فيلم افتتاح مهرجان برلين يصوب ولا يصيب

من «مرحى، سيزار» مع جورج كلوني
من «مرحى، سيزار» مع جورج كلوني
TT

فيلم افتتاح مهرجان برلين يصوب ولا يصيب

من «مرحى، سيزار» مع جورج كلوني
من «مرحى، سيزار» مع جورج كلوني

• Hail، Caesar ‬ (**)
• إخراج: ‪إيتان وجووَل كووَن‬
• كوميديا | الولايات المتحدة (2016)
«مرحى، قيصر»، كما كتبه مخرجاه، الأخوان إيتان وجووَل كووَن، ينتمي إليهما ولا ينتمي. من ناحية يدخل في سياق أعمال ساخرة أخرى حققاها حول كل شيء أقدما عليه: من هوليوود القديمة كما في «بارتون فينك» (1991) ومن عالم المؤسسات الصناعية («رئيس هدساكر»، 1991) ومن الجريمة («فارغو»، 1996) ومن الغرب الأميركي («لا بلد للمسنين» و«جرأة حقيقية»، 2007 و2010 على التوالي).
لا ينتمي، من ناحية أخرى، لكون كل الأفلام المذكورة وسواها تمتّـعت بما هو ذاتي وخاص، وهو أمر يكاد يكون مختلفًا للغاية هنا. ليس أن الفيلم يخلو من نسبة ذاتية ومن أسلوب الأخوين الخاص في عرض ما يحققاه، لكنها نسبة قليلة. في الواقع، أي كاتب محترف آخر كان يستطيع أن يضع سيناريو أكثر حرارة وأي مخرج محترف آخر كان يمكن أن يصنع فيلمًا أفضل من هذا الماثل على الشاشة.
ربما هو النسيج الكبير من الأحداث التي أراد الأخوين كووَن التعرّض لها في سياق عمل واحد. وربما حقيقة أنه كلما حاولا تحقيق فيلم لصالح استوديو كبير (مثل يونيفرسال) حاولا التخلّص مما هو ذاتي وشخصي إلى أبعد حد ممكن. لهذا السبب فإن «ليبوفسكي الكبير» (1989) أفضل من «قتلة السيدة» (2004) الذي حققاه لصالح ديزني و«فارغو» ألذ من «قسوة غير محتملة» (يونيفرسال، 2003)، أما «دم بسيط» و«عبور كروسينغ» في الماضي و«رجل جاد» و«داخل ليووين ديفيز» في السنوات القريبة أفضل من معظم ما حققاه من أعمال أخرى.
هناك حكاية، تقع أحداثها في منتصف التسعينات، مدير شركة إنتاج اسمها كابيتول هو مانيكس (جوش برولين) الذي يحاول حل بضع قضايا تأتي ضمن مهامه: ممثلة حبلى من دون زواج (سكارلت جوهانسن) على الاستوديو أن يدبّـر طريقة للفلفة الموضوع أمام الرأي العام المحافظ في ذلك الحين. وهناك النجم الراقص (شانينغ تاتوم) الذي خطط للهرب من الولايات المتحدة إلى موسكو عبر غواصة روسية. كما هناك ممثل أفلام الوسترن التقليدية هوبي (ألدن إرنريتش) الذي يزجه الاستوديو لبطولة فيلم بلا حصان ولا حبل معقود وبكثير من الحوار فيسقط في التجربة. فوق ذلك، هناك الممثل بيرد (جورج كلوني) الذي يتم اختطافه من قِـبل مجموعة شيوعية أميركية لمقايضته بمائة ألف دولار خدمة للقضية.
هذه الخطوط وقضاياها تخلق قدرًا كبيرًا من الاختلال طوال الوقت. أكثر من أي وقت مضى يحتاج فيلم للأخوين كووَن لما يبلور منهجهما النقدي للأمور. صحيح أنه يتطرق للدين (كون الفيلم الذي يؤديه بيرد عندما تم اختطافه يدور حول المسيح) ويتطرق للخلاف بين الرأسمالية والشيوعية (تسقط الفدية في البحر بين المنهجين) ويتناول نوعًا كيف كانت هوليوود تنتج الأفلام حينها، إلا أنه لا يتحلى لا بالعمق ولا بالنقد ولا بما يكفي من إثارة الاهتمام إلا لمامًا.

لا يستحق | (*) : وسط| (**) : جيد | (***) : ممتاز | (****) : تحفة (*****)



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).