«ويكيبيديا».. ترامب يهيمن والحقائق مفتوحة للنقاش

الموقع يتمتع بقوة خاصة خلال موسم الانتخابات

دونالد ترامب خلال زيارته لجامعة آيوا أثار كثيرًا من الجدل والنقاش (نيويورك تايمز)
دونالد ترامب خلال زيارته لجامعة آيوا أثار كثيرًا من الجدل والنقاش (نيويورك تايمز)
TT

«ويكيبيديا».. ترامب يهيمن والحقائق مفتوحة للنقاش

دونالد ترامب خلال زيارته لجامعة آيوا أثار كثيرًا من الجدل والنقاش (نيويورك تايمز)
دونالد ترامب خلال زيارته لجامعة آيوا أثار كثيرًا من الجدل والنقاش (نيويورك تايمز)

تحول مسقط رأس تيد كروز إلى قضية الحملة الانتخابية الرئاسية الشهر الماضي عندما أضاف دونالد ترامب إليها أداة من أدوات هجومه.
ولكنها لم تكن من قبيل الأنباء الجديدة بالنسبة للقراء أو المحررين المتطوعين لصفحة تيد كروز على موقع «ويكيبيديا» الموسوعي، حيث تعرض ذكر مسقط رأسه الكندي إلى الإضافة، والإلغاء، أو التعديل أكثر من 600 مرة خلال عام 2009.
وبالنسبة إلى الموقع الإلكتروني الذي لا يوجد فيه موظف واحد يتقاضى أجرا، ولا تزال تغلب على معظم صفحاته سمعة عدم تحري الدقة الواجبة للمحتويات، انتفش موقع «ويكيبيديا» إثر ذلك خارج مجال حجمه الطبيعي. ولأنه موقع البحث الأول عالميا عن أي موضوع من الموضوعات العامة، فالموقع يتمتع بقوة خصوصا خلال موسم الانتخابات، ففي يوم الانتخابات لعام 2012 كانت مداخلات باراك أوباما وميت رومني على الموقع قد قرئت أكثر من 1.6 مليون مرة.
ويسمح موقع موسوعة الإنترنت الشهير للجمهور بتحرير المحتويات، لكنه ينشر في الوقت نفسه سيلا هائلا من البيانات حول ذاته، وحول فحوى مختلف المقالات عليه، ومن أضاف أو ألغى الفقرات، وعدد القراء الذين تابعوا أحد المقالات.
وتظهر إحصائيات مشاهدة الصفحات على الموقع، على سبيل المثال، أنه في بعض أيام الانتخابات التمهيدية كان موقع «ويكيبيديا» قادرا على التنبؤ بالفائز في الانتخابات.
وتظهر عمليات تحرير أن المناظرات تحدث في الوقت الحقيقي تقريبا، مع كثير من المساهمين الذين يتصارعون حول الحقائق والسياسات كما لو كانوا هم المرشحين الرئاسيين أنفسهم. كما تحكي البصمات الإلكترونية بعض القصص كذلك، فإحدى المجموعات التي شكلها أحد المرشحين، والتي تدخل على موقع الموسوعة بهوية مجهولة، حررت بعض المقالات حتى تضع المرشح في صورة أكثر إيجابية عن غيره.
ويمكن لموقع «ويكيبيديا» فعليا أن يكون بذلك التأثير الكبير، وإذا كنت تعرف أين تبحث عما تريد، فيمكنك مشاهدة النسخة الافتراضية من السباق الرئاسي في عرضها الحي كل يوم.
في الانتخابات التمهيدية على موقع «ويكيبيديا»، لا يشبه الأمر واقع المناظرات والمنافسات الحقيقية. ففي أي يوم يمكن لمداخلات دونالد ترامب أن تجتذب مزيدا من المشاهدات أكثر من غيره من مرشحي الحزب الجمهوري المنافسين، وفي بعض الأيام، قد تجذب مداخلاته مشاهدات أكثر من مرشحي الانتخابات الرئاسية مجتمعين. وعلى الجانب الديمقراطي، يحصل بيرني ساندرز على متابعة واهتمام أكثر من هيلاري كلينتون. حتى مارتن أومالي يتفوق على السيدة كلينتون في المناظرات المسائية على «ويكيبيديا».
إن مشاهدات الصفحات ليست تصويتا على أي حال، لكنها قد تحمل بعض القدرة على التنبؤ. وفي كل واحدة من المنافسات التمهيدية الخمسة الأولى للحزب الجمهوري عام 2012، كان المرشح الذي حققت صفحته على موقع «ويكيبيديا» أكبر نسبة مشاهدات في يوم التصويت (ولكن قبل إعلان نتائج الفائزين) كان يحصل في واقع الأمر على أعلى نسبة تصويت فعلية. ولم يكن النمط قويا كما كان في عام 2008، عندما جذب اثنان من المرشحين اهتماما كبيرا، وحققا أكبر عدد من مشاهدة الصفحات حتى في الأيام التي حصلا فيها على أقل الأصوات: وكان أحدهما هو رون بول، والآخر هو باراك أوباما.
في حين أن كل قارئ لن يتابع كل تعديل، فإن كل مقال هو بمثابة لوح يُكتب عليه مرارا وتكرارا للتعديلات المضافة أو الملغاة، وربما أكثر من مرة في اليوم الواحد، وهي التي يتم أرشفتها تحت اسم «مشاهدة التاريخ». وبعض منها تكون مسحات سيئة أو طفولية تلك التي يتم إزالتها سريعا من جانب المساهمين الذين يتابعون المقالات، بحثا عن مزاح بعض المشاركين.
في 19 سبتمبر (أيلول)، على سبيل المثال، تغير اسم زوجة تيد كروز إلى «إدوارد ماكماهون»، ثم تغير مرة أخرى ليكون «هايدي نيلسون» بعدها بست دقائق.
ولكن بعض التعديلات الأخرى تعكس الخلافات الموضوعية التي يجري بشأنها النقاش على صفحات المناقشة في موقع «ويكيبيديا» (تبويب «المحادثة») قبل ظهورها على صفحات الصحف، والمدونات الشهيرة، والبرامج الحوارية في التلفاز.
وتحول مسقط رأس تيد كروز في كالغاري بولاية ألبرتا إلى قضية ساخنة الشهر الماضي بعد تساؤل دونالد ترامب ما إذا كان منافسه مؤهلا لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية. لكن ذكر مسقط رأسه الكندي كان قد تعرض إلى الإضافة، والإلغاء، أو التعديل أكثر من 636 مرة، وحتى قبل ترشح السيد كروز لمجلس الشيوخ الأميركي. وفي نهاية المطاف، أدت تلك الحقيقة إلى ظهور فقرة جديدة في مداخلات السيد كروز. وحتى وقت قريب، كانت منازعات إدمان المخدرات لدى كريمة جيب بوش، أيضا، من القضايا التي لم تحظ بتغطية جيدة في وسائل الإعلام، انطلاقا من احترام خصوصية العائلة. ولكن، على موقع «ويكيبيديا»، كانت تفاصيل تلك المنازعات قد أضيفت وألغيت أكثر من 90 مرة عبر كثير من السنوات.
* خدمة «نيويورك تايمز»



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.