خوجة لـ«الشرق الأوسط»: التدخل العربي كان ضروريًا.. واليوم أصبح مصيريًا

بعد التقدم الذي يحققه النظام السوري وحلفاؤه على الأرض بتغطية جوية وسياسية روسية، لم يعد السؤال المطروح في أنقرة: هل ستتدخل تركيا في سوريا، بل متى ستتدخل؟
فالمتابع للملف السوري في تداعياته الأخيرة يدرك أنه لا بد من أن تقوم أنقرة بشيء ما لنجدة حلفائها في المعارضة السورية الذين يعانون من هجمة عسكرية غير مسبوقة. وإذا كان الوجود العسكري الروسي يعقد الأمور، إلا أنه لا يمنع تحركا تركيا ما، مباشرا أو غير مباشر بعد أن أصبحت اللعبة أكبر من لعبة نظام ومعارضة، كما يقول أحد المعارضين السوريين في إسطنبول.
ويرى مدير مركز «جسور» السوري المتخصص محمد سرميني أن من الواضح أن هناك محاولة لإغلاق الحدود التركية السورية وعزل المدن عن بعضها، ثم إسقاطها تدريجيًا ابتداءً بحلب ومن ثم إدلب، وبعدها حماه ثم لاحقا ما تبقى في ريف اللاذقية والمناطق المحيطة بها. ويقول سرميني لـ«الشرق الأوسط» إن معالم الخطة الروسية تتضح أولا من خلال السعي لقطع طرق الإمداد لمدينة حلب من بلدتي نبل والزهراء، فيما أن الطريق الطويل المؤدي إلى باب الهوى مستهدف من الطيران الروسي، وثانيا التخطيط للوصول إلى عفرين وتطويق حلب مع الفصائل التابعة لحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي من الشمال والشرق. وثالثا يتم التقدم من مطار كويرس ومنطقة الشيخ نجار باتجاه المحطة الحرارية وتطويق حلب من جهة الشرق الجنوبي، ورابعا التقدم من مطار كويرس باتجاه سد تشرين، والالتقاء مع فصائل قوات سوريا الديمقراطية التابعة للاتحاد الديمقراطي للإطباق لاحقًا مع غطاء جوي روسي على مناطق منبج، جرابلس، والانتقال لمعركة الرقة لاحقًا. كما يعتقد أن تقدم روسيا للهجوم على جبل الأكراد جهة كنسابا لإغلاق الحدود التركية من هذه الجبهة في محافظة اللاذقية، من بعد عزل الشمال ستتجه روسيا لعزل المحافظات عن بعضها البعض، حلب، إدلب، حماه، ثم تتجه إلى الرستن وتقسيم حمص إلى قسمين من ثم إسقاطها تدريجيًا.
ويشير سرميني إلى أن معركة قطع طرق الإمداد في الجنوب مستمرة على محور درعا وعتمان ما بعد الشيخ مسكين. وهكذا تكون روسيا قد فصلت المناطق المحررة بعضها عن بعض ثم تعمل على إسقاطها تدريجيًا.
ورغم أن الأتراك حاولوا التقليل من أهمية التصريحات الروسية، فإن مراقبين للوضع القائم يؤشرون إلى حتمية قيام أنقرة بتحرك ما لم تتحدد ماهيته حتى الساعة. خصوصا أن الموقف الأميركي «ليس مشجعا» وفقما أكد مصدر شارك في الاجتماع الوزاري للدول الصديقة للشعب السوري مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وأشار المصدر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كيري لا يؤيد «التدخل العسكري في سوريا». وقال المصدر إن الوزراء سمعوا من نظيرهم الأميركي أنه كان توصل إلى تفاهم مع نظيره الروسي سيرغي لافروف حول وقف لإطلاق النار في سوريا، وحمل الوزير الأميركي - وفق المصادر - المعارضة السورية مسؤولية إفشال هذا الاتفاق. وأبلغ كيري الوزراء أن الولايات المتحدة تريد التعاون مع روسيا في عملية إسقاط المساعدات الإنسانية من الجو.
ويرفض مسؤول في مكتب رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو التعليق المباشر على إمكانية قيام تحرك سعودي - تركي عبر الأراضي التركية، لكنه يشير لـ«الشرق الأوسط» إلى تعاون وثيق بين الجانبين من أجل مصلحة الشعب السوري واتفاق على عدم تركه وحيدا في مواجهة آلة القتل. ويشير المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه إلى أن رئيس الأركان التركي كان جزءا من الوفد التركي الذي زار المملكة العربية السعودي مؤخرا، مدللا بذلك على «التفاهم الكبير» حول كل الخطوات.
