العسكريون السابقون يخلون طريق الانتخابات للسيسي

عنان لـ {الشرق الأوسط} : كلنا جنود للوطن

الفريق سامي عنان مغادرا مكتبه بعد مؤتمر صحافي عقده أمس (رويترز)
الفريق سامي عنان مغادرا مكتبه بعد مؤتمر صحافي عقده أمس (رويترز)
TT

العسكريون السابقون يخلون طريق الانتخابات للسيسي

الفريق سامي عنان مغادرا مكتبه بعد مؤتمر صحافي عقده أمس (رويترز)
الفريق سامي عنان مغادرا مكتبه بعد مؤتمر صحافي عقده أمس (رويترز)

تسبب خروج اثنين من القادة العسكريين السابقين من احتمالات ترشحهما لموقع رئاسة الدولة المصرية، وهما الفريق سامي عنان، والفريق أحمد شفيق، في تقليص عدد المنافسين المحتملين، في الانتخابات المزمع إجراؤها خلال الأشهر القليلة المقبلة، إلى متنافسين اثنين محتملين فقط حتى الآن، هما المشير عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش الحالي، وحمدين صباحي، رئيس التيار الشعبي، اللذان لمح كل منهما، في وقت سابق، إلى النية في خوض السباق، حيث لم يفتح الترشح رسميا بعد.
وتوقعت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أمس استمرار السيسي وزيرا للدفاع أطول فترة ممكنة وإلى حين فتح باب الترشح للانتخابات، بالإضافة إلى عدم دخول منافسين آخرين ذوي ثقل. في حين قال منسق حملة خالد علي، المرشح الرئاسي السابق، لـ«الشرق الأوسط»، إن علي يعتزم إعلان موقفه من الانتخابات الحالية الأحد المقبل.
وعزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، عن الحكم في 3 يوليو (تموز) الماضي، بعد عام واحد فقط من حكمه، عقب احتجاجات شعبية واسعة ضده، معلنا عن «خارطة طريق»، شملت دستورا جديدا صدر بعد استفتاء شعبي بأغلبية كاسحة في يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتخابات رئاسية وبرلمانية من المقرر انتهاؤهما في يوليو القادم.
وأعلن الفريق عنان، الرئيس السابق لأركان الجيش المصري، انسحابه أمس من احتمال الترشح، بعد أن كان من الأسماء المطروحة، بينما قال الفريق شفيق، وكان آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، إنه يؤيد المشير السيسي كمرشح للرئاسة، في بيان أصدره أمس، ردا على تسريبات منسوبة له، فهم منها أنه ينتقد فيها قائد الجيش، لكنه أوضح أن التسجيل الذي جرى بثه ربما يكون جرى «اجتزاؤه» و«تشويهه»، وأضاف البيان أن شفيق أعلن دعمه لـ«أقوى المرشحين وأقربهم للفوز وهو المشير عبد الفتاح السيسي». وحصل شفيق على قرابة 49 في المائة من أصوات الناخبين أمام مرسي عام 2012.
من جانبه، قال عبد الله السناوي، السياسي اليساري البارز، لـ«الشرق الأوسط» أمس: «السيسي سيعلن ترشحه قبل يومين من فتح باب الترشح رسميا للانتخابات، وبحسب معلوماتي فإن القاعدة الأساسية لديه (السيسي) أن تكون الفترة بين خروجه من وزارة الدفاع ودخوله (سباق) الرئاسة في أضيق وقت ممكن».
وكانت تسريبات إعلامية قد توقعت إعلان السيسي استقالته هذا الأسبوع تمهيدا لترشحه للرئاسة، لكن السيسي حضر اجتماع مجلس الوزراء أمس برئاسة رئيس الحكومة إبراهيم محلب. وقال السفير هاني صلاح المتحدث باسم مجلس الوزراء عقب الاجتماع: «السيسي لم يتقدم باستقالته.. وهو فقط من يقرر ذلك بنفسه».
ورجح السناوي «عدم ظهور مرشحين جدد للرئاسة، وأن تنحصر المنافسة بين السيسي وحمدين صباحي، من دون ظهور اسم أو مفاجأة كبيرة». وتابع: «بالطبع قلة المنافسين ستضعف المنافسة وشكل الانتخابات إلى حد ما».
