«داعش» ينشط في أكبر منطقة قبلية على حدود باكستان وأفغانستان

مرصد الأزهر: شبكة تجنيد الشباب عبر الإنترنت تُدار من أوكار في البنجاب

{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
TT

«داعش» ينشط في أكبر منطقة قبلية على حدود باكستان وأفغانستان

{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})
{داعش } أفغانستان أثار الرعب بالعمليات التي نفذها في الشريط القبلي ({الشرق الأوسط})

أعلن مرصد الأزهر أن تنظيم داعش الإرهابي ينشط بشكل واضح وملحوظ في منطقة كُرم إيجنسي بباكستان، وهي منطقة قبلية تقع على الحدود الباكستانية الأفغانية، وتُعد أكبر منطقة قبلية ذات كثافة شيعية، وكانت هذه المنطقة مسرحا لمعارك الجيش الباكستاني ومسلحي طالبان قبل سنوات. وأضافت المشيخة في تقرير أعده مرصد الأزهر، أن شبكة تجنيد «داعش» للشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك» تُدار من أوكار في إقليم البنجاب الباكستاني. وبينما أكد مصدر مُطلع بالمرصد أن «إيران تتولّى تمويل شيعة باكستان من أجل تجنيدهم لقتال داعش في الداخل والخارج»، وعلى الرغم من إنكار الحكومة الباكستانية الدائم وجود «داعش» على أراضي البلاد، فإن التنظيم المتطرف ينشط في باكستان تحت زعامة زبير الكويتي العضو المنشق عن حركة طالبان باكستان، والذي كون جماعة باسم «جند الله» وأعلن مبايعته لتنظيم داعش. وأعلن «داعش» بأنه أمير جماعته في باكستان.

