انقسام بين المثقفين السعوديين بعد اعتماد اللائحة الجديدة للأندية الأدبية

مثقفون أبدوا ملاحظات.. وآخرون وجدوا أنها تدفع العمل الثقافي للأمام

أعضاء جمعية عمومية في أحد الأندية الأدبية.. التصويت للكفاءة أم الفئوية
أعضاء جمعية عمومية في أحد الأندية الأدبية.. التصويت للكفاءة أم الفئوية
TT

انقسام بين المثقفين السعوديين بعد اعتماد اللائحة الجديدة للأندية الأدبية

أعضاء جمعية عمومية في أحد الأندية الأدبية.. التصويت للكفاءة أم الفئوية
أعضاء جمعية عمومية في أحد الأندية الأدبية.. التصويت للكفاءة أم الفئوية

أحدثت لائحة الأندية الأدبية في السعودية، التي اعتمدها أمس الدكتور عادل بن زيد الطريفي، وزير الثقافة والإعلام، جدلاً في الساحة الثقافية، أسوة باللائحة السابقة التي اعتمدت في السابع من مايو (أيار) 2011.
ففي حين اشتكى مثقفون من أن اللائحة الجديدة لا تختلف في جوهرها عن اللائحة السابقة، لاحظ آخرون أن الفروقات التي تضمنتها اللائحة الجديدة جاءت شكلية ولا تراعي التطور الهام الذي شهدته المملكة، ويعيشه المشهد الثقافي السعودي.
رؤساء وأعضاء أندية تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» ولاحظوا أنها تؤسس لتطور في أداء النشاط الثقافي، وتطلق العنان للمثقفين لكي ينهضوا بمؤسساتهم الثقافية، على أساس المشاركة، خاصة أنها أقرّت مبدأ تشكيل مجالس إدارات الأندية على أساس الانتخاب.
وترسم اللائحة الجديدة المكونة من 18 مادة، أهدافا رئيسية لعمل الأندية الأدبية وهي: خلق بيئة أدبية تفاعلية منتجة. ونشر الأدب باللغة العربية الفصحى. وإبراز واقع الأدب وتاريخه في نطاق النادي خاصة وفي المملكة عامة بما يعزز الانتماء الوطني. وتوثيق أواصر الصلات الأدبية بين الأدباء. والتعاون مع الجهات ذات الصلة. واستقطاب المواهب الأدبية الشابة ورعايتها وتشجيعها. وتمثيل الأدباء أمام الجهات ذات العلاقة فيما يتصل باختصاصات النادي. ودعم المبادرات الأدبية والثقافية ذات الصلة.
قلّصت اللائحة الجديدة وظائف الهيئة الإدارية للأندية، فألغت منصب نائب الرئيس وأبقت على رئيس النادي (رفعت مكافأته إلى 5000 ريال) شهريًا، والمسؤول الإداري (أصبحت مكافأته 4000 ريال) شهريًا، والمسؤول المالي (مكافأته 4000 ريال) شهريًا. كما أحدثت تغييرات في مكافآت أعضاء مجلس الإدارة (600 ريال لكل جلسة، بعد أن كانت 750 ريالا لكل جلسة). وقلّصت رسوم العضوية، فأصبحت عضوية العامل 200 ريال بعد أن كان 300 ريال، وعضوية المشارك 100 ريال بعد أن كان 200 ريال.
وفي شرط المؤهل، نصّت اللائحة الجديدة أن يكون العضو العامل «حاصلاً على مؤهل علمي يتصل باللغات وآدابها»، وكانت اللائحة السابقة خولت مجلس الإدارة تحديد المؤهل العلمي للعضو العامل. كما حددت اللائحة الجديدة أن يكون العضو العامل «قد أصدر كتابًا أدبيا مطبوعًا أو أكثر على أن يكون مفسوحًا نظامًا»، ولم يكن شرط الفسح منصوصًا في اللائحة السابقة.
