المصممون وبيوت الأزياء يرفعون شعار «اضرب الحديد وهو ساخن» لبيع منتجاتهم

كيف غيرت الأزمة الاقتصادية صناعة الموضة؟

من عرض {بيربري} لربيع وصيف 2016
من عرض {بيربري} لربيع وصيف 2016
TT

المصممون وبيوت الأزياء يرفعون شعار «اضرب الحديد وهو ساخن» لبيع منتجاتهم

من عرض {بيربري} لربيع وصيف 2016
من عرض {بيربري} لربيع وصيف 2016

أكدت الأيام والتجارب أنه عند اشتداد الأزمات يشحذ صناع المنتجات المترفة كل قواهم، الفنية والاستراتيجية، لمواجهتها بأساليب مبتكرة وأحيانا جذرية لم تكن لتخطر ببالهم في الأوقات العادية.
دار «بيربري» واحدة من بيوت الأزياء الكثيرة التي تعاني من الأزمة منذ ثلاث سنوات تقريبا، وللسبب نفسه، ألا وهو تباطؤ الاقتصاد الصيني. فمثل غيرها من بيوت الأزياء العالمية التي راهنت على السوق الصينية وتوسعت فيه بشكل كبير، تدفع الثمن حاليا وتحاول أن تُصلح الأمر بأقل خسارة. ما يُحسب لـ«بيربري» أن كريستوفر بايلي هو مديرها الفني ورئيسها التنفيذي في آن واحد، ما يتيح له اتخاذ قرارات يمكن أن تغير ساحة الموضة، من أجل الوصول بها إلى بر الأمان.
فبعد أن أعلن قبل نهاية العام الماضي إدماج خطوط الدار الثلاثة: «بريت»، «لندن» و«برورسم» في واحد بحجة عدم التشويش على الزبون وتقديم تشكيلاته باسم واحد هو «بيربري»، أعن في الأسبوع الماضي أن الدار لن تُقدم سوى عرضين في العام عوض أربعة (اثنان في أسبوع لندن الرجالي واثنان في أسبوع لندن النسائي). وكأن هذا لا يكفي، فأعلن أن كل ما سيتم عرضه على منصات العرض سيتوفر مباشرة للبيع في محلات وعلى مواقع الدار، عوض أن ينتظر الزبون ستة أشهر تقريبا، هي المدة الزمنية التي كانت تصل فيه البضاعة إلى الأسواق سابقا. يشرح كريستوفر بايلي بأن العملية تطور طبيعي لما بدأ يقوم به منذ فترة. فقد استعمل، مثلا، التكنولوجيا والإنترنت وكل وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى زبونه الموجود في كل أنحاء العالم، من البث المباشر لعروضه وبأبعاد ثلاثية، إلى توفير قطع منتقاة، بعد العرض مباشرة. أما خطوته الأخيرة فبررها قائلا بأنه خلال العرض يكون الكل متحمسا ومستعدا للشراء، لكنهم لا يستطيعون الحصول على ما يرونهم ويرغبون فيه إلا بعد ستة أشهر، وهو أمر يتناقض مع الجانب التسويقي. فحسب قوله: «في لغة الموضة، نحن نتكلم عن «اللحظة الراهنة، وما نشعر به فيها» وأي شيء بعدها يصبح باهتا وقديما.
ويوافق المصمم توم فورد، كريستوفر بايلي الرأي، قائلا: «في عالم أصبح يريد كل شيء الآن، فإن الطريقة التقليدية لعرض تشكيلة لن تتوفر في الأسواق إلا بعد أشهر لم يعد لها معنى... لقد حاولنا التعايش والتعامل لفترة طويلة مع استراتيجية موضة من حقبة أخرى».
تجدر الإشارة إلى أن توم فورد من بين مصممين آخرين سيُقبلون على نفس الخطوة لتسويق منتجاتهم، لأنه مقتنع بأن زبون اليوم «يريد أن يرى أزياء يمكنه الحصول عليها مباشرة». ويتابع: «الخطأ أننا كنا إلى الآن نصرف مبالغ طائلة وجهدا كبيرا على عرض ضخم يثير الحلم والرغبة في اقتناء الأزياء، لكن هذه الرغبة تخفت وتبرد بعد أن تصل إليه بعد أشهر». مثل «بيربري» سيقدم فورد تشكيلة تشمل أزياء للرجل والمرأة، لخريف وشتاء 2016 في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل عوض هذا الشهر خلال أسبوع نيويورك كما كان مقررا، حتى يتزامن عرضها مع توفرها في المحلات وعلى مواقع الإنترنت.