ودعا السناوي السلطة الحالية إلى أن «توفر المناخ المناسب لكي تمنح الفرصة لأطراف فاعلة أن تدخل العملية الانتخابية، عبر وقف الحملات الإعلامية الممنهجة والمنظمة ضد أي مرشح محتمل، باعتبار أن هذا يعطي رسالة سلبية، وهو أمر لا يحتاجه المشير السيسي من مؤيديه»، وأضاف: «من دون تزوير أو دعاية له (السيسي) فإن شعبيته تخول له الفوز بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى». وتابع قائلا إن «الحملات الإعلامية الضارية التي تجري ضد فكرة ترشح أي أحد أمام السيسي أمر مسيء للديمقراطية، وأنا أعرف أن السيسي شخصيا ضد هذا، لكن عليه أن يتخذ مواقف تمنع أي أحد يسيء إليه من التصرف على هذا النحو».
من جانبه، قال اللواء سامح سيف اليزل، الخبير الاستراتيجي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «انسحاب عنان هو قرار شخصي وفقا لحساباته، وقد تظهر شخصيات أخرى عند فتح باب الترشح تنافس المشير السيسي».
وتطرح بورصة الترشح للانتخابات أيضا اسم خالد علي، الناشط الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق، رغم عدم اتخاذه موقفا واضحا حتى الآن. وقال عادل وسيلي، منسق حملته الانتخابية لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «علي لا يزال يدرس الموقف في ضوء قانون الانتخابات الرئاسية الصادر قبل أيام والذي يرفضه شكلا ومضمونا، ولا يوافق على مبررات الرئاسة في هذا الشأن». وكشف وسيلي عن أن «علي سيعلن موقفه النهائي من الترشح في مؤتمر صحافي يوم الأحد المقبل بنقابة الصحافيين بالقاهرة».
ومنذ أسابيع مضت، أعلن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، رفضه خوض الانتخابات الرئاسية، لأنه «لا يوجد أي مسار للديمقراطية في مصر حاليا»، على حد وصفه.
ويتوقع أن تجري الانتخابات الرئاسية مطلع شهر مايو (أيار) المقبل. وقال اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية والإدارية أول من أمس إن «اللجنة العليا للانتخابات ستعلن الجدول الزمني لانتخابات الرئاسة مطلع الأسبوع المقبل».
في السياق نفسه، قال الاتحاد الأوروبي إن «بعثة استكشافية أوروبية إلى مصر تسبق إرسال فريق من المراقبين الأوروبيين لمراقبة الانتخابات المقبلة قد خلصت إلى أنه يمكن إرسال فريق من المراقبين وأن الظروف متاحة لذلك، لكنها أشارت إلى وجود تحديات مرتبطة بالوضع السياسي والوضع الأمني».
جاء ذلك على لسان مايكل مان المتحدث باسم كاثرين أشتون منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» في بروكسل أمس أنه تنفيذا للالتزام الذي تعهدت به أشتون ببقاء الاتحاد الأوروبي منخرطا في دعم مصر على طريق التحول الديمقراطي والانتعاش الاقتصادي، ونشر بعثة مراقبة للانتخابات المقبلة، فإن بعثة استكشافية أوروبية خلصت إلى أن الظروف متاحة لنشر فريق من المراقبين الأوروبيين للإشراف على الانتخابات المقبلة لكن في الوقت نفسه لا بد من الإشارة إلى وجود تحديات مرتبطة بالوضع السياسي، فضلا عن الوضع الأمني.
وأوضح المتحدث أن بعثة مراقبة الانتخابات سوف تأخذ في الاعتبار الجوانب التقنية للعملية الانتخابية والبيئة السياسية والحملات الانتخابية واحترام الحقوق والحريات الأساسية، مضيفا أنه لا يوجد حتى الآن موعد محدد لانتخابات الرئاسة، إلا أن الاتحاد الأوروبي خطط لأن تكون الدفعة الأولى من فريق المراقبين الأوروبيين في مصر مع نهاية الشهر الجاري أو مطلع شهر أبريل (نيسان) على أقصى تقدير.