قسمت اللائحة عضوية الأندية الأدبية إلى ثلاث فئات: عضوية عاملة، وهي متاحة للسعوديين فقط ممن يقيمون في نطاق النادي، ولا تقل أعمارهم عن 25 عامًا، ويشترط أن يكونوا حاصلين على مؤهل علمي يتصل باللغات وآدابها. أو أن يكونوا قد أصدروا كتابًا أدبيًا مطبوعًا أو أكثر، على أن يكون مفسوحًا نظامًا. وأن يدفعوا رسوم العضوية.
والعضو العامل هو الذي يتمتع بحق الترشح لعضوية مجلس الإدارة «وفق ضوابط اللائحة»، ويحق له أيضا انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، وحضور اجتماعات الجمعية العمومية، والتصويت في اجتماعاتها.
أما الفئة الثانية من العضوية، فهي عضوية مشاركة، وهي تمنح للسعوديين والمقيمين من غير السعوديين من داخل نطاق النادي أو من خارجه، ولا يقل عمر العضو المشارك عن (18) سنة، وأن يكون قد دفع رسوم العضوية.
ويتمتع العضو المشارك بمميزات دون حق التصويت على القرارات أو حق الترشيح والانتخاب.
الفئة الثالثة هي عضوية شرفية، وتمنح للشخصيات الداعمة لنشاطات النادي وبرامجه معنويًا أو ماديا، وأوكلت اللائحة لمجلس إدارات الأندية تحديد حقوق العضوية الشرفية، وشروطها بما يخدم أهداف النادي بعد موافقة الوزارة.
الدكتور عبد الله الحيدري، رئيس النادي الأدبي في الرياض، قال لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن اللائحة الجديدة أضافت هدفا جديدا تصدر أهداف الأندية، وهو: «خلق بيئة أدبية تفاعلية منتجة»؛ مما يعني رغبة الوزارة في أن تلبس الأندية الأدبية ثوبا جديدا، مع حث مجالس الإدارة القادمة على الاستفادة من معطيات التقنية، وهذا واضح من خلال كلمة «تفاعلية».
وأضاف: إن تحقيق هذا الهدف يحتاج من مجالس الإدارات الحالية إلى تحفيز من يرون أنهم قادرون على تحقيق هذا الهدف للالتحاق بالجمعيات العمومية.
الحيدري الذي كشف لـ«الشرق الأوسط» أنه يترشح للمجلس القادم، لاحظ أنه «في شروط الالتحاق بالجمعية العمومية نصت اللائحة الجديدة على أن يكون حاصلا على مؤهل علمي يتصل باللغات وآدابها، في حين كان الشرط في اللائحة الحالية: «مؤهل علمي يحدد مستواه مجلس الإدارة»، ولا شك أن الصياغة الجديدة أدق وأوضح.
كما لاحظ أن اللائحة الجديدة تضمنت تخفيضا لرسوم الحصول على عضوية النادي العاملة والمشاركة؛ «مما يعني أن هناك معالجة للعزوف عن التفاعل مع الأندية الأدبية، وتحفيز الشباب تحديدا على الانضمام لها».
ولاحظ الحيدري أنه في اللائحة الجديدة تقديم وتأخير فيما يخص وسيلة الانتخاب، ففي اللائحة الحالية جاءت العبارة: (إلكترونيا أو ورقيا)، وفي الجديدة (ورقيا أو إلكترونيا)، ومعنى ذلك أن صياغة الجديدة نظرت إلى بعض المشكلات التي نتجت عن انتخابات عام 1432هـ، وجعلت الأولوية للانتخابات الورقية ثم الإلكترونية، وهذه نقطة في الغاية من الأهمية.
في حين قال لـ«الشرق الأوسط» حسن الزهراني، رئيس نادي الباحة الأدبي، أنه من «المؤسف جدا أن ينتظر المثقفون كل هذا الوقت وتخرج اللائحة بهذا المستوى»، وأضاف: «أرى أن التغيير فيها عن السابقة لا يكاد يذكر»، ومضى يقول: «كنا ننتظر أن تكون صلاحيات الأندية والجمعيات العمومية أكبر، وكنا ننتظر تغييرا فيما يخص النشاطات والطباعة والمكافآت؛ خصوصا مكافآت المثقفين المشاركين في النشاطات ولكنني أعتقد أنها ستتغير قريبا كالمعتاد».
