يقف جاكسون مارتينيز مرتبكا قليلا في مواجهة حشد من الكاميرات في نادي غوانغجو إفرغراند تاوباو في أعقاب انضمامه إلى الفريق الصيني، قادما من أتليتكو مدريد، المملوك للملياردير الصيني وانغ غيانلين، مقابل 31 مليون جنيه إسترليني. وفي مشهد آخر، يطل سيرخو أغويرو بابتسامة مصطنعة، محشورا بين ديفيد كاميرون والرئيس الصيني، شي جين بينغ، لالتقاط صورة «سيلفي»، خلال جولة في ملعب تدريب مانشستر سيتي، مهدت لاستثمارات صينية في النادي بقيمة 265 مليون جنيه إسترليني.
ويظهر هذا النهج إنفاق فريق غيانغسو سونينغ 38.4 مليون جنيه إسترليني لضم لاعب الوسط البرازيلي المدافع أليكس تيكسيرا، وكسر الرقم القياسي للصفقات للمرة الثالثة في 10 أيام، مما جعل إنفاق دوري السوبر الصيني يتخطى إنفاق الدوري الإنجليزي (البريميرليغ)، وهذا ضمن نافذة انتقالات لن تغلق قبل نهاية الشهر. فتحت كل هذه اللقطات نافذة على ثورة في الكرة الصينية، هي فقط مجرد بداية، وتمضي صوب وجهة غامضة. تستهدف أموال الاستثمارات الصينية حصصا في الأندية الأوروبية، من سيتي إلى أتليتكو وسلافيا براغ، بينما تغدق وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا الأموال على بناء اقتصاد رياضي وتعزيز الدوري المحلي الذي كان إلى وقت قريب يغرق في الفساد والجدل.
وما له دلالة أكبر من المبالغ المالية التي يتم إنفاقها على اللاعبين، التي تتضمن كذلك عرض سونينغ لضم راميريس لاعب تشيلسي، هو أن من يسمون بالوكلاء الكبار في اللعبة، يتحركون صوب الصين. لكن الأبرز بالتأكيد هو الصورة التي جمعت مدرب تشيلسي السابق جوزيه مورينهو إلى جانب وكيله خورخي منديز مؤخرا في الصين، ليحتفلا بشراكة جديدة مع شركة «فويو كالتشر»، التي يسيطر عليها غو غوانغشانغ، رئيس إمبراطورية «فوصن» الاستثمارية الصينية. تحدث غوانغنشانغ عن العمل على المساعدة على بناء شعبية كريستيانو رونالدو في الصين، وبالتأكيد سيخطط مينديز لنقل مزيد من اللاعبين إلى الصين. استحوذت شركة «فويو» على حصة في وكالته «غستيفيوتي» السنة الماضية. وفي الوقت نفسه، هناك معلومات بأن بيني زاهايا ومينو رايولا، وكيل نجمباريس سان جيرمان زلاتان أبراموفيتش، وغيرهما من الوكلاء، بدأوا يوجهون اهتمامهم نحو أموال الشرق. لذا فرغم الأموال الهائلة التي تحصلت عليها أندية البريميرليغ بفضل صفقة البث التلفزيوني الجديدة بقيمة 8.3 بليون دولار، فإن هذه الأندية، إضافة إلى الناديين الكبيرين في إسبانيا، قد يعانون قريبا للمنافسة ماليا.
قال سيمون تشادويك، أستاذ المشاريع الرياضية في جامعة سالفورد، الذي يعمل على رصد الطفرة السريعة في صناعة كرة القدم الصينية، قال: «مشجعو كرة القدم في أنحاء العالم يقولون: (كيف حدث هذا؟) لكن هذا ليس مفاجئا على الإطلاق من عدة أوجه. وتطور كرة القدم يسير على نموذج القطاعات الصناعية الصينية نفسه. لقد استحوذوا على الشركات الأجنبية والعمالة الأجنبية لرفع مهارة العمالة المحلية». أطلق الرئيس شي طلقة البداية في التحرك المذهل العام الماضي عندما أعلن عن نيته تحويل الصين إلى «عالم كرة قدم عظيم»، وفصل إدارة اللعبة عن الحكومة المركزية وأزاح الستار عن خطة من 50 بندا من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى استضافة الصين لبطولة كأس العالم والفوز بها.
ويعد «إحياء كرة القدم ضرورة لجعل الصين قوة، وهذا ضمن الحلم الصيني. وهو كذلك ما يصبو إليه الشعب»، بحسب ما تقول المجموعة المركزية الإصلاحية، التي يقودها شي. استهدف شي تحسين الاقتصاد الرياضي باعتباره أولوية أساسية، حتى على خلفية الاضطرابات الأخيرة في الأسواق. وتبلغ قيمة الاستثمارات التي تعتزم الصين ضخها خلال العقد المقبل، رقما خرافيا، يصل إلى 850 مليار دولار.