المتعارف عليه أن توم فورد ما فتئ يجرب طرقا مختلفة لعرض تصاميمه، وقلما يتقيد بإملاءات الموضة أو يشارك في البرامج الرسمية بانتظام. فمرة يقدم عروضا كبيرة، ومرة يكتفي بدعوة باقة منتقاة من الضيوف إلى مقره الرئيسي بالقرب من منطقة فيكتوريا، وهكذا. لهذا فإن قراره الأخير لم يكن مزلزلا، مقارنة بقرار «بيربري». فهذه الأخيرة ستشجع بيوت أزياء أخرى على الاقتداء بها، وهو ما يجعل البعض يتساءل عن مصير ومستقبل أسبوع الموضة الرجالي بلندن تحديدا، لأنه كسب كثيرا من قوة اسم الدار البريطانية وعروضها الضخمة. ورغم أن كريستوفر بايلي طمأن أنه سيشارك في هذا الأسبوع بشكل رمزي من باب الدعم، إلا أن عدم تنظيمه عرضا كبيرا قد يُفقد الأسبوع ليس بريقه فحسب بل أيضًا بعض ضيوفه المهمين.
باستثناء هذا الأمر فإن القرار يثلج صدور العاملين في صناعة الموضة، عموما، وعلى رأسهم وسائل الإعلام. فقد تعددت العروض إلى حد أنهم لو قبلوا كل الدعوات لما استقروا في مكان واحد طوال السنة. فكل عاصمة تقريبا أصبح لها أسبوعها الخاص، عدا أن معظم بيوت الأزياء لم تعد تكتفي بعرضين أو أربعة عروض في السنة، بل أضافت خطوطا أخرى مثل الـ«ريزورت» لتزيد من كثافة البرنامج والضغوطات، وهو ما أفقدها نسبة كبيرة من متعتها، وقوتها الإبداعية. المصمم راف سيمونز، عبر عن ذلك عندما قدم استقالته في العام الماضي لدار «ديور» معترفا أنه يريد أن يعيش حياته الخاصة ويقوم بأنشطة شخصية كان يستمتع بها سابقا، لكنه لم يستطع القيام بها منذ التحاقه بالدار الفرنسية العملاقة، نظرا لضيق الوقت وكثافة برنامج العمل فيها. ألبير إلبيز، مصمم دار «لانفان» سابقا، أيضًا أكد هذا الرأي بقوله إن ضغوطات العمل وكثرة العروض لا تتيح للمصمم مجالا كبيرا للإبداع، مشيرا إلى أن دوره تراجع إلى دور منسق أزياء. ألبير إلبيز ألقى أيضًا بجانب من اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي، التي ساعدت على تسارع إيقاع الموضة.
وربما كان دور كريستوفر بايلي كمصمم فني قادر على فهم نفسية نظرائه ومشكلاتهم، ودوره كرئيس تنفيذي قادر على اتخاذ قرار كبير بهذا الحجم لحل المشكلة، قرار ستقدم «بيربري»، بناء عليه، وابتداء من شهر سبتمبر القادم، أزياء رجالية ونسائية خلال أسبوع الموضة النسائي: الأول في شهر سبتمبر المقبل، يليه الثاني في شهر فبراير (شباط)، حجتها أن أزياء الدار، عموما، مثل المعطف الواقي من المطر الذي يعتبر من أساسياتها وكلاسيكياتها، لا تعترف بالفصول والمواسم، وتخاطب كل الوجهات والبيئات والثقافات، وبالتالي من الخطأ تحديدها بموسم للربيع والصيف، وآخر للخريف والشتاء.
وأكد كريستوفر بايلي أن تقسيم الأزياء حسب الفصول لم يعد له معنى في الوقت الحاضر «فـ(بيربري) شركة عالمية، في حين لا يكون الطقس واحدا في كل أنحاء العالم وفي نفس الزمن» حسب قوله، لهذا فإن تقديم تصاميم تخاطب كل الفصول توجه منطقي ومعقول.