أما رئيس نادي المنطقة الشرقية الأسبق، القاص جبير المليحان، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «اعتماد اللائحة خطوة إيجابية من الوزارة، ولعلها أولى الخطوات التي ينتظرها الأدباء والمثقفون من وزارة الثقافة، بعد انشغالها عن الشأن الثقافي مدة طويلة».
وأضاف المليحان: «لعلنا نذكر الوزارة بمتابعة تطبيق اللائحة بشكل سليم، خاصة ما يتعلق بالعضوية، وانعقاد الجمعيات العمومية. وكذلك إحياء جائزة الدولة التقديرية التي ترقد في غرفة الإنعاش. وكذلك تفعيل توصيات مؤتمرات الأدباء الأربعة».
ولفت المليحان إلى «حاجة المملكة الآن وبهذا الحجم السياسي والاقتصادي والعسكري إلى اتحاد للكتاب يمثل المملكة أدبيا وثقافيا».
الشاعر وعضو نادي الرياض الأدبي، الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الزيد، قال لـ«الشرق الأوسط»: «ستبقى الأندية الأدبية ولوائحها ومشروعاتها رهينة للفشل، لأن هذه الأندية، وكل ما يتعلق بها تفتقر إلى الاستراتيجية الثقافية التي تحفظ الحقوق وتضمن النجاح لأي نشاط ومشروع».
ورأى الزيد أن هذه اللائحة «ينقصها من حيث المبدأ التخطيط والتنظيم اللذين هما ناتج تلقائي للاستراتيجية، وينقصها من قبل ذلك السند المرجعي القوي المتمثل في الوزارة.. وما رابطة الأدباء عنا ببعيد في هذه المسألة تحديدا»، وقال إن «لوائح الأندية تخضع للرؤى الفردية، ولا تستند إلى النظام الثقافي القوي»، مضيفًا: «عندما تقرأ نص اللائحة ستشدك الجمل المثالية والعناوين البراقة، ولكنها ستنتهي على أسطح مكاتب رؤساء الأندية إلى نوع من التعليمات المجانية التي ليس لها أي رصيد». وقال عبد الجليل الحافظ، من نادي الأحساء الأدبي، إن اللائحة الجديدة تضمنت شرط «المنتج الأدبي» وكذلك تم تقليص عدد الشهادات إلى حملة شهادات الآداب سواء أدب عربي أو أجنبي مما سيقلل من نسبة الدخلاء على مجال الأدب.
لكنه أضاف: «هناك بعض الأخطاء في اللائحة فهي مثلا تشترط وجود محاسب قانوني ثم تجعل الجمعية تصوت على وجوده، كما أن اللائحة أهملت وجود دور لأعضاء المجلس الآخرين غير قرارات التصويت وكان ينبغي إيجاد أدوار مسجلة ومطالبين بها لزاما»، وأضاف: «كما أن اللائحة لم تقرر مقدار الدعم الذي تتحصل عليه الأندية ولم تقر ميزانيات إدارية ومصاريف المباني للأندية».
من جهته قال الناقد يونس البدر، المحاضر في كلية الآداب بجامعة الملك فيصل، وعضو النادي الأدبي بالأحساء، شرقي السعودية: «اللائحة الجديدة تختلف بشكل طفيف جدا عن اللائحة السابقة؛ فمثلاً، اختلفت رسوم اشتراك العضويات لمبلغ أقل من السابق، كانت (300) وأصبحت (200) والمناصب الإدارية كانت أربعة مناصب (رئيس ونائب ومسؤول مالي ومسؤول إداري) والآن أصبحت ثلاثة فقط بإلغاء منصب نائب الرئيس».
وأضاف البدر: «الهاجس الأهم في الوسط الثقافي كان يتعلق بآلية تشكيل هذا المجلس وقد ظن الكثيرون أنه سيكون بالتعيين ولكن المفاجأة التي حملتها هذه اللائحة أنها أقرت آلية الانتخاب لجميع أعضاء المجلس وهذا مؤشر إيجابي يدل على ثقة الوزارة في أعضاء الجمعيات العمومية».



