أدنى مستوياته في 15 شهرا أمام الين، وعلى مدى الأسبوع خسر المؤشر 11.1 في المائة، وهبط مؤشر «جيه بي إكس - نيكي 400» بنسبة 5.6 في المائة، لينهي تعاملاته أمس عند 10780 نقطة.
وجاء الهبوط الحاد للأسهم اليابانية عقب قرار بنك اليابان المركزي خفض أسعار الفائدة عن الصفر أواخر الشهر الماضي، لكن الين صعد مع إقبال المستثمرين على التخلص من الأصول العالية المخاطر وشراء الأصول الآمنة في ظل اضطرابات السوق.
ولا يرتبط الأمر بالقطاع المالي الياباني فقط، حيث تراجعت المجموعات المصدرة لأسباب داخلية، حيث تراجع سهم شركة «تويوتا» العملاقة بنحو 6.8 في المائة، التي أوقفت إنتاج جميع سياراتها في اليابان اعتبارا من السبت الماضي، بسبب نقص إمدادات بعض المكونات، نتيجة حدوث انفجار أحد مصانع الصلب في وسط اليابان الشهر الماضي، ومن المتوقع أن تستأنف تشغيل مصانعها منتصف فبراير (شباط) الحالي، كما انخفض سهم شركة «هوندا موتور» بنحو 5.5 في المائة.
ومع تدهور الأسواق زادت الحاجة إلى الملاذات الآمنة، وانخفض الدولار إلى ما دون عتبة الـ112 ينا، مسجلا أدنى مستوياته منذ أكتوبر 2014، وسط مخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي، وأخرى تتعلق بالنظام المصرفي، وهو ما زاد من الطلب على الأصول الآمنة.
في حين يرى مراقبون أن المستثمرين يخشون انحسار آمال شركات التصدير اليابانية بنمو الأرباح إذا استمر صعود الين.
وكما كان انخفاض أسعار الأسهم سببا في اللجوء إلى ملاذ الين تأثرت الأسهم بشكل سلبي باللجوء إلى الين، إذ انخفض إقبال المستثمرين على شراء أسهم كبريات شركات التصدير اليابانية.
وقال ماكوتو سنغوكو، المحلل في شركة «توكاي طوكيو سيكيوريتيز»، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه ليس هناك أي شيء إيجابي اليوم، والاضطرابات لم تنته.
جدير بالذكر أن ارتفاع قيمة العملة اليابانية يؤدي إلى تقليص القدرة التنافسية للصادرات اليابانية في الأسواق العالمية، وتراجع قيمة أرباح الاستثمارات اليابانية في الخارج.
من جانبه، قال وزير الاقتصاد الياباني، نوبيترو إيشيهارا، في تصريح له الأسبوع الماضي، إن الين قد اكتسب في الآونة الأخيرة قوة نسبية، لأن المستثمرين يعتبرونه رصيدا آمنا نسبيا وسط قلق متزايد بشأن توقعات التراجع في أداء أسعار النفط والأسواق الناشئة.
وأضاف، في مؤتمر صحافي، أنه يراقب أسواق المال العالمية والآسيوية عن كثب، ولا يتوقع تغييرا قريبا في مؤشرات تعافي الاقتصاد الياباني.
ويرى محللون أن المستثمرين سيجنون أرباحا من إقراض الحكومة اليابانية على مدى العقد المقبل، مقارنة بالأوراق الأخرى.
ولا تسبب الفائدة السلبية «الإسمية» خسارة «فعلية» في جميع الأحوال، فالدول التي تفرض قيما سلبية اسميًا لعائد سنداتها تكون موجبة فعليا، بسبب ارتفاع سعر صرف عملة إصدار السند، حيث يعوض ارتفاع قيمة العملة انخفاض العائد عليها، هذا بالإضافة إلى معدل التضخم السالب في هذه الدول.
وعلى سبيل المثال، فالسندات الألمانية قصيرة الأجل هي سندات آمنة لكي تستثمر أموالك بها، وبالمقارنة بين معدلات التضخم يكون السند ذو 10 في المائة عائدا أكثر خطورة من السند صفري العائد إذا كانت معدلات التضخم في الدولة الأولى أكثر من 10 في المائة، فإذا كانت الفائدة صفرية على سندات اليورو، وكان من المتوقع أن اليورو سيرتفع بقيمة 10 في المائة هذا العام أمام الدولار، فهذا يعني أن هذه السندات تعطي عائد 10 في المائة لحاملي الدولارات، والوضع نفسه لمعدلات التضخم.
ولا تظهر في أسواق المال في العالم بوادر لتحسن أوضاع الاقتصاد العالمي، وبالتالي زيادة التشغيل وخفض الضغط على أسعار الفائدة اليابانية.
فما بين تصريح تيجان تيام، المدير العام لمصرف «كريدي سويس»، نهاية الشهر الماضي، بأنها أسوأ بداية عام على الإطلاق، وقال مديرو «باركليز» لأسواق المال في تصريحات أمس، إن أرقام الوظائف الأميركية التي صدرت الجمعة تبقي الغموض مخيما حول مواصلة رفع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة.
وكانت حركة استحداث الوظائف الأميركية مخيبة، غير أنها ترافقت مع تراجع في نسبة البطالة وارتفاع الأجور للساعة، وبحسب كثير من المحللين فإن هذه الأرقام قد لا تردع الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي الأميركي» عن رفع معدلات الفائدة في مارس (آذار) المقبل، وهو ما يعتبر كثيرون أن فيه مجازفة كبرى في وقت بات النمو فيه يتراجع.
وتترقب الأسواق التصريحات التي ستصدر عن رئيسة الاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين يومي الأربعاء والخميس المقبلين أمام الكونغرس الأميركي.
وقال محللو شركة «شوليه دوبون» للاستشارات المالية في الولايات المتحدة، في تصريح سابق، إن أسهم المصارف تراجعت في الولايات المتحدة، بسبب المخاطر التي يواجهها القطاع النفطي وديون الدول الناشئة، بالإضافة إلى ضغوط أخرى مثل حاجة البنوك إلى الحفاظ على سياسة نقدية شديدة المرونة، ونسب فوائد متدنية للغاية على الودائع بعيدة الأجل، الأمر الذي «يقلص هامش ربح المصارف بشدة».
ورأى محللو «شوليه دوبون» أن الأمل في تحسن قطاع المصارف يكمن في الاستقرار في أسعار النفط وفي الانفراج الجوهري في سياسة الاحتياطي الفيدرالي، بالتزامن مع التدابير التي يبدي البنك المركزي الأوروبي استعدادا لتطبيقها.
غير أن محللين آخرين أبدوا مزيدا من التشكيك، وقال سويشيرو مونجي من شركة «دايوا إس بي إنفستمنت»، في تصريح لوكالة «بلومبيرغ»، إن «المستثمرين يعلمون بأن المصارف المركزية لم تعد قادرة على ضبط الأسواق».
من ناحيته، قال تارو آسو، وزير مالية اليابان في مؤتمر صحافي، إنه بات واضحا أن تحركات العملة في الأسواق أصبحت صعبة.

*الوحدة الاقتصادية لـ«الشرق الأوسط»



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).