ديكارت والنزعة العقلانية الساعية إلى البساطة والوضوح

ثمة آراء كثيرة خاطئة تلقيناها ينبغي هدمها لتأسيس معرفة جديدة

ديكارت
ديكارت
TT

ديكارت والنزعة العقلانية الساعية إلى البساطة والوضوح

ديكارت
ديكارت

من المجازفة حصر إسهامات ديكارت المتعددة في الحقل الفلسفي وحده، ذلك أن روحه علمية بالدرجة الأولى. فقد استطاع أن ينتقل من روح سكولائية (تلقينية) وسطوية لاهوتية، إلى فكر عقلاني أسهم في بناء تصورات جديدة، بفضل التحولات العلمية التي عرفتها أوروبا آنذاك، وأساسا الانقلابات (الثورات) العلمية التي أحدثتها فيزياء غاليلي، على التصورات الفيزيائية والفلكية الكوبرنيكية والبطليموسية.
شكلت هجرة ديكارت إلى هولندا، موطن الحريات في أوروبا، آنذاك، محطة هامة دفعته إلى الفكاك من سلطة اليسوعيين، وأتاحت له نافذة جديدة لتأمل العالم. فقد جمعته الصدفة بالطبيب الهولندي إسحاق بيكمن Beckman الذي يعود له الفضل في بعث ديكارت إلى درس العلوم الطبيعية والرياضيات للبحث عن الصلات بينهما.
لقد كانت الحاجة إلى ديكارت في زمانه، حاجة إلى أسس جديدة (ميتافيزيقية وفلسفية) للعلم الحديث. ففي الوقت الذي ظلت فيه الميتافيزيقا الأرسطية سائدة بتحجرها وعقم مناهجها وتشعب استدلالاتها وقياساتها المنطقية، سعت العقلانية الديكارتية نحو البساطة والوضوح، نحو رسم منهج وقواعد جديدة لإرشاد العقل، لأن بإمكان هذا العقل أن ينتج المعرفة، وهو الأمر الذي يرفضه السكولائيون اعتقادا منهم بأن كل شيء معطى، وأن الإنسان مجرد متلق سلبي، لا دور له في عملية الإنتاج تلك. هذا التصور اللاهوتي الغارق في القدرية، لن يدوم كثيرا، لأنه سيتعرض لانتقادات ديكارت من أجل تقويضه. وبذلك، فالديكارتية هي بمثابة «بيان من أجل العقلانية»، «بيان من أجل العقل» دشن مرحلة جديدة محورها العقل والذات الإنسانية. بيان يقوم أولا، على الإقرار بالمساواة والعدل في توزع القدرات. فتقريره أن «العقل أعدل قسمة بين الناس»، هو تقرير بأولى مبادئ الديمقراطية أي المساواة، وأمام هذا المبدأ، لم تعد الحاجة إلى تقرير التراتبية أو ما شابه، لأنه حطم وقوض الأساس الذي تقوم عليه المعرفة التقليدية.
الاكتشاف الميتافيزيقي للإنسان
يعود هذا التعبير، إلى العقلاني الفرنسي فردناند ألكيي Ferdinand، Alquié، الذي درس النصوص الديكارتية وفحصها بدقة متناهية.
يشتهر ديكارت بقوله المتداول جدا «أنا أشك، أنا أفكر، إذن أنا موجود». وهو قول يؤسس لفهم جديد للذات الإنسانية، من خلال سعيه نحو قلب النظام المعرفي القديم، لصالح تصور جديد ينبني على الذاتية كمنطلق نحو العالم. والذاتية عند ديكارت، لا ينبغي أن تفهم كمقابل للموضوعية، بل كأساس ومبدأ كل شيء، بإمكانها الوصول إلى اليقين، بدلا من البحث عنه في شيء آخر. والغاية الكبرى لديكارت