«مؤتمر قصيدة النثر المصرية» يحتفي بالرموز ويحرر القصيدة من الرتابة والتكرار

«مؤتمر قصيدة النثر المصرية» يحتفي بالرموز ويحرر القصيدة من الرتابة والتكرار
TT

«مؤتمر قصيدة النثر المصرية» يحتفي بالرموز ويحرر القصيدة من الرتابة والتكرار

«مؤتمر قصيدة النثر المصرية» يحتفي بالرموز ويحرر القصيدة من الرتابة والتكرار

دورة ناجحة لمؤتمر قصيدة النثر المصرية تنوعت فيها الرؤى والدراسات النقدية، والقراءات الشعرية لكوكبة من الشاعرات والشعراء من شتى الأقاليم المصرية، كما احتفت بتجربة شاعرين من الرموز المؤثرة والمؤسسة لهذه الكتابة الشعرية الجديدة.

على مدار ثلاثة أيام استضافت مؤسسة «الدستور» الصحافية وقائع الدورة الثامنة من «مؤتمر قصيدة النثر المصرية»، التي شهدت مشاركة واسعة لأسماء عديدة من مختلف المشارب والأجيال الشعرية والأدبية؛ وسط تنوع لافت في الفعاليات ما بين الجلسات النقدية والمداخلات النقاشية، والاحتفاء برموز مؤثرة في سياق مغامرة قصيدة النثر وترسيخ وجودها ودورها الإبداعي الذي يتعمق يوماً بعد يوم، فضلاً عن قراءات شعرية متنوعة لكوكبة كبيرة من الشعراء والشاعرات في تظاهرة فنية لافتة حررت المشهد الشعري المصري من الرتابة والتكرار وأكسبته حيوية مفتقدة، كما أتاحت الفرصة أمام أصوات مختلفة للتعبير عن نفسها.

ألقى الناقد والأكاديمي د. محمود الضبع كلمة لافتة في الجلسة البحثية الأولى بعنوان «ما بعد العولمة وتبعاتها في الشعر المعاصر»، مشيراً إلى أن ما بعد العولمة ليست مجرد تطور اقتصادي أو حتى فكري، بل هى في الأساس سلطة سياسية جديدة تتخذ تجليات عدة، مما يجعل الأدب عموماً، والشعر في القلب منه، منوطاً به معرفة دوره الخطير إزاءها باعتباره الوعاء الرئيسي للتعبير عن العادات والتقاليد والثقافة العامة في عصر ما. وأشار إلى أن الشعر ليس نغماً أو جمالاً معزولاً أو حالة جمالية منبتة الصلة عن الواقع، فقد أثبتت الثورات التي شهدتها المنطقة العربية في حقبة ما بعد الألفية الثالثة أن الشعر استعاد أدواره القديمة فعلاً تحريضياً وأداة حماسية.

وتحت عنوان «قليل من المحبة»، خصص المؤتمر جلستين للاحتفاء باثنين من رموز قصيدة النثر هما الشاعران محمد فريد أبو سعدة وجمال القصاص. تحدث القصاص عن أبو سعدة، رفيق الدرب، متمنياً له الشفاء، مؤكداً أن أبو سعدة ينظر إلى الشعر في كليته، وبراءته الحميمة، ليتباهى كصوفي عاشق يدرك أن الوجود هو حلقة متصلة للروح، تسبق الصورة والفكرة، والنغمة والموسيقى والإيقاع، وأن هزة السطر والحرف والكلمة ليست شرخاً ناتئاً في المرآة، وإنما ضرورة للإمساك بأزمنة وملامح، وحدس إنساني هارب في ظلالها وبياض عتمتها ونصوعها الشائك المراوغ.

ولفت إلى أن أبو سعدة في دواوينه المتنوعة مثل «معلقة بشص»، «جليس لمحتضر»، «سماء على الطاولة»، «أنا صرت غيري»، يصل إلى سؤاله الشعري، ويخلص له عبر تدفقات الذهن والحس معاً، وبراح فضاء قصيدة النثر، كأنه يوقظ أعماقاً مغايرةً في داخلنا، فعلى السطح وفي العمق تبني الصورة عالمها بشفافية لافتة، بينما يتخلى الماضي عن فكرة الترجيع، أو أنه صدى لأشياء بائدة، هو صدى للنص نفسه، وما يرشح عنه، ما يعلق في وعينا ولا وعينا معاً، من انكشاف النص نفسه لذاته أولاً، قبل أي شيء آخر.