صرّح الدكتور حامد المكاوي أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر، بأن «الاضطراب في إقليم البنجاب الباكستاني يُهيئ لإيران تجنيد من تشاء للقتال بالوكالة في سوريا». في حين أكد تقرير مرصد الأزهر – المشار إليه أعلاه – أنه جرت دعوة شيعة إقليم خيبر باختونخاه (هو الإقليم الواقع في جنوب غربي باكستان) وعلى حدود أفغانستان وما حوله، لتشكيل قوة شيعية من أجل قتال «داعش».. وبالفعل تقدم العشرات من أجل تلبية هذا النداء استعدادا للقتال، مضيفا: أن «إيران قامت بتدريب المتقدمين تدريبًا عسكريًا قبل إرسالهم إلى سوريا.. وبالفعل سافر البعض منهم إلى سوريا عبر باكستان».
من جهته، قال المصدر المُطلع بمرصد الأزهر إن «هناك معلومات لدى الأجهزة الباكستانية عن تخطيط تنظيم داعش لتنفيذ هجمات إرهابية في مناطق مُتعددة في إقليم البنجاب، مضيفًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «عدد من انضم من الشباب لداعش من إقليم البنجاب – الذي هو أكبر إقليم باكستاني من حيث عدد السكان – يُقدر بنحو 200 شاب يقاتلون في صفوف التنظيم بسوريا والعراق»، ولفت إلى أن «السلطات الرسمية في باكستان تصدت خلال الفترة الماضية لمحاولات تأسيس فرع لداعش داخل الأراضي الباكستانية وبخاصة في البنجاب؛ لكن بعض المنتمين لداعش في باكستان يُسهلون سفر الذين يصار إلى تجنيدهم من الباكستانيين للقتال في سوريا، عبر المرور بالأراضي التركية، ومن بينهم نساء من إقليم البنجاب».
من ناحية أخرى، يقول مراقبون إن «العلاقات بين باكستان وإيران شهدت توترًا غير مسبوق مع مجيء طالبان إلى الحكم في أفغانستان في التسعينات من القرن الماضي، وهي الحركة التي أعلنت عداءها للشيعة وإيران.. ورأت طهران وقتها أنها حكومة معادية، خاصة أنها تدعم تحالف الشمال وترتبط بعلاقات قوية مع الطاجيك والأوزبك والشيعة الهزارة». ويؤكد المراقبون أن «العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة الأميركية أثرت سلبيًا على العلاقات الباكستانية الإيرانية، وأن علاقات إيران والهند لم تقف بعيدة عن معوقات العلاقة؛ إذ طوّرت إيران علاقاتها الاستراتيجية مع الهند متجاهلة الحساسية الباكستانية، ومتجاوزة العلاقات العميقة بين الهند وإسرائيل. وفضلا عن العلاقات السياسية شاركت الهند في تحديث ميناء جابهار وبندر عباس، ومدت بالتوافق مع إيران طريقًا بريًا إلى أفغانستان».
يشار إلى أن أول هجوم تبناه تنظيم داعش الإرهابي في باكستان كان في أبريل (نيسان) من العام الماضي، عندما استهدف حافلة في مدينة كراتشي ما أدى لمقتل 45 من الشيعة. ويومذاك سارع تنظيم داعش إلى تبنّي الهجوم ليكون بذاك أول عملية في باكستان يقف خلفها هذا التنظيم المتطرف الذي يسيطر على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا، والآن ليبيا. غير أن حكومة إسلام آباد نفت رسميًا أن يكون التنظيم ناشطًا على أراضيها، التي تشهد أعمال عنف مرتبطة بتنظيم «القاعدة» وحركة طالبان، منذ أكثر من عقد.
وتحاول جماعة «عسكر جنقوي» في باكستان، وهي المسؤولة عن عدد كبير من الاعتداءات على الطائفة الشيعية التي تُشكل 20 في المائة من السكان في مختلف أنحاء البلاد، لفت نظر تنظيم داعش لتوفير التمويل المالي لها كي تواصل هجماتها على الشيعة. ويقول المصدر المطلع في مرصد الأزهر، إن جماعة «عسكر جنقوي» المُتمركزة في البنجاب أرسلت بالفعل مئات المُقاتلين إلى سوريا، مستطردًا أن «الكثير من المتطرفين وخصوصًا من البنجاب توجهوا للقتال في سوريا وقُتل الكثير منهم هناك.. وإن أخبار سوريا والعراق واليمن هي الأكثر تداولا على منتديات المتطرّفين بين الشباب في باكستان».
