ينتظر أن تصوت الجمعية الوطنية الفرنسية اليوم على مشروع قانون التعديل الدستوري الذي قدمته الحكومة وجعلت منه أحد أساليب محاربة الإرهاب، الذي ضرب باريس في الصميم مرتين العام الماضي في يناير (كانون الثاني) ونوفمبر (تشرين الثاني)، ما أسفر عن مقتل 147 شخصا وإصابة عدة مئات.
بيد أن تصويت الجمعية الوطنية، مساء أول من أمس، على البند الأول من التعديل الدستوري الذي ينص على مادتين فقط، هما تحديد شروط فرض حالة الطوارئ والعمل بها في النص الدستوري ونزع الجنسية عن مرتكبي الأعمال الإرهابية، لا يعد سوى الخطوة الأولى من مسار طويل وغير مضمون. وباشر النواب أمس مناقشة البند الثاني وسط انقسامات داخل المجموعات النيابية يمينا ويسارا، وتخبط في الآراء والتعديلات المطلوبة.
وينقسم النواب إلى أربع مجموعات أساسية. الأولى، تضم غالبية النواب الاشتراكيين الداعمين للحكومة، وغرضها إيجاد مخرج مشرّف للرئيس فرنسوا هولاند الذي طرح فكرة التعديل الدستوري في خطابه أمام النواب والشيوخ بعد ثلاثة أيام فقط من اعتداءات باريس الإرهابية في 13 نوفمبر الماضي. وتتشكل المجموعة الثانية من نواب اشتراكيين ويساريين يرون في المادة الثانية ضربا بمبدأ أساسي من مبادئ الجمهورية، وهو المساواة بين المواطنين، لأن التعديل ينص على نزع الجنسية عن المتمتعين بجنسيتين وإن كانوا ولدوا في فرنسا، كما يعتبرون أن التعديل يستهدف المتحدرين من أصول إسلامية، وبالتالي فإنه يخلق شروخا في المجتمع الفرنسي. فضلا عن أن نزع الجنسية ليس مفيدا ولن يؤثر على الحرب ضد الإرهاب.
أمّا المجموعة الثالثة، فتتشكّل من قسم من نواب اليمين والوسط (الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين) الداعمين للمشروع، وعلى رأسهم نيكولا ساركوزي، رئيس الجمهورية السابق ورئيس حزب «الجمهوريون» المعارض. وحجة هؤلاء أن مبدأ نزع الجنسية في الأساس فكرة يمينية تبناها هولاند، وبالتالي فإن إدخالها إلى الدستور «مكسب» سياسي وإيديولوجي لليمين. في المقابل، يتبنى المعارضون الذين يشكّلون المجموعة الرابعة، وعلى رأسها فرنسوا فيون، رئيس الحكومة السابق، حجج «المنشقين» الاشتراكيين واليساريين. ويعتبر هؤلاء أنه يعود لكل نائب أن يصوت وفق قناعاته الشخصية وليس وفق تعليمات حزبية، فيما يرى قسم آخر منهم أنه يتعين على نواب اليمين أن يتركوا هولاند «يقلع شوكه بيديه».
بيد أن تصويت النواب على البند الثاني، وعلى مجمل التعديل في المجلس النيابي اليوم، لا يعني نهاية المسار، رغم أن تمريره مرجح لأنه بالأغلبية البسيطة. ذلك أنه يتعين أن ينتقل بعدها مشروع التعديل إلى مجلس الشيوخ الشهر القادم، حيث الأمور غير محسومة. وإذا مر التعديل في مجلس الشيوخ وبالصيغة نفسها التي أقرها مجلس النواب، فعندها يحين الاختبار الأصعب إذ إن الدستور الفرنسي ينص على أن يجتمع المجلسان في قصر فرساي التاريخي. ولا يتم إقرار التعديل إلا إذا حصل على ثلاثة أخماس من أصوات النواب والشيوخ، وهو أمر غير مضمون اليوم.
إزاء هذا الوضع المعقد الذي أطاح بوزيرة العدل كريستيان توبيرا التي قدمت استقالتها من الحكومة احتجاجا، ليس واضحا أن يصل التعديل إلى قصر فرساي في حال تبين للحكومة وللرئيس هولاند أنه لن يحصد الأكثرية اللازمة. ولذا، فإن هولاند يجد نفسه في وضع غير مريح، إذ إنه، من جهة، غير قادر على التراجع عن مشروع أعلنه شخصيا ودافع عنه واعتبره لبنة أساسية في محاربة الإرهاب والدفاع عن الفرنسيين. ومن جهة ثانية، سيكون الإخفاق في تمريره في البرلمان بمجلسيه ضربة سياسية له، وذلك قبل 4 أشهر على الانتخابات الرئاسية. وهنا، تتداخل الحسابات السياسية الضيقة مع الإصلاحات الدستورية والمبادئ الكبرى، بحيث ترتج الصورة ويضيع المواطن في الحسابات السياسية سواء كان من داعمي اليمين أو اليسار.
و ينتظر أن يعمد هولاند إلى إجراء تغييرات في حكومة مانويل فالس، والمرجح أن يتم ذلك غدا الخميس أو الجمعة. والسبب المباشر يكمن في أن وزير الخارجية، لوران فابيوس، سيترك منصبه ليصبح الشهر القادم رئيسا للمجلس الدستوري.
لكن المرجح أن يسعى الرئيس الفرنسي للاستفادة من التعديل الحكومي من أجل توسيع قاعدة الحكومة السياسية، من خلال ضم وزراء عن الخضر وعن الحزب الراديكالي اليساري. فالحكومة العتيدة ستكون آخر حكومات العهد، وهو يريدها متوازنة وفاعلة، إذ إن التوازن غرضه إعادة لم شمل الحزب الاشتراكي قدر الإمكان عن طريق استمالة جناحه اليساري الذي يجاهر برفض سياساته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. أما الفاعلية المطلوبة، فعنوانها «القدرة على تحقيق نتائج اقتصادية واجتماعية» فيما تبقى من ولاية هولاند، خصوصا في محاربة البطالة التي زادت على 10 في المائة وخفض الضرائب وتسريع التنمية وطمأنة المواطنين وتثبيت السلم الاجتماعي.
8:6 دقيقة
مشروع قانون التعديل الدستوري لمحاربة الإرهاب يجتاز خطواته الأولى في فرنسا
https://aawsat.com/home/article/564786/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%8A%D8%AC%D8%AA%D8%A7%D8%B2-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7
مشروع قانون التعديل الدستوري لمحاربة الإرهاب يجتاز خطواته الأولى في فرنسا
انقسامات بين النواب والشيوخ يمينًا ويسارًا
- باريس: ميشال أبونجم
- باريس: ميشال أبونجم
مشروع قانون التعديل الدستوري لمحاربة الإرهاب يجتاز خطواته الأولى في فرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة