ارتفاع الدولار يعمق جراح السوريين المعيشية

ارتفعت الأسعار بنسب تجاوزت 400 % في بعض الأحيان

أطفال يقفون بالقرب من بضائع الشتاء من دفايات وأغطية الشهر الماضي في القسم الشرقي من حلب حيث تسيطر المعارضة (رويترز)
أطفال يقفون بالقرب من بضائع الشتاء من دفايات وأغطية الشهر الماضي في القسم الشرقي من حلب حيث تسيطر المعارضة (رويترز)
TT

ارتفاع الدولار يعمق جراح السوريين المعيشية

أطفال يقفون بالقرب من بضائع الشتاء من دفايات وأغطية الشهر الماضي في القسم الشرقي من حلب حيث تسيطر المعارضة (رويترز)
أطفال يقفون بالقرب من بضائع الشتاء من دفايات وأغطية الشهر الماضي في القسم الشرقي من حلب حيث تسيطر المعارضة (رويترز)

كعادته يجلس محمد ديري أمام حاسوبه الشخصي يدقق أسعار صرف العملات مقابل الليرة السورية التي هبطت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة أمام الدولار الأميركي.
محمد الذي يمتلك محل صرافة في ريف حلب الشمالي يتحدث وقد إصابته حالة من الذهول وهو يشير بإصبعه إلى شاشة الحاسوب، وبالتحديد إلى رقم يظهر وصول سعر الدولار الواحد إلى أربعمائة ليرة سورية، وهي نسبة هبوط لم تشهدها الليرة منذ استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي. ويُرجع ديري هذا الهبوط المتسارع والكبير إلى ظروف الحرب التي تعيشها سوريا، حيث تحدث لنا بعجالة عن أسعار صرف الليرة قبل الأزمة الحالية، التي كانت لا تتجاوز خمسين ليرة للدولار الواحد. ويضيف أن سعر صرف الدولار كان في بداية عام 2015، عند حدود 210 ليرات وارتفع إلى الضعف تقريبا في عام 2016 حتى تجاوز الأربعمائة ليرة. وتوقع أن يصل سعر صرف العملة الأميركية في بداية العام القادم إلى 500 ليرة وربما أكثر في حال بقيت الأوضاع السياسية على ما هي عليه. وتشترك المناطق السورية على اختلاف الفصائل والجهات التي تسيطر عليها، بارتفاع نسب التضخم ووصول أسعار المواد الغذائية والأساسية إلى مستويات جنونية، حيث ارتفعت هذه الأسعار بنسب تجاوزت 400 في المائة في بعض الأحيان.
وأظهرت بعض الدراسات أن إنفاق الأسرة السورية المكونة من خمسة أشخاص قبل الأزمة وبالتحديد في عامي 2009 - 2010 وصل إلى 30 ألف ليرة، أي ما يعادل 600 دولار آنذاك. في حين بقي مستوى الدخل ثابتا بالليرة السورية مع ارتفاع الدولار حاليا، والذي ترتبط به أسعار معظم السلع، مما أدى إلى تآكل قيمة الليرة وفقدانها لقيمتها الشرائية في الأسواق المحلية، إضافة إلى حالات الاحتكار من قبل بعض التجار والتي تعمق جراح المواطن السوري وتزيد من معاناته المعيشية.
يقول محمد الصالحاني تاجر الجملة السوري الذي يعمل في مجال استيراد البضائع وخاصة المواد الغذائية الأولية، إن ارتفاع سعر صرف الدولار له تأثير كبير ومباشر على قدرة المواطن الشرائية، لكنه لا يؤثر على تجار الجملة المعروفين الذين يقومون بعمليات الاستيراد بالدولار الأميركي والبيع لصغار التجار في البلدات والقرى بالدولار أيضا. ويرى الصالحاني أن أي ارتفاع على مستوى الدولار أمام الليرة، لن يؤثر على التجار من شاكلته حتى لو وصل إلى ضعف الرقم الحالي، غير أنه رفض إرجاع ارتفاع الأسعار الجنوني إلى تراجع سعر صرف الليرة فقط، بل ربطه بانقطاع الطرق التي يجلب التجار منها البضائع من تركيا، بسبب الحرب الدائرة في بعض المناطق وتراجع كميات بعض السلع في الأسواق، الأمر الذي يدفع أسعارها للارتفاع بشكل ملحوظ. ويضيف أن انعدام سلع مثل السكر والشاي والبيض، مثلا، من الأسواق، جاء بعد إغلاق طرق التجارة الرئيسية مع مناطق سرمدا (شمال سوريا) وبعض الطرق الواصلة للأراضي التركية جراء احتدام الصراع المسلح هناك.
ولا تزال الليرة السورية في معظم مناطق البلاد، سواء التي يسيطر عليها النظام أو المعارضة، هي الفئة النقدية الأكثر تداولا في عمليات البيع والشراء أو صرف رواتب الموظفين، وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادي ونائب رئيس المنتدى الاقتصادي السوري تمام بارودي، الذي يرى أن محاولات استبدال الليرة السورية بالتركية في معظم المناطق لم تنجح حتى الآن، ولا تزال الليرة السورية هي الأكثر استخداما رغم تراجع وتآكل قيمتها. ويضيف أن أكثر الفئات الشعبية تضررا هي تلك التي تحصل على رواتبها بالليرة السورية، وهي السواد الأعظم في البلاد، حيث بقيت الرواتب ثابتة تقريبا بالليرة مع ارتفاع كبير جدا للدولار الذي تعتمد عليه أسعار المواد المستوردة من الخارج. ويذكر بارودي أن رواتب المتقاعدين بمختلف وظائفهم، هي الأكثر تآكلا، حيث بقيت تُسلم بالليرة السورية، إضافة لثبات الرواتب خلال السنوات الأربع الماضية من دون زيادة.
ونفى بارودي أن تكون هنالك عمليات احتكار كبيرة من قبل بعض التجار لأن الأسواق مفتوحة بشكل كامل، ومعظم طرق التجارة ما زالت سالكة وتعمل بشكل طبيعي، إلا أن فقدان الليرة السورية قيمتها، كما يقول بارودي، جعل من عمليات الاستيراد بالدولار أمرا مكلفا للغاية، فعلى التاجر الصغير أن يبيع بالليرة للمواطنين، ومن ثم الشراء من تجار الجملة المعروفين بالدولار. وهنا تكمن المعضلة بحسب بارودي، حيث يتوجب على التاجر الصغير تحويل قيمة أمواله بالدولار أولا لشراء البضائع وبيعها بعد ذلك مباشرة في الأسواق، ومع ارتفاع الدولار بشكل مطرد تفقد الليرة قيمتها الشرائية ويتوجب على التاجر في النهاية رفع الأسعار على المستخدم النهائي وهو المواطن.
ويقول مازن حمصي الذي يعمل موظفا في أحد المحال التجارية في حلب، إن المعضلة الأكبر هي رواتب الموظفين التي يتلقونها بالليرة السورية. ويضيف أن راتبه ما زال ثابتا بالليرة السورية عند 25 ألف ليرة شهريا، إلا أن البضائع في الأسواق مرتبطة بالدولار وارتفاعه المستمر جعل من قيمة راتبه الشرائية تنخفض إلى النصف تقريبا الأمر الذي دفعه إلى التخلي عن أمور لا يرى فيها ضرورة حاليا. ويتحدث حمصي كيف دفع بولده البالغ من العمر 12 عاما إلى ترك المدرسة والعمل في السوق بنقل البضائع وتحميلها، لمساعدته في مصاريف البيت. وكيف أصبحت بعض الوجبات الغذائية التي تحتوي على اللحوم أو الفواكه، أمرا صعب المنال. ولا ينسى حمصي وهو يجلس بجانب موقد خشبي بدائي وضعه أمام المحل التجاري، أن يذكرنا بأن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية إلى درجة كبيرة جعل من الحصول على غالون من الكاز، كما يقول، أمرا في غاية الصعوبة ما دفعه وعائلته لاستخدام الأخشاب التي يستطيعون جمعها من الأزقة والطرقات، لغرض التدفئة. ولم يتوقف حمصي عن الحديث عن أمنياته بمغادرة البلاد مع عائلته المكونة من خمسة أشخاص إلى أوروبا، كما فعل ملايين اللاجئين السوريين، لكن وبحسب ما يقول فإن المهربين في البلاد المجاورة لسوريا يطلبون مبالغ كبيرة ويطلبونها بالدولار أيضا.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.