أوكرانيا تعد قوانين للعزل السياسي وتجيز «الحرس الوطني»

ميركل وكيري يحذران روسيا من خطر انفصال القرم

إيغور سوبوليف
إيغور سوبوليف
TT

أوكرانيا تعد قوانين للعزل السياسي وتجيز «الحرس الوطني»

إيغور سوبوليف
إيغور سوبوليف

دخلت أوكرانيا مرحلة التفكير في صياغة قوانين من شأنها منع الرئيس المطاح فيكتور يانوكوفيتش ومساعديه السابقين إضافة إلى عناصر الأمن المتورطين في قتل متظاهري «ميدان الاستقلال» بكييف، من الترشح لأي انتخابات أو شغل مناصب عامة.
وشدد رئيس اللجنة المكلفة العمل على هذا المشروع، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» على هامش مؤتمر صحافي في كييف، على أن هدف اللجنة التي تشكلت الشهر الماضي وباتت الآن مكلفة رسميا من الحكومة، هو «إحقاق العدالة وإصلاح القوانين وليس الانتقام». وقال إيغور سوبوليف، رئيس الهيئة المسماة «لجنة التطهير»: «إننا لا نسعى للانتقام، وإنما لإحقاق العدالة وضمان تحول موظفي الدولة لخدمة القانون وليس المصالح الخاصة».
وأعدت اللجنة مقترحات وقدمتها إلى البرلمان حتى يبت فيها ويحولها إلى قوانين. تدعو المقترحات الأولية لمنع مسؤولين سابقين من الترشح لأي انتخابات أو شغل أي منصب عام. وتضم قائمة المنع الأولية الرئيس المعزول يانوكوفيتش، الذي فر إلى روسيا بعد إطاحته، ورئيس الإدارة الرئاسية ونائبه ووزيرة العدل والمدعي العام ووزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن. وتريد اللجنة أيضا المطالبة بتعليق النشاط المهني «للقضاة الذين دعموا الآلة القمعية للدولة، وباتوا بالتالي غير قادرين على تحقيق العدالة»، على حد قول سوبوليف.
وشدد رئيس «لجنة التطهير» على أن عمل فريقه يقتصر على تقديم الاقتراحات، بينما التطبيق العملي للعزل سيقع على عاتق المشرعين والقضاة. وأبدى ميله لتأييد توصيات «مجلس أوروبا» بمنع القضاة المتورطين في القمع لمدة خمس سنوات. وقال إن الحرمان من المهنة أو المنصب العام، مدى الحياة، يجب ألا يطال سوى الأشخاص المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو إبادة جماعية. وقال أيضا إن النقاش العام بشأن هذا الموضوع الجديد في أوكرانيا، يجب أن يعمم في كل مناطق البلاد. ولاحظ أن العمل المتعلق بالعزل السياسي والمهني سيكون شاقا «لأن هناك 400 ألف شرطي، ويجب أن نترك الخبراء يقررون بعناية من من هؤلاء خدم البلاد ومن منهم خدم الترهيب». وأضاف أن البعض يقترح قوانين تمنع كل أعضاء «حزب الأقاليم» الحاكم