وراء هذا المفهوم هي التأسيس لميتافيزيقا جديدة تتمحور حول الإنسان كأسمى كائن ميتافيزيقي. فالحقيقة لا تقع خارج الذات الإنسانية بل في جوفها وفي قلبها، وهذا ما تستدعيه العلوم الحديثة التي تنطلق مع ميكانيك غاليلو غاليلي وفلك كوبرنيك، حيث لم يعد الكون فراغا تحكمه قوانين عمياء، كما لم يعد فضاء لا متناهيا. بل إن العلاقة بين الأجسام علاقة ميكانيكية (العلاقة بين السرعة والقوة).
رسم ديكارت تصوره الميتافيزيقي للعالم في كتابين هامين، من ضمن كتبه: كتاب مقال في المنهج، وكتاب التأملات الميتافيزيقية. لذا يصح القول إن فلسفته تنقسم إلى قواعد وتأملات.
يتأسس النظام الديكارتي على التمييز بين نظامين: نظام الأشياء ونظام الحججl’ordre des raisons، فنظام العلل والحجج غير نظام الأشياء، ويهدف إلى هدم النظام القديم، ويتضمن صنفين من الأحكام: النظام التحليلي: analytique والنظام التركيبي: synthétique.
يقر ديكارت بأنه كلما اتجهنا نحو القضايا التحليلية نكون أقرب إلى اليقين، والعكس صحيح، كلما اتجهنا نحو القضايا التركيبية نكون أقرب إلى الظن والشك والريبة. وعلى هذا الأساس، فالقضايا البسيطة أكثر يقينا من المركبة، وهو حال القضايا الرياضية المتميزة بالوضوح: المربع له أربعة أضلاع.
الشك طريق إلى اليقين
العقل «هو أعدل الأشياء توزعا بين الناس». فكل فرد له نصيبه منه، إلا أن طرق استخدام وتوظيف هذه الملكة، تختلف من شخص إلى آخر.
يقودنا الانطلاق من هذه الفكرة، إلى تأكيد مبدأ المساواة، لأن اعتبار العقل ملكة فطرية، أثار أيضا اهتمام التجريبيين الإنجليز، الذين رأوا في ذلك أكبر زلة للعقلانية. فالعقل في نظر هؤلاء، ليس إلا أداة يستخدمها الإنسان لإنتاج المعرفة، ولكنها أداة لا يمتلكها الناس بالفطرة، قدر ما هي مكتسبة ترتبط وترتهن بالتجربة الإنسانية. أي أن العقل مجرد صفحة بيضاء. وسيخترق هذا السجال الفلسفي بين الاتجاهين التجريبي والعقلاني كل التاريخ المعرفي للبشرية.
دشن ديكارت تفكيرا جديدا، لأن اتباع آراء الآخرين لا يقدم أي جديد بالنسبة له. لقد كان بإمكانه اتباع آراء أفلاطون وأرسطو، إلا أن اقتناعه بأن ذلك الطريق لم يعد مجديا، أفضى به إلى البحث عن طريق جديد. هكذا سار وحيدا في طريق الظلمات، بحثا عن منهج جديد لهدم الآراء القديمة وبناء آراء جديدة. وبهذا سيتوجه بالنقد الشديد لمختلف المعارف التي تلقاها منذ طفولته، بل سيطرحها جانبا وسينطلق من الشك.
لاحظ ديكارت أن معظم أحكامنا ترتبط بالحس وتتعلق به. وأن معارفنا تتكون من آراء تتعارض فيما بينها. وهذا ما يستوجب أولا الشك فيها، ولو مرة واحدة، بهدف السعي وراء بناء معارف جديدة كل الجدة. فالحواس في نظره مخادعة، بحيث لا يستطيع التمييز بين عالم الحلم وعالم اليقظة. وهذا ما يستوجب ثانيا الشك فيها. لكن السؤال الأساسي هنا هو: هل يمكن للشك أن يبلغ اليقين؟ هل يمكن الشك في البداهات واليقينات الرياضية (في الأعداد والأشكال) أن يؤدي إلى اليقين؟