وأكد المسؤول التركي أن الحشود التي يتحدث عنها الروس قرب الحدود السورية هي «حشود دفاعية» وهي موجودة عند الحدود منذ فترة طويلة، بسبب المواجهات مع تنظيم داعش المتطرف وبسبب اقتراب المواجهات من الحدود وتدفق النازحين، معتبرا أن من حق تركيا أن تحافظ على أمنها القومي، وهي تنشر قواتها داخل أراضيها، ولم تقطع آلاف الأميال لدعم ديكتاتور ضد شعبه» في إشارة واضحة إلى روسيا.
ويستبعد أونال طانق رئيس تحرير موقع «روتا خبر» التركي أن تدخل بلاده في مواجهة مع روسيا، معتبرا أن المعطيات واضحة جدا، فبعد أن أسقطت المقاتلات التركية الطائرة الروسية وقتل الطيار تحاول تركيا بقدر المستطاع أن تتحاشى أي صدام سواء كان سياسي أو عسكري مع روسيا، إلى درجة أن تركيا أصبحت تحلق بطائراتنا بعيدا عن الحدود السورية بـ12 ميلا جويا تحسبا لوقوع أي مواجهات مع الطيران الروسي أو تدخل الطائرات التركية المجال السوري بالخطأ لأنها تعلم بأن روسيا تتربص لأي خرق لطائراتنا لإسقاطها. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «العالم يشاهد ما يفعله الجيش الروسي، هؤلاء لا يوجد بقلوبهم أي رحمة يدمرون الحجر والبشر، ففي سوريا مشاهد القصف تقشعر لها».
ويرى رئيس الائتلاف الوطني السوري خالد خوجة أن التدخل من قبل الأصدقاء، خاصة العرب، لدعم المقاومة السورية و«الجيش الحر» كان ضروريا منذ بدأت المواجهات المباشرة بين الجيش الحر مع الميليشيات الشيعية من جهة ومع تنظيم داعش من جهة أخرى، أما بعد التدخل الروسي، فقد أصبح هذا الأمر مصيريا.
وقال خوجة لـ«الشرق الأوسط» إن الدعم ممكن عبر زيادة جرعات الدعم النوعي للمعارضة، وخصوصا الأسلحة المضادة للطائرات، وإما عن طريق التحالف المباشر بين دول التحالف ومن بينها المملكة العربية السعودية وتركيا مع الجيش الحر، كما حصل في العراق من خلال الدعم الأميركي، مستغربا كيف أن الأميركيين ذهبوا في سوريا إلى تشكيل تحالفهم الخاص مع جماعة يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي (قوات سوريا الديمقراطية) ما عزز مشروع الكانتون الذي يرديه الحزب (الكردي). وشدد خوجة على أن التدخل البري أصبح ضرورة لوقف التهجير الحاصل لسكان حلب ولمنع الفرز الديمغرافي كما حصل عند الحدود مع لبنان
إلى ذلك، رأى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ «ادعاءات روسيا حيال قيام تركيا بتحضيرات عسكرية، لاقتحام الأراضي السورية، مثيرة للضحك». وقال الرئيس التركي إنّه ينبغي محاسبة روسيا على أعمال القتل، التي ارتكبتها بالتعاون مع النظام السوري، داخل سوريا، والتي راح ضحيتها 400 ألف سوري.
واعتبر إردوغان الوجود الروسي داخل سوريا، احتلالاً لأراضي هذا البلد. وأشار إلى أن مشاركة روسيا في الحرب السورية، باستخدام قواعدها البحرية في محافظة طرطوس وقاعدتها الجوية في اللاذقية، تندرج ضمن سعي موسكو لإقامة دويلة صغيرة للأسد، مُعللاً ذلك بأنّ الأسد قد انتهى، وأنّ التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»، تتقاسم الأراضي السورية.
وتساءل إردوغان عن سبب وجود الروس والإيرانيين في سوريا، قائلاً: «بالنسبة لتركيا، فإنّ دولتنا تتعرض في هذه الآونة للتهديد، لدينا حدود بطول 911 كيلومترا مع سوريا، فهل لروسيا حدود مع هذه الدولة، وهل لإيران حدود مشتركة مع سوريا، ماذا تفعلان في هذا البلد، المبرر الوحيد الذي تقدمه موسكو وطهران، هو أنّهما تقومان بتلبية دعوة الأسد، لا يجوز الاستجابة لكل دعوة، لأن الأسد يقوم بممارسة إرهاب الدّولة، وهو ظالم وقاتل، والذين يقدّمون الدعم له، يشتركون معه في الجريمة».
وانتقد الناطق الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم عمر تشيليك موقف المجتمع الدولي المتقلّب حيال القضية السورية، معتبرًا أنّ العالم غيّر من موقفه بخصوص مستقبل سوريا من رفضه لمشاركة الأسد، إلى قبوله لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة الأسد.
وأشار جيليك إلى أنّ قبول تشكيل حكومة انتقالية بقيادة الأسد في سوريا، يعتبر بمثابة صبغ كل الجرائم التي قام بها النظام، بالصبغة الشرعية.