هذا وقد حسم الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية السابق، موقفه من الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية، وقال لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «دوافعه لعدم الترشح للرئاسة تأتي حفاظا على وحدة القوات المسلحة والشعب المصري»، مضيفا: «كلنا جنود للوطن ونتصدى للمؤامرات الداخلية والخارجية التي تحاك ضد الدولة المصرية».
وأرجع الفريق عنان قراره بعدم الترشح للرئاسة إلى حوار أجراه مع بعض الشخصيات العسكرية والقضائية والإعلامية التي حاولت إقناعه بعد الترشح، وكان في مقدمتهم المشير حسين طنطاوي القائد العام السابق للقوات المسلحة، واللواء حسن الرويني عضو المجلس العسكري السابق، قائلا: «كلها تهدف إلى رفض ما يتردد في وسائل الإعلام عن وجود أكثر من مرشح ذي خلفية عسكرية، وهو الأمر الذي كان يعطي رسائل بانقسام وحرب جنرالات داخل المؤسسة العسكرية».
وفي مؤتمر صحافي أمس، اكتفى الفريق عنان بتلاوة بيان رسمي صيغ بعناية بالغة، قائلا: «في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد وما تفرضه علينا جميعا من تحديات جسام، أجد نفسي جنبا إلى جنب مع كافة أبناء الشعب المصري، مدافعا عن حقهم في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والذود عن الدولة الوطنية في مواجهة كافة المخاطر التي تتعرض لها من الداخل والخارج»
وتابع: «لقد بذلت مع زملائي في المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة الرجل الوطني الجسور المشير طنطاوي طيلة الفترة الانتقالية الأولى في أعقاب ثورة يناير المجيدة عام 2011 جهدا فوق طاقة البشر، وواصلنا العمل ليل نهار دون كلل حفاظا على الوطن وأمنه واستقراره وصونا لمقدرات الشعب، وحماية للجيش المصري وتلاحم صفوفه، وحملت مع كافة أعضاء المجلس الأعلى أمانة المسؤولية بكل شرف وشجاعة وإيمان بالله والوطن، ملتزمين بالمصلحة العليا للبلاد وباحترام إرادة الشعب والحفاظ على مؤسسات الدولة والوقوف بجانب الجماهير في كل مكان بامتداد ربوع مصرنا الغالية».
وأضاف الفريق سامي عنان: «لقد أمضيت قرابة نصف قرن من سنوات عمري جنديا في صفوف القوات المسلحة مقاتلا، أدافع عن التراب الوطني، وقائدا لم أتخل للحظة واحدة عن واجبي الوطني المقدس، وسوف أظل طيلة حياتي أفخر بانتمائي إلى هذا الجيش العريق الذي حافظ على الدولة الوطنية الحديثة، وما يزال ينهض بدوره العظيم مدافعا عن تراب وأمن البلاد واستقرارها ومحققا لآمال الجماهير وطموحاتها».
وقال عنان خلال المؤتمر الصحافي: «وبعد ثورة الثلاثين من يونيو (حزيران) المجيدة، أجد نفسي في خندق واحد مع جماهير الشعب المصري، وهي تدافع عن حقها في الحياة الكريمة وتتطلع إلى حاضر أفضل ومستقبل أزهى.. ولقد عاهدت نفسي دوما على أن أبقى طيلة حياتي داعيا إلى وحدة الشعب وحريصا على تماسك الجيش الذي ضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء وهو يلبي نداء الشعب المصري وتطلعاته في ثورتين عظيمتين سعيا نحو التحرر والتقدم والنهوض ورفضا للفساد والاستبداد والإقصاء والاستحواذ ومحاولة العبث بهوية الوطن».
وتابع عنان بقوله: «إنني لم ولن أتخلى يوما عن دوري الوطني مدافعا عن تراب مصر وأمنها القومي وآمال شعبها مهما كانت التضحيات.. وأود أن أؤكد أن هذا الدور سيظل مستمرا ولم يتراجع ما حييت»، مضيفا: «إنني ورغم حملة التشويهات والشائعات والافتراءات التي ساقها البعض ضدي خلال الآونة الأخيرة، فلن أزداد إلا صمودا وصلابة على مزيد من العمل، ولن ألتفت أبدا إلى صغائر يعف عنها الكبار وسيظل قلبي وعيني دائما صوب الوطن ورائدي هو مصالحه العليا، غير عابئ بما قيل أو ما سوف يقال». وقال: «إنني أؤكد للكافة أن دفاعي عن الشعب والجيش الوطني سيظل هدفي».
وقالت مصادر مقربة من الفريق عنان لـ«الشرق الأوسط»، إن «البيان لا يعد نهاية المطاف، وإنما سوف تتبعه مواقف كثيرة، وإن هدفه الأول هو مصر وكيفية خروجها من أزمتها الراهنة والابتعاد عن صياغات الشخصنة»، لافتة إلى أن عنان قد يفكر خلال الأيام المقبلة في تأسيس حزب سياسي على أسس تخدم مصالح الشعب، بعيدا عن تركيبة الأحزاب السياسية القديمة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.