يمكن للإنسان أن يخطئ بصدد هذه اليقينات الرياضية، مثلما يخطئ بصدد المحسوسات. وهذا ما يستلزم في نظر ديكارت، وجود إله كامل الضمان «يضمن عدم وقوعي في الخطأ، فالله وحده قادر على كل شيء، وهو صانعي وخالقي على نحو ما أنا موجود». ما يبرر الشك إذن، في نظر ديكارت، هو أنه لا يملك بعد الدعامة الميتافيزيقية للحدس العقلي، تلك الدعامة وذلك الضمان الذي لا يمكن أن يوجد إلا في الله.
صمم ديكارت عزمه على أن يعرف كيف يتصرف العقل على طريقة البرهان الرياضي. أي أنه عزم على أن يحلل المنهج الرياضي إلى عناصره العقلية. وهي العناصر التي يعرضها لنا في الجزء الثاني من مقال في المنهج: البداهة، التحليل، التركيب، المراجعة. وإجمالا، فإن الشك الذي يطبقه ديكارت في كتابه «مقال في المنهج»، يختلف عن الشك الذي يطبقه في كتاب التأملات، ذلك أن الشك في المقال، هو شك معرفي لا يتجاوز الحدود التي يرسمها له ويضعها للجمه. في حين أن الشك في التأملات، هو شك جذري hyperbolique لا حدود له، يدفعه إلى أبعاده القصوى، لذا من اللازم الوقوف على كتاب التأملات لبيان مدى وجاهة هذا القول.
ب - نحو شك جذري
يحكي ديكارت في التأمل الأول، عن معرفته التي تلقاها والتي انبنت على آراء خاطئة، معلنا عزمه وإصراره الدائم على بلوغ اليقين، وعلى وضع ما تلقاه منذ الطفولة موضع شك. وهكذا يبدأ بالحواس (أهم مصدر للخطأ لأنها مخادعة)، ثم يشك في إن كان في اليقظة أو في النوم، ويدفع به إلى أقصاه عندما يشك في القضايا الرياضية.
يقول في الفقرة الأولى، هناك كثير من الآراء الخاطئة التي نتلقاها منذ الصغر، وينبغي هدمها لتأسيس معرفة جديدة. لكن لا ينبغي أن نعمل على هدم كل رأي على حدة، وإنما ينبغي هدم الأسس التي تقوم عليها، وأهم تلك الأسس: الحواس التي إذا خدعتنا فإن معرفتنا ستكون خاطئة.
تتميز العقلانية الديكارتية بكونها عقلانية قطعية، يقينية، لا تستند إلى الاحتمال ولا وسط فيها. فالعقل عند ديكارت دوغمائي، لا يؤمن بالوسط بين الشك واليقين. فإما أننا نخطئ ونقع ضحية الخطأ، وإما أن نصل إلى اليقين. لذلك فالعلوم عنده إما مركبة أو بسيطة. وهناك نظامان كما سبقت الإشارة: نظام الأشياء، ونظام العلل، وهذا الأخير نوعان: نظام تحليلي: تتميز أحكامه بكونها بسيطة، يقينية، بديهية وصادقة، كما هو الحال في الهندسة وفي الحساب. ونظام تركيبي: لأن الأحكام التركيبية غير يقينية وأقل بديهية، كحال الفلك أو الطب.
دشن ديكارت الشك بالحواس، وانتقل إلى النوم واليقظة، وانتهى بالحقائق الرياضية. وكان يعتقد دوما أن هناك إلها كلي القدرة والاستقامة، وهو خالق الإنسان على ما هو عليه.



