نازحون سوريون يروون جحيم الحياة في حلب تحت القصف

يقول مسؤولون أتراك إن المعبر مفتوح «للحالات الطارئة» بما في ذلك نقل المصابين

نازحون سوريون يروون جحيم الحياة في حلب تحت القصف
TT

نازحون سوريون يروون جحيم الحياة في حلب تحت القصف

نازحون سوريون يروون جحيم الحياة في حلب تحت القصف

كان محمود تركي يتابع الأخبار مع عائلته بعد العشاء عندما أصيب منزله في غارة جوية، ورغم نجاته من القصف فإن هذه الغارة قلبت حياته رأسا على عقب.
تتكرر على لسان النازحين قصة محمود عن «الجحيم» الذي يعيشه السكان في المناطق المحيطة بمدينة حلب شمال سوريا والتي فر منها وفق الأمم المتحدة نحو 31 ألف شخص مع تقدم القوات النظامية وسيطرتها على مناطق كانت تنتشر فيها فصائل معارضة.
وقال محمود الذي يرقد في مستشفى في تركيا المجاورة وقد لف رأسه بالضمادات وغطت جسمه الكدمات: «الرعب الذي أحدثته الغارة يفوق الوصف». وأضاف محمود الذي كان بين عدد قليل ممن سمح لهم باجتياز الحدود إلى تركيا للعلاج: «فقدت وعيي عندما سقط سقف البيت فوقي وفوق أطفالي. ثم سمعت زوجتي تصرخ وتسألني إن كنت حيا أو ميتا». نقل محمود تركي (45 عاما) إلى مستشفى في مدينة كيليس الجمعة بعد أن انتشله أصدقاؤه حيا من تحت ركام منزله في منغ.
شردت المعارك التي بدأتها القوات الحكومية السورية بدعم جوي روسي قبل أسبوع في محافظة حلب عشرات الآلاف من السكان. وقال علاء نجار الذي وصل إلى تركيا الجمعة للعلاج من إصابة في كتفه خلال غارة على مارع شمال حلب: «الأمر يشبه نار جهنم. لم يكن بإمكاننا احتمال القصف. حتى الحيوانات لم يكن بإمكانها احتماله. كان لدي قطة عندما سمعت هدير الطائرات جرت واختبأت تحت السرير. إذا كانت الحيوانات ترتعب إلى هذا الحد، فكيف يمكن للبشر احتمال ذلك؟!».
وبدأت روسيا حملة جوية في سوريا الشهر الماضي بطلب من الرئيس بشار الأسد لاستهداف تنظيم داعش ومنظمات متطرفة أخرى، لكن الغرب يتهم روسيا باستهداف المقاتلين المعارضين للنظام، في حين يؤكد ناشطون سوريون أن الضربات تقتل مدنيين، لكن روسيا تنفي ذلك.
وساعد الدعم الروسي القوات الحكومية في إحراز تقدم كبير خلال الأشهر الماضية، والهجوم الأخير هدفه محاصرة مناطق المعارضة في حلب وقطع خطوط إمدادها من تركيا. وقال المقاتل المعارض محمد الذي اجتاز الحدود الثلاثاء على عكازتين بينما قدمه اليمنى ملفوفة بالضمادات «الوضع سيئ جدا. الناس يهربون. الغارات الروسية دمرت المدينة».
وأضاف المقاتل البالغ من العمر 30 عاما والذي قتل والده في إحدى الغارات: «نحن محاصرون من كل الجهات. الروس من جهة، ووحدات حماية الشعب الكردية من الغرب وداعش من الشرق وقوات النظام من الجهة الأخرى».
وحلب ثانية المدن السورية ورئتها الاقتصادية قبل الحرب وتضم كثيرا من المواقع الأثرية المصنفة ضمن التراث العالمي من بينها السوق القديمة والقلعة.
ولكن الحرب اجتاحت المدينة وقسمتها منذ منتصف 2012 فباتت قوات النظام تسيطر على القسم الغربي منها وقوات المعارضة على الشرق. وأحدثت الغارات التي نفذتها طائرات النظام والبراميل المتفجرة التي ألقيت على القسم الشرقي منها دمارا هائلا جعل بعض الأحياء غير صالح بتاتا للسكن.
بدورهم يطلق مقاتلو المعارضة صواريخ غير دقيقة التصويب على الجزء الغربي من المدينة يذهب ضحيتها مدنيون في الغالب. ويحتشد السوريون الهاربون من المعارك منذ أيام بالقرب من بوابة باب السلامة في الجانب السوري من الحدود قبل معبر أونجو بينار التركي الذي لا يزال مغلقا.
ويقول مسؤولون أتراك إن المعبر مفتوح «للحالات الطارئة»، بما في ذلك نقل المصابين. ويمكن مشاهدة سيارات الإسعاف وشاحنات المساعدات تعبر خلال اليوم. ونقل محمود تركي في سيارة إسعاف ولحقت به زوجته وأبناؤه الأربعة بعد ثلاثة أيام.
وفي غرفته في المستشفى حيث كانت ابنته رغد نائمة وموسى ابن الأربع سنوات مع أمه ورأسه ملفوف بضمادة، قال تركي إن ولديه أصيبا بتشققات في رأسيهما ويحتاجان إلى عمليتين جراحيتين.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.