وفي العام الماضي، أطلق دانييل زانغ، الرئيس التنفيذي لشركة علي بابا، أكبر شركة صينية للتجارة عبر الإنترنت، فرعا رياضيا تحت اسم «علي بابا سبورتس»، وقال لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» إن الهدف المالي سيتم الوصول إليه بسهولة. ويقول تشادويك: «ذهاب هؤلاء اللاعبين إلى الصين معني ببناء ثقافة جماهيرية، وسيعملون على تحسين مستوى المنافسة. المهم أيضا أن ما تقوم به الحكومة الصينية وسلطات الأقاليم هو محاولة بناء الملاعب الرياضية في كل المدن الكبرى. يحب الصينيون نموذج مانشستر سيتي، وملعبه ومجمعه الاتحاد، على سبيل المثال. ولن يكون من قبيل المفاجأة أنهم قرروا الاستثمار في هذا المجال».
وتعد الاستثمارات في الأندية الأوروبية إلى حد بعيد بمثابة تجربة تقصي حقائق، كما هي استثمارات مالية، ولا شك في أنها ستقود إلى مزيد من الاختلافات الثقافية، مثل تراجع شركة «ليدمان» المالكة لحقوق رعاية الدوري البرتغالي، عن إجبار فرق لدرجة الثانية على إدراج لاعبين صينيين في تشكيلاتهم الأساسية للمباريات. كما أن وتيرة الإنفاق الهائلة من قبل دول الخليج الغنية بالنفط والغاز مثل قطر، للاستثمار سريعا في الرياضة سواء في الداخل والخارج والجهود المتذبذبة لزيادة تنافسية دوري المحترفين الأميركي «إم إل إس»، تمثل دروسا أخرى مختلفة، لصعوبة وضع قالب للثقافة الجماهيرية وبناء منتج جيد، بعضها أكثر صلة من غيره.
ليست هذه بداية، إذ اجتذب فريقا إفرغراند وبكين غوان، حضورا جماهيريا بمتوسط 40.000 متفرج، وفاز الأخير بدوري أبطال آسيا في 2015. وعلى هذا النحو، تسعى أندية الدوري الإنجليزي وغيرها من الدوريات الأوروبية إلى بناء قاعدتها الجماهيرية، حيث يتمتع الدوري الإيطالي الممتاز «سيري إيه»، تحديدا بميزة تاريخية في أعقاب خطأ الكرة الإنجليزية في حصر نفسها في البداية في الخدمة التلفزيونية مدفوعة الأجر. وعلى مدار سنوات كثيرة بدت كرة السلة كأنها سبقت كرة القدم بخطوة، حيث يستثمر دوري السلة للمحترفين «إن بي إيه»، أموالا هائلة في الترويج للعبة، ويسعى لإبرام الصفقات في أنحاء البلاد، لكن كل هذه الأموال لم تقدم خليفة للاعب كرة السلة الصيني ياو مينغ، نجم «إن بي إيه» الخارق الذي اعتزل اللعب في 2011. إفراز الأبطال المحليين سيكون محوريا بالنسبة إلى نجاح كرة القدم الصينية.
كما وهناك ما يحث المستثمرين على وضع أموالهم في بناء شبكات جديدة للأكاديميات التدريبية في أنحاء البلاد الشاسعة، وزيادة الاستثمارات في المنشآت والتدريب. وتتصل الخطة أيضا بأهداف مجتمعية أوسع نطاقا، وربما، مخاوف مؤجلة، من أن دفع المراهقين الصينيين إلى مستويات أكاديمية أعلى سيكون على حساب سلامتهم العقلية. حيثما يقود الرئيس شي، يتبعه النموذج الرأسمالي الصيني الغريب، حيث من المقرر أن يتم إنفاق المليارات من أموال الاستثمارات على هجوم جديد على اللعبة الأكثر شعبية في العالم. وبمجرد أن استولى الملياردير الصيني غيان لين على نصيب استراتيجي من أتليتكو مدريد حتى اشترت شركته وكالة الحقوق التلفزيونية «إنفرونت»، المملوكة لابن شقيق رئيس «فيفا» الموقوف جوزيف بلاتر، فيليبي.
وبعد ذلك، وكما لو كان هذا بمفعول السحر، ظهر إلى جانب بلاتر في زيوريخ وأعيد انتخاب الأخير رئيسا للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» في مايو (أيار) قبل سقوطه الدراماتيكي. وفي حين أن هناك أقاويل عن إعادة نظام التدوير بين القارات لاستضافة كأس العالم، وهو ما يخفف من التكهنات بذهابه للصين بعد كأس العالم 2022 في قطر، فسيكون من قبيل الحماقة التقليل من قدرة التجارة والدبلوماسية الصينيتين على تغيير هذا الوضع. كما وهو مبين في كتاب «بومبو غول بوستس»، لروان سيمونز، عن النمو المضطرب للكرة الصينية، فإن السياسة والثقافة عملتا تاريخيا ضد الفرق الرياضية. في بلد يحظر بوضوح تجمع أكثر من 10 أشخاص، كان من المستحيل بناء هرم كروي من القمة إلى القاع.
الحلم الصيني.. ليس استضافة كأس العالم بل الفوز بها
ثورة كروية قادمة من القوة الجديدة الشرق آسيوية تهدد الكرة الأوروبية
الحلم الصيني.. ليس استضافة كأس العالم بل الفوز بها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة