الإعلام والسياسة ولغة الجماهير كيف تصنع تأثيرها الأدبي؟

«نظرات نقدية في اللغة والأدب والشعر» لأحمد المعتوق

الإعلام والسياسة ولغة الجماهير كيف تصنع تأثيرها الأدبي؟
TT

الإعلام والسياسة ولغة الجماهير كيف تصنع تأثيرها الأدبي؟

الإعلام والسياسة ولغة الجماهير كيف تصنع تأثيرها الأدبي؟

عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» في بيروت، صدر مؤخرًا كتاب جديد للدكتور أحمد محمد المعتوق، أستاذ اللغة والأدب بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، بعنوان: «نظرات نقدية في اللغة والأدب والشعر: على هامش المؤتمر».
ويتكون الكتاب من جزأين: أحدهما خصص للغة وصدر في (287) صفحة من القطع الكبير. تحت عنوان: «نظرات نقدية في اللغة العربية المعاصرة». بينما صدر الجزء الثاني في (280) صفحة تحت عنوان: «نظرات نقدية في اللغة والأدب والشعر». ويتألف كلا الجزأين من مجموعة مقالات وأبحاث كتبها المؤلف على هامش عدد من المؤتمرات العلمية والندوات الفكرية التي عقدت بشأن اللغة وعلومها وآدابها في الدول العربية وخارجها. وحضرها المؤلف أو شارك فيها.
ويشتمل الجزء الأول من الكتاب على مجموعة كبيرة من الأبحاث والمقالات النقدية المتعلقة بقضايا اللغة وموضوعاتها. وقد سلطت الأضواء فيها على جوانب حيوية مهمة من قضايا اللغة العربية المعاصرة وشؤونها، فكان من بينها: «استراتيجيات التخطيط اللغوي»، و«اللغة بين استراتيجية التنظير واستراتيجية التنفيذ»، و«صراع اللغة العربية بين الماضي والحاضر»، و«اللغة العربية والاستعمار الجديد»، و«اللغة العربية خارج بلدانها»، و«اللغة العربية في مؤتمرات الميسا»، في واقعها الراهن بالولايات المتحدة الأميركية، و«اللغة والنزعات الإقليمية»، و«أسس البحث اللغوي»، و«التجربة المغاربية في صراع العربية»، و«اللغة العربية ومستقبل الإبداع»، و«المرأة العربية ولغة الطفل»، و«أساسيات الترجمة والتعريب»، و«الترجمة وازدواجية المصطلح»، و«اللغة العربية بين التحصين والتعبئة والكشف»، و«اللغة بين الخطاب الوجداني والخطاب العقلي». هذا بالإضافة إلى جوانب متعلقة بطرق تطوير معاجم اللغة وقواميسها الأحادية والثنائية، وسبل الارتقاء بمناهج تعلمها وتعليمها. وما إلى ذلك، مما يرتبط بدعم دور اللغة العربية وحمايتها مما تواجهه في واقعها الحاضر من مشاكل وتحديات.
ومن بين الموضوعات الحيوية الجديدة التي حظيت باهتمام المؤلف في هذا الجزء من الكتاب: موضوع المؤتمرات العلمية ودورها المهم في تطوير الفكر الإنساني والارتقاء بالعمل الذهني والإبداعي. ثم الانتقال من ذلك إلى المحور الأساسي في الموضوع وهو: الندوات التي تعقد لمناقشة قضايا اللغة وشؤونها في عالمنا العربي، وبحث ما يعترض هذه الندوات من مشاكل ويعتريها من نواحي القصور، وتلمس ما يمكن أن يعمل على حل هذه المشاكل أو تجاوزها وما يعالج نواحي القصور أو يحد منها؛ لتصل هذه الندوات في النهاية إلى مستوى أفضل من حيث أدائها ونشاطها وفاعليتها في بحث قضايا اللغة وفي تعزيز مكانتها. فهذا الموضوع لم يجد اهتمامًا ملحوظًا من قبل المختصين فيما يظن.
أما الجزء الثاني من الكتاب (نظرات نقدية في اللغة والأدب والشعر) فإنه يشتمل على مجموعة كبيرة من الدراسات والمقالات النقدية المتعلقة بجوانب مختلفة من قضايا اللغة العربية وأدبها.
وسلط الكتاب الأضواء على جوانب مهمة من مسائل اللغة، وقضايا الأدب والشعر العربي المعاصر. فكان من الموضوعات المثيرة التي تضمنها المحور الأول على سبيل المثال: موضوع «السياسة ولغة الجماهير»، و«اللغة والسياسية وسياسة اللغة»: «الشعر والسياسة». «الهتافات الثورية وشاعرية اللغة». كما أن من هذه الموضوعات ما يعالج بعض المشاكل التي تواجهها الدراسات اللغوية في عالمنا العربي: مثل موضوع: «الدوائر العربية المغلقة في البحث اللغوي». ثمة بعض القضايا التي تتعلق بدراسة اللغة العربية خارج بلدانها وتقييم مستويات الأساتذة الذين يتولون تدريسها. كما تضمن الكتاب في جزئه الثاني عددًا من الدراسات والمقالات المتعلقة بواقع الأندية الأدبية السعودية، وما تواجهه هذه الأندية من عقبات وما يشوب أعمالها ونشاطاتها من نواحي القصور. كما تضمن تحليلاً نقديًا مفصلاً عن دور القنوات الفضائية العربية في تغيير الواقع اللغوي العربي الراهن، وما يمكن للأندية الأدبية أن تشارك به في تنشيط هذا الدور أو النهوض به. وقد تمت معالجة كل ذلك تحت عناوين بارزة، هي على التوالي: «التلفاز بين التطوير والتعطيل»، و«القنوات الفضائية العربية واللغة»، و«دور الدولة في تطوير لغة القنوات الفضائية»، و«النوادي الأدبية ولغة القنوات الفضائية»، و«مسؤولية الأندية الأدبية تجاه اللغة»، و«سبل التعاون بين النوادي الأدبية والقنوات الفضائية في مجال اللغة».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.