وأضاف المصدر أن عدد التنظيمات التي أعلنت بيعتها أو دعمها لـ«داعش» تُقدر اليوم بنحو 31 تنظيما متطرفا، منهم 21 تنظيما أعلنت بيعتها لأبو بكر البغدادي زعيم «داعش» المزعوم، وهي تنظيمات موجودة في 13 دولة بدءًا من الجزائر، حيث توجد مجموعتان أعلنتا بيعتهما، وصولا إلى الفلبين وإندونيسيا. وأوضح أن أكبر عدد من الجماعات الموالية لـ«داعش» موجودة اليوم في باكستان ويبلغ عددهم 4 جماعات متطرفة. المراقبون يرون أن «العلاقة الآيديولوجية بين جماعات مسلحة باكستانية وتنظيم داعش ليست حديثة، فالمقاتلون الباكستانيون جزء من التنظيم منذ تأسيسه».. و«التهديد الفعلي على باكستان يتمثل في عودة مقاتلي جماعة عسكر جنقوي بعد مشاركتهم في القتال في سوريا والعراق بجانب داعش الإرهابي». وفي السياق ذاته، يقول الدكتور المكاوي، إن «هناك أدلة على تورّط إيران في تدريب عناصر شيعية من البنجاب واستقدامهم إلى سوريا وتدريبهم، ما يثبت تُورط طهران في تدريب عناصر بنجابية لقتال المسلمين السنة في سوريا، فضلا عن عناصر الحرس الثوري لديها والميليشيات العراقية».
كذلك تابع أنه «في باكستان 3 ملايين شيعي.. وإيران تسعى لتجنيد شيعة باكستان لقتال داعش ودعوا عبر المساجد بالمناطق التي يغلب عليها الشيعة في إقليم خيبر باختونخاه وحوله، حيث تقدم 50 شخصا بعد الإعلان، وأعلنوا استعدادهم للقتال، وتم إعادة البعض مرة أخرى؛ ليتجهزوا للقيام بأعمال عنف بباكستان، وتصدير البعض لسوريا كما ترعى أسر القتلى».
وذكر المكاوي أيضًا أن «جماعة جند الله التي هي أقرب لـ(القاعدة) قامت بتفجيرات أجبرت كثيرين من شيعة باكستان على العودة من سوريا، وهي تشبه جماعة عسكر جنقوي المناهضة للشيعة وتعمل عن كثب مع حركة طالبان الباكستانية.. والجماعتان ترتبطان بصلات وثيقة بتنظيم القاعدة المتطرف». وأضاف: «إن داعش فيه أفغان فروا إبان الغزو الروسي لإيران وبعثيون عراقيون كانوا يستعينون بالقاعدة لطرد الشيعة من العراق وفشلوا. والاضطراب بين السنة المسلمين والشيعة في البنجاب يُسهل حاليًا على إيران وداعش التمدّد في سوريا والعراق».. وأرف أن هناك اتفاقًا بين «داعش» وإيران على تكفير أهل السنة ووجوب القضاء عليهم، لكنهما على خلاف لأن كلا منهما يُريد القضاء على الآخر أيضا. وحسب المكاوي «تسلل عشرات الإيرانيين للتخطيط للشيعة الباكستانيين لمُهاجمة جماعة جند الله لكنهم وقعوا في قبضة قوات الأمن في باكستان». ولفت إلى أن إيران «تريد السيطرة على باكستان، وتستغل طهران حاجة جيرانها للغاز كباكستان وتركيا، سياسيا..».
وأوضح أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر، أنه إذا كان الاضطراب في إقليم البنجاب يُهيئ لإيران تجنيد من تشاء للقتال بالوكالة في سوريا، فإن اضطراب الأحوال من خلال القتال المُسلح من حول الإقليم له دوره في ذلك، حيث يُمثل العمق المكاني ويحكي البعد التاريخي للاختلاف. وبالفعل امتدت الاضطرابات بين الشيعة والسنة إلى الكثير من المناطق. وللعلم في باكستان تُمثل المناطق الشمالية المُلاصقة للصين مثل غيلغيت وهنزا وبلتستان واسكردو وغازارو وشيغر - التي تعيش فيها شيعة اثني عشرية وإسماعيلية - قلقًا بين الحين والآخر إذ تندلع فيها أعمال عنف طائفي، ويتهم السنة الشيعة بالعمل لإنشاء كيان لهم في هذه المناطق.
وثمة حضور شيعي في منطقة آتك وفي مدينة جنك بإقليم البنجاب. وكذلك في إسلام آباد بمنطقة كورم إيجينسي القبلية الخاضعة إداريًا للحكومة الفيدرالية في إسلام آباد، تندلع أحداث عنف مُسلحة خطيرة وبخاصة في الأيام العشرة الأولى من شهر المُحرم، يسقط فيها العشرات بين السنة والشيعة، وتستخدم فيه في بعض الأحيان الصواريخ والأسلحة الفتاكة.
وفي شرحه، أضاف الدكتور المكاوي لـ«الشرق الأوسط» أن ثمة حضورًا شيعيًا في إقليم بلوشستان، وبالذات في عاصمته مدينة كويتا، وهؤلاء يتكلمون اللغة الفارسية. ولهم ممثل بالبرلمان الإقليمي، وكانوا ولا يزالون يتمتعون بنفوذ كبير في دوائر صنع القرار بباكستان، لا سيما أنهم يشغلون مناصب قيادية في أغلب الأحزاب السياسية غير أنهم كحزب ديني يفتقرون إلى حضور سياسي. ومن جانب آخر، هناك منظمة «المُلة الجعفرية» التي أسست في عام 1988 بزعامة ساجد علي نقوي، وهو يعتبر ممثل الولي الفقيه (الخميني ثم خامنئي) في باكستان، ولقد جرى حظر هذه المنظمة خلال أغسطس (آب) عام 2001 في أعقاب سلسلة أحداث عنف طائفية حصدت 40 ألف نسمة في الفترة من 1980 وحتى 2005. وفي منطقة تشيترال (بشمال باكستان) التي تقطنها غالبية من الإسماعيلية الآغاخانية، يقال: إن هناك مُخططًا مدعومًا من قبل دول غربية لإنشاء وطن مستقل لهم. وفي لاهور نشأت منظمة «سباه محمد» الشيعية التي قتلت 30 من قادة السنة وغيرهم، ولدى المنظمة 30 ألف شاب مُدربين على فنون القتال، ولديها ثلاثة معسكرات تدريب في إيران.
من جهته، قال تقرير مرصد مشيخة الأزهر بالقاهرة، إن الجماعة الإرهابية المعروفة باسم «المجاهدين الهنود» على علاقة قوية مع تنظيم داعش الإرهابي، لافتًا إلى أن «داعش» تواصل مع عناصره إلكترونيًا عبر مواقع الإنترنت وعن طريق بعض المقابلات السرّية، وحصل شافي آرمر، مؤسس الجماعة، على ما يُقدر بنحو مائة ألف روبية وهو الآن عضو في تنظيم داعش. وتابع أنه على الرغم من كل الإجراءات الأمنية التي تقوم بها السلطات الهندية لمواجهة أي خطر محتمل من قبل «داعش»، تنشر مؤسسة «العصابة» التابعة للتنظيم الإرهابي «داعش» من وقت لآخر، فيديو مُصورا على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل اسم من قندهار إلى دلهي، للتخويف ونشر الرعب بين الأهالي.
وعن أشهر الجماعات المُتطرفة التي أعلنت بيعتها لـ«داعش» في باكستان وأفغانستان وإيران، قال الدكتور حامد المكاوي إن في مُقدمة هذه الجماعات كتيبة «أبطال الإسلام» وهي جماعة متشددة في خراسان وقامت بمبايعة «داعش» في سبتمبر (أيلول) عام 2014 بعدما انشقت عن تنظيم «القاعدة». وبايع التنظيم برئاسة أبو يزيد عبد القاهر خراساني، على لسان الناطق الرسمي باسمه «أبو دجانة الأفغاني» وهو مغربي الأصل، زعيم تنظيم داعش المزعوم أبو بكر البغدادي، قائلا في بيعته «إن داعش يحارب اليوم تحالف الغرب، والحكومات المُرتدة والشيعة، والقتال فرض عين على كل مسلم».
وأضاف المكاوي «وهناك جماعة أنصار التوحيد في الهند وباكستان، وهي جماعة هندية مُتشددة غير معروفة تعمل من باكستان، وقامت بمبايعة داعش في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014. ودعت لشن هجمات على غير المسلمين في منطقة جنوب آسيا، ردًا على غارات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وزعيمها هو عبد الرحمن الندوي الهندي. وهناك أيضًا حركة أوزبكستان وهي جماعة تنتشر بين باكستان وأفغانستان وأعلنت دعمها لداعش في أكتوبر عام 2014 وتتكون هذه الحركة المتشددة من خليط من العرب والباكستانيين والشيشان والروس والأوكرانيين والقرغيز والأوزبك والطاجيك، وزعيم الحركة هو عثمان غازي، فضلا عن تحرير طالبان، أو جماعة الأحرار، وهم مجموعة من المتشددين من قادة حركة طالبان باكستان بينهم المُتحدث باسم الحركة شهيد الله شهيد، انشقوا عن الحركة وبايعوا داعش في أكتوبر 2014 أيضًا».
وأخيرًا، من بين قيادات «طالبان» الذين أعلنوا الولاء لـ«داعش»: «أمراء» كل من مُقاطعة أوركزاي سعيد خان، ومُقاطعة كرم دولت خان، ومُقاطعة خيبر فاتح جل زمان، ومُقاطعة هنجو خالد منصور، ومدينة بشاور المفتي حسن. وكانت حركة «طالبان» أصدرت بيانا أكدت فيه ولاءها لـ«داعش»، غير أنها عادت وتراجعت عن موقفها، معلنة أن بيانها أُسيء فهمه، قائلة: «إن الحركة تدعم كل الفصائل المجاهدة في سوريا.. لا حركة أو تنظيمًا معينًا».



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.