رقائق ذهبية من مقابر البحرين الأثرية

قطعتان ذهبيتان من مقبرة أبو صيبع تقابلها ثلاث قطع مشابهة من مقبرة الشاخورة
قطعتان ذهبيتان من مقبرة أبو صيبع تقابلها ثلاث قطع مشابهة من مقبرة الشاخورة
TT

رقائق ذهبية من مقابر البحرين الأثرية

قطعتان ذهبيتان من مقبرة أبو صيبع تقابلها ثلاث قطع مشابهة من مقبرة الشاخورة
قطعتان ذهبيتان من مقبرة أبو صيبع تقابلها ثلاث قطع مشابهة من مقبرة الشاخورة

كشفت أعمال التنقيب المتواصلة في مقابر البحرين الأثرية عن مجموعات متنوعة من اللقى، منها مجموعة من الرقائق الذهبية، زُيّن بعض منها بنقوش تصويرية تتميّز بطابعها الفني المتقن. تعود هذه المجموعة إلى الحقبة التي عُرفت بها هذه البلاد الجزرية باسم تايلوس في القرون الأولى من عصرنا، وتشهد لتقليد فني جنائزي شاع في نواحٍ عدة بالشرق الأدنى، وبلغ ساحل الخليج العربي.

خرجت هذه الرقائق الذهبية من مقابر عدة موغلة في القدم، تقع اليوم في المحافظة الشمالية، وتطل على شارع البديع. تُعرف هذه المقابر بأسماء القرى التي تجاورها، وهي مقبرة أبو صيبع، ومقبرة الشاخورة، ومقبرة الحجر. تقع أولى هذه المقابر على تل دائري يبعد نحو 8 كيلومترات غرب المنامة ونحو 500 متر جنوب دوّار جنوسان عند شارع البديع، وهي من المواقع الأثرية التي شرع فريق بحريني في استكشافها منذ عام 1983. أظهرت أعمال المسح قبوراً عدة، حوت مجموعات من الأواني الفخارية والزجاجيات والحلى، دخل قسم كبير منها القاعة التي تحمل اسم تايلوس في متحف البحرين الوطني بالمنامة، ومنها 4 رقائق بيضاويّة مصنوعة من الذهب، تُشكّل زوجين متشابهين من الأقراص كما يبدو.

عُثر على زوج من هذه القطع الذهبية عند أعلى صدر أحد الراقدين في هذه المقبرة، وعُثر على الزوج الآخر المشابه له عند أسفل الصدر، ممّا يوحي بأنها مشابك صُنعت لتثبت عند أطراف رداء الجثمان أو كفنه. يحمل كل زوج من هذه الأقراص صورتين منقوشتين، تمثّل الأولى وجه رجل ملتحٍ يظهر في وضعية جانبية، وتمثّل الأخرى قامة نسر مجنّح يظهر كذلك في وضعية مماثلة. تحتلّ صورة الرجل مساحة بيضاوية مسطّحة يبلغ طولها 5.3 سنتيمتر، وتظهر على شكل نقش ناتئ حُدّدت تفاصيله بأسلوب يجمع بين الدقة والإتقان والرهافة. الطابع الفني يوناني، مع أنف طويل، وعين يحدّها جفنان بارزان، وفم مطبق تحيط به لحية تنسدل من أعلى الوجنتين إلى أسفل الذقن. يرتفع هذا الوجه فوق عنق ترتسم فوق كتفين يعلوهما ثوب يوناني تقليدي، كما توحي ثناياه الملتفة حول المنكب. في المقابل، تحتل صورة النسر مساحة يبلغ طولها 4 سنتيمترات، وتُمثّل طيراً يقف منتصباً، فاتحاً جناحيه المنبسطين في الفضاء.

تتكرّر صورة هذا الرجل الملتحي مع اختلاف في التفاصيل على قطعتين ذهبيتين من الطراز نفسه، مصدرهما مقبرة الشاخورة التي تقع شمال غربي القرية التي تحمل اسمها، على بعد نحو 700 متر جنوب شارع البديع. وهي مقبرة كبيرة تُشكّل موقعاً كبيراً يشمل سلسلة من التلال المنخفضة، تحوي مجموعة من مدافن تعود لفترة تايلوس. تظهر صورة الرجل الملتحي على صفحة منمنمة مستطيلة، كما تظهر على صفحة دائرية، وتوحي ملامحها بأنها تمثّل وجهاً واحداً يختزل في وحدته شبهاً مثالياً يتجاوز الملامح الفرديّة.