سابقا من الترشح مستقبلا أو تولي مناصب عامة، والبعض الآخر يقترح منع كل المسؤولين الذين تبوأوا مناصب منذ عام 2002. وأقر أن التعاطي مع هذه الاقتراحات يمثل تحديا كبيرا للبلاد الآن. ويؤكد سوبوليف أنه لا تتوفر لدى اللجنة أية أرقام محددة عن الأشخاص الذين ستطالهم قوانين العزل «لأن الفساد في الحقبة الماضية لم يقتصر على القضاء والشرطة، بل كان منتشرا في أغلب مفاصل الدولة من القاعدة إلى رأس الهرم، وأعني برأس الهرم الرئيس المطاح به».
يعمل سوبوليف صحافيا وناشطا اجتماعيا، وسبق أن أسس مكتبا للتحقيقات الصحافية. والشهر الماضي، جرى تعيينه رئيسا للجنة التطهير المكلفة تقديم تقاريرها إلى مجلس الوزراء.
ولدى سؤاله حول ظروف تشكيل هذه اللجنة، قال سوبوليف إن «الفكرة بدأت في العهد السابق، لأن المواطنين عانوا من فساد وتخلف القوانين التي تخدم فئة على حساب أخرى. بدأنا نشاطنا مع بداية الاحتجاجات في ميدان الاستقلال، وواجهنا العديد من المشكلات مع السلطة السابقة». وذكر أن الحزب الحاكم سابقا «أراد إسكاتنا من أجل مواصلة عمله في محاصرة مفاصل الدولة ومنها القضاء والمحاكم». وقال إنه تلقى خلال الاحتجاجات في «الميدان»، دعما من منظمي الحراك وأبرزهم آندريه باروبي، الذي كان واحدا من قادة الاحتجاجات وبات الآن يرأس «مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني».
ويبدي المتظاهرون الذين أطاحوا بالرئيس الأوكراني الشهر الماضي حنقا كبيرا على يانوكوفيتش ومساعديه، خصوصا على الشرطة التي فتحت النار وقتلت أكثر من مائة منهم في الميدان الشهر الماضي. وتعيش أوكرانيا اليوم دون شرطة تقريبا؛ إذ فر عناصرها وباتت مراقبة الأمن من مهام قوات «الدفاع الذاتي» التي شكلها المتظاهرون، خصوصا في العاصمة كييف.
وحول الطابع الرسمي للجنة العزل، قال سوبوليف إنه وفريقه يعملون «بشكل تطوعي.. نقدم اقتراحاتنا إلى الجهات المعنية من وزراء ونواب، وهم بدورهم يحولون أفكارنا إلى مشاريع قوانين. إننا نسعى بكل ما أوتينا من قوة لتحديث القوانين» التي كانت سائدة في العهد السابق.
يرى سوبوليف أن إعداد مشروع العزل السياسي، يمثل تحديا كبيرا للبلاد التي تشهد حاليا مخاطر غزو خارجي من روسيا، لكنه يصر على أن «العدو الداخلي لا يقل خطورة عن العدو الخارجي». ويضيف أن الإسراع بإعداد الإطار القانوني لقوانين العزل السياسي مهم لتهدئة المتظاهرين الذين اعتُدِي عليهم ولا يزال كثير منهم موجودين بخيامهم في «ميدان الاستقلال».