تجدر الإشارة إلى أن العودة إلى عروض الدار الأخيرة تؤكد بأنها جربت تطبيق هذه الفكرة بالتدريج، من خلال التنوع في القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها في كل المناسبات، وباقتراح فساتين خفيفة من الحرير أو الدانتيل في عروضها للخريف والشتاء، ومعاطف مبطنة أو من الكشمير في عروضها للربيع والصيف.
الأمر نفسه ظهر في تقديمه أزياء نسائية في عرضه الرجالي والعكس، إضافة إلى تصاميم تتراوح بين الأنثوي والذكوري، لعب فيها حينا على الألوان وحينا على الأقمشة. فهذه الأخيرة، مثلا، لم تشمل الحرير للرجل فحسب، بل أيضًا الدانتيل الذي طرحه منذ موسمين تقريبا في قمصان مبتكرة ومثيرة للجدل. فحسب ما صرح به كريستوفر بالي لموقع «بيزنيس أوف فاشون» فإنه عندما ينكب على تصميم تشكيلة ما «يكون في بالي فكرة معينة ولا أكفر في جنس بعينه، فقد قدمنا قطع رجالية في عرض نسائي، وفي العام الماضي قدمنا أزياء نسائية في عرض رجالي، وشعرنا بأن العملية طبيعية ويمكن أن تتطور. فأنت هنا تكون قادرا على تأليف قصة متكاملة من كل الجوانب».
طرحه أزياء من العرض مباشرة أيضًا ليست جديدة، فقد سبق له أن قام بها في ما يخص «الترانش»، أي المعطف الواقي من المطر تحديدا، لكن الجديد الآن أنها ستصبح تقليدا عاديا يشمل كل التشكيلة.
ولا شك أن هذه الخطوة ستشجع مصممين شبابا ممن ليست لديهم الإمكانيات الكبيرة لتنظيم أربعة عروض في السنة على اعتمادها، لا سيما أنها تعني بيع منتجاتهم بسهولة لأن صورتها لا تزال راسخة في الأذهان.
حتى دوناتيلا فيرساتشي اعتمدت هذه الطريقة، عندما شاركت في أسبوع لندن بخطها الأصغر «فيرسيس» في سبتمبر الماضي، حيث وفرت التشكيلة مباشرة في المحلات بعد العرض. نفس الأمر قام به جيريمي سكوت، مصمم «موسكينو» بتوفيره عددا من القطع من التشكيلة للبيع مباشرة، وهو ما ترجم في الإقبال على إكسسواراته. فصورها لا تزال حية في المخيلة، والرغبة فيها لا تزال متأججة ومتأثرة بإبهار العرض، ما جعل بيعها سهلا لشرائح متعطشة لما تراه على منصات العرض.
كثير من المصممين الشباب يرون أنه لا بد من التغيير، فمواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي غيرت كثيرا من ملامح الموضة، بحيث يصبح ما يُعرض اليوم قديما بعد أسبوع أو شهر واحد. فالزمن الذي كانت فيه عروض الأزياء حكرا على شريحة من الزبونات ووسائل الإعلام، وتحاط بسرية بالغة، ولى دون رجعة، وأصبح كل شيء يحدث على الملأ، ويراه الكل بضغطة زر على الكومبيوتر أو عبر «إنستغرام» أو «تويتر». لهذا فإن توفير هذه التشكيلات على مواقع التسوق الإلكتروني، أو في المحلات مباشرة خطوة طبيعية، يمكن أن تكون في صالح كل الجهات. المشكلة حاليا قد تكمن في طريقة شراء المحلات الكبيرة لهذه التصاميم. ففي العادة يحضر المشترون والمشتريات عروض الأزياء، ثم يقابلون الجهات المختصة بعد ذلك للاختيار وتقديم الطلبات التي تتماشى مع سوقهم وثقافتها. الآن، قد يصبح عليهم أن يقوموا بهذه المهمة قبل العرض، وهذا يعني أنه عليهم أن يتعرفوا على الاتجاهات المطلوبة وما ستقدمه باقي بيوت الأزياء بمدة. وهي طريقة صعبة، لأنهم إلى الآن كانوا يقيمون التصاميم من خلال كل الزوايا. عروض الأزياء كانت تتيح لهم قراءة تعابير الحضور ومدى تقبلهم للتشكيلة قبل تقديم الطلبات.



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.