يلاحظ القصاص في شعرية أبو سعدة كيف يتسع المشهد على نحو خاص ليشمل حضور الأنثى وعناصر الطبيعة ونثريات الواقع والأشياء العابرة المهمّشة المنسية، وتصبح الحسية أداة للمعرفة والسؤال، وفي الوقت نفسه، يخلع النص قناع الآخر، ويتوحد بقناع الشاعر الذي يعرف كيف ومتى يخلعه ويلقيه خلفه، وكيف يلجأ إليه، كنوع من التمويه والتخفي والانعتاق من فوضى العالم، كما في ديوانه «سماء على الطاولة»: «ذهبوا/ وظل وحده/ على صدره جبل/ وتحت جلده مناقير تنهش في القلب/ قضى عمراً ليصل إلى الباب/ عيناه جوهرتان/ ويداه تمسكان بالفراغ».

وقدم الشاعر والناقد عمر شهريار ورقة بحثية بعنوان «قصيدة النثر والاغتراب: جدل القطيعة والتواصل»، رفض فيها عدداً من «الاتهامات الجاهزة» الموجهة لقصيدة النثر، من أشهرها أنها في قطيعة دائمة وأبدية مع التراث، كما أنها تمثل خطراً على الهوية العربية وتجسد حالة من الانسلاخ من الماضي. وعدَّ شهريار أن قصيدة النثر مثلها مثل الأشكال الشعرية الأخرى كقصيدة التفعيلة وقصيدة العمود، هي في حالة جدل دائم مع التراث، فتارة تتمرد عليه وتارة أخرى تستلهمه وتارة ثالثة تنطلق منه أو ترفضه و... هكذا. وشدد شهريار على أن شاعر قصيدة النثر مثله مثل بقية نظرائه على خريطة الإبداع الأدبي لا يستطيع الهروب من اللغة كأداة أساسية بما تمثله من حامل أو وعاء للعادات والتقاليد والثقافة بمفهومها الواسع، بالتالي تجد قصيدة النثر نفسها في حوار جدلي مع التراث، على الأقل من خلال الاشتغال الذي لا بد منه على اللغة.

وفي الجلسة النقدية باليوم الثالث للمؤتمر، التي أدارتها بحيوية الكاتبة الروائية والإعلامية دكتورة صفاء النجار قدمت الباحثة هبة رجب شرف الدين بحثاً بعنوان «سرديات الماهية في قصيدة النثر المعاصرة بين المرجعية والتخييل الذهني»، ارتكزت فيه على نماذج لكوكبة الشعراء والشاعرات، وتوقفت بالتحليل أمام قصيدة للشاعر إبراهيم المصري بعنوان «ما هو الشعر»؛ حيث يعرّف الشاعر ماهية الشيء/الشعر بقوله: الشعرُ/ حضورٌ كونىٌّ للبذخِ/ وجسورٌ معلقةٌ/ نعبرُ عليها من غيمةٍ إلى غيمة». وتنبع أفكار الشاعر في تصوير حقيقة الشعر من البيئة، لافتة إلى أن الأفكار الشعرية لديه تماثل الغيمة؛ وهذا النعت لها من الطبيعي أن يبرز موقع الشاعر موقعاً علوياً حتى يحدث الإشراق الذهني منفرطاً، وهذا المعنى هو ما استهل به الشاعر الوحدة الشعرية.

وتنتقل الباحثة إلى تجربة شعرية أخرى للشاعر أحمد إمام، حيث يتأثر في قصيدة النثر بالتقنيات القصصية من الحوار والوصف ومنظور الرؤية؛ وهو يقدم مفهوماً أو تعريفاً لماهية صورة الشاعر في «قصائد بحجم راحة اليد»؛ إذ يقول في قصيدة بعنوان «الشاعر»: نظَّفَ حَنجرتَه من بقايا غناءٍ قديم/ وذاكرتَه من غبارِ القوافلِ/ ومشى وحيداً إلى الليلِ/ وحيداً كذئب/ لا كطريدة/ حدَّقَ في المرآة طويلاً/ كأنه يشربُ صورتَه على ظمأ»، مشيرة إلى أنه يصف الذات الشاعرة بمجموعة من السمات القابعة في تصوره؛ فتتضح هذه السمات عبر الإخبار بشكل قصصي عن الحالة التي تسبق الكتابة، وهي حالة جوهرية تخص الشعراء؛ من هذه السمات أن الشاعر لديه فنان في المقام الأول، مسافر رحَّال في المقام الثاني ترحالاً معنوياً أكثر منه مادياً؛ لذا فهو منفرد دائماً بذاته التي دائماً ما تتشكل في صور كثيرة بعدد صوره الشعرية.