وفي نفس السياق، صادق البرلمان الأوكراني، أمس، على إنشاء قوة من الحرس الوطني قد تضم 60 ألف عنصر، بينما تخشى السلطات الجديدة من عمليات تسلل للجيش الروسي في شرق البلاد. وجرت المصادقة على مشروع القانون بغالبية 262 نائبا حاضرا، من دون أي صوت ضد. وقالت السلطات الأوكرانية إن هذا الجهاز التابع لوزارة الداخلية سيكون مؤلفا من متطوعين من «مجموعات الدفاع الذاتي» التي تشكلت في الميدان، ساحة الاستقلال في كييف، التي كانت المعقل الرئيس للمعارضة ضد نظام الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش. وسيكلف الحرس الوطني خصوصا الأمن الداخلي والحدود ومكافحة الإرهاب.
وسيكون الحرس الوطني تابعا لسلطة وزارة الداخلية، ويمكن أن يقدم دعما للقوات المسلحة الأوكرانية البالغ عددها 130 ألفا. وتملك روسيا في المقابل جيشا من 845 ألف عنصر.
وأول من أمس، أعلن أمين مجلس الأمن القومي والدفاع أندريي باروبيي أن تشكيل الحرس الوطني «رد على التحديات التي تواجهها أوكرانيا»، في إشارة إلى دخول القوات الروسية إلى القرم (شبه الجزيرة في جنوب البلاد التي باتت على وشك الالتحاق بروسيا).
وتقدم قرابة 40 ألف متطوع أخيرا إلى مراكز التجنيد التابعة للجيش، وسيلتحق نصفهم بالحرس الوطني، بحسب باروبيي على أن يبدأ تدريبهم أمس.
وحذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل روسيا من العواقب الخطيرة التي قد تترتب على موسكو، إن استمر تحركها في أوكرانيا على الأمد البعيد، وقالت ميركل أمام النواب في البرلمان: «إن استمرت روسيا على الطريق ذاتها التي اتبعتها في الأسابيع الأخيرة، فذلك لن يكون كارثة على أوكرانيا فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى إلحاق الضرر، وفي شكل كبير على روسيا خصوصا، أنني مقتنعة بذلك، أكان اقتصاديا أم سياسيا».
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس (الخميس) 13 مارس (آذار) إن روسيا تغامر بمواجهة أضرار سياسية واقتصادية جسيمة إذا رفضت تغيير نهجها بشأن أوكرانيا. وقالت ميركل في كلمة أمام البرلمان: «الأزمة لا يمكن أن تُحَل بعمل عسكري. أقول ذلك لكل الذين يشعرون بالقلق.. العمل العسكري ليس خيارا. وأضافت أن مجموعة اتصال دولية ستعمل على التوسط بين موسكو وكييف، وضمان التواصل بينهما».
وأضافت: «لا يمكن أن تكون سلامة أراضي أوكرانيا محل شك»، موضحة أن الوضع في منطقة القرم بجنوب أوكرانيا لا يقارن بحالة كوسوفو في البلقان.
وحذرت ميركل في كلمتها كذلك من أنه إذا استمرت روسيا في العمل على زعزعة الاستقرار في أوكرانيا، فإن زعماء الاتحاد الأوروبي مستعدون لاتخاذ المزيد من الإجراءات.
وقالت: «هذه الإجراءات قد تتعلق بالتعاون الاقتصادي مع روسيا في مجالات مختلفة. ولنقل ذلك دون لبس؛ لا أحد يرغب في اتخاذ هذه الإجراءات، لكننا جميعا سنكون مستعدين لذلك ومصممين عليه إذا تطلب الأمر ذلك». وأكدت ميركل أن روسيا تخاطر بتحمل أضرار اقتصادية وسياسية جسيمة إذا رفضت تغيير مسارها فيما يتعلق بأوكرانيا.
وقالت: «السيدات والسادة، إذا واصلت روسيا النهج الذي اتبعته في الأسابيع الماضية، فإنها لن تكون كارثة بالنسبة لأوكرانيا فقط». وأضافت: «لن نراها نحن فقط وإنما جيران روسيا أيضا على أنها تهديد».
وفي واشنطن، حذر وزير الخارجية الأميركي جون كيري من «سلسلة من الخطوات الخطيرة للغاية «التي ستتخذ يوم الاثنين المقبل، إذا لم يجد الاستفتاء المقرر يوم الأحد المقبل في شبه جزيرة القرم حلا للأزمة الراهنة». وقال كيري أمام لجنة تابعة للكونغرس إنه تحدث لفترة وجيزة صباح أمس مع نظيره الروسي سيرجي لافروف. وقال كيري إن لافروف سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي أمس. وأضاف: «لم يكن هناك (أي مبرر، ولا شرعية) للاستفتاء المقرر في شبه جزيرة القرم، في ظل وجود قوات عسكرية يزيد عددها عن 20 ألفا». وقال كيري إن هناك قليلا من الشك بشأن عما سوف يسفر عنه استفتاء يوم الأحد، على ضوء الظروف الراهنة»، ولكنه أعرب عن أمله في أن «يتغلب صوت العقل».



أوكرانيا تبني مدارس تحت الأرض لحماية التلاميذ من القنابل والإشعاعات

عمال البناء يحفرون مدرسة تحت الأرض في زابوريجيا بأوكرانيا في 30 أغسطس 2024 وهي واحدة من 12 مدرسة مخططاً لها في المدينة ومصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل (أ.ب)
عمال البناء يحفرون مدرسة تحت الأرض في زابوريجيا بأوكرانيا في 30 أغسطس 2024 وهي واحدة من 12 مدرسة مخططاً لها في المدينة ومصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل (أ.ب)
TT

أوكرانيا تبني مدارس تحت الأرض لحماية التلاميذ من القنابل والإشعاعات

عمال البناء يحفرون مدرسة تحت الأرض في زابوريجيا بأوكرانيا في 30 أغسطس 2024 وهي واحدة من 12 مدرسة مخططاً لها في المدينة ومصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل (أ.ب)
عمال البناء يحفرون مدرسة تحت الأرض في زابوريجيا بأوكرانيا في 30 أغسطس 2024 وهي واحدة من 12 مدرسة مخططاً لها في المدينة ومصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل (أ.ب)

أن تكون والداً في مدينة زابوريجيا الأوكرانية الواقعة على خط الجبهة يعني أن توازن بين حياة طفلك وخطر الأسلحة الروسية القريبة، حسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

وتجلب معظم هذه الأسلحة الموت في لحظة: مثل الطائرات المسيرة، والصواريخ الباليستية، والقنابل الانزلاقية، وقذائف المدفعية. لكن الجنود الروس يسيطرون على سلاح آخر لم يستخدموه حتى الآن، ولكنه لا يقل خطورة، وهو محطة زابوريجيا النووية القريبة.

وكانت محطة زابوريجيا النووية، تنتج في السابق كمية من الكهرباء تفوق أي محطة نووية أخرى في أوروبا. وسقطت المحطة في أيدي القوات الروسية في الأسابيع الأولى من الغزو الشامل، ومنذ ذلك الحين تحتفظ روسيا بسيطرتها على مفاعلاتها الستة. وتعرضت المحطة لهجمات متكررة يتبادل الطرفان الاتهامات بشأنها.

خلال فصول دراسية في طابق سفلي لمدرسة في زابوريجيا بأوكرانيا 3 سبتمبر 2024 (أ.ب)

ويلاحق هذان الخطران المزدوجان، القنابل والإشعاع، العائلات في زابوريجيا. ومعظم الأطفال في المدينة لم يروا فصولهم الدراسية من الداخل، حيث استمرت المدارس التي علقت الدراسة في الفصول خلال جائحة «كورونا» قبل أكثر من 4 سنوات في تقديم الدروس عبر الإنترنت بعد بدء الحرب في فبراير (شباط) 2022.

لذا، مع استمرار القصف اليومي بالصواريخ والقنابل، تواصل زابوريجيا بناء شبكة مدارس تحت الأرض.

وبدأت أعمال بناء أكثر من 12 مدرسة تحت الأرض مصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل وقادرة على استيعاب 12 ألف طالب.

أطفال يتوجهون إلى طابق سفلي تم تجهيزه بالفصول الدراسية في زابوريجيا بأوكرانيا في 3 سبتمبر 2024 (أ.ب)

وقال مسؤولون إنهم سيشرعون في بناء شبكة مستشفيات تحت الأرض بعد ذلك. وقالت كاترينا ريجكو، وهي أم لأطفال يشكلون الجيل الثالث في عائلتها الذين يدرسون في مدرسة رقم 88، إن القنابل اليومية تشكل خوفاً ملموساً أكثر من الإشعاع. والمبنى الرئيسي للمدرسة، الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية، نظيف للغاية ولكن الفصول الدراسية فارغة. ونسخة من المدرسة تحت الأرض أصبحت شبه جاهزة، قالت ريجكو إنها لن تتردد في إرسال أطفالها إليها.

فبعد نحو 4 سنوات من التعلم عبر الإنترنت تأثر بشدة الأطفال والآباء على حد سواء.

وقالت ريجكو: «حتى زملاء الدراسة لا يعرفون بعضهم. إن (بناء المدارس تحت الأرض) السبيل الوحيد الآمن لتلقي التعليم دون الاعتماد على الشاشات».