يظهر المثال الأنثوي على قرص دائري يبلغ طول قطره 3.2 سنتيمتر، مصدره كذلك مقبرة الشاخورة. الأنف طويل ومتصل بالجبين، والعين مفتوحة وسط هدبها، والثغر صغير. الوجنة مكتنزة، والعنق منتصب، ويحدّه عقد تنسدل منه سلسلة من الحبات الرباعية الأضلاع. الشعر مرفوع إلى الوراء، مع جدائل معقودة تبلغ أعلى طرف الظهر. تبدو هذه الصورة المنقوشة على صفحة رقيقة من الذهب مماثلة للصور المنقوشة على الجواهر التي يُشار إليها باسم «قميو»، وهو اسم خاص بصنف من الجواهر، عُرف في ميدان الفنون الفاخرة الكبرى بشكل واسع على مدى عصور.

إلى جانب هذه الرقائق الذهبية التي تتبنّى أسلوباً تصويرياً، تحضر رقائق أخرى تحمل طابعاً تجريدياً، مصدرها مقبرة الحجر التي تتبع قرية تحمل هذا الاسم، تقع كذلك على شارع البديع، وتحديداً بين قرية أبو صيبع وقرية القدم. تنقسم هذه الرقائق إلى مجموعتين. عثرت بعثة محلية على المجموعة الأولى خلال عام 1971، وهي مكونة من قطع صغيرة متعددة الأشكال صُنعت لتزيّن أكاليل خاصة بالراقدين. وعثرت بعثة محلية أخرى على المجموعة الثانية بين عام 1992 وعام 1993، وهي مكوّنة من رقائق مستطيلة ذات أطراف مقوّسة، صُنعت لتثبّت فوق أفواه الراقدين في قبورهم.

تعكس قطع البحرين الذهبية تقليداً فنياً شاع في مقدونيا القديمة كما في مواقع تقع اليوم في مناطق حدودية من بلغاريا

استُخدم الذهب منذ أقدم العهود في ميادين فنية متعدّدة، وتعدّدت أشكاله بين حضارة وأخرى، وبين حقبة وأخرى. في «اللطائف والظرائف»، نقل الثعالبي عن شداد الحارثي في «باب مدح الذهب»: «الذهب أبقى الجواهر على الدفن، وأصبرها على الماء، وأقلّها نقصاناً على النار، وهو أوزن من كل شيء إذا كان في مقدار شخصه، وجميع جواهر الأرض إذا وضع على الزئبق في إنائه طفا، ولو كان ذا وزن ثقيل وحجم عظيم، ولو وضعت عليه قيراطاً من الذهب لرسب حتى يضرب قعر الإناء، وله حسن وبهاء في العيون، وحلاوة في الصدور، ومنه الزريابات والصفائح التي تكون في سقوف الملوك، وعليه مدار التبايع منذ الزمان الأول والدهر الأطول».

افتتن أهل الأرض بالذهب «منذ الزمان الأول والدهر الأطول»، وجعلوا منه ثمناً «لكل شيء»، كما تشهد الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض. تعكس قطع البحرين الذهبية تقليداً فنياً راسخاً شاع في مقدونيا القديمة، كما في مواقع تقع اليوم في مناطق حدودية من بلغاريا. ويتمثّل هذا التقليد في صناعة رقائق من الذهب تستقر على أعضاء معيّنة من الجثامين، وعلى مواقع محدّدة من الأكفان. امتدّ هذا التقليد إلى الشرق الأدنى، وشاع في الساحل الفينيقي، كما تشهد قطع عُثر عليها في صيدا وجبيل وبعلبك وحمص.

بلغ هذا التقليد الجنائزي نينوى في شمال العراق، ووصل منه كما يبدو إلى الجزيرة العربية، كما تؤكد القطع التي خرجت من مقابر البحرين، والقطع المشابهة التي عُثر عليها في نهاية القرن العشرين بمدفن شُيّد في شرق مستوطنة ثاج التي تتبع اليوم شمال شرقي المملكة العربية السعودية، وتقع على بعد نحو 95 كيلومتراً من مدينة الجبيل غرباً، وسط وادٍ ضحل يمتدّ على الطريق التي كانت تسلكها قديماً القوافل التجارية.