ويتخذ الباحث إبراهيم أحمد أردش من ديوان «ما أنا فيه» للشاعر أحمد الشهاوي نموذجاً لدراسة بعنوان «البحث عن راحة الذات المتعبة من الأفكار في قصيدة النثر»، حيث يرصد حيرة الشاعر مع الأفكار وتداعياتها عليه، عن اقترابها وابتعادها؛ ليصبح ما فيه الشاعر هو البحث عن الأفكار أحياناً والهروب منها أحياناً أخرى، حتى يزهد الشاعر في الاستيقاظ، باعتباره معادلاً للتفكير: «مُستغنٍ عن الصَّحوِ/ أخبَّئُ جرَسَ البابِ/ في الجَيْبِ/ أخفي جرَسَ الهاتف/ في سُترةِ الصَّمتِ/ أقايضُ إغفاءةً/ بقيراطين من ماس».

وفي جلسة احتفاء بتجربة الشاعر جمال القصاص تحدث الشاعر أسامة حداد عن علاقته بالقصاص والمرتكزات الجمالية والفلسفية التي تشكل رؤيته للشعر والحياة، وتنعكس على تشكيله الجمالي للقصيدة ومغامرته في البحث عن الجديد دائماً. وتناول الشاعر والباحث د. خالد حسان جماليات قصيدة الشاعر جمال القصاص، لا سيما في دواوين «السحابة التي في المرأة» و«ما من غيمة تشعل البئر» و«جدار أزرق»، مشيراً إلى أن القصيدة تبدو لديه مفعمة بعذابات شخص شديد الحزن، بالغ الرقة والرهافة، شخص بسيط ليست لدية أي قناعات أو آيديولوجيات، أو أفكار جاهزة، شخص شديد الالتصاق بذاته، بهواجسه، بأحلامه الصغيرة، وطموحاته التافهة والمريضة، ها هو يقول: «ليس لدي اعترافات/ ولا سلطة مطلقة/ لكنني حين أجهش في الليل/ أحس أن هذا الخراب مجرد شيء سقط مني».

ويعدُّ حسان أن أهم ما يميز إنتاج جمال القصاص قدرته على تفجير الشعر طوال الوقت في كل جملة وكل تركيب وكل كلمة، بحيث تتابع الانفجارات الشعرية على طول القصيدة، ومن ثم الديوان، فقصيدته لا تعتمد المباشرة أو المفارقة أو غيرها من جماليات قصيدة النثر في نسختها الأخيرة، وهي أيضا لا تقوم على إثارة القضايا الكبرى من خلال السعي وراء عوالم ميتافيزيقية، كما اقترحت النسخة الأولى من القصيدة على أيدي روادها، فالتركيبة السحرية التي جاء بها القصاص يمكن أن نصفها بالقدرة على الالتصاق بالذات الشعرية الصغيرة والهشة في محاولة لسبر أغوارها، وإظهار عذاباتها، لكن من خلال آليات جديدة، أو فلنقل آليات خاصة تحمل بصمة الشاعر التي يصعب تكرارها في قصائد غيره.

وتعليقاً على حصاد تلك الدورة من المؤتمر، يشير رئيس المؤتمر ومنسقه الشاعر عادل جلال إلى أن الأهداف لم تختلف عن الدورات السابقة، حيث لا يزال كسر مركزية وهيمنة مجموعة محددة على المشهد الشعري عموماً، وقصيدة الشعر الحر في مصر، هدفاً رئيسياً لم يتغير. ويضيف جلال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن من أهداف المؤتمر كذلك إتاحة الفرصة لأصوات جديدة من الشعراء للتعبير عن نفسها دون وصاية، وتسليط ضوء قوي على مواهب جديدة. ويشير عادل جلال إلى أن الخروج من القاهرة والانفتاح على بقية المدن والأقاليم لا يزال هدفاً مشروعاً، لكنه يحتاج إلى دعم كبير وتمويل سخي، وهو ما لا يتوفر حتى الآن.